ثقافة

السلام في دائرة الحياة الزوجيّة

الحياة الزوجيّة قلعة للسلام في حياة الإنسان، فإذا ضاقت بالإنسان الحياة الدنيا بما رحبت، وواجه الإنسان في الوسط الاجتماعي، وفي أجواء عمله ومهمّاته ورسالته ما لا قِبَلَ لـه به، من المشاكل والمتاعب والمواجهة… لجأ إلى هذه القلعة الحصينة ليستشعر فيها الأمن والسلام والدعة وراحة البال.

فإذا اكفهّرت الحياة الدنيا وساحة العمل في وجه الإنسان، وضاقت به، وهبّت في وجهه الرياح الهوجاء من المشاكل والمتاعب والمضايقات لجأ إلى جوّ الحياة الزوجيّة يستشعر فيه الراحة والثقة والطمأنينة والاستقرار والأمن والسلام ويستعيد فيه نشاطه وقدرته على العمل والتحرّك في ساحة الحياة الاجتماعيّة، فانّ هذه القلعة محصنة ضدّ هذه المشاكل جميعاً، ولا يستطيع شيءٌ منها أن ينفذ إلى هذا الوكر الذي جعله الله تعالى أمناً وسلاماً في حياة الناس.

وقد أعدَّ الله تعالى هذه البنية الاجتماعيّة الصغيرة إعداداً خاصّاً لتكون ملجأ للناس في حياتهم يجدون فيه ما يحتاجون إليه من الشعور بالأمن والسلام والحبّ والثقة والطمأنينة، وهي حاجات أساسيّة ورئيسيّة في حياة الإنسان، من دونها يفقد الإنسان توازنه وتختلّ سلامته النفسيّة.

والمنهج الربّاني، في إعداد عشّ الحياة الزوجيّة مأمناً وحصناً للسلام في حياة الإنسان منهج كامل يتناسق فيه الجانب التكويني الذي هو من صنع الله تعالى وإبداعه والجانب التشريعي والتربوي هو من تشريع الله تعالى ودينه.

وفيما يلي نحاول أن نلقي نظرة سريعة على هذا المنهاج الإلهي في صنع وإعداد العلاقة الزوجيّة في حياة الإنسان لتؤمّن هذه الحاجة الأساسيّة والضروريّة للإنسان، وذلك في الجانب التكويني والجانب التشريعي.

1ـ الجانب التكويني في الحياة الزوجيّة:

إنّ طبيعة العلاقة الزوجيّة فيما بين الزوجين، وما جعل الله تعالى في هذه العلاقة من المحبّة والألفة والحاجة الغريزيّة المتبادلة والقيمومة والهيمنة الطبيعيّة للرجل في هذه العلاقة، والجاذبيّة والعاطفة والرقّة التي تملكها المرأة في هذه العلاقة، وتقارن الأُبوّة والأُمومة بالنسبة إلى النتاج الإنساني الذي ينتج من هذه العلاقة… كل ذلك يجعل جوّ العلاقة الزوجيّة جوّاً صالحاً لتبادل المحبّة والثقة والأُلفة والتعاون، يركن إليه كل من الجنسين، ويجد فيه حاجته النفسيّة.

وليست الحاجة إلى الحياة الزوجيّة نابعة من الحاجة الغريزيّة فقط، وإلاّ فإنّ الإنسان لم يكن يجد ضرورة في إقامة العلاقة الزوجيّة وتحمّل أعباء هذه العلاقة وتكاليفها الباهظة، وإنّما يلجأ الإنسان إلى هذه العلاقة لشأن آخر غير الغريزة والذريّة وهي الحاجة إلى الاستقرار والسكون والراحة النفسيّة والاُلفة.

وتعابير القرآن الكريم عن طبيعة الحياة الزوجيّة ودورها ومهمّتها في حياة الإنسان تستوقف الإنسان وتدعوه إلى التأمل.

يقول الله تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ}[1].

فكل من الزوجين ستر للآخر، يستره ويحميه من السقوط في الرذيلة، ويستره عن نهم العيون ونهم الشهوات، كل واحد منهما حماية وأمن وسلام للطرف الآخر، كما يستر اللباس صاحبه ويحميه ويسلمه من أنظار الناس، ومن الحرّ والبرد، ومن الأذى والضرّ.

هذا هو الجانب التكويني في الحياة الزوجيّة، والجانب التشريعي ينبثق من هذا التكوين.

فكما أنّ اللباس إذ يحمي ويستر صاحبه يجب على صاحبه أن يحمي ويستر لباسه من الأوساخ والأقذار والبلي، كذلك على كل من الزوجين ـ وهذا هو الجانب التشريعي في المسألة ـ أن يحافظ على حقوق زوجه وعلى سلامة جوّ العائلة لئلا تفقد الحياة الزوجيّة هذا الستر والأمن الذي يضفيه كل منهما على الآخر عندما تؤدّي العلاقة الزوجية دورها في حياة الإنسان بصورة سليمة وطبيعية.

يقول تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً}[2].

{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا}[3].

هذا السكون والمودّة والرحمة التي تشير إليها الآيات الكريمة في الحياة الزوجيّة ليست من فعل التشريع وإنّما هي من فعل التكوين وأثر الفطرة التي فطر الله الناس عليها، ومهمّة التشريع هي المحافظة على هذا السكون والمودّة والرحمة في جوّ العلاقة الزوجيّة، وهي صفات في صميم خلقة الإنسان وفطرته، خلقها الله تعالى في نفس الإنسان وجعلها فيما بين الزوجين، وبذلك جعل سكون كل واحد منهما في اللجوء إلى الزوج الآخر، وجعل في نفسه مودّة ورحمة للزوج الآخر.

سكون إلى الآخر، لا يكاد ينعم بالاستقرار في عمق نفسه إلاّ إذا انضمَّ إليه زوجه فيسكن إليه، ومودّة وحبّ يجذب كُلاًّ منهما إلى الآخر، ورحمة ورقّة في نفس كل منهما تجاه الآخر.

والإنسان ـ كل إنسان ـ يشعر في عمق نفسه بالحاجة الملحّة إلى هذه العناصر الأساسيّة الثلاثة في حياته: السكون والمودّة والرحمة، ويشعر أن حياته من دونها ناقصة ومختلّة.

إنّ هذه الخصال التي يشير إليها القرآن الكريم في العلاقة الزوجيّة: الستر، والسكون، والمودّة والرحمة تشكّل بقعة أمان وسلام في حياة الإنسان في وسط زحمة الحياة وما فيها من صخب وصدام وأذى وتعب، يلجأ إليها الإنسان فيشعر أنه قد انتقل إلى جوّ أمن سليم، لا يجد فيه مواجهة ولا منافسة، ولا مضاربة، ولا مزاحمة، ولا صداماً، ولا مكراً، ولا كيداً.

هذا هو الجانب التكويني في العلاقة الزوجيّة.

2ـ الجانب التشريعي:

ومهمّة التشريع ليست مهمّة مفصولة عن التكوين ـ كما ذكرنا ـ فإن ربّ التكوين والتشريع واحد، والتشريع يكمّل دور التكوين، وينظّم عمل التكوين، ويحفظ دور التكوين من الضياع.

وهكذا يصنع التشريع الإسلامي في تنظيم العلاقة الزوجيّة بين الرجل والمرأة لتؤدّي هذه العلاقة دورها الذي أراده الله تعالى في حياة الإنسان لتكون هذه العلاقة سبباً في تأمين حاجة الإنسان إلى الستر والأمن والسلام والاستقرار والمودّة والرحمة في تقلّبات الحياة وزحمة العمل.

ولكي تكون العلاقة الزوجيّة هذه مأمناً وملجأً للإنسان يحتمي بها، ويؤمّن فيها حاجته للسكون والستر والمودّة والرحمة… فقد وضع الإسلام أُصولا للعلاقة الزوجيّة نشير إلى بعضها هنا بقدر ما يتعلّق بحديثنا عن (السلام).

أ ـ القوامة:

من المسائل المهمّة في إحلال السلام داخل العائلة مسألة القوامة، فهي تضع نهاية لكثير من المشاكل التي تحدث في داخل البيت، لا يمكن حلّها وفصلها من غير تحديد دقيق وتشخيص لموضع القوامة في البيت وللطرف الذي يملك الكلمة الأخيرة الحاسمة ـ في حدود الشرع ـ في مسائل البيت.

والقوامة لا تعني إدارة البيت، فإنّ إدارة البيت شركة بين الرجل والمرأة وحتى الأطفال… كل منهم يقوم بسهمه في إدارة البيت، وتدخل الرغبات المعقولة لكل منهم في شأن إدارة البيت، والإدارة شورى في داخل هذه البنية الاجتماعيّة الصغيرة، لا ينبغي أن يستبدّ طرف من الأطراف بالأمر كلّه، وإنّما يجب أن تؤخذ رغبات كل الأطراف بنظر الاعتبار.

وإنّما القوامة هي الكلمة الأخيرة التي يحتاجها البيت عندما ينشب في البيت خلاف لا ينهيه إلاّ كلمة الفصل.

وقد جعل الله تعالى كلمة الفصل هذه للرجل فقال: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ}[4].

وهذا التخصيص: «الرجال قوّامون على النساء» يستتبع تعليلا وسبباً تذكره الآية الكريمة: «بما فضّل الله بعضهم على بعض».

فلابدّ في البيت من (كلمة أخيرة) عند الحاجة، وليس في كل موضع، ولا يمكن الترديد والشكّ في هذه الحقيقة، فإمّا أن تكون هذه الكلمة للمرأة وحدها، وإمّا أن تكون للرجل والمرأة معاً، وإمّا أن تكون للرجل وحده، ولا أعتقد أنّ أحداً يمكن أن يطلب أن تكون هذه الكلمة للمرأة وحدها، فإنّ تكوين المرأة العاطفي الرقيق لا يمكن أن يؤهّلها لتحمّل مسؤوليّة هذه الكلمة الأخيرة التي يحتاجها البيت.

ولا يمكن أن نطالب بالشقُ الثاني، فإنّ هذه الكلمة إذا جعلت للرجل والمرأة على نحو سواء فإنّ الحياة الزوجيّة ستتحوّل إلى جحيم لا يطاق، وتفقد هذه الكلمة دورها في إخماد الفتنة والخلاف بين الزوجين فإنّ قيمة هذه الكلمة، أنّها الأخيرة والحاسمة، فإذا فقدت التخصيص فقدت صفة الحسم.

فينحصر الأمر في الشقّ الثالث، ويكون الرجل في البيت هو وحده المؤهّل لتحمّل مسؤوليّة هذه الكلمة فان تكوين الرجل وحزمه وشدته وقوته وعقلانيته تؤهّله لتحمّل مسؤولية هذه الكلمة وذلك قوله تعالى: «بما فضّل الله بعضهم على بعض» ولئلا نُسيء فَهم هذا الأمر أسارع فأقول: إنّ الله تعالى منح الرجل حق استعمال هذه الكلمة ما لم يُسيء استعمالها، فإذا أساء الرجل الاستفادة من حقّه هذا فإنّ الكلمة الأخيرة عند ذلك تكون للقضاء وليس للرجل وليس للمرأة.

هذه القوامة التي يضع الإسلام أساساً لها متيناً في الحياة الزوجيّة من شأنها أن تحافظ على سلامة جوّ العائلة، وتمنع هذه العلاقة من التلوّث وتمنع من حدوث الخلافات والمشاكل التي تلوّث جوّ العائلة، وتحوّل السكون والمودّة والرحمة فيه إلى جوٍّ من التناحر والبغضاء والغلظة.

ب ـ التربية العاطفيّة

هذه العاطفة الزوجيّة التي يعبّر عنها القرآن الكريم بـ(المودّة والرحمة) شيء أساس في العلاقة الزوجيّة، ومن دونها تفقد الحياة الزوجيّة معناها ودورها، ولا تكاد أن تؤمّن للإنسان ما يريده الله تعالى لـه من السكون والراحة النفسيّة.

وقد أكّد الإسلام تأكيداً كبيراً على توفير هذا الجوّ العاطفي داخل البيت وبين الزوجين.

عن أبي عبد الله “ع” أنه قال: «ما أظنّ رجلا يزداد في الإيمان خيراً إلاّ ازداد حبّاً للنساء»[5].

وعن أبي عبد الله “ع” أيضاً أنه قال: «من أخلاق الأنبياء حبُّ النساء»[6].

ويؤكّد الإسلام على إبراز هذه العاطفة والحبِّ من كلٍّ تجاه الآخر وإشعاره بحبّه له.

فعن الإمام الصادق “ع” أنه قال: «لا غنى بالزوجة فيما بينها وبين زوجها الموافق لها عن ثلاث خصال وهنَّ: صيانة نفسها عن كل دنس حتى يطمئنّ قلبه إلى الثقة بها في حال المحبوب والمكروه، وحياطته ليكون ذلك عاطفاً عليها عند زلّة تكون منها، وإظهار العشق لها بالخلابة والهيئة الحسنة لها في عينه»[7].

عن رسول الله “ص” أنه قال: «قول الرجل للمرأة إنّي أحبّك لا يذهب من قلبها أبداً»[8].

وعن أبي عبد الله الصادق “ع” أنه قال: «إنّ المرأة خلقت من الرجل وإنّما همَّتُها في الرجل، فأحبّوا نساءكم»[9].

ج ـ الإكرام وحسن المعاشرة

أمر الإسلام بالإحسان إلى المرأة وإكرامها وبرّها والمعاشرة معها بإحسان وبأخلاق حسنة وطيّبة وكريمة.

يقول تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}[10].

عن الإمام الصادق “ص” أنه قال: «رحم الله عبداً أحسن فيما بينه وبين زوجته فإنّ الله عزّوجل قد ملّكه ناصيتها وجعله القيّم عليها»[11].

وعن الإمام الصادق “ص” أيضاً أنه قال: «من اتخذ امرأة فليكرمها»[12].

وعن رسول الله “ص” أنه قال: «إنّ أحسن المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لنسائه»[13].

وعن رسول الله “ص” أيضاً أنه قال: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي»[14].

وعن أبي عبد الله الصادق “ع” أنه قال: «من صدق لسانه زكا عمله، ومن حسنت نيّته زاد الله في رزقه، ومن حسن برّه بأهله زاد الله في عمره»[15].

وفي وصيّة أمير المؤمنين “ع” لابنه محمد بن الحنفيّة أنه قال: «فدارها على كل حال وأحسن الصحبة لها ليصفو عيشك»[16].

وعن الإمام الصادق “ع” أنه قال: «إنّ المرء يحتاج في منزله وعياله إلى ثلاث خلال يتكفلها وإن لم يكن في طبعه ذلك: معاشرة جميلة، وسعة بتقدير، وغيرة بتحصّن»[17].

وتقترن هذه العاطفة وهذا الإحسان في التشريع بالحدود والحقوق والواجبات التي يقررها الإسلام لكلٍّ من الزوجين تجاه الآخر وهذه الحدود والحقوق واسعة ومقنَّنة في الإسلام تضبط سلوك كُلٍّ من الزوجين وتحدد مسؤوليّاته تجاه الطرف الآخر بشكل دقيق وتنظم العلاقة الزوجيّة فيما بين الزوجين، وتحيط هذه العلاقة بضمانات قويَّة تضمن سلامة العلاقة واستقرارها ودوامها.

ونحن نشير إلى طرف من النصوص الإسلامية في هذا الشأن، فنقول:

عن رسول الله “ص” أنه قال: «ملعون ملعون من ضيّع من يعول»[18].

وعن أبي جعفر الباقر “ع” عن رسول الله “ص” أنه قال: «أوصاني جبرئيل “ع” بالمرأة حتى ظننت أنه لا ينبغي طلاقها إلاّ من فاحشة مبيّنة»[19].

وعن عليّ بن الحسين السجّاد “ع” في رسالته المعروفة برسالة الحقوق «أمّا حق الزوجة فأن تعلم أنّ الله عزّوجل جعلها لك سكناً وأنساً، فتعلم أنّ ذلك نعمة من الله عليك، فتكرمها، وترفق بها»[20].

وفي الرواية عن أبي جعفر الباقر “ع” أنه قال: «جهاد المرأة حسن التبعّل»[21].

عن رسول الله “ص” أنه قال: «أعظم الناس حقّاً على المرأة زوجها»[22].

د ـ خدمة الزوج لزوجه

عن الإمام الصادق “ع” أنه قال: «سألت أُمُّ سلمة رسول الله “ع” عن أفضل النساء في خدمة أزواجهنّ؟ فقال “ص”: أيُّما امرأة رفعت من بيت زوجها شيئاً من موضع إلى موضع تريد به صلاحاً إلاّ نظر الله إليها، ومن نظر الله إليه لا يعذّبه»[23].

وعن ورّام بن أبي فراس في كتابه: «تنبيه الخواطر» عن الإمام الصادق “ع” أنه قال: «المرأة الصالحة خير من ألف رجل غير صالح، وأيُّما امرأة خدمت زوجها سبعة أيام أغلق الله عليها سبعة أبواب النار، وفتح لها ثمانية أبواب الجنّة، تدخل من أيّها شاءت»[24].

وعن المصدر نفسه عن الإمام الصادق “ع” أنه قال: «ما من امرأة تسقي زوجها شربة من ماء إلاّ كان خيراً لها من عبادة سنة»[25].

وعن رسول الله “ص” أنه قال: «لا يخدم العيال إلاّ صدّيق أو شهيد أو رجل يريد الله به خير الدنيا والآخرة»[26].

وعن رسول الله “ص” أنه قال: «إنّ الرجل ليؤجر في رفع اللقمة إلى فيِّ امرأته»[27].

هـ ـ حرمة العلاقة الزوجيّة

وللعلاقة الزوجيّة حرمة عظيمة في نظر الإسلام، والإسلام يحرص كل الحرص على أن لا يمسّ أيٌّ من الزوجين هذه العلاقة بسوء، وألاّ يؤذي زوجه ولا يسخطه، فتتأثّر هذه العلاقة، وتفقد ما جعل الله تعالى فيها من مودّة ورحمة وسكون، وألاّ يسمح أيٌّ من الزوجين لنفسه أن يجعل في هذه العلاقة ثغرة من أذى أو سخط ينفذ من خلالها الشيطان إلى حياتهما فيسيء إلى هذه العلاقة ويقبِّح وجه كل منهما للآخر.

وقد وردت في الروايات الإسلامية نصوص كثيرة بهذا الصدد، نقتصر على نقل طرف منها:

عن عليّ بن الحسين عن رسول الله “ص” أنه قال: «من كان لـه امراءة تؤذيه لم يقبل الله صلاتها، ولا حسنة من عملها حتى تعينه وترضيه، وإن صامت الدهر وقامت… ـ ثم قال “ع” : قال رسول الله “ص” وعلى الرجل مثل ذلك الوزر والعذاب إذا كان لها مؤذياً ظالماً»[28].

وعن أبي عبد الله “ع” أنه قال: «أيُّما امرأة باتت وزوجها عليها ساخط في حق لم يقبل الله منها صلاة حتى يرضى عنها»[29].

وعن رسول الله “ص” أنه قال: «أيضرب أحدكم المرأة ثم يظلّ معانقها»[30].

وروى جميل بن دراج عن أبي عبد الله الصادق “ع” أنه قال: «أيُّما امرأة قالت لزوجها: ما رأيت قطّ من وجهك خيراً فقد حبط عملها»[31].

وعن عليِّ بن جعفر في كتاب عن أخيه قال: سألته عن المرأة المعارضة زوجها لها صلاة؟ أو ما حالها؟ قال: «لا تزال عاصية حتى يرضى عنها»[32].

وعن رسول الله “ص” أنه قال: «ويل لامرأة أغضبت زوجها، وطوبى لامرأة رضي عنها زوجها»[33].

وـ الصبر على الأذى

وإذا واجه أيٌّ من الزوجين أذى من زوجته ناجماً عن لحظة انفعال أو نابعاً عن سوء في خلقه فليس مما يحسن به أن يقابل الإساءة بالإساءة والأذى بالأذى والإغضاب بالأغضاب… فإنّ هذه المقابلة بالمثل تصعّد الخلاف والأذى وسوء العلاقة فيما بينهما، وإنّما عليه في مثل هذه الحالة الصبر، والصبر بمعناه الإيجابي، أي أن يتحمَّل الطرف الآخر ويصبر على كل أذاه وإساءته في محاولة منه لعلاج المشكلة واستئصالها من جذورها لإعادة العلاقة فيما بينهما إلى علاقة طبيعيّة، كما يريدها الله تعالى قائمة على أساس من المودّة والرحمة والسكون، أو محاولة تمرير لحظات الانفعال بالحسنى ليعود الطرف الآخر إلى رشده بعد هذه اللحظات، وعدم السماح للشيطان باستثمار لحظات الانفعال والنفوذ فيما بينهما، لتهديم هذه العلاقة التي يريدها الله تعالى وتخريبها.

ننقل فيما يلي طرفاً من الروايات الإسلاميّة في هذا الشأن:

عن رسول الله “ص” أنه قال: «من صبر على سوء خلق امرأته أعطاه (الله) من الأجر ما أعطاه داود “ع” على بلائه، ومن صبرت على سوء خلق زوجها أعطاها (الله) مثل (ثواب) آسية بنت مزاحم»[34].

وعن رسول اللهص أيضاً أنه قال: «من صبر على سوء خلق امرأته واحتسبه أعطاه الله (له) مثل ما أعطى أيّوب على بلائه»[35].

عن أبي جعفر الباقر “ع” أنه قال: «إنّ الله عزّوجل كتب على الرجال الجهاد وعلى النساء الجهاد، فجهاد الرجل أن يبذل ماله ودمه حتى يقتل في سبيل الله عزّوجل، وجهاد المرأة أن تصبر على ما ترى من أذى زوجها وغيرته»[36].

زـ الطلاق

ومع كل هذه الضمانات والأُصول التي جعلها الله تعالى في عالمي التكوين والتشريع لتكون العلاقة الزوجيّة في حياة الناس أمناً وسلاماً وسكوناً ومودّة ورحمة، ولصيانة هذه العلاقة من التصدّع والاختلال… فقد يتعذّر الانسجام على الزوجين، ولا يجدان سبيلا إلى الاستمرار معاً في حياة مشتركة، وتتحوّل حياتهما إلى قطعة من العذاب، وهذا أمر يتّفق كثيراً، رغم كل النقاط السابقة أو عند الإخلال بجملة من النقاط السابقة، فليس معنى النقاط التكوينيّة والتشريعيّة السابقة أنّ حالة عدم الانسجام فيما بين الزوجين حالة ممتنعة، فقد يتّفق عدم الانسجام في الواقع الموضوعي من حياة الناس مع كل النقاط السابقة.

وليس معنى تشريع النقاط التي قدّمناها أنّ الناس جميعاً ينفّذون هذه النقاط جميعاً.

فإذن يجب أن ننظر إلى حالة عدم الانسجام في العلاقة الزوجيّة فيما بين الزوجين كأمر واقع لا يمكن أن يمنع عنه شيءٌ ونحذّر من الاسترسال في التصوّرات المثاليّة للعلاقة الزوجيّة.

ولابدَّ لهذه الحالة الواقعيّة التي تحدث، بين حين وحين، هنا وهناك، من علاج لئلا تتحوّل بؤرة الحياة الزوجيّة في حياة الزوجين إلى بؤرة عذاب دائمة ومستمرّة، وليتمكَّن كلٌّ من الزوجين غير المنسجمين من أن يعيدا بناء العلاقة الزوجيّة في حياتهما بصورة مرضية تؤمّن لهما واستقرار العلاقة الزوجيّة.

ومن هذا المنطلق يشرّع الإسلام الطلاق للقضاء على العلاقة التي استحالت في حياتهما إلى قطعة من العذاب، ولتمكين كل من الزوجين من بناء هذه العلاقة من جديد بصورة مرضية تؤمّن لهما السلامة والاستقرار، ومع ذلك فإنّ الإسلام تحفّظ في إطلاقه يد الزوج (وحق الطلاق للزوج في الإسلام) في ممارسة حقّه في الطلاق… فقد يندفع الزوج للطلاق في حالة انفعال وغضب، ويهدم هذه العلاقة التي أراد الله تعالى تسخيرها ودعمها في حياة الزوجين في لحظات غضب وطيش.

ولكي لا يكون ذلك فقد يرغب الإسلام في القيام بمحاولة إصلاح فيما بين الزوجين غير المنسجمين قبل إيقاع الطلاق:

{وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ}[37].

وكرّه الطلاق إلى الزوجين أكثر ما تكون الكراهة إلاّ أنّ الله تعالى أحلّه ولم يحرِّمه.

فقد روي عن رسول الله “ص” أنه قال: «ما أحلّ الله شيئاً أبغض إليه من الطلاق»[38].

وعن الإمام الصادق “ع” أنه قال: «ما من شيء ممّا أحلّه الله عزّوجل أبغض إليه من الطلاق»[39].

وأحاط الطلاق بجملة من القيود تجعل أمر الطلاق شاقّاً وعسيراً، فلابدَّ من إيقاع الطلاق بحضور شاهدين عدلين بصيغة خاصّة، ويجب أن يكون المطلِّق بالغاً عاقلا قاصداً مختاراً، ويجب أن تكون المطلَّقة خالية من الحيض والنفاس وفي طهر بعد طهر المواقعة، ويجب في الشاهدين أن يكونا رجلين عدلين، وصيغة الطلاق يجب أن تكون صريحة وغير معلَّقة بشرط، ولا يجري في المجلس الواحد غير طلاق واحد، وفي أيام العدَّة تبقى المرأة في البيت الشرعي للرجل، فإذا كان سبب الطلاق تأثر وقتي زال ورجع إلى زوجته، وتتحقق العودة عن الطلاق بأقلِّ بادرة تحكي رغبة الرجل في العودة إلى زوجته.

وبعض هذا يكفي في أن يجعل الطلاق أمراً عسيراً بالغ العسر، فإذا أصرّ الزوج رغم كل هذه الضمانات والتحفّظات والقيود التي طوّق الله تعالى بها الطلاق فإنّ ذلك يعني أنّ الحياة الزوجيّة بينهما أصبحت لا تطاق ولا يمكن الاستمرار فيها، وأنّ هذا العشَّ الذي أراد الله تعالى أن يكون موضعاً للأمن والاستقرار والرحمة والمودّة في حياة الناس قد تحوّل إلى بؤرة لعذاب لا يطاق.

وفي هذه الحالة فإنّ الحلّ العملي السليم هو تمكين الزوج من قطع هذه العلاقة، وإتاحة الفرصة للزوجين في بناء حياتهما الزوجيّة من جديد في صورة أُخرى مرضية وسليمة تحقق للزوجين ما أراد الله تعالى لهما من الأمن والسكون والمودّة والرحمة في الحياة الزوجيّة.

أقرأ ايضاً:


المصادر والمراجع

  • [1] ـ البقرة: 187.
  • [2] ـ الروم: 21.
  • [3] ـ الأعراف: 189.
  • [4] ـ النساء: 34.
  • [5] ـ وسائل الشيعة ج14 ص9 عن فروع الكافي ج2 ص2،والفقيه ج2 ص123.
  • [6] ـ المصدر السابق عن فروع الكافي ج2 ص2، والتهذيب ج2 ص227.
  • [7] ـ بحار الأنوار ج 78 ص 237.
  • [8] ـ وسائل الشيعة ج 14 ص 10 ح 9.
  • [9] ـ علل الشرائع 498.
  • [10] ـ النساء: 19.
  • [11] ـ فقيه من لايحضره الفقيه ج 3 ص 281 ح 3.
  • [12] ـ بحار الأنوار ج 103 ص 224 ح 5.
  • [13] ـ بحار الأنوار ج 103 ص 226، وأمالي الطوسي ج 2 ص 6.
  • [14] ـ فقيه من لايحضره الفقيه ج3 ص281 ح4، ووسائل الشيعة ج14 ص122 ح11.
  • [15] ـ الخصال للصدوق ج1 ص87 ـ 88 ح21.
  • [16] ـ وسائل الشيعة ج14 ص120 ح3.
  • [17] ـ بحار الأنوار ج78 ص236.
  • [18] ـ وسائل الشيعة ج14 ص122 ح6.
  • [19] ـ فقيه من لايحضره الفقيه ج3 ص278 ح1326.
  • [20] ـ بحار الأنوار ج74 ص5.
  • [21] ـ فقيه من لايحضره الفقيه ج3 ص278 ح1319.
  • [22] ـ كنز العمّال ح44771.
  • [23] ـ بحار الأنوار ج103 ص251 ح49.
  • [24] ـ وسائل الشيعة ج14 ص123 ح2 و 3.
  • [25] ـ المصدر السابق.
  • [26] ـ مستدرك وسائل الشيعة ج13 ص49 ح2.
  • [27] ـ ميزان الحكمة ج4 ص287 ح7885.
  • [28] ـ وسائل الشيعة ج14 ص166 ح1.
  • [29] ـ فقيه من لايحضره الفقيه ج3 ص278 ح1320.
  • [30] ـ وسائل الشيعة ج14 ص119 ح1.
  • [31] ـ فقيه من لايحضره الفقيه ج13 ص278 ح1325، ووسائل الشيعة ج14 ص115 ح7.
  • [32] ـ وسائل الشيعة ج14 ص115 ح8، وبحار الأنوار ج10 ص285.
  • [33] ـ بحار الأنوار ج103 ص246.
  • [34] ـ بحار الأنوار ج103 ص247 ح30.
  • [35] ـ وسائل الشيعة ج14 ص116 ح1.
  • [36] ـ فقيه من لايحضره الفقيه ج3 ص277 ح1317.
  • [37] ـ النساء: 128.
  • [38] ـ كنز العمّال ح27871.
  • [39] ـ فروع الكافي ج6 ص54.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى