ثقافة

الطوائف الملعونة في زيارة وارث

هذا، وقد ورد اللعن والبراءة في زيارة وارث لثلاث أمم وطوائف:

(فلعن الله أمة قتلتك)

(ولعن الله أمة ظلمتك)

(ولعن الله أمة سمعت بذلك فرضيت به)[1].

1 ـ الطائفة الأُولى:

هي الطائفة التي باشرت قتال الحسين “ع” (لعن الله أمة أسرجت وألجمت وتهيأت وتنقبّت لقتالك يامولاي يا أبا عبد الله)[2].

2 ـ الطائفة الثانية:

 هي الطائفة التي ظلمت الحسين “ع” وجارت عليه ومكّنت منه، وشايعت، وبايعت، وظاهرت عليه، وخالفته… وهذه الطائفة تشمل كل أُولئك الذين أعدوا لقتال الحسين “ع”، أو مَكَّنوا منه، أو خالفوه، أو ظاهروا عليه، أو ساهموا في الإعداد لقتله، أو أعانوا الطاغية في قتال سيد الشهداء بنحو من الأنحاء، وأشياع هؤلاء جميعاً وأتباعهم.

وقد ورد اللعن والبراءة عن هذه الطائفة، (وهي طائفة واسعة) بصيغ مختلفة في زيارات الحسين “ع” المطلقة والمخصوصة، ففي زيارة عاشوراء المخصوصة: <فلعن الله أمة أسست أساس الظلم والجور عليكم أهل البيت، ولعن الله أمة دفعتكم عن مقامكم، وأزالتكم عن مراتبكم التي رتبكم الله فيها… (ولعن الله أمة قتلتكم) ولعن الله الممهدين لهم بالتمكين من قتالكم، برئت إلى الله واليكم منهم ومن أشياعهم وأتباعهم>.

وكما نرى أن هذه طائفة واسعة تشمل كل أُولئك الذين ساهموا في قتال الحسين، أو مكنوا من قتاله، أو أعدوا لـه، أو بايعوا الطاغية على قتاله، أو شايعوا وظاهروا عليه، وأشياعهم وأتباعهم.

3 ـ الطائفة الثالثة:

 هي الطائفة التي سمعت بذلك فرضيت به.

وهذه الطائفة تستوقف الإنسان طويلا، فَمَن هُم أُولئك الذين سمعوا بذلك فرضوا به؟ إن هذه الطائفة ليست بالتأكيد مشاركة في القتال، ولا هي مشاركة في ممارسة الظلم بصورة عملية، وإِلاّ لكانت تدخل ضمن الطائفة الأولى والثانية، ولم يكن من موجب لأفرادها بالذكر ثالثاً، فهذه الطائفة لابُدّ وأن تتكون ـ إذن ـ ممن سمعوا استنصار الحسين “ع” و لم ينصروه، وآثروا العافية على الوقوف بجانب سيد الشهداء “ع”، في معركة الطف، وخذلوا سيد الشهداء “ع”، ولم ينصروه يوم عاشوراء… وهذه الطائفة لابُدّ أن تكون راضية بما حدث في يوم عاشوراء، فلا يمكن أن يتم هذا الخذلان والسكوت والقعود عن نصرة ابن بنت رسول الله “ص” في معركته مع طاغوت عصره، والقعود بعد ذلك عن أخذ ثاره لولا أنهم كانوا راضين بما حدث.

فإنّ تخلف هؤلاء عن الالتحاق بالحسين “ع”، وتقاعسهم عن نصرة الحسين، وإيثارهم للعافية في دنياهم على آخرتهم ينطوي على الرضا بما صنع يزيد… وان لم يكن كذلك فإنّ مثل هذا التخلف والتقاعس وإيثار العافية يؤدي أخيراً إلى الرضا بالظلم.

وقد ذُكرت هذه الطائفة في نصوص أخرى للزيارة بصيغ مختلفة، كلها تصب في معنى التخاذل عن نصرة أبي عبد الله “ع”، والتقاعس عن الالتحاق به، وإيثار العافية على الوقوف إلى جانب سيد الشهداء “ع”، فقد ورد في الزيارة المطلقة الثانية:

>لعنت أمة قتلتكم وأمة خالفتكم، وأمة جحدت ولايتكم، وأمة ظاهرت عليكم، وأمة شهدت ولم تستشهد<.

وورد في الزيارة المطلقة السابعة: <وأشهد أن قاتلك في النار، أدين لله بالبراءة ممن قتلك، وممن قاتلك، وشايع عليك، وممن جمع عليك، وممن سمع صوتك ولم يعنك>.

وموضع الشاهد: >وممن سمع صوتك ولم يعنك<.

وورد في زيارة ليلة القدر وليلة العيدين: <أشهد أن الذين خالفوك، وحاربوك، والذين خذلوك، والذين قتلوك ملعونون على لسان النبي الأُمّي>.

فالذين سمعوا صرخة الحسين “ع” في وجه يزيد، وسمعوا نداءَه “ع”، وهو يستنصر المسلمين، وخذلوا سيّد شباب أهل الجنة، وآثروا عافية دنياهم على سلامة الآخرة، وتخلفوا عن الالتحاق بالحسين “ع”، أُولئك من أهل البراءة في هذا النص.

أجل، إِن معركة الطف كانت معركة حقيقية في الأبعاد العقائدية والحضارية والسياسية. ولذلك فهي تتطلب مواقف حقيقية من الولاء والبراءة، وترفض موقف المتفرج واللامبالاة، اليوم، كما كانت ترفضه بالأمس، ولا تفصل المواقف المتفرجة من الموقف المعادي.

يوم الفرقان الأول

وهذه الخاصية يسميها القرآن الكريم بالفرقان، وهو الأمر الذي يشطر الناس شطرين متميزين في الولاء والبراءة.

ولقد كان يوم بدر هو (يوم الفرقان الأول) في تاريخ الإسلام، يقول تعالى: {يَوْمَ الْفُرْقَان يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ}[3].

وذلك لان هذا اليوم الذي التقى فيه المسلمون بالمشركين في مواجهة عسكرية، شطر الناس شطرين متمايزين في الولاء والبراءة، فهو أول مواجهة قتالية بين التوحيد والشرك في تاريخ الإسلام، وعلى نتائج هذه الحرب الميدانية كان يتوقف مصير البشرية جميعاً واتجاه الحضارة الإنسانية.

صحيح أن الذين وقفوا مع رسول الله “ص” في بدر هم ثلاثمائة أو يزيدون، وإن الذين وقفوا إلى جانب قريش لقتال رسول الله ألف أو يزيدون قليلا، إلاّ أن هذه المواجهة كانت أعمق وأوسع مما يتراءى لنا لأول مرة، من خلال التاريخ، في وادي بدر، في السنة الثانية من الهجرة.

لقد كان تقف من وراء المشركين من قريش في بدر جبهة عريضة من الشرك في الجزيرة وخارجها، وتصاعد الأحداث بعد هذا اليوم أثبت هذه الحقيقة. ولقد وقف رسول الله “ص” بهذه العصابة الصغيرة أمام جبهة الشرك العريضة كلها. فيوم بدر ـ إذن ـ فَرَّق البشرية إلى شطرين متمايزين في الولاء: شطر قوامه ثلاثمائة مقاتل وخمسة مقاتلين، وشطر آخر قوامه جبهة الشرك العريضة وبكل إمكاناتها الواسعة.

إِن النظرة الساذجة الأُولى لساحة بدر في السنة الثانية من الهجرة لا تلتقي إلاّ بهذين الجمعين المتقاتلين، ولكن النظرة العميقة الممعنة تلتقي في هذه الساحة بحضارتين وعقيدتين تتصارعان على الوجود، وليس على حفنة من تجارة قريش، وتلتقي بجبهات عريضة وواسعة، وليس من ألف من المقاتلين أو يزيدون على ذلك.

ولم يكن يوم بدر هو يوم الفرقان الذي شطر الناس في الولاء والبراءة إلى شطرين في السنة الثانية من الهجرة فقط، وإِنما ظل يوم بدر هو يوم الفرقان في تاريخ الإسلام.

يوم الفرقان الثاني

وإذا كان (يوم بدر) هو (يوم الفرقان الأول) في تاريخ الإسلام، فإنّ (يوم عاشوراء) هو (يوم الفرقان الثاني) في تاريخ الإسلام[4].

وقف فيه الحسين “ع” مع ثلة صغيرة من أهل بيته وأصحابه إلى جانب في هذه المعركة المصيرية، ووقف ابن زياد في جيش واسع في الطرف الآخر من المعركة، ومن ورائه يزيد وسلطانه، وملكه الواسع، وأمواله الكثيرة، وجيشه وإمكاناته، وكل الموالين له، وكل المستفيدين منه، وكل المضللين به، وكل المقاتلين معه، وكل المتفرجين على الساحة السياسية من الذين آثروا العافية، وانتظروا النتيجة، ممن وقفوا يتفرجون على ساحة الصراع و ميدان القتال، وكل أشياع هؤلاء وأتباعهم.

ففي يوم عاشوراء إذن تتوفر خاصية (الفرقان) بشكل واضح، فقد شطر الناس إلى شطرين متمايزين في الولاء والأخلاق والفكر والخط والعقيدة.

ولا يزال هذا اليوم (فرقاناً) في تاريخ الإسلام يُفرّق الناس في الولاء والبراءة إلى اليوم الحاضر، والى ماشاء الله من العصور.

يوم الفرقان الثالث

وما دمنا قد أشرنا إلى يومين من أيام الفرقان في التاريخ الإسلامي هما (يوم بدر) و(يوم عاشوراء)، فلا نستطيع أن نتجاوز هذا الحديث دون أن نشير إلى اليوم الثالث من أيام الفرقان في التاريخ الإسلامي، والذي يأتي امتداداً ليوم بدر ويوم عاشوراء.

وهو يوم (انتصار الثورة الإسلامية المعاصرة) سنة 1399 هـ والذي هو من أيام الله الكبرى في التاريخ، والذي سقط فيه نظام بهلوي وانتصرت فيه الثورة الإسلامية المعاصرة الكبرى بقيادة الإمام الخميني&.

إن هذا اليوم لا يعني فقط سقوط نظام أُسرة بهلوي في تاريخ إيران، وإنما يعني انتهاء مرحلة من تاريخ الإسلام وبداية مرحلة جديدة من التاريخ.

فإنّ القيمة التاريخية لسقوط أُسرة بهلوي وقيام الجمهورية الإسلامية تكمن في كونه:

أولاًـ نهاية لعصر من الخمول والركود والاستضعاف واليأس، والارتماء في أحضان الغرب والشرق، والتخلف الفكري والسياسي والعسكري والاقتصادي، والرضوخ لسيادة الاستكبار العالمي، والهزيمة النفسية أمام موجة الحضارة الغربية.

ثانياً ـ بداية عصر جديد من التحرك باتجاه الإسلام، وحاكمية دين الله على وجه الأرض، وفك القيود والأغلال من الأيدي والأقدام، وكسر الطوق السياسي والاقتصادي والعسكري والعلمي والحضاري الذي فرضه علينا الاستكبار الغربي والشرقي، والعودة إلى الله والى الإسلام، وتعبيد الإنسان لله، وتحكيم شريعة الله في حياة الإنسان، وإِعادة الأعراف والقيم والأخلاق والحدود الإسلامية إلى صلب الحياة من جديد. وبالإِجمال فإنّه بداية لمرحلة جديدة للتاريخ.

هذا اليوم ـ إذن ـ هو امتداد حقيقي ليوم عاشوراء، كما كان يوم عاشوراء امتداداً واقعياً ليوم بدر، وهو يوم مصيري في تاريخ الإسلام وللأجيال المقبلة، كما كان يوم عاشوراء يوماً مصيرياً في تاريخ الإسلام، وكما كان يوم بدر يوماً مصيرياً في تاريخ الإسلام.

ونلخص فيما يلي أبرز النقاط والعناصر التي تُكوِّن القيمة الحضارية للثورة الإسلامية الشاملة:

القيمة الحضارية للثورة الإسلامية

1 ـ هذه الثورة ثورة مبدئية بكل معنى الكلمة:

وهي نوع جديد من العمل والحركة الثورية في تاريخنا المعاصر، وفي الأجواء السياسية المعاصرة التي لم تألف هذا النوع من العمل والحركة، فهي ثورة التوحيد على الشرك، بالمعنى الذي فسرناه في هذا الحديث، وهو التوحيد في الولاء؛ فهي تتجه إلى فك ارتباط الإنسان المسلم عن الطاغوت المتمثل في الاستكبار الشرقي والغربي وعملائه في المنطقة. هذا الارتباط الذي يتمثل في الطاعة والانقياد والاستسلام والركون إلى الظالمين وحبه ونصرته، وفك ارتباطه بمحاور الولاء المصطنعة (القومية، الوطنية، العشائرية، الحزبية…)، وربط ولائه بالله تعالى ورسوله وأوليائه، وتوحيد الولاء لله تعالى، ومقاطعة ومحاربة كل المحاور الأخرى التي تعمل لانتزاع الولاء من الناس، تلك طبيعة الثورة ومحتواها.

ومن هنا فإنّها كانت ثورة العبودية لله على عبودية الطاغوت.

وان من المهم أن نفهم نحن مسار الثورة الإسلامية المعاصرة ومحتواها، ومن دون ذلك لا نستطيع أن نساهم في دعم وإسناد هذه الثورة.

إنها ليست ثورة على التخلف العلمي والتقني، ولا هي ثورة على التخلف الاقتصادي والفقر، ولا هي ثورة على الاستعمار والاستغلال، ولا هي ثورة من أجل تحرير آبار النفط من قبضة ملوك النفط، ولا هي ثورة طبقة على طبقة أخرى (ثورة طبقية)، ولاهي ثورة المستضعفين على المستكبرين، كما حدث في ثورة الزنج في تاريخ الإسلام. وان كانت تحتوي على هذه الأمور جميعاً بصورتها الصحيحة، وتحقق هذه النتائج كلها. وإِنما هي في جوهرها شيء آخر؛ إذ أَنها ثورة الولاء لله على المحاور المصطنعة للولاء، وثورة التوحيد على الشرك، بالمعنى الذي شرحناه للتوحيد والشرك.

وهذه الثورة إِذا حققت غايتها على وجه الأرض فلسوف تقضي على التخلف العلمي والثقافي والتقني، وتقضي على الفقر والتخلف الاقتصادي، وتقضي على الاستغلال والاستعمار… بالتأكيد.

وتقضي على استثمار آبار النفط من قبل الشركات الاستعمارية، وتقضي على التلاعب بأموال المسلمين وثرواتهم، وتقضي على الاستضعاف والاستكبار، وعلى استضعاف طبقة من قبل طبقة أخرى، وممارسة السيادة لطبقة على أخرى.

إن هذه الثورة سوف تحقق كل هذه الغايات، وتحقق غايات أخرى أبعد من هذه الأمور وأسمى منها. ولكن على أن تحافظ على جوهرها ومحتواها الحقيقي، فتبقى ثورة التوحيد على الشرك، ولا تندفع إلى الغايات الفرعية التي تتفرع عنها.

إن السمة البارزة والأُولى لهذه الثورة هي (الربانية) وهذه السمة هي التي تربطها ببدر وصفين وعاشوراء، وبحركة الأنبياء^ وبمسار الصالحين من أولياء الله. ومتى أُفرغت الثورة من هذه السمة، وتشبّعت بالأهداف والشعارات الجانبية فقدت كل قيمتها وفقدت تأييد الله تعالى لها أيضاً.

إن هذه الثورة تختلف اختلافاً جوهرياً عن كل الثورات المعاصرة لنا، كالثورة الفرنسية، وثورة أكتوبر، والثورات التي قامت في القارة الإفريقية، وفي آسيا فيما بعد الحرب العالمية الثانية إلى اليوم الحاضر.

حيث أن هذه الثورات جميعاً ـ في أفضل الفروض ـ كانت ذات صفة طبقية (ثورة طبقة على طبقة) أو صفة تحررية (التحرر من نفوذ وسيطرة الاستعمار الأجنبي، أو التحرر من سيطرة حاكم ظالم). ولا نستطيع أن نستثني ثورة معاصرة عن هذه المنطلقات.

أمّا الثورة الإسلامية فهي الثورة الوحيدة التي انطلقت من منطلق آخر يختلف اختلافاً نوعياً عنها جميعاً؛ إِنّها انطلقت لتحرير الإنسان من المحاور البشرية للولاء، وتعبيد الإنسان لله تعالى، وتحكيم شريعته في حياة الإنسان، وترسيخ محور الولاية الإلهية بكل امتداداتها في حياة الإنسان.

2 ـ إن هذه الثورة حصيلة جهود كثيرة وكبيرة:

من قبل كل العاملين في سبيل الله والمجاهدين وطلائع العمل الإسلامي من الذين وعوا محنة تخلف الأُمّة، وتحملوا المسؤولية، ونهضوا بأعباء المسؤولية، وتقبلوا كل المتاعب التي واجهتهم على طريق ذات الشوكة… إِن هؤلاء جميعاً وفي عصرنا وقبل هذا العصر، لهم دور في بناء قواعد هذه الثورة المباركة، وفي إِنجاز هذه الحركة الربانية على وجه الأرض، وفي تحريك هذا السيل البشري الهادر الذي زعزع أركان الطاغوت.

إِنّ الطالب الذي كان يدعو إلى الله ورسوله لتحكيم شريعة الله بين زملائه الطلبة لـه دور في بناء هذه الثورة، والعامل الذي كان يسعى بهذا الاتجاه لـه دور في هذه الثورة، والخطيب الذي كان يخطب في المساجد والاجتماعات وينشر هدى الإسلام ووعيه لـه دور في هذه الثورة، والعالم، والكاتب، والشاعر، والأديب، والمعلم من النساء والرجال… وكل حملة الرسالة في مشارق الأرض ومغاربها لهم دور في بناء هذه الثورة المباركة.

هذه الثورة الجبّارة لم تكن حصيلة فترة زمنية محدودة، وجهد جماعة من العاملين والمجاهدين، وإِنما حصيلة أجيال من العمل في سبيل الله من قبل كل العاملين في حقول العمل الإسلامي… كما كانت هذه الثورة حصيلة كل الآلام، والحرمان، والاضطهاد، والعذاب، والعناء الذي لاقاه المسلمون في مرحلة الركود والضعف. وساهم في الثورة كل من أُضطهد في سبيل الله، وكل من التفّت السياط على جسمه في غياهب السجون، وكل الدموع، وكل الدماء، وكل الآهات، وكل الهجرات التي كانت في سبيل الله.

أجل إن هذه الثورة كانت انفجاراً هائلا لكل تلك الآلام والمحن. ولو كان الأمر في هذه الثورة الإسلامية يقتصر على العامل الثاني (ركام الآلام والعذاب) لكان من الممكن أن تغلب على هذه الثورة صفة الغوغائية والانفعال. إِلاّ أن وجود العامل الأول (المبدئية) وقوته وفاعليته في تحقيق هذه الثورة المباركة كان عاملا قوياً في توجيه الثورة، وتصحيح مسارها، والمحافظة عليها من الانحراف.

لقد كان الفعل الهادف الذي تم خلال هذه المدة من قبل العاملين في سبيل الله يصب في مصب خط الإسلام النقي وهو الخط الفقهي الذي تجسد في قيادة الإمام الخميني، والذي عرف فيما بعد بخط الإمام.

لقد كان هناك بالتأكيد خطوط انحرافية في العمل الإسلامي، عن يمين ويسار، ولكن هذه الخطوط لم تكن تشكل تيار الحركة الإسلامية القوية.

وقد علّمتنا التجارب أن اعتماد الخط الفقهي في الحركة الإسلامية هو أفضل ما يحمي الحركة من انحرافات اليمين واليسار.

ومهما كان من أمر فإنّ هذه الثورة كانت حصيلة كل هذه الجهود والآلام، ولقد ساهم في بنائها كل أُولئك العاملين والمحرومين والمعذبين في سبيل الله. ولهذا السبب بالذات فإنّ لهؤلاء العاملين والمعذبين والمحرومين علاقة عضوية قوية بهذه الثورة، سواء عاشوا في إيران أم في العراق أم في جزر أندونيسيا أم في أعماق أفريقيا.

فإنّ هذه الثورة لهؤلاء جميعاً، وعلى هؤلاء جميعاً المحافظة على هذه الثورة وحمايتها. فقد واجهت الثورة مؤامرات رهيبة من قبل الاستكبار العالمي الشرقي والغربي، وسوف تستمر هذه المواجهة وتدوم… ومسؤولية المحافظة على هذه الثورة لاتقتصر فقط على الشعب الإيراني الذي فجر الثورة، وإنما تعم المسؤولية كل أبناء هذه الثورة وبُناتها المساهمين فيها.

وقد يكون من هذا الشعب من يعمل لإحباط هذه الثورة والإجهاز عليها، وينهض رجال مؤمنون من غير هذا الشعب لإحباط المؤامرات ـ التي تحاك حول هذه الثورة ـ وللدفاع عنها، فليست هذه الثورة ثورة إِقليم، كما يحاول أعداء الإسلام أن يبرزوها، وكما تنطلي أحياناً على بعض السذّج من المسلمين، وليست ثورة إسلامية إيرانية، وإنما هي ثورة إسلامية شاملة وعميقة، وشاء الله تعالى أن تكون نقطة انفجارها في أرض إيران، وأن يكون الشعب الذي يفجرها هو الشعب الإيراني المسلم.

فأيّة محاولة لأقلمة هذه الثورة وعزلها عن مشاعر وأحاسيس وقلوب المسلمين، هي خيانة لهذه الثورة إِن كانت من قبل أعداء هذه الأُمّة والمتربصين بها السوء، وهي سذاجة وجهل إِن كانت من قبل أبناء هذه الأُمّة، ومن وراء هذه السذاجة خيانة. والغاية من هذه الخيانة عزل الثورة الإسلامية عن مشاعر المسلمين، وعن الرأي العام الإسلامي وتطويقها مقدمة للإجهاز عليها.

وعلينا نحن المسلمين أن نواجه هذه المؤامرة بوعي وانتباه، وبعيداً عن جو الحسّاسيات، وفي جو من المسؤولية الشرعية.

وكل الثورات التي تحدث في ما بعد في أقطار العالم الإسلامي، وباتجاه هذا الخط الرباني، تشكل مراحل مختلفة لثورة واحدة وشاملة، وهي ليست ثورات أخرى في قبال هذه الثورة، ولا امتداداً لهذه الثورة، وإِنما هي مراحل مختلفة لثورة واحدة شاملة، وقد شاء الله تعالى أن تتم المرحلة الأولى منها في إيران، وفي أحضان هذا الشعب المسلم المضحّي الشّجاع.

أرأيت خط الزلزال و الهزات الأرضية التي تنطلق من منطقة وتمتد على منطقة واسعة من الأرض بفعل التفاعلات الجيولوجية غير المرئية لنا في عمق الأرض؟ كذلك كانت هذه الثورة.

لقد تم في عمق هذه الأُمّة تفاعلات واسعة وكبيرة وقوية بتأثير الفعل (العامل الأول) والانفعال (العامل الثاني) في غياب من رصد الاستكبار العالمي، وحين كان الاستكبار العالمي يزهو بانتصاراته الكبيرة على العالم الإسلامي، ويعيش في نشوة سلطانه وسيطرته على العالم الإسلامي… جرت هذه الانفعالات في أعماق الأُمّة الإسلامية وتفاعلت وتفاقمت، ثم كان الزلزال الذي هز الأرض من تحت أقدام حكام البيت الأبيض والكرملين والاليزيه… ولم ينتبه هؤلاء الطغاة من نشوة وسكر السلطان إِلاّ بعد أن حدث الزلزال… وكانت نقطة البداية.

إلاّ أن خط الزلزال خط طويل وممتد، ولم ينقطع هذا الزلزال الحضاري الكبير، وإِنما يمتد من طهران إلى بغداد إلى القدس إلى ماشاء الله من أقطار وأقاليم العالم الإسلامي.

إن الذي حدث في إيران كان شيئاً أكبر بكثير من تصوراتنا السياسية المحدودة، وكان تحقيقاً لوعد الله سبحانه وتعالى للصالحين المستضعفين من عباده في هذه الأُمّة: {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ} [5].

إِنّ من يعرف طبيعة وجذور وأعماق هذه الثورة يعرف جيداً أن هذه الثورة لاتعترف بالحدود الإقليمية والقومية، وإنها لا تقف من وراء الحدود، تستأذن سدنة هذه الحدود ليفتحوا لها الطريق. إنها السيل والموج العارم لايستأذن ولايقف، ولايعترف بالحدود، ولاينتظر، ولايتردد.

ووعي هذه الحقائق ضروري في حماية ودعم الثورة، كما أن تضبيب أفق الثورة بالحسّاسيات يساعد في الخط العكسي الذي تعمل عليه العقول المخططة للاستكبار العالمي.

ونحن نضع هذه الحقائق عن هذه الثورة بين يدي هذه الأُمّة المؤمنة ومفكريها وقادتها وعلمائها والعاملين في صفوفها، وضميرها الحر الواعي المستنير، ليتحملوا مسؤوليتهم عن هذه الثورة بين يدي الله تعالى:

حقائق عن الثورة

1ـ إن هذه الثورة من أيام الفرقان في تاريخ الإسلام:

شطرت الناس تجاهها شطرين، شطر الموالين وشطر المعادين.

ولكن، ليس للثورة ولاء جديد في قبال الولاء لله ولرسوله ولأوليائه، وإِنما ولاؤها هو في امتداد الولاء لله.

إِن هذه الثورة كانت من الأحداث القليلة النادرة في التاريخ التي لم تسمح للإنسان أن يقف منها موقف المتفرج واللامبالاة، وإِنما تتطلب الموقف من كل الناس، وتفرض الموقف على كل الناس، لها أو عليها.

ومنذ أيام بزوغ هذه الثورة ومنذ أن اندلع لهيبها من طهران وجدنا كل القلوب المؤمنة والضمائر الحيّة المؤمنة قد تجمّعت حول هذه الثورة وتعاطفت معها، من أقصى الجنوب في جزر إندونيسيا إلى أقصى الشمال من آسيا الوسطى والبلاد التي كان يحتلها الاتحاد السوفيتي، ومن أقصى شرق آسيا إلى أقصى المغرب الإفريقي.

لقد تجمعت كل العواطف والأحاسيس والمشاعر الصادقة المؤمنة في هذه الرقعة الواسعة من الأرض حول هذه الثورة المباركة، وكانت تعيش باهتمام بالغ ساعات ميلاد هذه الدولة المباركة، وحبس التاريخ أنفاسه ليتابع لحظات هذا الميلاد السعيد، لحظات (عودة الحضارة الربانية) و(عودة سيادة الإسلام على وجه الأرض) و(حاكمية الله في حياة الإنسان) بعد تلك السنوات العجاف، من الركود، والخمول، والضعف، و الهزائم النفسية، والانصهار المذل في حضارة الاستكبار الشرقي والاستكبار الغربي الجاهلي، ونفوذ وسيطرة الكفر العالمي على أُمتنا وبلادنا وثرواتنا.

وفي مقابل ذلك، فقد أَحسّ كل الظالمين والعتاة والجلادين والذين باعوا دينهم وضمائرهم، وكل الطغاة والجبارين في الأرض… كل أُولئك أحسّوا بالشر وأحسّوا بالخطر، وأحسوا بأن هناك حدثاً جديداً في طهران، وان الذي يجري في ليس أمراً كسائر الأمور التي تجري هنا وهناك… انه نهاية لمرحلة وبداية لمرحلة، ونهاية لحضارة وبداية لحضارة.

لقد أحسّ هؤلاء بالشر، وبالخطر يفاجؤهم على حين غفلة، فأعلنوا عداءهم تجاه الثورة منذ اللحظات الأولى، ولم يخفوا حساسيتهم وتخوفهم من هذه الثورة من ساعاتها الأولى… لقد كان إحساسهم بالخطر إحساساً مبكّراً حقّاً.

لقد أُستقبلت الثورة من قبل طائفتين من الناس طائفة استقبلتها بقلوب ملؤها العطف، ومفعمة بالحب، والإقبال، والاندفاع لنصر الثورة، والدعاء إلى الله بتأييد الثورة. وطائفة أخرى استقبلتها بقلوب حاقدة متخوّفة ومتحسّسة، لم تتمكن من إخفاء تخوفاتها وحسّاسيتها، حتى منذ الساعات الأولى لميلاد هذه الدولة المباركة وانتصار الثورة.

وهذا الانشطار في الولاء والبراءة من خصائص أيام الفرقان في التاريخ، ولسوف تبقى هذه الثورة بإِذن الله، تحتفظ بهذه الخاصية المزدوجة في مراحلها المختلفة.

2ـ انتصار هذه الثورة ايذانٌ بصراع بين الإسلام والجاهلية:

لقد كان من الطبيعي أن يكون ميلاد هذه الدولة المباركة وانتصار هذه الثورة إيذاناً بصراع ممتد طويل بين الإسلام والجاهلية…

فلقد كانت هذه الثورة تمتد لإِسقاط معاقل الجاهلية والاستكبار على وجه الأرض، وإِطلاق أيدي المستضعفين من الأغلال والقيود، وفك الأغلال عنهم، وكسر هيبة القوى الكبرى في نفوس المسلمين. ولهذا فلا يمكن أن يسكت الاستكبار العالمي أمام هذه الحركة الربانية دون إِثارة الفتن والمتاعب في طريق الدعوة والثورة، ودون أن يعمل على تطويق ومصادرة هذه الثورة.

إن الذي يتفّهم سنن الله تعالى في التاريخ يستطيع أن يفهم بوضوح حتمية الصراع بين هاتين القوتين، القوة الإسلامية النامية وقوة الكفر العالمي… وإِن هذا الصراع سوف يكون أقسى أنواع الصراع وأطولها وأكثرها دواماً واستمرارية؛ ذلك أن هذا الصراع صراع على البقاء ـ كما قلنا ـ والصراع على البقاء يطول ويقسو ويستمر، فالصراع هنا صراع على العقيدة والحضارة، وليس صراعاً على ماء وطين وعلى نفط وصلب ونحاس، حتى يمكن فيه التفاهم واللقاء.

إن هذه الثورة والدولة قد كسرتا نطاق دائرة النفوذ الاستكباري الشرقي والغربي على العالم الإسلامي، وخرجت الدولة الإسلامية لأول مرة عن منطقة نفوذ القوى الكبرى بشكل كامل، وتعمل الثورة الآن لفك هذا الحصار عن كل العالم الإسلامي… ومن الطبيعي أن يواجه الاستكبار هذه الثورة ودولتها الناشئة بكل أنواع الضغوط والمؤامرات من الداخل والخارج لتحجيمها واستهلاكها وتطويقها.

إن الحرب العراقية الإيرانية، جزء من هذا المخطط الاستكباري الرهيب، وجزء من هذا الصراع الذي تحدثنا عنه والنظام البعثي ليس هو الطرف في هذه الحرب، وإِنما هو منفذ لإرادة القوى الكبرى… والطرف الحقيقي في هذا الصراع هو الدول الكبرى، التي تتقاسم فيما بينها الشعوب المستضعفة والمضطهدة على وجه الأرض.

إِن الثورة الإسلامية يجب أن تواجه هذا الصراع الطويل والقاسي، ويجب أن تواصل مواجهة الأمر الواقع الذي لا يمكن تجنبه، ذلك ضريبة الثورة والإِنجازات الكبرى التي تحققها هذه الثورة في حياة الإنسان.

على أن الثورة لا تستطيع أن تحقق هذه الانجازات الكبرى، ولاتستطيع أن تؤهل أبنائها للقيام بالأعمال الكبيرة ومواجهة التحديات الصعبة، من دون أن يتمرسوا طويلا في الصراع والبناء.

3 ـ والعاقبة في هذا الصراع للمتقين:

ومهما نشك في شيء فلا نشك في هذه الحقيقة.

إنّ الأُمّة المؤمنة لا تدافع عن نفسها، وإِنما تدافع عن دين الله وشريعة الله وحدوده، ولا تواجه أعداءها وإنما تواجه أعداء الله، ولا تحارب بحولها وقوتها، وإنما تحارب بحول الله وقوته.

فإذا استوفت هذه الأُمّة الشروط، ووضعت ثقتها في الله، وأعطت نفسها لله، وتخفّفت عن التعلق بالدنيا وحبّها، وتحصنت تجاه الأهواء، وقامت لله تعالى مثنى وفرادى، فإنّ الله تعالى ينصرها طال عليها الأمر أم قصر.

فإنّ ذلك وعد الله تعالى، ولا يخلف الله وعده، فلنستمع إلى خطاب الله الكريم لنا:

{وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ}[6].

{وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}[7].

{إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}[8].

{فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}[9].

{وَكَفَى بِاللّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللّهِ نَصِيرًا}[10].

{وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا}[11].

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}[12].

إن المعركة وان طالت، وان قست، فلن يتركنا اللهُ لأَعدائنا، ولن يتخل الله تعالى عنا، ولن يُخْلف الله وعده، تبارك وتعالى عن ذلك علواً كبيراً {هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ}[13].

وإِنّ محنة الصراع، إن طالت، فلكي يمتحن الله قلوب عباده، ويعرف الثابتين منهم عن المهزومين ـ وهو العالم بخفايا القلوب ـ، ولكي يُثَبِّت الله للمؤمنين قدم صدق على أرض المعركة، ولكي يتخفف المؤمنون في هذا الصراع من حب الدنيا والتعلق بها، ولكي يزدادوا يقيناً بالله تعالى في خضم هذا الصراع. فإنّ الإنسان لا يرزق اليقين في أيام الراحة والعافية، كما يناله في ساعات الابتلاء والشدّة.

ولكي يتمرس المؤمنون على مواجهة التحديات الكبيرة وتجاوز الصعاب في سبيل الله، ويزدادوا بأساً وقوة وشجاعة، ولكي يقوى في قلوبهم الولاء والبراءة، فإنّ الولاء يقوى من خلال التضحية والعطاء، والبراءة تقوى من خلال المواجهة والقتال.

وليس هذا الصراع وما يستتبعه من آلام وعناء يخص هذه الثورة، أو يخص هذا الدين، وإِنما هو سنة الله تعالى في حياة الصالحين من عباده، الذين يرتضيهم الله تعالى لرحمته، والذين يسكنهم الله تعالى جنته مع عباده الصادقين.

{أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ اللّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}[14].

{أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء}[15].

إن نفوسنا الضعيفة لتهوى أن تقتطف النصر من أقرب السبل، وبأيسر الأسباب، وان لا يكلفها دينها شيئاً، وأَن نَمُدَّ أيدينا فننال النصر والإمامة والخلافة على وجه الأرض.

لكن الله الحكيم، يعلم أن النصر إذا جاء يسيراً، وعلى غير طريق ذات الشوكة، لايؤهِّلُ الإنسان للإمامة وخلافة الله على وجه الأرض، فيريد الله تعالى لنا أن نتمرّس ونقوى، ونحقق حاكمية دين الله في الحياة على طريق ذات الشوكة.

{وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ * لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ}[16].

ولنستمع إلى هذه الآيات البيّنات من كتاب الله من سورة آل عمران، تشرح سنن الله تعالى في الصراع، والعناء والمحبة، والنصر، والفتح في تسلسل رائع جميل:

{وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}[17].

وفي هذه الآيات المباركات من سورة آل عمران إِجابات شافية على كل الأسئلة التي تخطر على بال المؤمنين في هذا الصراع الرهيب بين الإسلام والكفر.

لقد كان المسلمون يظنون بعد أن نَصَرَهُمُ الله تعالى ببدر، أَن النصر حليف الفئة المؤمنة دائماً، ولايفارقهم، ولا يعدوهم، وأَنهم إذا آمنوا بالله ورسوله، وجاهدوا في سبيل الله، فلن يتخلّف النصر عنهم، في حال من الأحوال، فلما أذاقهم الله مرّ الهزيمة في أحد، وانتكس المسلمون في هذه المعركة، عندما خالف الرماة أمر رسول الله “ص”، وتخلوا عن مواقعهم، بحثاً عن الغنائم… إِهتزت نفوس المسلمين، واهتزت الثقة في نفوسهم بالنصر، وعادوا يشكون في أن تكون لهم عاقبة الأمر، وغلب الضعف على النفوس، وتمكن الحزن من نفوسهم على الذين استشهدوا في هذه المعركة، من سراة المسلمين، ومن الصفوة المؤمنة الذين صدقوا الله، وأخلصوا له في العمل والجهاد.

فيعيد الله تعالى إلى نفوسهم الثقة بالنصر، أولا، ويُطَمئُنُهم بأن العاقبة للمؤمنين، مهما كانت القروح والآلام والانتكاسات والعناء، خلال طريق ذات الشوكة، ويمسح الضعف والوهن والحزن عن نفوسهم، ويثبت أفئدتهم وقلوبهم بالنصر والعلو.

{وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}

ثم يذكّرهم الله تعالى ثانياً، أن ما مسّهم من القرح في الحرب لم يمسهم فقط، وإنما مس أعداءهم أيضاً، وهذا القرح وما يصيب المقاتلين من أذى وتعب وخسائر من متطلبات المعركة، في كل من الطرفين، ولايمكن أن تجري معركة من دون قروح وآلام.

{إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ}.

وقد جرت سنّة الله تعالى أن يداول الأيام بين الناس، فَيَجْعَلَ يوماً للمؤمنين على الكافرين، وآخر للكافرين على المؤمنين، ويَنْصُرَ هؤلاء في يوم، ويذيقهم مُرّ الانتكاسة في يوم آخر… وهكذا يداول بينهم النصر، على أن العاقبة للمؤمنين فقط. وهذه المداولة لا تغير مشيئة الله تعالى في أن العاقبة للمتقين.

وإِنما يداول الأيام بين الناس، يذيق المؤمنين الشدة والرخاء، ونشوة النصر، حيناً، ومرارة الهزيمة، حيناً آخر، ليتميز الذين آمنوا وصدقوا في إيمانهم، وثبتوا على الإيمان، عن المنافقين وضعاف النفوس وأصحاب النفوس المهزومة.

فإنّ مسيرة الدعوة لو كانت محفوفة بالنصر والغنائم دائماً، ومقرونة باليسر والرخاء لتراكمت عليها العناصر المنافقة، والعناصر التي تحسن التسلق، أُولئك الذين يغيبون حين البأس، ويحضرون حين توزيع الغنائم، وتطول ألسنتهم في المطالبة بالغنائم والحصص.

{فَإِذَا جَاء الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ}[18].

إن مسيرة الدعوة لو كانت تخلو من المكاره ومرارة الانتكاسات، لتجمعت حولها هذه الطائفة من المنافقين، وضعفاء النفوس، واحتلّوا منها المواقع الحساسة. وإِذا ما تولت هذه الطائفة أمور الدعوة والمسيرة تعطل دورها القيادي في حياة الناس، وفقدت الدعوة قدرتها على التغيير والقيادة، وتحولت الدعوة من طريق ذات الشوكة في مواجهة الطاغوت إلى مسيرة مترفة، عامرة باللذّات، ومتع الحياة، وفقدت كل إمكاناتها على العمل والتغيير والحركة.

فلابُدّ في هذه المسيرة بين حين وآخر من انتفاضة قوية، تطرد المنافقين وضعفاء النفوس عن موكب هذه الدعوة، وتستخلص المؤمنين الأقوياء الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وأخلصوا لله في عملهم.

فليست مسيرة هذه الدعوة كسائر ما يألفه الناس من مسيرات الأنظمة والحكومات التي تطلب الحياة الوديعة، المترفة، والعافية، والابتعاد عن المنغّصات… حتى تستطيع أن تعيش مع هؤلاء المنافقين، وتحقق غاياتها من خلالهم.

أمّا عندما تتعرض هذه المسيرة للآلام، والمحن، المصائب، ومتاعب الطريق، والدم، والانتكاسات المرّة، فإنّ جو الدعوة يصفو للمؤمنين، وتخلص هذه المسيرة للصفوة الصادقة من المؤمنين المجاهدين، ويتميز المؤمنون عن غيرهم {وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ}، وليس هذا فقط فائدة تداول الأيام، وتناوب النصر والهزيمة، والشدة والرخاء على المؤمنين، وإِنما لكي يتخذ الله منهم شهداء وقدوات وأئمة في الأرض أيضاً.

فمن خلال هذه المعاناة، ومن خلال مرارة الانتكاسات، وقروح الحروب، وآلام المواجهة… تتكون في هذه الأُمّة شهداء {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ}[19] وقدوات وأئمة وأمثلة في الثبات والصبر والإيمان.

إن النماذج الإيمانية الفريدة في تاريخ البشرية لا تتكون في الحياة الهادئة الوديعة، المترفة، وإِنما تتكون في زحمة متاعب الحياة، وفي وسط متاعب العمل، وبين الدماء والدموع.

ولابُدّ للمسيرة من هذه النماذج الفريدة في الإيمان والثبات… وهذه النماذج يتخذها الله تعالى، ويختارها في ظروف المحنة والتداول {وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء}، ثم لهذا التداول فائدة ثالثة في تكوين هذه الأُمّة وتقويم شخصيتها، وهي أن هذه القروح والآلام والمتاعب تمحّص المؤمنين وتزكيهم وتطهّر قلوبهم من ريب الشك، ومن سلطان الأهواء وتخلص نفوسهم من نقاط الضعف. فلربّ إنسان مؤمن تخفى عليه نقاط الضعف والوهن في نفسه في أيام اليسر والعافية، فإذا جدَّ الجد وأَشتد البأس اكتشف نقاط الضعف في نفسه، فأعاد النظر في نفسه وأصلحها.

فلرب ضعف في نفس الإنسان لايستطيع أن يسدّه الإنسان ويُصْلحه في أيام العافية، وإِنما تصلحه الشدة والمعاناة، فإنّ المعاناة والشدة كما تصفّي صفوف المؤمنين من المنافقين، كذلك تصفي نفوس المؤمنين من نقاط الضعف والوهن والشك، وتمحص المؤمنين.

أمّا بالنسبة إلى الكافرين فإنّ المعاناة والمحنة تمحقهم، وتهلكهم، وتبيدهم، فلايستطيع أُولئك أن يقاوموا المعاناة والمحنة.

{وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ}.

وبعد، فليس من الصحيح أن نتصور أن كل من شهد هاتين الشهادتين، وأسلم أو آمن بالله ورسوله، يدخل الجنة؛ فإنّ في الناس منافقين لا تتجاوز الشهادتان ألسنتهم، ولاتستقر في قلوبهم.

والمؤمنون درجات ومراتب في إيمانهم، فليس كلهم بمستوى واحد من الإيمان والعمل الصالح.

فهناك المؤمنون الذين يؤثرون العافية على الجهاد والقتال في سبيل الله.

وهناك المؤمنون المجاهدون.

وهناك المؤمنون المجاهدون الصابرون.

ومن الخطأ أن نتصور أن هؤلاء جميعاً في الجنة في درجة واحدة، فلكل درجته ورتبته ومكانته عند الله. وهذه المرتبة والمكانة تتحدد في ظروف المحنة فقط، حيث يتميز المؤمن عن المنافق، ويتميز المجاهدون عن غيرهم من المؤمنين، ويتميز الصابرون عن غيرهم من المجاهدين.

{أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}.

4 ـ وهذه الثورة المباركة بداية انعطاف كبير:

 في التاريخ والحضارة الإنسانية، وأمر ذو بال وذو خطر كبير في حياة الإنسان ومستقبله، والذي يستقرء الروايات الواردة عن رسول الله “ص” وعن أهل بيته، لايشك أن هذه الثورة بخصائصها البارزة، وقيادتها سوف تمهّد للانقلاب الكبير الذي يقوده الإِمام المهدي من آل محمد#.

وان اليوم الموعود الذي وعدنا الله تعالى به ورسوله بقيام دولة الإسلام الكبرى، وتمكين المستضعفين من الأَرض وقيام الإمام المهدي “ع” بالثورة الكبرى في الأرض… لقريب إنشاء الله، وان هذه الثورة توطئ الأرض لتلك الثورة، وتُمَهِّد الأُمّة لظهور وقيام القائم من آل محمد “ص”، وفيما يلي ننقل إضمامة من هذه الروايات:

  • عن عبد الله بن مسعود قال: أتينا رسول الله “ص” فخرج إلينا مستبشراً، يعرف السرور في وجهه، فما سألناه عن شيء إِلاّ أخبرنا به، ولا سكتنا إلاّ ابتدأنا… حتى مرت فتية من بني هاشم فيهم الحسن والحسين‘، فلما رآهم التزمهم وانهملت عيناه.. فقلنا يارسول الله: مانزال نرى في وجهك شيئاً نكرهه؟ فقال:

<إِنّا أهل بيت إِختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وأَنه سَيَلْقى أهل بيتي من بعدي تطريداً وتشريداً في البلاد، حتى ترتفع رايات سود في المشرق، فيسألون الحق فلا يُعْطَونه، ثم يسألونه فلا يُعْطونه، ثم يسألونه فلا يعطونه، فيُقاتلون فيُنصَرون… فمن أدركه منكم ومن أعقابكم فليأت إمام أهل بيتي، ولو حبواً على الثلج، فإنّها رايات هدى يدفعونها إلى رجل من أهل بيتي، يواطي اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، يملك الأرض فيملؤها قسطاً وعدلا كما ملئت جوراً وظلماً>[20].

  • وعن الإمام الباقر “ع” قال: «كأني بقوم قد خرجوا بالمشرق، يطلبون الحق فلا يُعْطونه، ثم يطلبونه فلايُعْطونه، فإذا رأوا ذلك وضعوا سيوفهم على عواتقهم… فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه، حتى يقوموا، ولايدفعونها إلاّ إلى صاحبكم (أي المهدي “ع”)، قتلاهم شهداء، أما إني لو أدركت ذلك لأبقيت نفسي لصاحب هذا الأمر»[21].
  • قال المجلسي: وروى بعض أصحابنا قال: كنت عند أبي عبدالله “ع” جالساً، إذ قرأ هذه الآية: {فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولاً}[22]، فقلنا: جعلنا فداك من هؤلاء؟ فقال ثلاث مرات: هم والله أهل قم»[23].
  • وعن أبي الحسن الرضا “ع” قال: «رجل من أهل قم، يدعو الناس إلى الحق، يجتمع معه قوم كزبر الحديد، لا تزلهم الرياح العواصف، ولايملون من الحرب، ولا يجبنون، وعلى الله يتوكلون، والعاقبة للمتقين»[24].
  • وعن علي بن ميمون الصائغ عن الإمام الصادق “ع” قال: «وسيأتي زمان تكون بلدة قم وأهلها حجة على أهل الخلائق، وذلك في زمان غيبة قائمنا إلى ظهوره، ولولا ذلك لساخت الأرض بأهلها»[25].
  • ورُوِىَ عن الإمام الصادق “ع”، انه ذكر الكوفة وقال: «ستخلو كوفة من المؤمنين، ويأزر عنها العلم، كما تأزر الحية في جحرها، ثم يظهر العلم ببلدة يقال لها قم، وتصير مَعْدنا للعلم والفضل، حتى لايبقى في الأرض مستضعف في الدين حتى المخدرات في الحجال، وذلك عند قرب ظهور قائمنا، فيجعل الله قم وأهله قائمين مقام الحجة، ولولا ذلك لساخت الأرض بأهلها ولم يبق في الأرض حُجَّة، فيفيض العلم منه إلى سائر البلاد في المشرق والمغرب، فتتم حجة الله على الخلق، حتى لا يبقى أحد على الأرض لم يبلغ إليه الدين والعلم، ثم يظهر القائم “ع”..»[26].
  • وقال صاحب التفسير الكشاف في تفسير قوله تعالى: {وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ}[27]. قال: <وسئل رسول الله “ص” عن القوم، وكان سلمان إلى جنبه فضرب على فخذه، وقال: هذا وقومه، والذي نفسي بيده لوكان الإيمان منوطاً بالثريا لتناوله رجال من أهل فارس>[28].

فهذه اضمامة من الروايات التي تشير إلى استمرارية هذه الثورة المباركة حتى ظهور الإمام المهدي من آل محمد “ص”، وان هذه الثورة المباركة ـ والتي تتسع رقعتها إنشاء الله ـ سوف تمهّد الأرض لظهور وقيام الإمام المهدي “عجل الله فرجه”.

أقرأ ايضاً:


المصادر والمراجع

  • [1] ـ زيارة وارث المطلقة وزيارة عاشوراء المخصوصة باختلاف يسير.
  • [2] ـ زيارة عاشوراء المخصوصة.
  • [3] ـ الأنفال: 41.
  • [4] ـ من الممكن أن تكون معركة صفّين بين أمير المؤمنين علي× ومعاوية بن أبي سفيان يوم الفرقان الثاني في تاريخ الإسلام، و(الطف) يوم الفرقان الثالث.
  • [5] ـ القصص: 5 ـ 6.
  • [6] ـ الصافّات: 171 ـ 173.
  • [7] ـ الروم: 47.
  • [8] ـ غافر: 51.
  • [9] ـ المائدة: 56.
  • [10] ـ النساء: 45.
  • [11] ـ الفرقان: 31.
  • [12] ـ محمد: 7.
  • [13] ـ الأحزاب: 22.
  • [14] ـ التوبة: 16.
  • [15] ـ البقرة: 214.
  • [16] ـ الأنفال: 7 ـ 8.
  • [17] ـ آل عمران: 139 ـ 142.
  • [18] ـ الأحزاب: 19.
  • [19] ـ البقرة: 143.
  • [20] ـ أخرجه الحاكم في المستدرك 4: 464 و553، وابن ماجة في السنن 2: 518 و269 وابن حجر في الصواعق المحرقة:100 وغيره.
  • [21] ـ بحار الأنوار 51: 83 و52: 43.
  • [22] ـ الإسراء: 5.
  • [23] ـ بحار الأنوار 60: 216.
  • [24] ـ بحار الأنوار 60: 216 و446.
  • [25] ـ بحار الأنوار 60: 213.
  • [26] ـ بحار الأنوار 57: 213.
  • [27] ـ محمد: 38.
  • [28] ـ التفسير الكشاف للزمخشري 4: 331.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى