ثقافة

نتائج البحث عن آية التطهير

آية التطهير دراسة في أبعادها الفكرية والتشريعية

التنزيه من الكذب:

وأهم ما نستنتجه من البحث في آية التطهير أنّ هؤلاء الخمسة من أهل البيت (ع) صادقون، لا يجوز عليهم الكذب، ولا يجوز إسناد الكذب إليهم.

فإنّ الكذب من أفحش الرجس الذي نزّههم الله تعالى عنه، والصدق من أول معاني طهارة النفس التي حباهم الله تعالى بها.

فإذا صحّ عنهم قول أو رواية فإنّهم لاشك صادقون، لا يجوز أن نسند الكذب إليهم، ولا يجوز أن نشك في صدق كلامهم أو روايتهم، فإنّ تكذيبهم في قول أو رواية تكذيب لآية محكمة من كتاب الله نزلت في تنزيههم من كل رجس، وتطهيرهم من كل ذنب وريب.

وإذا عرفنا أنّ آهل البيت (ع) صادقون فيما يقولون ويدّعون، لا يكذبون، وقد نزّههم الله تعالى عن رجس الكذب… إذا عرفنا ذلك نسجّل هنا ثلاث نقاط، كان يجاهر بها أهل البيت (ع) ويدعونها، ويلزمنا الإيمان والالتزام بها، لانهم كانوا يرون أَنَّ هذه النقاط الثلاثة قد انيطت بهم من عند رسول الله  (ص)، وبأمر من الله تعالى. وهذه الثلاثة هي:

1ـ خلافة أميرالمؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (ع) بعد رسول الله.

2ـ استمرار الإمامة والخلافة في أهل البيت إلى اثنى عشر اماماً من آل علي (ع)… هم أوصياء رسول الله  (ص) عدد نقباء بني إسرائيل.

3ـ حجيّة حديث أهل البيت في الفقه والعقائد.

وفيما يأتي نستعرض هذه النقاط بإيجاز:

خلافة أمير المؤمنين وإمامته بعد رسول الله (ص):

وهو أمر لا يشك فيه من استعرض طرفاً من سيرة أبي الحسن علي بن أبي طالب (ع). فقد كان يرى أنّه هو صاحب الحق في إمامة الاُمة وخلافة رسول الله (ص) بعد وفاته (ص)، وقد علم الكل برأي الإمام (ع) في حقه في الأمر، والإطالة فيه إطالة في الواضحات.

وإنّما لم يسلك (ع) مسلك المعارضة في حياته مع الخلفاء الذين تولّوا الأمر بعد رسول الله (ص) واحداً بعد آخر، ودافع عنهم، ونصحهم، وبذل أقصى ما يمكن من جهد في نصيحتهم والدفاع عنهم وحفظ شؤونهم، إيماناً منه (ع) بأنّ مصلحة الإسلام الكبرى في وحدة صف المسلمين ووحدة موقفهم وكلمتهم فوق أي اعتبار آخر. ولا يجوز التفريط في هذا الأمر لأحد من المسلمين.

ولذلك كلّه زجر أبا سفيان عندما عرض عليه أن يبايعه، يوم السقيفة، ويملأ الدار خيلاً ورجلاً، وردّ العباس عمّ رسول الله (ص) عندما عرض عليه البيعة فقال: امدد يدك أبايعك فيقول الناس عمّ رسول الله بايع ابن عمّ رسول الله، ردّ أولئك جميعاً إيثاراً لوحدة صف المسلمين وحفظاً لحرمة كيان الدولة الإسلامية، وبعد أن واجه الأمر الواقع.

واسمعه (ع) في خطبته الشقشقية يروي هذه القصة بنبرة حزينة، في شقشقة هدرت ثم قرت:

>أما والله لقد تقمّصها فلان، وإنّه ليعلم أن محلّي منها محل القطب من الرحى، ينحدر عنّي السيل ولا يرقي إلى الطير، فسدلت دونها ثوباً وطويت عنها كشحاً، وطفقت أرتأي بين أن أصول بيد جذاء أو أصبر على طخية عمياء، يهرم فيها الكبير، ويشيب فيها الصغير، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربّه فرأيت أنّ الصبر على هاتا أحجى، فصبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجاً، أرى تراثي نهباً… إلخ<[1].

خلافة علي (ع) في روايات أهل البيت (ع)

وقد تواتر النقل عنه (ع) أنّ رسول الله (ص) قد عيّنه من بعده خليفة له (ص)، وإماماً على المسلمين وإليك بعضاً من هذه الروايات.

1 ـ فقد أخرج في إكمال الدين بالإسناد إلى الأصبغ بن نباته قال: خرج علينا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ذات يوم ويده في يد ابنه الحسن، وهو يقول: خرج علينا رسول الله (ص) ويده في يدي هكذا وهو يقول: خير الخلق بعدي وسيّدهم أخي هذا، وهو إمام كلّ مسلم وأمير كلّ مؤمن بعد وفاتي.

2 ـ وأخرج الصدوق في الإكمال أيضاً بسنده إلى الإمام الرضا عن آبائه مرفوعاً إلى رسول الله (ص) قال: من أحبّ أن يتمسّك بديني، ويركب سفينة النجاة بعدي، فليقتد بعلي بن أبي طالب، فإنّه وصيّي وخليفتي على أمّتي.

3 ـ وأخرج الصدوق في الإكمال في حديث طويل ذكر فيه اجتماع أكثر من مئتي رجل من المهاجرين والأنصار في المسجد على عهد عثمان، يتذاكرون العلم والفقه، وإنّهم تفاخروا بينهم، وعلي ساكت، فقالوا له: يا أبا الحسن ما يمنعك أن تتكلّم، فذكّرهم بقول رسول الله (ص): >علي أخي ووزيري ووارثي ووصيي وخليفتي في أمتي، وولي كل مؤمن بعدي< فأقرّوا له بذلك.

4 ـ وأخرج الصدوق بسنده إلى علي (ع) في حديث طويل قال فيه رسول الله (ص): إنّ عليّاً أمير المؤمنين بولاية من الله عزّ وجلّ، عقدها فوق عرشه، وأشهد على ذلك ملائكته، وإنّه لإمام المسلمين.

5 ـ وأخرج الصدوق في أماليه بسنده إلى أمير المؤمنين قال:

>خطبنا رسول الله (ص) ذات يوم، فقال: أيّها الناس قد أقبل شهر رمضان، ثم ساق الحديث في فضل شهر رمضان. قال علي: فقلت يا رسول الله، ما أفضل الأعمال في هذا الشهر. قال: الورع عن محارم الله، ثم بكى، فقلت: ما يبكيك، فقال: يا عليّ أبكي لما يستحل منك في هذا الشهر، إلى أن قال: يا علي أنت وصيّي وأبو ولدي، وخليفتي على أمّتي في حياتي وبعد موتي، أمرك أمري، ونهيك نهيي<.

6 ـ وأخرج الصدوق في أماليه أيضاً عن عليّ (ع) قال:

>قال رسول الله (ص)يا علي أنت أخي وأنا أخوك، أنا المصطفى للنبوة، وأنت المجتبى للإمامة، أنا صاحب التنزيل، وأنت صاحب التأويل، وأنت أبو هذه الأمة. يا علي: أنت وصيي وخليفتي ووزيري ووارثي وأبو ولدي<.

7 ـ أخرج الشـيخ في أماليه بالإسناد إلى علي (ع) أنـه قال عـلى منـبر الكوفة:

>أيّها الناس أنّه كان لي من رسول الله عشر خصال هن أحب إلي ممّا طلعت عليه الشمس:

قال لي: يا علي أنت أخي في الدنيا والآخرة، وأنت أقرب الخلائق إلي يوم القيامة، ومنزلك في الجنة مواجه منزلي، وأنت الوارث لي، وأنت الوصي من بعدي في عدتي وأسرتي، وأنت الحافظ لي من أهلي عند غيبتي، وأنت الإمام لأمتي، وأنت القائم بالقسط في رعيتي، وأنت وليي ووليي ولي الله، وعدوك عدوي، وعدوّي عدوّ الله<.

8 ـ أخرج الصدوق في كتاب النصوص على الأئمة باسناده إلى الحسن بن عليّ، قال:

>سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يقول لعلي: أنت وارث علمي ومعدن حكمي، والإمام من بعدي<.

9 ـ وأخرج الصدوق في كتاب النصوص على الأئمة أيضاً بسنده إلى علي، قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم):

>أنت الوصي على الأموات من أهل بيتي، والخليفة على الأحياء من أمتي<.

10 ـ وأخرج الصدوق في أماليه بسنده إلى الإمام الرضا عن آبائه مرفوعاً إلى رسول الله (ص)، قال:

>علي مـنّي وأنا من عـلي. قاتـل الله من قاتل عليّـاً، علي إمـام الخليقة بعدي<[2].

روى الحرّ العاملي، صاحب الوسائل، رحمه الله، في الجزء الثاني من كتابه (إثبات الهداة) تسعمائة وسبعة وعشرين (927) نصاً لإثبات إمامة الأئمة الاثني عشر من أهل البيت^، في الكثير منها تصريح بعدد الاثني عشر، وبأَسماء الأئمة عن أهل البيت^، وجملة من طرق هذه الروايات صحيحة، بلا إشكال، وهي بالغة حد التواتر قطعاً.

منها 95 رواية أخرجها ثقة الإسلام الكليني في (الكافي)

و53 رواية أخرجها الصدوق في (عيون الأخبار)

و22 رواية أخرجها الصدوق في (معاني الأخبار)

و92 رواية أخرجها الصدوق في (إكمال الدين)

و22 رواية أخرجها الصدوق في (الامالي)

و18 رواية أخرجها الشيخ أبو جعفر الطوسي في (الغيبة)

و11 رواية أخرجها الشيخ أبو جعفر الطوسي في (مصباح المتهجد)

وكيفما يكون الأمر والنقاش، فإنّ من الواضح أنّ أهل البيت الطاهرين^، كانوا يرون أنّ أمر الإمامة والخلافة بعد رسول الله (ص)، إليهم، أولّهم أبو الحسن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) وآخرهم المهدي (ع). وإن شككنا في صحة إسناد جملة من هذه الروايات، فلا يمكن التشكّك في صحّة اسناد عامة الروايات المنقولة عنهم^ بالتواتر، عن طرق السنة والشيعة في أنّ رسول الله (ص) قد أسند أمر الإمامة من بعده إلى علي (ع). وحسبك في ذلك الحديث الغدير الشهير.

وقد كانت دعوى الإمامة معروفة من أهل البيت^ عند عامة المسلمين، والشيعة لم يبتدعوا في ذلك رأياً أو مذهباً جديداً، وإنّما يذهبون في ذلك مذهب آل البيت وهو شيء معروف عن آل البيت وشيعتهم قديماً وحديثاً.

إستمرار الخلافة والإمامة في أهل البيت (ع) بعد عليّ (ع):

وقد ورد تسلسل أسماء أوصياء رسول الله  (ص) وخلفائه من بعد الإمام علي (ع)، إماماً بعد إمام، في أحاديث أهل البيت^ إلى اثني عشر إماماً، عدد نقباء بني إسرائيل، آخرهم المهدي من آل محمد  (ص) الذي يملأ الله تعالى به الأرض قسطاً وعدلا… قد وردت أسماؤهم في أحاديث أهل البيت^، إجمالا وتفصيلا، وتلويحاً وتصريحاً، وجملة من هذه الأحاديث صحيحة من حيث السند، وهي عموماً بالغة حدّ التواتر، لا سبيل إلى إنكارها والتشكيك فيها.

وفيما يأتي نماذج من هذه الأحاديث:

1 ـ أخرج الصدوق في إكمال الدين بإسناده عن عليّ (ع) قال: >قال رسول الله (ص): الأئمة بعدي إثني عشر: أوّلهم أنت يا علي، وآخرهم القائم الذي فتح الله عزّ وجلّ على يديه مشارق الأرض ومغاربها<.

2 ـ وأخرج الصدوق في كتاب النصوص على الأئمة، بسنده إلى الحسين بن علي‘، قال:

>لما أنزل الله تعالى: {وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ} سألت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) عن تأويلها، فقال: أنتم أولو الأرحام، فإذا مت فأبوك عليّ أولى بمكاني، فإذا مضى أبوك فأخوك الحسن أولى به، فإذا مضى الحسن فأنت أولى به).

3 ـ وأخرج الصدوق في الإكمال بالاسناد إلى الإمام الصادق عن آبائه مرفوعاً إلى رسول الله (ص) قال:

>إنّ الله عزّ وجلّ اختارني من جميع الأنبياء، واختار منّي علياً وفضّله على جميع الأوصياء، واختار من عليّ الحسن والحسين، واختار من الحسين الأوصياء من ولده، ينفون عن الدين تحريف الغالين، وانتحال المبطلين وتأويل الضالّين<.

4 ـ وأخرج الصدوق في الإكمال أيضاً بسنده إلى الإمام الرضا (ع) عن أبيه عن آبائه مرفوعاً إلى رسول الله (ص) من حديث قال فيه:

>أنا وعلي أبوا هذا الأمة، من عرفنا فقد عرف الله، ومن أنكرنا فقد أنكر الله عزّ وجلّ، ومن علي سبطا أمتي، وسيّدا شباب أهل الجنّة، الحسن والحسين، ومن ولد الحسين تسعة طاعتهم طاعتي، ومعصيتهم معصيتي، تاسعهم قائمهم ومهديهم<.

5 ـ وأخرج الصدوق أيضاً بسنده إلى الإمام الصادق عن أبيه عن جدّه قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم):

>الأئمة بعدي اثنا عشر أوّلهم علي، وآخرهم القائم، هم خلفائي وأوصيائي<[3].

والروايات بهذا المعنى كثيرة من أهل البيت في تعيين وتشخيص الاثني عشر إماماً الذين يتولّون الإمامة من بعد رسول الله (ص) واحداً بعد الآخر، والذين يُعَدَّونَ امتداداً لأهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.

وقد أورد ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني في الكافي مجموعة من الروايات التي تنص على إمامة كل واحد من أئمة أهل البيت واحداً بعد الآخر من لدن أهل البيت أنفسهم[4].

ولا يمكن التشكيك في هذه المجاميع من الروايات الكثيرة التي وردت بصورة مسلسلة في تعيين الإمام من أهل البيت في كل عصر، فقد وردت هذه الروايات بصورة متواترة، وجملة منها بأسانيد حسنة، على أنّ تواترها يغنينا عن البحث في أسانيدها.

وإذا آمنّا بطهارة الخمسة من أهل البيت من كل رجس وعصمتهم من كل ذنب وريب، فلابدّ لنا أن نعترف بإمامة جميع الاثني عشر إماماً الذين ورد التصريح بأسمائهم في هذه الروايات بالتسلسل، وعصمتهم، واستمرار العصمة والإمامة فيهم إلى الإمام المهدي القائم من آل محمد (ص).

ولا ينافي امتداد العصمة والإمامة في أهل البيت ما تقدّم من الروايات في أنّها نزلت في الخمسة الطاهرة فحسب، فإن هذه الروايات لا تزيد على حصر أهل البيت الذين كانوا موجودين حين نزول الآية الكريمة ونعرف عصمة سائر الأئمة وإِمامتهم بالأحاديث الصحيحة الواردة عن هؤلاء الخمسة وإمامة وعصمة اللاحق منهم بإمامة وعصمة السابق منهم.

الاثنا عشر خليفة في الأحاديث النبوية:

وقد وردت إشارات إلى هذا المعنى في الأحاديث النبوية الواردة عن طرق السنة أيضاً، منها ما رواه البخاري في الصحيح عن جابر بن سمرة قال:

>سمعت النبيّ (ص) يقول: يكون إثنا عشر أميراً، فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي إنّه قال كلّهم من قريش<[5].

ومنها ما رواه مسلم في الصحيح عن رسول الله (ص):

>لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة، أو يكون عليكم إثنا عشر خليفة كلّهم من قريش<[6].

ومنها ما رواه أحمد في المسند عن مسروق قال:

>كنّا جلوساً عند عبدالله بن مسعود، وهو يقرّئنا القرآن، فقال له رجل: يا أبا عبدالرحمن، قال سألتم رسول الله (ص) كم يملك هذه الأمة من خليفة؟ فقال عبدالله: ما سألني عنها أحد منذ قدمت العراق قبلك، ثم قال: نعم، ولقد سألنا رسول الله (ص)، فقال: إثني عشر كعدّة نقباء بني إسرائيل<[7].

وروى نظير هذه الأحاديث مع اختلاف في المضمون كل من أبي داود والبزّاز والطبراني بطرق مختلفة[8]. وليس لهذه الأحاديث من توجيه غير الحمل على الأئمة الاثني عشر من أهل البيت الذين وردت أسماؤهم في روايات أهل البيت. وليس في التاريخ الإسلامي إثنا عشر اماماً من قريش غير الأئمة الاثني عشر من أهل البيت^.

ولقد شط ناس من العلماء في توجيه وحمل هذه الروايات، وتكلّفوا لها وجوهاً، فيها كثير من الضعف، وقليل من الصواب.

يقول الشيخ محمود أبو رية:

]بعد أن أورد ـ السيوطي ـ ما قاله العلماء في هذه الأحاديث المشكلة، خرج برأي غريب نورده هنا تفكهة للقراء، وهو: (وعلى هذا فقد وجد من الاثني عشر: الخلفاء الأربعة والحسن ومعاوية وابن الزبير وعمر بن عبدالعزيز، هؤلاء ثمانية، ويحتمل أن يضم إليهم المهدي من العباسيين لأنّه فيهم كعمر بن العزيز في بني أُمية، وكذلك لما اُوتيه من العدل، وبقي الاثنان، المنتظران أحدهما المهدي لأنّه من أهل بيت محمد) ولم يبيّن المنتظر الثاني، ورحم الله من قال في السيوطي إنّه حاطب ليل[[9].

ولئن شطّ السيوطي وغيره في توجيه هذه الروايات النبوية، فقد اهتدى في توجيهها نفر غير قليل من علماء السنة، كسبط ابن الجوزي الذي ألّف (تذكرة الخواص) في أحوال الأئمة الاثني عشر من آل البيت، وابن الصبّاغ المالكي الذي ألّف (الفصول المهمة) في حياتهم، وابن طولون الذي ألّف كتاب (الأئمة الاثني عشر) وغيرهم.

ومهما يكن من أمر، فإنّ التسليم بدلالة آية التطهير في عصمة الخمسة من آل البيت من الرجس والريب يؤدّي بنا بصورة منطقيّة إلى القول بإِمامة وعصمة الأئمة الاثني عشر^ كلّهم ونزاهتم من كل رجس وريب.

حجيّة أحاديث أهل البيت (ع) :

وهذه واحدة من اعظم النتائج المترتبة على آية التطهير، وسوف نفصّل الكلام في هذه النقطة بقدر ما تسعها هذه الرسالة الموجزة.

لابد للمسلمين من بعد رسول الله (ص) من إمامة سياسية هي خلافة رسول الله (ص)، ولابدّ لهم من مرجعية دينيّة (الإمامة في الفقه) يرجع إليها المسلمون في معرفة سنة رسول الله (ص) وأحكام الله وحدوده، وهما من أعظم المسائل التي يواجهها المسلمون بعد رسول الله (ص) في أمور دينهم. وقد تواترت الرواية عن أهل البيت^: أن رسول الله (ص) أناط إليهم بيان سنته، وجعلهم مرجعاً للمسلمين في بيان حدود الله وشرائع دينه، وجعل حديثهم حجّة على المسلمين. وليس شأنهم في ذلك شأن سائر المجتهدين، يعطون الحكم عن رأي واجتهاد، إِنّما هو حديث رسول الله^، وبيّنات علمه، وميراث النبوّة، ورثوها عن رسول الله^ كابراً من بعد كابر، وخلفاً من بعد سلف، يبيتونها للمسلمين، وليس للمسلمين في ذلك إلاّ إِتّباع حديثهم في الحلال والحرام.

وهذا المعنى وارد بصراحة في حديث الثقلين الذي نقلناه متواتراً وصحّح كثيراً من أسانيده أئمة الحديث من الفريقين:

>إني تارك فـيكم خليفتـين: كتاب الله حـبل ممـدود ما بين السـماء والأرض، وعـترتي أهل بيـتي، وإنّـهما لن يفـترقا حـتى يردا علي الحـوض<[10].

وهذا الحديث صريح في استمرار أهل البيت الذين جعلهم الله أئمة على خلقه وأدلّة على صراطه إلى يوم القيامة (حتى يردا علي الحوض) باستمرار الثقل الأول وهو القرآن الكريم.

يقول ابن حجر الهيثمي:

>وفي أحاديث الحث على التمسّك بأهل البيت إشارة إلى عدم انقطاع متأهّل منهم للتمسّك به إلى يوم القيامة، كما أنّ الكتاب العزيز كذلك، ولهذا كانوا أماناً لأهل الأرض، كما يأتي، ويشهد لذلك الخبر السابق في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي<[11].

وفيما يلي نشرح هذه الحقيقة ضمن مجموعة من النقاط التي تعبّر عن أسس مذهب أهل البيت^.


أقرأ ايضاً:

الهوامش والمصادر

  • [1] ـ الخطبة الشقشقية في نهج البلاغة بشرح الشيخ محمد عبده 1: 25.
  • [2] ـ نقلنا هذه الروايات عن كتاب المراجعات للإمام شرف الدين&.
  • [3] ـ نقلنا هذه الأحاديث عن كتاب المراجعات للإمام شرف الدين&.
  • [4] ـ الكافي ج1، كتاب الحجّة: 292 ـ 329.
  • [5] ـ صحيح البخاري 9: 81.
  • [6] ـ صحيح مسلم 6: 4.
  • [7] ـ مسند أحمد بن حنبل.
  • [8] ـ الأصول العامة للفقه المقارن: 178.
  • [9] ـ أضواء على السنة المحمدية: 212.
  • [10] ـ راجع رسالة حديث الثقلين.
  • [11] ـ الصواعق المحرقة: 149.
تحميل الفيديو
الشيخ محمد مهدي الآصفي
المصدر
كتاب في رحاب القرآن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى