ثقافة

أهل البيت (ع) في آية التطهير

آية التطهير دراسة في أبعادها الفكرية والتشريعية

من هم أهل البيت (ع)

1 ـ وحسبك في التعريف بأهل البيت ما سنقرؤه عليك من الروايات الصحيحة والصريحة التي تصرّح بأسمائهم على طريقة الحصر واحداً بعد آخر، وهو قليل من كثير من الأحاديث الواردة في هذا الباب.

2 ـ ويبدو أن رسول الله (ص) كان حريصاً على تحديد وتشخيص عنوان (أهل البيت) الذي نزل فيه قرآن من الله تعالى، والمنع عن استعمال هذه الكلمة في غير أهله، ومن إدخال من ليس منهم فيهم.

فكان (ص) يشخّصهم بأسمائهم كما في رواية عبدالله بن جعفر:

>فيقول(صلى الله عليه وآله وسلم) إدعوا لي إدعوا لي، فتقول صفية: من. فيقول(صلى الله عليه وآله وسلم) (أهل بيتي علياً وفاطمة والحسن والحسين)<، ثم يؤكد (ص) هذا الحصر والتشخيص بقوله: >(اللّهم هؤلاء آلي، فصلّ على محمد وآل محمد) فينزل الله فيهم قرآناً محكماً: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}[1].

ولا يخفى ما في هذه الكلمة: (اللّهم هؤلاء آلي) من الدلالة على حصر أهل البيت^ فيهم، ونفيه عن غيرهم، لكل من عرف أساليب العرب في الكلام.

3 ـ وإمعاناً في تشخيصهم وتحديدهم يحصرهم (ص) تحت كساء، كما في رواية أمّ سلمة رحمها الله:

>دعا رسول الله حسناً وحسيناً وفاطمة، فأجلسهم بين يديه ودعا علياً فأجلسه خلفه، فتجلّل هو وهم بالكساء، ثم قال: هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرّجس وطهرّهم تطهيراً<[2].

وهذا أبلغ ما يكون في الحصر، فكأنّما أراد رسول الله (ص) أن يقطع على كل أحد عذر الالتباس، فتجاوز دلالات الكلام بحصرهم تحت كساء واحد، ليكون أبلغ في الحصر، وأقوى في الدلالة.

4 ـ وتتمنى أمّ المؤمنين أمّ سلمة رحمها الله التي نزلت الآية الكريمة في بيتها، أن تكون هي من أهل البيت، بعد أن جمع رسول الله (ص) علياً وفاطمة والحسن والحسين واجتمع بهم تحت الكساء وقال:

>اللّهم هؤلاء أهل بيتي، أذهب عنهم الرجس أهل البيت وطهّرهم تطهيراً.

فتقول أمّ سلمة لرسول الله (ص):

فأنا معهم يا نبيّ الله؟

فيقول لها:

أنت على مكانك، وأنت على خير<[3].

فلا ينفي (ص) أنّها رحمها الله على خير، ولكن ينفي أن تكون من (أهل البيت) وهي زوجته ومن أمهات المؤمنين.

ولا يبقى بعد ذلك ـ والرواية مصحّحة ـ مجال في إدخال أمّهات المؤمنين في عداد المقصودين بأهل البيت^، في هذه الآية الكريمة، بعد النفي الصريح القاطع من رسول الله (ص) لدخول أم سلمة رحمها الله، وهي من زوجات رسول الله (ص) ومن أمّهات المؤمنين فيهم.

5 ـ ثم يصرّح رسول الله (ص) في ذلك تصريحاً لا يترك لأحد شكاً بعده، فيقول (ص):

>نزلت هذه الآية في خمسة: فيَّ، وفي علي، وحسن وحسين وفاطمة<[4].

فهل يبقى لأحد شك، بعد هذا البلاغ النبوي الصادع في المقصود من (أهل البيت) في عصر نزول الآية الكريمة.

وهل يشك أحد بعد كل هذا الإيضاح أنّ الآية الكريمة لم تشمل حين نزولها غير اُولئك الخمسة الطاهرة: رسول الله (ص)، وعلي، وفاطمة، والحسن والحسين^.

يقول الإمام شرف الدين :

>وقد أجمعت كلمة أهل القبلة من أهل المذاهب الإسلامية كلّها على أنّه (ص) لما نزل الوحي بها ـ بآية التطهير ـ عليه ضمّ سبطيه وأباهما وأمّهما إليه، ثم غشّاهم ونفسه بذلك الكساء، تمييزاً لهم على سائر الأبناء والأنفس والنساء، فلما انفردوا تحته عن أسرته كافّة، واحتجبوا به عن بقية أمته بلّغهم الآية، وهم على تلك الحال، حرصاً على أن لا يطمع بمشاركتهم فيها أحد من الصحابة والآل، فقال مخاطبهم، وهم في معزل عن الناس كافّة: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}.

فأزاح (ص) بحجبهم في كسائه حينئذ حجب الريب، وهتك سدف الشبهات، فبرح الخفاء بحكمته البالغة، وسطعت أشعة الظهور ببلاغه المبين، والحمد لله رب العالمين<[5].

6 ـ وإمعاناً في تحديد (أهل البيت) في الخمسة الذين نزلت فيهم الآية الكريمة، ونفي غيرهم، وأعلاما للأمّة بما لا يقبل الشك والتأويل بأهل البيت وعددهم في عصر نزول الآية الكريمة، أخذ رسول الله (ص) يتلو هذه الآية الكريمة كل يوم على باب بيت الزهراء ، حيث يجمع عليّاً والزهراء والحسنين‘، بمرأى ومسمع من المسلمين.

عن أبي برزة، قال:

>صلّيت مع رسول الله (ص) سبعة عشر شهراً، فإذا خرج من بيته أتى باب فاطمة÷ فقال: الصلاة عليكم {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}<[6].

وعن ابن عباس، قال:

>شهدت رسول الله (ص) تسعة أشهر يأتي كل يوم باب علي بن أبي طالب عند وقت كل صلاة، فيقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهل البيت {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} كل يوم خمس مرات<[7].

وعن مالك بن أنس:

>صلّيت مع رسول الله (ص) سبعة عشر شهراً، فإذا خرج من بيته أتى باب فاطمة÷ فقال: الصلاة عليكم {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} كلّ يوم خمس مرّات<[8].

وهي خطّة إعلامية عجيبة عمل بها رسول الله (ص) لإزالة الالتباس عن (أهل البيت) في الآية الكريمة، وتحديده وحصره، بشكل لا يدع مجالاً لأحد في التلبيس أو الالتباس، وإدخال من ليس منهم فيهم، وإخراج من كان منهم عنهم.

ولا شك أنّ هذا الاهتمام الكبير من رسول الله (ص) في تبليغ هذا الأمر وتحديد أهل البيت في الخمسة الطاهرة، يكشف عن أمر جليل وكبير، ومغزى عميق في الآية الكريمة، لـه آثاره وأبعاده العميقة في تاريخ المسلمين وحياتهم ودينهم فيما بعد.

ولو أنّ الأمر في الآية الكريمة كان لا يتجاوز التكريم لأهل البيت^ لعلاقتهم برسول الله (ص) لم يكن الأمر يقتضي مثل هذا الاهتمام والتأكيد والتركيز من رسول الله (ص)، بإعلان أهل البيت بأسمائهم وحصرهم بهذه الأساليب المختلفة، حتى يبلغ الأمر به (ص) أن يعلن ذلك بمرأى ومسمع من المسلمين، ويكرّر هذا الإعلان لستة أشهر أو سبعة أو ثمانية أو تسعة باختلاف الروايات أمام بيت الزهراء÷، في كلّ يوم خمس مرات أو أقل في أوقات الصلاة، وإنّه لأمر عجيب وينطوي على أمر جليل.

ولأمر ما يكرر رسول الله (ص) هذه الحقيقة بأساليب مختلفة من البيان، مقرونة بأساليب مختلفة من العمل.

فيسمّي أهل البيت حيناً بأسمائهم، ويحصرهم حيناً آخر حصراً، فيقول: (اللّهم هؤلاء آلي)، ويجمعهم تارة تحت كساء واحد يجلّلهم جميعاً، ليس تحته أحد غيرهم، فتتمنى أم سلمة ـ زوجته ـ أن تدخل معه، فيردّها رداً رقيقاً.

ويعدّدهم ـ تارة اخرى ـ بأسمائهم واحداً بعد واحد وثم يأخذ بإعلام الأمّة بهذا البيت الطاهر ومن فيه بذلك الأسلوب العجيب الذي ذكرناه لمدة طويلة تختلف الروايات في تحديدها.

اللّهم إنّا نشهد إنّ رسولك لم يكن يعمل كل ذلك من غير قصد وحكمة، وإنّه قد بلّغ ما أمرته به، ثم بلّغ، وقام بما حملته كل قيام، ولم يترك لأحد مجالاً لشك أو ارتياب أو تأويل.

اللّهم اكتبنا مع الشاهدين، وأعنا على ماحمّلتنا.


أقرأ ايضاً:

الهوامش والمصادر

  • [1] ـ برواية الحاكم في مستدرك الصحيحين كما يأتي.
  • [2] ـ برواية الطبري، وابن كثير، في تفسيريهما، والترمذي في صحيحه، والطحاوي في مشكل الآثار، كما سوف يأتي.
  • [3] ـ رواها السيوطي في الدر المنثور، عن أبي سعيد، كما يأتي في هذه الرسالة.
  • [4] ـ رواها الطبري في التفسير، والمحب الطبري في ذخائر العقبى، عن أبي سعيد&، كما يأتي في هذه الرسالة، ورواها ابن كثير في التفسير3: 485.
  • [5] ـ الكلمة الغرّاء في تفضيل الزهراء للإمام شرف الدين، المطبوع مع كتاب (الفصول المهمة) ص204 ـ 205، والسدف جمع سدفة بالفتح: الظُّلْمَة.
  • [6] ـ رواها في مجمع الزوائد، كما يأتي في هذه الرسالة.
  • [7] ـ رواها السيوطي في الدر المنثور، كما يأتي في هذه الرسالة.
  • [8] ـ رواها الترمذي في الصحيح، وأحمد في المسند والطيالسي في المسند، والحاكم في مستدرك الصحيحين، وابن الأثير في أسد الغابة، والطبري وابن كثير والسيوطي في تفاسيرهم، كما يأتي في هذه الرسالة.
تحميل الفيديو
الشيخ محمد مهدي الآصفي
المصدر
كتاب في رحاب القرآن

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى