ثقافة

موقف القرآن من القومية – الجانب القيمي : إن أكرمكم عند الله اتقاكم

{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}.

ما هي القيمة؟

نقصد بالقيمة المقاييس والأسس التي نستطيع أن نميّز بها الناس، ونقدم منهم ونؤخر من نقدّم ونؤخر، عندما يتطلب الأمر منا التقديم والتأخير. فانّ كثيراً من المواقف والأَعمال الاجتماعية، والسياسية، والحركية، وغيرها تضطرّنا إلى الموازنة والمقارنة بين الناس في تقديم الناس بعضهم على بعض، عندما تضطر إلى التقديم والتأخير، أو في الفصل والحسم، في الأمور، عندما يتطلب الأمر منا الحسم والفصل.

والمعايير والأسس التي تتم بها هذه الموازنة والفصل والحسم هو ما نقصده بالقيم.

كما أنّها الغايات التي يطلبها الإنسان في حركته التكاملية إلى الله. وبناءً على ذلك فان التقييم مسألة هامة في حياة الإنسان، وتختلف المذاهب والمدارس في أنظمة التقييم. فما هو رأي الإسلام في التقييم؟ هل هو الانتماء الإنساني؟ أم الانتماء العشائري؟ أم الانتماء القومي؟ أم العلم، أم المال؟ أم القوة؟ أم الفضيلة؟ وما هي الفضيلة التي تعتبر أساساً للتقييم؟ وهذه القيم هي الأساس في (الحب) و(البغض) و(الموقف) و(الموازنة) و(التقديم) و(التأخير) و(الفصل) وفي كثير من شؤون الإنسان وحياته.

نظام التقييم في الإسلام

نظام التقييم في الإسلام

للإسلام نظام خاص للتقييم. وهذا النظام يختلف اختلافاً جوهرياً عن سائر الأنظمة التقييمية في الحضارات الجاهلية.

ولو إننا عرفنا النظام العام للتقييم في الإسلام لا نتردد كثيراً في مفردات الحالات التي يُطْلَبُ منا رأي الإسلام فيها.

ولهذا النظام وجه إيجابي وآخر سلبي، ومن دون أن يقترن هذان الوجهان ونوظّفهما معاً لا نستطيع أن نفهم النظام الذي يرسمه الإسلام لتقييم الأفراد والجماعات والحالات الإنسانية.

وسوف نستعرض في هذه الدراسة الوجه الإيجابي لنظام التقييم في الإسلام أولاً، ثم نستعرض الوجه السلبي لهذا النظام ثانياً.

الوجه الإيجابي لنظام التقييم:

يجعل الإسلام (التقوى) و(الاستقامة) على حدود الله، وصراطه المستقيم هو الأساس في التقييم، ويعتبر (التقوى) هي المعيار والميزان الذي يجب علينا أن نزن به الأفراد والفئات والجماعات، وهو الغاية التي يطلبها الإنسان في طريقه التكاملي إلى الله تعالى.

يقول تعالى في آية سورة الحجرات، وهي موضوع هذا البحث: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} وهي صريحة وواضحة في أن الله تعالى جعل (التقوى) أساساً للتفاضل والموازنة والتقديم والتأخير بين عباده، والغاية التي يطلبها الإنسان في طريقه للكمال.

وان القيمة ما كان عند الله قيمة: والفضيلة ما كانت عند الله فضيلة، إماماً بأيدي الناس من القيم والمقاييس والمعايير، فليس بشيء إلاّ أن يتطابق مع ما عند الله من القيم والفضائل والمعايير وهذا النظام هو نظام التقييم {عِندَ اللَّهِ} {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} ونظام التقييم عند الله قد يختلف عما بأيدي الناس من أنظمة ووسائل للتقييم.

التقوى أساس البنيان:

وجعل الله تعالى (التقوى) الأَساس الذي يجب علينا أن نقيم عليه كل بنيان لنا في الحياة من البنيان السياسي، إلى الحركي، إلى الاقتصادي، إلى العائلي، إلى العلاقات الاجتماعية وكل بنيان للإنسان، يعتمد التقوى، فهو يقوم على أساس ثابت ومتين، وكل بنيان لا يقوم على هذا الأساس، فهو على شفا جرف هار، لا يعلم الإنسان متى ينهار تحت قدمه، يقول تعالى:

{أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}[1].

إذن التقوى هي أساس التقييم والتقديم عند الله تعالى في الدنيا والآخرة، على خلاف كثير من الناس، وبعكس الكافرين الذين زُيِّنَ لهم متاع الحياة الدنيا وحَرَمَهُم الله بأعمالهم عن الآخرة.

يقول تعالى: {زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ اتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ}[2].

والله تعالى يدعو عباده أن يأخذوا الهدى والنور من عنده ولن يجدوه عند غير الله تعالى.

{قُلْ أَنَدْعُو مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَىَ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}[3].

{هَذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}[4].

فالهدى، والبصائر، والنور، والرحمة، كلّه من عند الله تعالى، وليس عند غير الله من النور والهدى والبصيرة والرحمة شيء.

القيم وضد القيم:

وبناءً على هذه الحقيقة الهامة وهي أن الهدى، هدى الله لا غير، فان القيم ما كان من (عند الله)، وما لم تكن عند الله قيمة فليس بقيمة. وفي ضوء ذلك نستطيع أن نحدد القيم بما يحبه الله وضدّ القيم بما لا يحبه الله فما أحب الله قيمة، وما لم يحبه الله ضد القيمة.

ولننظر إلى طائفة من القيم وضد القيم في القرآن.

القيم عند الله:

{إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}[5].

{إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}[6].

{فَإِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ}[7].

{وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}[8].

{وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}[9].

{إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}[10].

{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}[11].

{إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ}[12].

{وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ}[13].

{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ}[14].

ضد القيم عند الله:

{إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ}[15].

{وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ}[16].

{وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ}[17].

{فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ}[18].

{وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}[19].

{إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا}[20].

{إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا}[21].

{لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ}[22].

{وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}[23].

{وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}[24].

{إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}[25].

{إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}[26].

{إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ}[27].

{إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ}[28].

{إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ}[29].

{لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ}[30].

{إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}[31].

{إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ}[32].

{إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}[33].

{إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}[34].

{وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}[35].

التقوى وآثارها ونتائجها في القرآن

التقوى هي الاستقامة على صراط الله المستقيم، والالتزام بحدود الله.

وفيما يلي نشير إلى بعض خصائص ومقومات وآثار التقوى من خلال القرآن.

1ـ تعتمد التقوى (التوحيد) و(الإيمان بالغيب) و(الإيمان برسالات الله) أساساً وقاعدة. يقول تعالى:

{الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ* والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ}[36].

2ـ وهي خير ما يحمله الإنسان من الزاد من الدنيا إلى الآخرة.

{وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}[37].

3ـ والتقوى من أفضل وابرز مصاديق البر والإحسان في حياة الإنسان.

{وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى}[38].

وهي قرين البر في القرآن.

{وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}[39].

4 ـ وهي قرين العدل:

{اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ}[40].

5 ـ وقرين الصدق:

{أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}[41].

6ـ وقرين الإصلاح:

{فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}[42].

7ـ والتقوى لباس يستر الإنسان من الذنوب والسيئات، كما يستر الثوب الجسم من الأذى والضرر، التقوى لباس يستر سوءات الإنسان، كما يستر اللباس عورة الإنسان.

{يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ}[43].

8 ـ والمتقون هم أولياء الله:

{إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ}[44].

9ـ والله مع المتقين، ولهم في حياتهم معية الله تعالى، وهي أعز ما يمكن أن يكسبه الإنسان في حياته.

{إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ}[45].

{وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}[46].

10ـ ولا يعرف المتقون في دنياهم خوفاً، ولا حزناً، فان المتقين يسلّمون أمرهم لله تعالى، ويرضون بكل قضائه وقدره فلا يجد الخوف والحزن إلى نفوسهم سبيلا.

يقول تعالى: {فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}[47].

11ـ والعاقبة للمتقين:

{فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ}[48].

{إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}[49].

12ـ {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ}[50].

{إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا * حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا}[51].

{مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ}[52].

{وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}[53].

13ـ وبالتقوى ييسر الله تعالى أمور عباده، وجعل الله تعالى التقوى سبيلا لتيسر أمور عباده عليهم.

{فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى* وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى}[54]

{وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}[55].  {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا}[56].

14ـ وبالتقوى يفتح الله تعالى بركات السماء والأرض على عباده.

{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ}[57].

15ـ وبالتقوى يطرد الله الشيطان عن الإنسان ويذكّره ويبصّره ويشعره بخطر الشيطان.

{إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ}[58].

16ـ وبالتقوى يتقبل الله تعالى الأعمال من عباده.

{إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}[59].

17ـ والتقوى من مصادر الوعي والبصيرة في نفس الإنسان.

{وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ}[60].

18ـ والتقوى فرقان بين الحق والباطل في النفس، ولا يلتبس أمر الحق والباطل على الإنسان إذا اخذ بالتقوى.

{يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً}[61].

19ـ والتقوى تُبَصّر الإنسان بآيات الله، وتذكره بالله تعالى:

{إِنَّ فِي اخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ}[62].

20ـ وبالتقوى يكفّر الله تعالى سيئات الناس

{وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا}[63].

21ـ وبالتقوى ينجي الله تعالى المتقين من نار جهنم

{ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا}[64].

{وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ}[65].

22ـ وبالتقوى والصبر يدفع الله عن المؤمن كيد الظالمين

{وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا}[66].

23ـ وبالتقوى يعد الله تعالى عباده بالنصر في ساحات القتال

{بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ}[67].

24ـ والتقوى من {عَزْمِ الأُمُورِ} (عزم الأمور)

{وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ}[68].

العلاقة بين الجوانب الثلاثة في آية الحجرات:

والجوانب الثلاثة في آية الحجرات يرتبط بعضها ببعض، فان (الجانب التكويني) وهو اختلاف الشعوب والقبائل والأقوام… مفتاح الجانب الوظيفي الذي يتيح الفرصة للناس، للتعارف واللقاء وتبادل القيم والأصول والأفكار والكفاءات على أساس من الانفتاح والانتقاء.

و(الجانب الوظيفي) مفتاح الجانب القيمي من هذه المسألة. فان التوظيف الصحيح لحالة التعدد في الشعوب والقبائل والأقوام في أمر التعارف واللقاء الحضاري يؤدي إلى تقويم سلوك الإنسان، وتقويم السلوك هو ضبط السلوك على أساس من (التقوى).

إذن هذه الجوانب الثلاثة في آية الحجرات يرتبط بعضها ببعض في التحليل الدقيق لهذه المسألة.

الأمة الواحدة:

{إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}

هذه رؤية جديدة للعالمية يقررها القرآن الكريم على أساس أَنَّ المسلمين كلهم أُمّة واحدة، تلتقي عندها الأقوام والشعوب جميعاً.

والأمة الواحدة تنطلق من الاعتراف بتعدد الشعوب والقبائل والأقوام، لا رفض الشعوب والأقوام، ولكن بتوظيف صحيح لحالة التعدد في الشرائح البشرية على منهج {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ}[69].

والأمة الواحدة حالة حضارية قائمة على أساس (التوحيد) و(التقوى).

{وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}[70].

{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}[71].

وهذا هو الوجه الايجابي من نظام التقييم في الإسلام.

الوجه السلبي لنظام التقييم:

ولنظام التقييم في الإسلام وجه آخر سلبي، ولا يكتمل من دونه نظام التقييم، كنظام شامل متكامل.

وفي هذا الوجه يهدم الإسلام أسس ومعايير التقييم التي تعتمدها الجاهلية في التقديم، والتأخير، والحسم، والفصل، والحب، والبغض، والتقريب، والأبعاد، والولاء، والبراءة، والدفاع، والهجوم.

وهذه الأسس التي يهدمها الإسلام تقوم على أساس الانتماء القومي والطبقي، والعشائري، والإقليمي، لا على أسس التوحيد والتقوى والحق، ويشجب الإسلام اعتبار هذه الأمور أُسساً ومعايير للتقييم. وفيما يلي ننقل طائفة من النصوص الإسلامية في هذا الشأن.

1ـ روى المفسرون في شأن نزول هذه الآية الكريمة عن ابن عباس أنه في يوم فُتِحَ مكة أمر النبي (ص) بلال حتى علا ظهر الكعبة، فأَذَّن، فَقال عتاب بن اسيد بن أبي العيص: الحمد لله الذي قبض أبي حتى لا يرى هذا اليوم، قال الحارث بن هشام: ما وجد محمد (ص) غير هذا الغراب الأسود مؤذناً. وقال سهيل بن عمرو: إن يرد الله شيئاً يغيره. وقال أبو سفيان: إني لا أقول أخاف أن يخبره به رب السماء.

فأتى جبرائيل النبي (ص) واخبره قالوا فدعاهم وسألهم عما قالوا فاقروا، فأَنزل الله تعالى هذه الآية، وزجرهم عن التفاخر بالأنساب والتكاثر بالأموال، والازدراء بالفقراء، فان المدار على التقوى[72].

2ـ وخطب رسول الله (ص) الناس في مكة فقال «يا أيها الناس إن الله قد ذهب عنكم عصبية الجاهلية وتعاظمها بآبائها، فالناس رجلان: رجل بر تقي كريم على الله، وفاجر شقي هيّن على الله».

«والناس بنو آدم، وخلق الله آدم من تراب قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}»[73].

3ـ وخطب رسول الله المسلمين بمنى أيام التشريق «يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد، ألا إن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأعجمي على عربي، ولا لاسود على أحمر، ولا لاحمر على اسود إِلا بالتقوى. ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم قال: وليبلغ الشاهد الغائب»[74].

4ـ ومن حديث آخر عن رسول الله (ص): «إن الله لا ينظر إلى أحسابكم، ولا إلى أنسابكم، ولا إلى أجسامكم، ولا إلى أموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم. فمن كان له قلب صالح تحنن الله عليه، وإنّما انتم بنو أدم، وأحبكم إليه اتقاكم»[75].

وأخرج البزاز عن حذيفة (رض) قال: قال رسول الله (ص): «كلكم بنو آدم وادم خلق من تراب ولينتهن قوم يفخرون بآبائهم، أو ليكونن أهون على الله من الجعلات»[76].

5ـ وعن أبي جعفر الباقر (ع) قال لما كان يوم فتح مكة قام رسول الله (ص) في الناس خطيباً. فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال أيها الناس إنكم من آدم، وآدم من طين، ألا وان خيركم عند الله وأكرمكم عليه اليوم اتقاكم وأطوعكم له.

ألا وأن العربية ليست باب لأحد، ولكنها لسان ناطق، فمن قصر به عمله لم يبلّغه رضوان الله حَسَبُه. ألا وان كل دم أو مظلمة أو إِحنة كانت في الجاهلية فهي تطل تحت قدمي إلى يوم القيامة[77].

 العصبية والحمية:

وفي مقابل (العالمية) و(الانفتاح) التي يدعو إليها الإسلام تقع العصبية والحمية الجاهلية.

وهي حالة الانغلاق القومي والعشائري والفئوي وتحيّز الإنسان إلى قومه وعشيرته وفئته في حق أو باطل. وهي حالة معاكسة لحالة (الأمة الواحدة) التي يدعو إليها القرآن من ناحيتين. في الانفتاح أولا، وفي اتخاذ التقوى والحق مقياساً للتقييم ثانياً. وهذه هي حالة (الحمية الجاهلية) المذمومة في النصوص الإسلامية.

وفيما يلي نروي في خاتمة هذه الدراسة طائفة من هذه النصوص.

1ـ عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله (ع) قال: من تعصب أو تعصب له فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه[78].

2ـ وعن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) قال: من تعصب عصبه الله بعصابة من النار[79].

3ـ وعن رسول الله (ص): ليس منا من دعى إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منّا من مات على عصبية[80].

ولابد من توضيح لهذه النقطة.

فليس من العصبية أن يحب الإنسان قومه، وليس من العصبية أن يعينهم أو يدفع عنهم. ولكن من العصبية أن يعين الإنسان قومه في ظلم ويحبهم ويدافع عنهم على باطل.

روى الزهري، قال سئل علي بن الحسين (ع) عن العصبية، فقال: العصبية التي يؤثم عليها صاحبها أن يرى الرجل شرار قومه خيراً من خيار قوم آخرين، وليس من العصبية أن يحب الرجل قومه، ولكن من العصبية أن يعين قومه على الظلم[81].

وروت وائلة بنت الاسقع أنها سمعت أباها يقول: يا رسول الله، ما العصبية؟ قال: أن تعين قومك على الظلم[82].


أقرأ ايضاً:

الهوامش والمصادر

  • [1] ـ التوبة: 109ـ110.
  • [2] ـ البقرة: 212.
  • [3] ـ الأنعام: 71.
  • [4] ـ الأعراف: 203.
  • [5] ـ البقرة: 195 والمائدة: 13.
  • [6] ـ البقرة: 222.
  • [7] ـ آل عمران: 76.
  • [8] ـ آل عمران: 134و 148ـ المائدة: 93.
  • [9] ـ آل عمران: 146.
  • [10] ـ آل عمران: 159.
  • [11] ـ الحجرات: 9و المائدة: 42و الممتحنة: 8..
  • [12] ـ التوبة: 4 و7.
  • [13] ـ التوبة: 108.
  • [14] ـ الصف: 4.
  • [15] ـ البقرة: 190.
  • [16] ـ البقرة: 205.
  • [17] ـ البقرة: 276.
  • [18] ـ آل عمران: 32.
  • [19] ـ آل عمران: 57و140
  • [20] ـ النساء: 36.
  • [21] ـ النساء: 107.
  • [22] ـ النساء: 148.
  • [23] ـ المائدة: 64.
  • [24] ـ المائدة: 87.
  • [25] ـ الأعراف: 31 والأنعام: 141.
  • [26] ـ الأعراف: 55.
  • [27] ـ الأنفال: 58.
  • [28] ـ النحل: 23.
  • [29] ـ الحج: 38.
  • [30] ـ القصص: 76.
  • [31] ـ القصص: 77.
  • [32] ـ الروم: 45.
  • [33] ـ لقمان: 18.
  • [34] ـ الشورى: 40.
  • [35] ـ الحديد: 23.
  • [36] ـ البقرة: 1ـ 4.
  • [37] ـ البقرة: 197.
  • [38] ـ البقرة: 189.
  • [39] ـ المائدة: 2.
  • [40] ـ المائدة: 8.
  • [41] ـ البقرة: 177.
  • [42] ـ الأعراف: 35.
  • [43] ـ الأعراف: 26.
  • [44] ـ الأنفال: 34.
  • [45] ـ النحل: 128.
  • [46] ـ البقرة: 194.
  • [47] ـ الأعراف: 35.
  • [48] ـ هود: 49.
  • [49] ـ الأعراف: 128.
  • [50] ـ الشعراء: 90.
  • [51] ـ النبأ: 31ـ32.
  • [52] ـ الفرقان: 15.
  • [53] ـ آل عمران: 133.
  • [54] ـ الليل: 5 ـ 7.
  • [55] ـ الطلاق: 2 ـ 3.
  • [56] ـ الطلاق: 4.
  • [57] ـ الأعراف: 96.
  • [58] ـ الأعراف: 201.
  • [59] ـ المائدة: 27.
  • [60] ـ البقرة: 282.
  • [61] ـ الأنفال: 29.
  • [62] ـ يونس: 6.
  • [63] ـ الطلاق: 5.
  • [64] ـ مريم: 72.
  • [65] ـ الزمر: 61.
  • [66] ـ آل عمران: 120.
  • [67] ـ آل عمران: 125.
  • [68] ـ آل عمران: 186.
  • [69] ـ الزمر: 18.
  • [70] ـ الأنبياء: 92.
  • [71] ـ الحجرات: 13.
  • [72] ـ تفسير القرطبي: 16/341.
  • [73] ـ تفسير القرطبي: 16/341.
  • [74] ـ الدر المنثور: 6/98.
  • [75] ـ تفسير القرطبي: 16/342.
  • [76] ـ الدر المنثور: 6/99.
  • [77] ـ بحار الأنوار: 73/293.
  • [78] ـ اصول الكافي: 2/307.
  • [79] ـ اصول الكافي: 2/308.
  • [80] ـ سنن أبي داود: 5121.
  • [81] ـ اُصول الكافي: 2/308.
  • [82] ـ سنن أبي داود: 5119.
تحميل الفيديو
الشيخ محمد مهدي الآصفي
المصدر
كتاب في رحاب القرآن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى