ثقافة

أهل البيت (ع) في موقع الدفاع عن التوحيد و العدل – الهيمنة الإلهية على حركة القضاء والقدر في الكون والتاريخ

عرفنا من قبل أنّ نظام (القضاء والقدر) هو النظام الحاكم على الكون والتأريخ. وبعد ذلك عرفنا أنّ هذا النظام هو نظام ربّاني من خلق الله تعالى وإبداعه. ثمّ قلنا إنّ هذا النظام قائم بالله تعالى في كلّ لحظة، وفي كلّ حال، ولم ينفصل ولم يستقلّ عن الله في لحظة واحدة والله تعالى هو القيّوم والقيّم على هذا النظام ويتّصل سلطانه ونفوذه وقيمومته على الكون. هذا ما ذكرناه من قبل، والآن نقول: إنّ علاقة الله تعالى بالكون لا تقف عند حدود القيمومة، وحفظ النظام ولكن الله تعالى هو (المهيمن) على الكون.

وتحتاج هذه الفقرة إلى شيء من التوضيح: إنّ نظام القضاء والقدر الحاكم في الكون ليس نظاماً ذا بعد واحد وإنّما هو نظام متعدّد الأبعاد، وكلّ بُعد منه يجري بموجب النظام بشكل قطعي ومتقن. والله تعالى مهيمن على هذه الأبعاد جميعاً. يمحو منها ما يشاء ويثبت وعنده أمّ الكتاب.

إذن: نظام القضاء والقدر في الوقت الّذي لا يتخلّف ولا يتزعزع، نظام خاضع لسلطان الله تعالى وهيمنته بالمحو والإثبات، فيثبت منه ما يشاء ويمحو منه ما يشاء ويغيره، وليس معنى المحو إلغاء نظام القضاء والقدر أو تعطيله، وإنّما معناه تبديله بغيره. وهذا أمر يدخل في حيّز سلطان الله تعالى المطلق. يقول تعالى: {يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}[1] فإذا شاء الله اهلك الطاغية ـ مثلا ـ فينتهي بذلك ظلمه وطغيانه وإِفساده في الأرض وإِن شاء أمَدَّ في عمره فيمتدّ بذلك ظلمه وطغيانه وإفساده في الأرض والنتائج لا محالة قطعية، ولكن الله مهيمن على الأسباب والمبادئ والهيمنة على الأسباب والمبادئ تؤدي بالضرورة إلى الهيمنة على النتائج، فهو سبحانه يمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء دون أن يكون معنى المحو تعطيل نظام القضاء والقدر ونظام الأسباب والمسببات.

والإنسان يتعامل مع نظام القضاء والقدر، ويتحرّك ويعمل، ويختار ضمن هذا النظام الخاضع لقيمومة الله تعالى وهيمنته المطلقة. فلا يمكن أن ينفصل أو يستقلّ عن إرادة الله ومشيئته في حركته وعمله في دائرة هذا النظام. كيف وهذا النظام متّصل بالله تعالى. وخاضع لقيمومته، وهيمنته في كلّ لحظة.

روى الصدوق في (التوحيد) عن عبد الله بن ميمون القداح، قال: دخل على أبي عبد الله الصادق (ع) أو أبي جعفر الباقر (ع) رجل من أتباع بني أميّة فخفنا عليه، فقلنا له: لو تواريت، وقلنا: ليس هو ههنا. قال (ع): «بل إئذنوا له فإنّ رسول الله (ص) قال: إنّ الله عزّوجلّ عند لسان كل قائل ويد كل باسط. فهذا القائل لا يستطيع أن يقول إلاّ ما شاء الله، وهذا الباسط لا يستطيع أن يبسط يده إلاّ بما شاء الله».

فدخل عليه فسأله عن أشياء وآمن بها وذهب[2].


أقرأ ايضاً:

الهوامش والمصادر

  • [1] ـ الرعد: 39.
  • [2] ـ التوحيد: للصدوق: 337/3.
تحميل الفيديو
الشيخ محمد مهدي الآصفي
المصدر
كتاب في رحاب القرآن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى