ثقافة

الحتميتان – الاستغلال السياسي للحتمية التاريخية

وقد وقع كل من هاتين الحتميتين في موضع الاستغلال السياسي من قبل الحكام والأنظمة بشكل واسع.

فإن الإيمان بالحتمية التاريخية والسلوكية يعطّل دور الإنسان الفاعل وإرادته في تغيير ظروفه المعيشية وتاريخه السياسي، ويحوّله من عنصر فاعل ومؤثر في تغيير حركة التاريخ، وتغيير ظروفه الاجتماعية والمعيشية إلى عنصر عائم في تيار التاريخ والحياة، يجري حيث يجري التيار.

وهذا النوع من التفكير ينفع الأنظمة السياسية الاستبدادية عادة. فلا تكاد تبرز معارضة ظاهرة للنظام السياسي، في وسط اجتماعي يؤمن بالحتمية والجبر بهذه الصورة.

ولهذا السبب تلقى النظرية الحتمية في التاريخ تأييداً ودعماً من الأنظمة المعروفة بالاستبداد السياسي غالباً. ويشجّع الحكام هذا التوجه الفكري في مسألة القضاء والقدر ليأمنوا من غضب الناس وثورتهم واعتراضهم.

فلا مجال للغضب والسخط والاعتراض لأحد، إذا كان ما يجري من الظلم وسفك الدماء يجري بقضاء الله وقدره، ولم يكن لأحد من الناس قدرة في تغييره وتعديله.

بنو أُميّة والحتمية السلوكية والتاريخية:

والمعروف أنّ بني أميّة كانوا يتبنّون الاتجاه الجبري في تفسير التاريخ والسلوك، ويوجّهون كل ما يحدث في الساحة السياسية بأنّ ذلك من قضاء الله تعالى الذي لا رادَّ لقضائه ولا يحق لأحد أن يعترض عليه، ولا يملك أحد أن يصدّ عنه.

وكان الحسن البصري يميل إلى مخالفة بني أُميّة في مسألة (القدر) ويرى أنّ الناس أحرار في تقرير مصيرهم، وليس عليهم قضاء حتم من الله تعالى، وكان يجاهر برأيه هذا أحياناً، فخوّفه بعضهم بالسلطان.

روى ابن سعد في الطبقات عن أيوب قال: نازلت الحسن في القدر غير مرة، حتى خوّفته من السلطان، فقال: لا أعود فيه بعد اليوم[1].

والسلطان الذي كان يحكم الناس في عهد الحسن البصري هو سلطان بني أميّة. ويظهر أنّ بني أميّة كانوا يتبنون مذهب الحتمية التاريخية والسلوكية إلى حدود الإرهاب والتعسف.

ومن عجب أنّ أئمّة الشرك كانوا يوجّهون شركهم بالله وعبادتهم للأوثان ودعوتهم إليها بمثل هذه الحتمية.

يقول تعالى عن لسانهم: {وَقَالُوا لَوْ شَاء الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُم مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاّ يَخْرُصُونَ}[2].


أقرأ ايضاً:

الهوامش والمصادر

  • [1] ـ طبقات ابن سعد 7: 123، ط. ليدن.
  • [2] ـ الزخرف:20.
تحميل الفيديو
الشيخ محمد مهدي الآصفي
المصدر
كتاب في رحاب القرآن

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى