ثقافة

الحتميتان – الحتمية التاريخية والحتمية الكونية

في التاريخ العقلي الفلسفي نلتقي نظريتين تنطلقان من منطلق الحتمية.

إحداهما: تخص السلوك الإنساني، الفردي والاجتماعي خصوصاً.

والأخرى: تتعلّق بالنظام الكوني عموماً.

فتتجه النظرية الأولى إلى الإيمان بحتمية السلوك الإنساني وتعطيل إرادة الإنسان، وسلب أي دور لإرادته في سلوكه.

وتتجه النظرية الثانية إلى تثبيت الحتمية في النظام الكوني بشكل عام، وتذهب إلى أن الكون كلّه يتحرك ضمن نظام دقيق بموجب قانون العلّية. وهذا النظام يجري ضمن حلقات متسلسلة، كلّ حلقة منها ترتبط بالحلقة السابقة واللاحقة. ضمن نظام حتمي لا يمكن أن يتغير ولا يمكن أن يتخلف، ولا يمكن أن تتدخل إرادة أحد ـ مهما كان ـ في تغييره، ولو افترضنا أنّنا اطلعنا على رؤوس هذه الحلقات في النظام الكوني العام، وأمكننا قراءة التسلسل النظامي لحلقات هذا النظام، أمكننا التنبؤ بكل ما يجري في الكون من الأحداث إلى أن ينتهي أمد هذا الكون.

وهاتان النظريتان تجريان في كل من الاتجاهين الفكريين المعروفين; الاتجاه الإلهي، والاتجاه المادي على نحو سواء.

فإنّ طائفة من الذين يؤمنون بالحتمية في سلوك الإنسان وتاريخه يؤمنون بالله تعالى، ويذهبون إلى أن مصدر هذه الحتمية هو الله تعالى. بينما يذهب آخرون من الاتجاه المعاكس (الاتجاه المادي) إلى نفس النتيجة من منطلق قانون العلّية أو النظام الفكري الديالكتيكي (الهيگيلية ـ الماركسية).

فيذهب كل من هذين الاتجاهين إلى الحتمية في سلوك الإنسان وتاريخه على نحو سواء.

وكذلك الحتمية الثانية (الحتمية الكونية) لا تختص بهذا الاتجاه أو بذلك الاتجاه. فمن الممكن أن يذهب إلى هذه الحتمية أصحاب الاتجاه المادي أو الإلهيون.

واليهود من (الإلهيين) الذين يذهبون إلى هذا الاتجاه في الحتمية الكونية.

يقول تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَان}.

كما أنّ في المسلمين طائفة واسعة وكبيرة وهم (الأشاعرة) يذهبون إلى هذه الحتمية في سلوك الإنسان، بشكل أو بآخر.

والماركسيون من الاتجاه المادي يذهبون إلى هذه الحتمية في تاريخ الإنسان.

النتائج السلبية لهاتين الحتميتين:

هاتان الحتميتان تؤديان إلى نتائج سلبية في التاريخ العقلي للإنسان، كما تؤديان إلى نتائج سلبية في التاريخ السياسي للإنسان. فإنّ النتيجة التي تؤدي إليها هاتان الحتميتان بالضرورة هي افتراض وجود نظام قاهر في الكون، يمتنع على كلّ تعديل وتغيير وتبديل، وهو بمعنى تعطيل سلطان إرادة الله تعالى، وعدم الاعتراف بنفوذ سلطانه تعالى على النظام الكوني. هذا في الحتمية الكونية.

والنتيجة الضرورية التي تؤدي إليها الحتمية السلوكية والتاريخية للإنسان هي الإيمان بتعطيل إرادة الإنسان.

وهاتان نتيجتان خطيرتان تترتبان بالضرورة على هاتين الحتميتين.

أقرأ ايضاً:

تحميل الفيديو
الشيخ محمد مهدي الآصفي
المصدر
كتاب في رحاب القرآن

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى