ثقافة

موارد التعميم – التعميم في الشهود والحضور

وتتجاوز هذه السُّنَّة الإلهية في التعميم حدود المسؤولية والإِدانة والثواب والنسبة، وتنسب إليهم الشهود والحضور، فتنسب إلى الغائبين الحضور والشهود للموقع الذي غابوا عنه، وتفصلهُ عنهم مئات السنين والمسافات الممتدة الطويلة.

والشهود والحضور أعمق مراتب التعميم.

يقول الشريف الرضي في (نهج البلاغة): لما أظفر الله تعالى أميرالمؤمنين (ع) بأصحاب الجمل قال له بعض أصحابه: وددتُ أن أخي فلانا كان شاهداً ليرى ما نصرك الله به على أعدائك.

فقال (ع): >أهوى أخيك معنا؟ قال: نعم. قال فقد شَهدنا. ولقد شهدنا في عسكرنا هذا قوم في أصلاب الرجال وأرحام النساء، سيرعف الزمان بهم، ويقوي بهم الإيمان»[1].

وفي النهروان بعد أن أستتبت المعركة، وانتهت فتنة الخوارج تمنى أحد أَصحابهِ أن يكون قد حضر أخ له المعركة.

فقال (ع): >لقد شهدنا في هذا الموقف أناس لم يخلق الله آباءهم<[2].

ورحم الله السيد الحميري يعكس هذا الوعي العميق للتاريخ، وإِرتباط الخلف بالسلف وتعميم الحضور في تاريخ الآباء للأبناء… في أبيات من الشعر، كلها وعي، ومعرفة. يقول :

إنّي أدين بما دان الوصي[3] به يوم الخريبة[4]من قتل المحلينا

وبالذي دان يوم النهر[5]دنت به وشاركت كفّه كفّي بـ(صفينا)

تلك الدماء معاً يا ربِّ في عنقي ومثلها فاسقني آمين آمينا[6]

وروي عن أبي جعفر الثاني (ع):

«من شهد أمراً فكرهه كان كمن غاب عنه، ومن غاب عن أمر فرضيه كان كمن شهده»[7].

إن (الرضا) يُحضّر الغائب البعيد عبر القرون و(السخط) يغيّب الحاضر الشاهد.

وعن الرضا (ع): >من غاب عن أمر فرضي به كان كمن شهده وأنساه<[8].


أقرأ ايضاً:

الهوامش والمصادر

  • [1] ـ نهج البلاغة خطبة 12.
  • [2] ـ بحار الأنوار 71: 262 ح 5 و6.
  • [3] ـ الوصي = أمير المؤمنين.
  • [4] ـ الخريبة = موضع بالبصرة كانت به واقعة الجمل، ذكره ياقوت واستشهد بالبيت.
  • [5] ـ يوم النهر = النهروان.
  • [6] ـ أخبار السيد الحميري للمرزباني: 178، أعيان الشيعة للسيد الأمين 3: 416.
  • [7] ـ تحف العقول: 100 وبحار الأنوار 100: 81 ح 38.
  • [8] ـ وسائل الشيعة 16: 139 ح5 عن العلل والتوحيد وعيون الأخبار.
تحميل الفيديو
الشيخ محمد مهدي الآصفي
المصدر
كتاب في رحاب القرآن

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى