ثقافة

أدب العودة إلى الله – الحزن والبكاء

وبقدر ما يكون الإنسان، في رحلة العودة إلى الله، خائفاً مما يستقبله من العذاب والعقاب يكون حزيناً على ما فرط في ما تقدَّم من عمره، يحزن على ما سلف منه، ويخاف على مستقبله. ولا ينفك الحزن عن الخوف، وهو يبكي على هذا أو ذاك. تأملوا في هذه الفقرات من دعاء الأسحار للإمام علي بن الحسين زين العابدين (ع):

«وأعنِّي على البكاء على نفسي. فقد أفنيت بالتسويف والآمال عمري. وقد نزلتُ منزلةَ الآيسينَ من خيري.

فمنْ يكونُ أسوأ حالا منّي، انْ أنا نقلتُ على مثل حالي إلى قبر لم أُمهِّدُهُ لرقدتي ولم أفرشهُ بالعملِ الصّالحِ لضجعتي.

ومالي لا أبكيَ؟ ولا أدري إلى ما يكونُ مصيري؟، أرى نفسي تخادعُني، وأيامي تخاتلُني، وقد خفقت عند رأسي أجنحةُ الموتِ.

فمالي لا أبكي؟ أبكي لخروج نفسي. أبكي لضيق لحدي. أبكي لسؤال منكر ونكير إياي، أبكي لخروجي من قبري عُرياناً، ذليلا، حامِلا ثقلي على ظهري. أنظرُ مرةً عن يميني، وأخرى عن شمالي إذ الخلائقُ في شأن غيرِ شأني. لكلِّ إِمرِئ منهم يومئذ شأن يعنيه. وجوه يومئذ سافرة، ضاحكة مستبشرة، ووجوهٌ يومئذ عليها غَبَرة، ترهقها قترةٌ وذلةٌ».

وفي هذا النص نقاط نحتاج إلى وقفات قصيرة:

يقول الإمام (ع): «وأعنّي على البكاء على نفسي».

إن مواصلة الذنب والمعصية تُقُسِّي القلب، فإذا قسا القلب وتحجَّر انغلق على رحمة الله تعالى.

والحزن والبكاء، بعكس ذلك يرقّقان القلب. وإذا رقَّ القلب انفتح على رحمة الله.

وفي رحلة التوبة يجب على الإنسان أن يتخلص قبل كل شيء من قسوة القلب، ويرقق قلبه بالحزن والبكاء: «فقد أفنيت بالتسويفِ والآمالِ عمري».

وأخطر شيء على الإنسان «طول الأمل» فإنه يمدّ أمام الإنسان فسحة العمر، ويشغله بالآمال، ويغيّب عنه الموت، ويبعده عن عينه، وكل ذلك يتم في دائرة الوهم والأماني والآمال.

فإذا استقر هذا الوهم في نفس الإنسان بدأ الإنسان يسوّف في كل ما يتعلق بالآخرة، ويعجل في كل ما يتعلق بالدنيا، فيفني حياته بالتسويف والآمال… وهكذا تخادعنا أنفسنا، وتخاتلنا أيامنا:

«وأرى نفسي تخادعني وأيامي تخاتلني».

إن نفس الإنسان تخدع صاحبها بهذا الوهم الكاذب، فتقرب له البعيد، وتبعّد له القريب، فتسلب صاحبها الرؤية الصحيحة.

وأيّامه تخاتله، وتنقص من عمره، خلسة وختلة، من دون أن يشعر بهذا النقص، فتوهمه بالبقاء والدوام وتسلبه أجزاء من عمره حتّى تأتي عليها غيلة وخفية، دون أن يشعر بذلك. ويقع الإنسان فريسة لهذا الوهم من جانب، والمخاتلة والإِغتيال من جانب آخر.

ومن عجب أنه، مع ذلك، يشعر بأجنحة الموت تخفق عند رأسه، كما يشعر الصيد الَّذي يلاحقه الصقر، ويخفق على رأسه بأجنحته تشعره، بدنو أجله، ومع ذلك لا يريد أن يفارق هذا الوهم: «وقد خفقت عند رأسي أجنحة الموت».

أقرأ ايضاً:

تحميل الفيديو
الشيخ محمد مهدي الآصفي
المصدر
كتاب في رحاب القرآن - الهجرة والولاء

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى