ثقافة

أدب العودة إلى الله – العزم على العودة

ومن ضرورات هذه الرحلة العزم والإصرار على العودة، فهي رحلة شاقة، وذات شوكة، يتجاوز فيها الإنسان نفسه أولا، وهذا أشق ما في هذه الرحلة، ويثبت فيها ثانياً بفضل الله ورحمته من دون استحقاق واستيجاب فإن لم يثبت، ولم يعزم، ولم يصر على نيل مرضاة الله تعالى لا ينال ما يريد. ومرة أخرى أقول: ليس في رحمة الله تعالى وفضله شح وبخل، وإنما لابد أن يُوَطِّن الإنسان نفسه لنزول رحمة الله، واستقبال عفوه وفضله الَّذي يفيض على العباد فيضاً.

ومن شروط هذا التوطين والإعداد النفسي العزم والإصرار على العودة إلى الله. فلنتأمّل في هذه النصوص من أدعية أهل البيت^ز

النص الأول:

وفي النص التالي، من دعاء أبي حمزة الثمالي، نلتقي هذا المشهد العجيب من مشاهد العزم والإصرار على العودة:

(فو عزَّتِكَ يا سيّدي لَو نَهرتَني ما بَرحْتُ من بابكَ، ولا كففتُ عن تملّقِكَ، لِما انتَهى إليّ منَ المعرفةِ بجودكَ وكرمكَ. وأنت الفاعلُ لما تشاءُ، تعذِّبُ من تشاءُ بما تشاء، وترحمُ من تشاء بما تشاءُ، كيف تشاءُ).

وهذا النص يتضمن أمرين: (العزم) و(المعرفة)، ولا يتم العزم من دون المعرفة. ولابد من أن تستتبع المعرفة العزم فهما متلازمان.

أما العزم: «فَوَ عزتِك يا سيدي لو نَهَرْتَني ما برحتُ من بابِك، ولا كففتُ عن تملقِك». وهو عزم، وأي عزم؟ لو نهرتني عن بابك ما كففت عن تملّقك.

أما المعرفة: فهو «لِما انتَهى إليّ منَ المعرفةِ بجودكَ وكرمكَ، وأنت الفاعلُ لما تشاءُ، تعذِّبُ من تشاءُ بما تشاء كيف تشاء، وترحمُ من تشاء بما تشاءُ، كيف تشاءُ».

وهذه معرفة بأمرين، لا سبيل إلى التشكيك فيهما:

الإيمان بجوده وكرمه تعالى: «لما انتهى إليّ من المعرفة بجودك وكرمك».

والإيمان بسلطانه المطلق الَّذي لا يَحِدَّهُ شيء ولا يعجزه شيء: «وأنت الفاعل لما تشاء… الخ».

فإذا آمن الإنسان، بهذا أو ذاك، آمن بجود الله وكرمه، وآمن بسلطانه المطلق… فلا يكاد يتردد في العودة إلى الله تعالى، واللجوء إلى كرمه، ولا يكاد يداخل عزمه ويقينه خلل أو شك. وهل يبخل الله تعالى عليه برحمته وهو الجواد الكريم، أم يقصر عن ذلك سلطانه تعالى وقوّته وهو الفاعل لما يشاء.

النص الثاني:

وفي الدعاء الذي علّمه زين العابدين علي بن الحسين (ع) لأبي حمزة الثمالي، رحمه الله نلتقي بالنص التالي، وهو مشابه للنص الأول:

1ـ «فو عزتِكَ لَو انتَهرتَني ما بَرحْتُ من بابكَ، ولا كففتُ عن تملّقِكَ، لما أُلْهِمَ قلبي منَ المعرفةِ بكرمكَ وسعة رحمتِكَ».

2ـ «إلى منْ يذهبُ العبدُ؟ إلاّ إلى مولاهُ، وإلى من يلتجئ المخلوقُ؟ إلاّ إلى خالقه».

3ـ «إلهي لو قَرَنْتَني بالأَصفادِ، وَمَنعتَني سيبكَ من بينِ الأَشهادِ، ودَلَلْتَ على فضائِحي عُيُونَ العبادِ، وأَمَرْتَ بي إلى النَّارِ، وَحُلتَ بيني وبينَ الأبرارِ ما قَطَعْتُ رجائِي منكَ، وما صَرَفتُ تأمِيلِي للعفوِ عنكَ، ولا خرج حُبُّكَ مِنْ قَلبِي».

وهذه الفقرات الثلاث المتعاقبة في هذا الدعاء الشريف من روائع أدعية الإمام علي بن الحسين (ع)، وهي تتضمن العزم والإصرار أولا، والإنقطاع إلى الله ثانياً، والرجاء والحب ثالثاً، والمعرفة: رابعاً.

أما العزم: «فوعزتِكَ لَو انتَهرتَني ما بَرحْتُ من بابكَ…» أما الانقطاع إلى الله: إلى من يذهب العبد إلاّ إلى مولاه…» أما الرجاء والحب: «لو قرنتني بالأصفاد ومنعتني سبيلك من بين الأشهاد… ما قطعت رجائي منك، ولا خرج حبك من قلبي…».

وأما المعرفة: (لما أُلهِمَ قلبي من المعرفة بكرمك وسعة رحمتك)

أقرأ ايضاً:

تحميل الفيديو
الشيخ محمد مهدي الآصفي
المصدر
كتاب في رحاب القرآن - الهجرة والولاء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى