ثقافة

حركة الإمام المهدي عليه السلام والحتمية الإلهية

الحتمية الإلهية

عندما يريد الإنسان أن يتحدّث عن العقيدة المهدوية ربما يقع أمام نظر الباحث موضوع علاقة حركة الإمام المهدي عليه السلام بالحتمية الإلهية.

ونقصد باصطلاح (الحتمية الإلهية) البحث عن حلقة التغيير والتكوين الاجتماعي في المجتمع الإنساني، كما يمكن أن يعبر عنه في حلقات فلسفة التأريخ. 

ففي الإيديولوجية الماركسية وحينما يتحدّثون عن تطور المجتمعات الإنسانية تحت عنوان قانون الحتمية الديالكتيكية التاريخية فهم يتعرضون إلى نقطة مهمة في عملية تطور المجتمع من دور إلى دور حتّى يصلوا بالمجتمع الإنساني في تطوره وارتقائه إلى مرحلة الحتمية التاريخية، والتي يتحقق بها المجتمع الشيوعي في نهاية المطاف.

وإننا عندما نقرأ المفهوم الإسلامي للعالم وفلسفة التأريخ نجد أن الإسلام عنده (الحتمية الإلهية) ضمن رؤيته العقائدية التي يفسر بها عملية التغيير الحضاري والتطور الاجتماعي في مجتمعات الإنسان.

وبما إنني لم أقصد من هذا البحث الحديث عن تلك القوانين الاجتماعية المؤثرة في تكوين نوعية الطبقة الاجتماعية وتسلسل تلك الطبقات، وإنما أتحدّث عن حلقة واحدة بشكل إيجازي _ بما يقتضيه ويتحمله الوقت الضيق _ عن دور حركة الإمام المهدي عليه السلام فيلزمنا البحث عن ملامح هذه الحتمية ودور هذه الحركة في تحقيق المستقبل الواعد لتاريخ البشرية.

ملامح الحركة المهدوية

لو قرأنا كلَّ ما كُتِبَ عن الإمام المهدي عليه السلام سواء في الفكر الإمامي، أو الفكر الإسلامي غير الإمامي بل وحتّى الفكر غير الإسلامي، فإنّ أوضح ما يمكن أن يتحدّثوا عنه هو التغيير الذي سوف يحدث بسبب حركة الإمام عليه السلام، هذا أوّلاً.

والشيء الثاني من تلك الحركة، هو أن تكون تلك الحركة خاتمة الحركات التغييرية في الأمم والمجتمعات الإنسانية، بما يمكننا أن نقول: إن الحلقة الأخيرة في الحركة التغييرية التاريخية لتطور المجتمع الإنساني ككل سوف تنتهي بحلقة ظهور الإمام المهدي عليه السلام، وتبعاً لهذه الحقيقة يتضح أنّ حركة الإمام غير مسبوقة _ لا كمَّاً ولا نوعاً _ بحركة تغييرية أخرى، وهو المُعبَّر عنه دينياً بالنص النبوي المأثور والمجمع عليه في الفكر الإسلامي عموماً سواء الشيعي أو السنّي بما رووا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنه يظهر فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً.(١)

وموضوع كيفية وتحديد نوع امتلاء الأرض بالعدل الإلهي إضافة إلى موضوع شرح وتوضيح نوع امتلاء الأرض قبل ظهوره عليه السلام بالظلم والجور الإنساني الذي يفعله الإنسان الخاطئ، (سواء الخاطئ عن عمد أو الخاطئ عن غير عمد) يحتاج إلى بحث لسنا الآن بصدد الحديث عنه، لأن هذا موضوع في الواقع بكر ويلزم أن نتطرق إليه بتفاصيله، ويحتاج إلى وقت مفصل للحديث عنه.

تكامل الأدوار

أما الذي أردت أن أبيّنه في هذه اللحظات والدقائق هو أن هذه النقاط التي تحدّثت عنها تخصّ نوعية هذه الحركة الختامية لمجتمع الإنسان. 

يعتمد الإنسان الذي يريد أن يدرس حركة الإمام المهدي عليه السلام، على توضيح وفهم مركّز لكيفية ظهور هذه الحركة، ومدى أممية هذه الحركة، وسعة حركة الإمام عليه السلام. 

والشيء الذي يمكننا أن نتحدّث عنه باختصار هو أن التأريخ الإنساني بحلقاته المتقدمة سوف يصل إلى مستوى يؤهل الإنسان النوع _ ولا أقصد الإنسان الفرد _ ليكون أهلاً ومستحقاً ليحكمه العدل المهدوي.

وبتعبير آخر يعطيك جواباً عن سؤال يقول: لماذا لم يظهر الإمام المهدي في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولماذا لم يكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو المهدي؟ وهناك سؤال آخر يطرح نفسه شبيه بالسؤال الأوّل بما يتلاءم مع عقائد الشيعة الإمامية وهو: لماذا لم يكن الإمام عليّ وهو سيد الأئمّة وأبو الأئمّة وخير الأئمّة سلام الله عليهم جميعاً، لماذا لم يكن هو الإمام المهدي؟

وهكذا لو أردنا أن نجري السؤال على كل إمام من الأئمّة المعصومين عليهم السلام.

الواقع أن كل واحد منهم (سلام الله عليه) له دور تأريخي في تطوير حياة الإنسان، وفي تأهيل المجتمع الإنساني لكي يدخل دوره الخاص الذي يوصله إليه الإمام المتقدم.

وبتعبير أوضح أنه دور النبي صلى الله عليه وآله وسلم دوره الإلهي في إيصال البشرية إلى مستوى معين ومحدد.
وقلت إن هذا الموضوع مهم ومفصل واني لا أقصد من هذا الحديث دراسة فلسفة التأريخ برؤية دينية إسلاميّة، ولذلك فأنا أشير إشارات عامة إليه فقط من أجل أن أصل إلى النتيجة التي أتحدّث عنها.

إذن كان للنبي صلى الله عليه وآله وسلم دوره الرباني الخاص به وهو تأهيل البشرية لمستوى يمكن أن تتحمل ولاية عليّ بن أبي طالب، ثمّ كان لأمير المؤمنين عليه السلام دوره الذي سلمه للإمام الحسن، وهكذا الأئمّة من بعده، مع التنبيه إن تشخيص هذه الأدوار يحتاج إلى بحث مستقل. 

ولكن هناك دور قد اشترك فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأمير والأئمّة الباقون في تأهيل البشرية لتكون مستحقة لتولي الإمام المهدي الدور الكبير الذي هو جامع لجميع أدوار الإمامة، يعني أن من مهمات النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومهمات الأئمّة الباقين _ فضلاً وإضافة إلى مهماتهم الخاصة الأخرى التي نبهنا عنها _ دوراً آخر في المجتمع هو من أجل أن يتقبلوا مشاريع التغيير العظيمة التاريخية حينما ويصلوا إلى مستوى الذي يؤهلهم لذلك، بل أن يصلوا إلى مستوى تحقيق الطرح الميداني لإمامة الإمام المهدي عليه السلام. 

أي أنه لو لم يكن الأئمّة السابقون يقومون بهذا الدور لما كانت البشرية مؤهّلة لاستقبال دورها في ظل إمامة الإمام المهدي عليه السلام.

على كل حال، فالإمامة بالنسبة للإمام المهدي لم تكن منحصرة بالظهور، وإنما دوره في الظهور وقبل الظهور، والذي أخذ أبعاده عليه السلام من يوم ولادته إلى الغيبتين الصغرى والكبرى، ولذلك نجد كل هذه الخصوصيات المتعلقة في هذه المرحلة من تأريخ الإنسانية هذه قد وردت على لسان النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلى لسان الأنبياء الذين سبقوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم، حتّى أننا نجد ذكر المهدي عليه السلام بالكناية أو بالأسماء التي ذكرت بالكتب السماوية، فإننا لو قرأنا بإمعان وتدبر فسوف نجد تلك الأسماء موجودة في كتب السماء في التوراة والإنجيل. 

وقد ألفت كتب خاصة في ذكر الآيات الإنجيلية والآيات التوراتية التي ذكرت الإمام المهدي عليه السلام.(٢)
أي أن هذا الدور لم يبتدئ بالنبي، وإنما كان هذا الدور قد قام به الأنبياء من قبل أيضاً. 

فإن جميع الرسالات السماوية قد اهتمت بتربية البشرية من أجل ارتقائها للمستوى الذي تتقبل به العقيدة المهدوية أوّلاً، والحركة المهدوية التي تتعمق وتترسخ عندما يظهر عليه السلام، ومعنى هذا أن لدينا مرحلتان؛ مرحلة العقيدة، ومرحلة إجراء العقيدة في الواقع، وتنفيذ تلك العقيدة على أرض الواقع حالياً، وتنفيذها عندما يظهر عليه السلام فيتم بذلك (أن يملأ الأرض قسطاً وعدلاً)، وتتم الخاتمة في حركات الطبقات الاجتماعية لرؤية دينية سواء كانت إسلاميّة أو غير إسلاميّة. 

مراحل تأهيل المجتمع

نلاحظ أيضاً، بعدما وضحنا هذه الحقيقة أن حركة الإمام عليه السلام هي الحلقة الأخيرة لنهضة المجتمع الإنساني وتطوره، فنقول حينئذٍ لا بدّ من تأهيل الإنسانية للحلقة الأخيرة من تطورها. فهناك تصور واضح أن المجتمع الذي يظهر فيه الإمام يختلف عن المجتمعات السابقة عليه. فالمجتمع الذي يظهر فيه الإمام، (ولا أقصد المجتمع الذي يصنعه الإمام، عندنا مجتمع يسبق الإمام، وعندنا مجتمع ينهض فيه الإمام، وعندنا مجتمع يصنعه الإمام عليه السلام).

فالمجتمع الذي يكون قبل ظهور الإمام هو المجتمع الأوّل، وهو ممتد بعصر الإنسانية إلى مستوى أن تظهر علامات ظهوره عليه السلام. 

وبتعبير آخر: نريد أن ندرس علامات الظهور دراسة أكاديمية واضحة، تحدد الفلسفة الواقعية لحركة الإمام. 

إن الإنسانية قبل الظهور تكون بمستوى غير مؤهل لاستقبال حركة الإمام، ولذلك لم يظهر الإمام، ولذلك لم يكن الإمام هو النبي، ولم يكن هو الأمير، ولم يكن الإمام عليه السلام هو أحد آبائه عليهم السلام، لأن البشرية غير مؤهلة لهذه النهضة، ولكن الأئمّة عليهم السلام قد سعوا لإيجاد هذا المجتمع الذي يكون مؤهلاً ليظهر فيه الإمام، فعندما يتكامل المجتمع الإسلامي في أطواره الارتقائية في الغيبة الصغرى وما بعدها، فإذا تكامل هذا المجتمع في الغيبة الكبرى فحينئذٍ تبدأ المرحلة الثانية، وهي مرحلة الظهور.

ففي مرحلة الظهور يكون المجتمع الإنساني عموماً مؤهلاً بشيئين، وببعدين، وبعنصرين يملكان ويحكمان المجتمع:
العنصر الأوّل: هو العنصر المخطئ، الذي يعبر عنه بالظلم والجور، حيث تمتلئ الأرض ظلماً وجوراً. 

والعنصر الثاني: الذي نقرأه في الروايات أن الإمام المهدي لا يظهر إلاّ بعد أن تتكامل له قواعده التي يتحرك بها في نهضته وحركته.

وقد يتصور البعض أن القواعد محدودة بعددٍ معين، باعتبار أن لدينا روايات وبعضها معتبرة من حيث سند الحديث الروائي، وبعضها يسند تلك الروايات بنوع من الإسناد وتقول جميعها أن عدد الذين ينتظرون ظهوره عليه السلام (٣١٣) كعدد أهل بدر.

وهؤلاء الـ (٣١٣) يعبر عنهم بأسمائهم في بعض الروايات الموجودة في كتاب بشارة الإسلام، ومختصر كفاية المهتدي وغيرهما بأسمائهم وأوطانهم.(٣)

وأنا لديّ ملاحظات على هذا الأمر من كون تلك الأسماء هل هي رمزية أم هي واقعية تعبر عن أشخاصهم؟ وكذلك المدن هل هي تعبر عن بُعْد رمزي للمناطق التي يظهر هؤلاء بها، أم هي تعبر عن أسماء موجودة في الواقع وموصوفة ومشخصة؟ هذا الموضوع بنفسه يحتاج إلى وقت.

وهل المنتظرون له فقط (٣١٣) أم هم أكثر بكثير وإنما هؤلاء هم قادة المجتمع الإيماني الذي يظهر قبل الإمام.
أي أنه كما نقرأ في الروايات فإن الوجود الإنساني الاجتماعي سوف يمتلئ بالظلم والجور، فإنه سوف يكون هناك مساحات واسعة من الإيمان والإنسان المؤمن، ويفترض في هذه المساحات أن توجد بدون تحديد عددي فإن الروايات لم تحدّد سعة هذه المساحة، وإنما ذكرت وجود هذه المساحة التي يقوم فيها الإمام بالتغيير. 

وطبعاً فإن عندنا شواهد وروايات كثيرة تنص على هذه الحقيقة، وبعضها كان قد طبق في زمان الأئمّة عليهم السلام مثل الروايات المروية عن الإمام الصادق عليه السلام والتي تقول: إن الإمام لا يظهر إلاّ في مجتمع خاص يكون مؤهّلاً لحكومة الإمام، ولقيادة الإمام.(٤)

إذا توفّر هذان العنصران: (العنصر الأوّل القادة، والعنصر الثاني القاعدة التي تحكمها تلك القيادة) فمعناه أنه قد تكوّن مجتمع ما قبل الظهور، ولكيفية تحقق ذلك، وكيف نعرف أنه قد تحقق العنصران المرتقبان المنتظران؟ فإننا نعرف ذلك من خلال تحقق علامات ذكرها الأئمّة عليهم السلام وأن هذه العلامات تدل على ذلك المجتمع الذي سوف يكون على يديه التغيير الإلهي والحتميّة الإلهية. 

منبع التغيير

من الطبيعي في هذه المرحلة عندما نتحدّث عن عملية التغيير لا بدّ أن نتذكر دور الإنسان في التغيير، وهنا بحث سياسي واجتماعي وفقهي على مستوى ثقافي واسع، في أنّ الأهمية في التغيير هل تعود إلى الأمّة؟ أم أن الأهمية تعود إلى القائد؟ يعني من هو الذي يغير؟ هل أن الإمام أو القائد هو الذي يغيّر الأمّة، أم أن الأمّة هي التي تغيّر القائد؟

يعني علينا أن نكثف جهودنا على أي الاثنين؟ لإيجاد أي واحد من الاثنين؟ هل نكثف الجهد في إيجاد الإنسان القائد؟ أم نكثف الجهد في إيجاد الأمّة القائدة؟ هذا الموضوع موضوع مهم جدّاً سواء على المستوى الفكري أو المستوى الميداني والعملي. 

فإذا قلنا _ نحن كأناس نعيش في الأمة وكمكلفين _ إن الذي يقود التغيير الإمام، إذن فما هو دور الأمّة؟ وما هو دور الفرد في الأمّة؟ وأما إذا قلنا أن المغير هو الأمّة، فسوف يكون تحركنا تحركاً آخر في التغيير من إيجاد الأمّة القادرة على التغيير. 

هذا الموضوع من الأهمية بمكان، لا أريد أن أشخص كل أبعاد هذا الموضوع أيضاً، وإنما قد عنونت من قبل هذه الحقيقة، وقد أوفق في أيام أخرى أو أنتم تبحثون وراء هذه العناوين بالتفتيش عن معرفة الحقائق المغيرة. 

هذا الطرح والاستفهام له واقع أيضاً، وليس هو على مستوى النظريّة فقط، فالأمّة الإسلاميّة أمّة مكلفة، والإمام هو المغير، ولكن الإمام قبل الظهور وفي عصر الغيبة والإمام في عصر المعصوم، هو غير الإمام بعد الظهور. 

وهذا موضوع مهم جدّاً ويحتاج إلى وقت مفصّل لأجل توضيح جميع خصوصيّاته، لا أخالني أملك الوقت الكافي لأتّعرض لكل أبعاد هذه النظريّة، وإنما أشير إليها إشارة لأجل إعطاء البُنى الأساسية لنظرية حتميّة ظهور الإمام عليه السلام بتكامل الإنسان من أجل أن يأخذ الإنسان موقعه الأصلي في الحياة، فيتم قوله تعالى (إِنِّي جاعِلٌ فِي الأَْرْضِ خَلِيفَةً).(٥)

يعني أن الإنسان الخليفة إذا أراد أن يجسد الحقيقة الغائية للخلقة في الأرض، فإنما يتم له ذلك عندما تتم الغاية القصوى لظهور المجتمع المؤهل لاستلام قيادة الإمام عليه السلام.

عصر الظهور

إن هذا العصر الذي نتحدّث عنه هو عصر أو مرحلة الظهور، وقد ذكرت له علامات تحدّثت عن هذه المرحلة، ثمّ بعد ذلك وعندما تنتهي هذه المرحلة التي نعيش _ ولله الحمد _ أبعادها في عصورنا المتأخرة، وهي مرحلة علامات الظهور أو مرحلة بداية الظهور إنما هي مرحلة مهمّة، أمّا متى تبتدئ وإلى أين تنتهي فهذه تحتاج أيضاً إلى وقفة، لنعرف هل هي بالفعل بدأت، فمتى بدأت؟ 

بعضهم ممن كتب عن الإمام يعتبر أنّ هذه المرحلة بدأت منذ العبّاسيين مع ظهور الحركة العباسيّة ضد الأمويين، والبعض الآخر يعتبر أنّ هذه الحركة بدأت في عصور متأخّرة، كالعلامة المجلسي التي يعدّها بظهور الدولة الصفوية في إيران.(٦)

ولست الآن بصدد تشخيص بداية المرحلة فإنني قلت: إنّها تحتاج إلى أرقام تخصصيّة وتحتاج إلى تفاصيل كاملة من أجل أن نضع النقاط على الحروف، ولكني أقول بضرس قاطع إنّها سوف تنتهي بظهور الإمام عليه السلام، وأقول أيضاً بضرس قاطع إنّنا نعيش هذه المرحلة وفي وسط هذه المرحلة، ونحن الآن نعيش مرحلة التمهيد وتأهيل المجتمع لظهور الإمام عليه السلام. 

طبعاً لست الآن بصدد تحديد الوظيفة الشرعية لكل من حضر، أو أريد أن أحدّد الوظيفة الشرعية للمكلّف المسلم في هذه المرحلة، وإنّما يعتمد في ذلك على ما كتبه كثير من علمائنا في تحديد الوظيفة، هناك كتاب اسمه (وظيفة الأنام في غيبة الإمام)(٧) للسيد التقي الموسوي.

عصر التكامل

المرحلة الأخرى، وهي المرحلة العظمى في تأريخ الإنسانية، وهي الحتميّة أو نهاية الحتميّة، أو نهاية البداية لتطوّر الإنسانية، فإنها سوف تتم وتتكامل بظهور الإمام عليه السلام، وعلينا أن نلاحظ المجتمع الذي يقوده الإمام والذي يصنعه الإمام فإنه سوف يكون غير المجتمع الذي نحن فيه، فهناك عدّة جوانب بارزة في مجتمع الإمام، مثل التغيّر الكوني، وليس التغيّر الإنساني فقط الذي يحدث في مجتمع الإمام، بل إن بعض هذا التغيير يصنعه الإمام، والبعض الآخر تصنعه ملائكة الله، أو التكوين الإلهي. 

أنا أذكر النقاط التالية بشكل مجمل، وهي تبيّن كيف أنّ الإمام في نهاية المطاف التاريخي لمسيرة الإنسان التكاملية يغير كينونة الإنسان: 

أوّلاً: إن الإنسان كإنسان، وكنوع _ سواء أكان مسلماً أم غير مسلم _ سوف يصل في دولة الإمام المهدي عليه السلام إلى مستوى تتشخّص وتتميز فيه قوى الخير من قوى الشر، ولا يبقى في الأرض إنسان وسط، بل يكون الإنسان إما إنساناً خيّراً مطلقاً، وإما إنساناً شريراً مطلقاً.

هذا الحد لم يكن متوفراً قبل هذه المرحلة، فلم تكن البشرية قد وصلت إلى هذه المرحلة من الحدّية بين الخير والشر قبل مرحلة ظهور الإمام عليه السلام، وإنما سوف تصل البشرية إلى هذه الحدّية عندما تؤهل فتدخل آخر مرحلة من مراحل تغيير الإنسان للمجتمع الإنساني في ظهور الإمام عليه السلام.

ولذلك فسوف تتغير قوانين التحكّم، سواء أكانت تشريعية أم تنفيذية، حتّى أنها ستشمل بعض التشريعات السماويّة ويتغير وينقلب كثير من الموازين إلى ألوان أخرى، وبعض تلك التغييرات يشخصها الإمام عليه السلام نفسه ويتحرك بها الإمام بشخصه المقدس عليه السلام.

وأعطيك مثالاً لما يفعله الإمام، سواء فسّرناه على نحو الإعجاز أو فسرناه بأحد التفسيرات المعيّنة، تلك هي الروايات المتعددة في تغيير أصحاب الإمام، فقد جاء في إحدى تلك الروايات المرويّة عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال: (إذا قام قائمنا وضع يده على رؤوس العباد فجمع بها عقولهم وكملت به أحلامهم).(٨)

ويستخدم لغوياً (كمال الحلم) بمعنى العقل أيضاً، وهذا الكمال هو الكمال العقلي الذي سيصل إليه العباد وهم أفراد المجتمع الإنساني. هل كانت الرواية ترمز إلى أنّ تلك الحركة من يد الإمام عليه السلام يقصد بها يده الظاهرية المقدّسة؟ أم أن المقصود من يده مؤدى المجاز وجاء اللفظ على التعبير المجازي؟ فاليد مجازاً تعني القوة والسطوة التي يستخدمها الإمام، ومعنى هذا أن القوّة هي التي تكون السبب المركزي لكمال العقول، وتكامل العقل الإنساني.

نحن الآن مبهورون بما وصلت إليه الإنسانية من التكنلوجيا والتطوّر الذي نشاهده، لكن الانبهار الأعظم يكون عند ظهور الإمام عليه السلام فسوف يتكامل العقل الإنساني، ويتحقق هذا التكامل في كل أبعاده النظرية، أو أبعاده العملية بما يعبر عنه بالعقل النظري والعقل العملي، ويعني هذا أن طريقة الإدراك البشري سوف تتكامل في عصره.

 كما أنه سوف تتكامل الوسائل الممهّدة للعقل الإنساني التي من جملتها التطور التكنلوجي الذي يكون في عصره، وهكذا فسنجد في زمانه عليه السلام أن كل واحد من أصحابه يكلم مَنْ في المشرق من هو في المغرب، ويكلم مَنْ في المغرب مَنْ هو في المشرق، ربما كان تصور هذا التقدم التكنلوجي سابقاً في زمان الأئمّة عليهم السلام يعدّ نوعاً من أنواع الإعجاز، ولكنّه حالياً صار من الأمور العادية والبديهية ببركة التقدم التكنلوجي.

وهذا التطور الذي يحدث في عصر الإمام يخاف منه الغرب، وتوجد حالياً دراسات غربية _ قرأت عنها منذ عدة سنوات _ تتحدّث عن التطوّر التكنلوجي في عصر الإمام عليه السلام، وكيف يخافون من هذا التطور الذي يرهب التطور الغربي، فالغرب يحسب حساباً لهذا التطور التكنلوجي المهدوي الذي سوف يكون في زمان الإمام عليه السلام.

وهناك الروايات الأخرى التي تحدّثت عن تغيّر في قوى الإنسان، ومن جملة هذه التغيرات التي تحدث في الإنسان المهدوي أنه عليه السلام إذا ظهر مسح بيده على رؤوس العباد فلا يبقى مؤمن إلاّ صار قلبه أشدّ من زبر الحديد، وأعطاه الله قوّة أربعين رجلاً.(٩)

كما تعرفون أن هذا العدد _ وهو ثلاثون وأربعون وسبعون _ يستخدم للمبالغة وللكثرة، يعني تصل قوّة الرجل إلى ما لا نهاية من القوى البدنية والجسمية، والله أعلم بالتغير الفسلجي الذي سوف يحدث في إنسان عصر الإمام المهدي عليه السلام. 

هذا التكامل للإنسان ليس على مستوى الإدراك والعقل فقط، وإنّما يشمل التكامل الجسماني أيضاً في القوى الأخرى التي يتمتع بها. ثمّ إن هناك تغيراً وتكاملاً كونياً في القوى التي تحكم هذه الدنيا فإنها سوف تغير الدنيا، وتبدل الدنيا، ويكتفى بنور الإمام عن ضوء الشمس والقمر.(١٠)

وعندما يتحدّث علماء الفلك حالياً ويضعون مدّة سنويّة تخمد الشمس أضواءها وتنطفئ الشمس، فإننا نحس بأهمية هذه المرحلة من تأريخ البشرية.

ولكن هل بانطفاء الشمس تنتهي الحياة في الأرض؟ كما قد يقال حالياً ولذلك فهم يريدون أن يسبقوا التغير الكوني لما يحتملونه من وجود حياة سابقاً في المريخ انتهت لمثل هذه الأسباب؟

أم أن هناك حياة ما بعد انطفاء الشمس التي يقرها علماء الفلك حالياً إلى مرحلة الله أعلم كم مداها؟ وقد تحدث عن هذه المرحلة الإسلام العظيم بتشخيصه التطور، أو التغير الكوني في عصر الإمام عليه السلام. 

ولا أطيل البحث، وإنما أنا أشرت إلى هذا الموضوع إشارات فقط، وإن هذه الإشارات تدعوني وتدعوكم إلى دراسة هذه المرحلة الخطيرة في حركة الإمام التي لا تعبر عن نهاية البشرية، وإنّما تعبّر عن غاية الكمال الكوني، والكمال الإنساني والذي يتم ويتحقق في آخر مرحلة من مراحل التطور الإنساني في حركة الإمام المهدي والمعبر عنه بالحتمية الإلهية.

أنا أضع هذا الموضوع في هذا الإطار وبهذا المقدار، لأجل أن نرسم لتلك الفراغات آفاقاً أخرى غير التي شملناها في الحديث في هذه الدقائق، وأسأل الله التوفيق لكم ولنا.

الأسئلة والأجوبة

  • السؤال الأوّل:

سيدي تحدّثتم عن تأهيل النفس الإنسانية، ووردت آيات قرآنية كثيرة في مسألة الصراع بين الشر والخير، وقد ذكرت أنّ أصحاب الخير هم قلة، فهذه النفس الإنسانية، هل هي محصورة بالمؤمنين أم تشمل غير المسلمين؟

الجواب: بطبيعة الحال أنّ الإنسان له موقفان: الموقف الفردي، والموقف الاجتماعي يتميز أحدهما عن الآخر.
وقد تحدّثنا عن الجانب الاجتماعي كمجتمع، لأننا حينما نحلل في علم النفس فتارة نتحدّث عن الإنسان الفرد، ومرة نحلل الإنسان ولكن بطريقة علم الاجتماع، أي الإنسان المجتمع. 

الجانب الذي تحدّثت فيه إنّما كان عن الجانب الاجتماعي في حركة الإمام المهدي عليه السلام، وليس معنى ذلك غض النظر والطرف عن الجانب الفردي، لأن هناك ترابطاً بين الفرد وبين المجتمع.

يعني أنه يمكن أن يفصل الواحد عن الآخر، ولكن كما أن هناك مؤثرات شخصانيّة للإنسان فهناك مؤثّرات اجتماعية في الإنسان أقوى وأكبر من إرادة الإنسان التي في بعض نظريات علم الاجتماع يعبر عنها بالحتمية الاجتماعية أو الجبر الاجتماعي. 

أي أن هناك جبراً فردياً، وهناك جبراً اجتماعياً، لست أريد حالياً أن أحدّد وأشخص هاتين النظريتين وهل هما صحيحتان أم لا، وإنما استشهد بهما لأوضح الظروف التي أتحدّث عنها، وهو أن الإنسان الفرد يحتاج إلى موقف تفصيلي، وقد تحدّثت في هذه المحاضرة عن الإنسان المجتمع فقط.

أمّا الإنسان الفرد في عصر الظهور، وعصر ما قبل الظهور فله دور كبير في إيجاد هذه الحالة الاجتماعية، لكن لم يكن هو الدور الأوّل والآخر، وإنّما يبقى الإنسان بدوره الفرداني والشخصاني يؤثر فيه الخير والشر، ولكنَّ هناك أبعاد اجتماعية تتحكم في عمليّة التغيير الاجتماعي في تطور المجتمع الإنساني. 

فكما تحدّثت عن ذلك الجانب، يبقى الحديث كما هو معروف أن الإنسان فيه خير وفيه شر ولكن التطور الاجتماعي يوصل الإنسان قبل مرحلة الظهور إلى منطقة المائز والحد الفاصل بين الخير والشر.

  • السؤال الثاني:

قلتم سماحتكم ما معناه أن الإمام أو المصلح النهائي لم يكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يكن أحداً من الأئمّة الأحد عشر قبل الإمام لأن المجتمع غير مؤهل لذلك.

أقول: وذلك لأنّه لم يميز بين الخبيث والطيب. وبما أننا نشهد الآن سقوط قانون وضعي بعد آخر لكونه غير صالح لكل الأزمان، حتّى تصبح البشرية مدركة أنه لا يكون صلاحها إلاّ بدين الله، ودين الله الصحيح ومن منابعه الأصلية، وهذا هو التمييز بين الخبيث والطيب. 

الجواب: إن هناك سؤال أثاره البعض لطول عمر الإمام عليه السلام وبيّن هذا السؤال أنه ربّما يقال أن أحد أسباب طول عمر الإمام لزيادة خبرة الإمام، في الواقع نحن الإماميّة نعتبر هذا الجواب خاطئاً، لأننا نعتبر أن الإمام المعصوم عليه السلام علمه لدنّي ولا تؤثّر عليه الظروف الاجتماعية لتطوّر علومه عليه السلام، وإنّما العكس هو الصحيح أن الخبرات الاجتماعية كلما تكثّفت، كلما سبّبت تكامل البشرية، فتكون البشرية مؤهّلة لاستقبال الحركة المحددة للتغيير التام _ من قبل ومن بعد _ فهذه الخبرات التي أشار إليها الكاتب إنما عبرت عنها بالتطوّر.

  • السؤال الثالث:

هل هناك رواية تقول أنه لا يكون أمركم _ أي ظهور الإمام المهدي عليه السلام _ حتّى يأتي الله بقوم لا تضرهم الفتنة،(١١) فهل هؤلاء القوم المقصود بهم الأمّة أم أصحاب الحجّة عليه السلام؟

الجواب: عندما نتكلّم عن الأمّة ونتكلّم عن أصحاب الإمام لا نعتبر أصحاب الإمام شيئاً مجرداً عن الأمّة، وإنّما قلنا: إنّ الأمّة أو المجتمع الإيماني، وبطبيعة الحال يكون الأصحاب هم قادة هذا المجتمع الإيماني، ويكون هذا المجتمع مؤهّلاً لقيادة الإمام، ففي الواقع أنّه لا تمييز بين القادة والمجتمع لأنّه سوف يكون هؤلاء هم قادة المجتمع.

  • السؤال الرابع:

هنا مجموعة من الأسئلة ذات محور واحد، نعرضها على سماحة السيد:
(الأوّل): ما هي الواجبات الملقاة على عاتقنا، وما هو دورنا كنساء وموظفات ومعلّمات؟ وكيف نتهيأ في هذا الزمان لظهور الإمام عليه السلام؟
(الثاني): ما هو دور المرأة المؤمنة في عصر الظهور؟
(الثالث): هل هناك من النساء مع الإمام المهدي عليه السلام؟
(الرابع): ماذا على المكلف أن يقوم به لتعجيل فرجه عليه السلام؟
(الخامس): كيف تتهيأ المرأة لعصر الظهور؟ 
(السادس): هل تستطيع المرأة في زمن الظهور اللقاء معه عليه السلام؟ 
(السابع): هل صحيح أنّ الإمام المهدي عليه السلام يقتل على يد امرأة وما هي مواصفاتها واسمها وأين تظهر؟

الجواب: مجموع الأسئلة تتحدّث بشكل عام عن دور المرأة قبل الظهور وبعد الظهور، والإسلام يرى أنّ المرأة قد وجّه إليها التكليف بمقدار ما وجّه إلى الرجل، فعندما يقول تعالى: (إِنِّي جاعِلٌ فِي الأَْرْضِ خَلِيفَةً)(١٢) فإن الكل يعلم أنّ الله خلق اثنين _ لم يخلق واحداً _ خلق آدم وحوّاء، وكان التكامل الإنساني بين الطرفين، ولكن الخطاب عندما يوجّه إلى آدم، فهو من خطاب التغليب وهو _ كما تعلمون _ يوجّه إلى طرف مع أنه يقصد الطرفين. 

وأمّا سبب التغليب الذي صار في هذه المحادثات الربانيّة، فهو لشدّة العلقة بين حوّاء المرأة وبين آدم الرجل حتّى صارا شيئاً واحداً في الخطاب، فلو قرأنا القرآن الكريم نجد تكاليف الصلاة وتكاليف الصيام وتكاليف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد وجهت إلى الطرفين الرجل والمرأة، ولا توجد عندنا تكاليف قرآنية موجهة إلى الرجل وحده أو تكاليف قرآنية موجهة إلى المرأة فقط، فمثلاً: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً(١٣) كلمة: (من) لم يقصد بها الرجل ولم يقصد بها المرأة، ولذلك كان الخطاب (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) لم يقصد به الرجل وإنّما المقصود به خطاب التكليف للذين آمنوا، أي الذين تكونوا من رجل وامرأة. 

أقصد من هذا التصور أنّ الرؤية القرآنية والإسلاميّة للمرأة بمنزلة الرجل بمستوى واحد، ولا يفرّق القرآن ولم تفرّق سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام بين الرجل والمرأة، إلاّ عندما تتميّز الخلقة، في باب تميّز الخلقة والتكوين فيكون هناك خطاب مختص بالرجل ويكون هناك خطاب مختص بالمرأة، ولكنه جاء التكليف للحاظ الخصوصية مثل الجهاد على الرجل وأحكام الحيض على النساء، وليس هو في أصل التشريع. 

أمّا التشريعات الخاصة بالمرأة، فإنّما جاءت نتيجة التميز التكويني للمرأة، فمثلاً عندما أسقط الله تعالى الجهاد عن المرأة وأوجبه على الرجل في زمن من الأزمنة عندما كانت الحرب تعتمد على استخدام العضلات، فإنما كان السبب هو أنّ التكوين الفسلجي للمرأة لا يستطيع أن يوفّر هذا التكليف، وكذلك عندما أسقط الله سبحانه وتعالى تكاليف معيّنة عن الرجل وأوجبها على المرأة، فذلك لأنه كان فاقداً القدرة التكوينيّة لأداء ذلك التكليف. 

أمّا بالنسبة للمرأة في عصر التهيئة للظهور، فدورها نفس الدور الذي هو للرجل، وعندما نتحدّث ويكون الخطاب للتذكير وليس التأنيث لم نكن نقصد به التذكير بما هو تذكير، وإنّما المقصود به المكلف الذي يتكون من رجل وامرأة، ولذلك فدور المرأة في عصر الغيبة وفي عصر التمهيد للظهور هو نفس دور الرجل وبنفس القوّة وبنفس الحساسيّة، وبنفس التكليف.

وعندما نتحدّث مع المجتمع بهذا الأسلوب فسوف تعلم المرأة كيف تؤدي وظيفتها، كما أن الرجل يعلم من خلال التكاليف الشرعية كيف يؤدي وظيفته، وهكذا بالنسبة لما بعد الظهور.

ومن البديهي فإن هذا الموضوع مهم، وأحب أن أشير إليه إشارات وأترك التفاصيل، وهو أن حركة الإمام العسكرية بعد الظهور هل هي كما نعرفها نحن؟ حرب وقتال، أم هناك حركة أخرى وبصورة أخرى؟ فمثلاً عندما تُذْكَر الحرب في بعض الروايات فهل هي عبارة عن كناية، ومجاز، وألفاظ هدفها إيصال معنى أن حركة الإمام ضخمة وعظيمة؟ إن الجواب على هذا السؤال يحتاج إلى بحث ودراسة، ووقت لشرح تلك الأبعاد المهمة لتلك الحركة بالنسبة إلى الإمام عليه السلام. 

والحقيقة أن دور المرأة التغييري يتبين فيما لو عرفنا أن دور حركة الإمام ليست قتالاً بمعنى القتل والقتال فقط، وإنّما هي لتغيير الإنسان، وسوف نعرف أن الدور واحد للرجل والمرأة.

وأمّا أن المرأة سوف تقتل الإمام فجاء في رواية شاذة مهملة لا تصلح في مقام تأسيس النظرية الإسلاميّة.. إضافة إلى أن هناك بحثاً يا أخواتي وهو: هل أن الإمام عليه السلام سوف يقتل أو يموت ميتة طبيعية أو بإشاءة ربانية؟ هذا السؤال يحتاج إلى جواب يؤصل في بحث لست الآن بصدد التفاصيل عنه، وتوجد عندنا روايات بأنّه عليه السلام سوف يقتل، لكن هناك روايات أخرى أيضاً تقول بأنه عليه السلام سوف يموت ميتة طبيعيّة،(١٤) وأستميحكم عذراً للإيجاز لأني أحتاج إلى وقت كافٍ وهو ما لم يسعه الوقت المخصص لهذا اللقاء.

  • السؤال الخامس:

لماذا نقول: حركة الإمام المهدي ولا نطلق عليها ثورة الإمام المهدي عليه السلام؟

الجواب: يتمكّن الإنسان أن يعبّر عنها بكلا التعبيرين، فإن شاء أن يعبر عنها بالحركة التغيرية أو الثورة، فهذا مصطلح يمكن التسامح به لأنه مصطلح. والمتحدّث والمتكلّم والكاتب يستخدم المصطلح كما هو يصطلح عليه، ولا تشاح باستعمال الألفاظ.

  • السؤال السادس:

يظهر من الروايات أن الإمام المهدي يتخذ العراق (الكوفة) عاصمة له، فهل هذا الاختيار مبني على وجود قاعدة محبة أم لأسباب أخرى؟

الجواب: إن موقع العراق بالنسبة لحركة الإمام وموضع العراق، فيه جملة من الأبعاد المهمة التي سوف تتحقق في هذه البقعة المباركة، فإن عاصمة دولة الإمام عليه السلام هي العراق وبالخصوص الكوفة، والكوفة معقل الإمام وفيها بيت الإمام، ولذلك فقد جاء في بعض الروايات أن مسجد سهيل _ أي مسجد السهلة _ هو بيت الإمام(١٥) وقد يستشكل على هذا الموضوع أنه كيف يكون مسجداً وبيتاً في آن واحد؟ وهو موضوع لطيف وطريف وفيه من المعالم العقائدية والفكرية التي تحتاج إلى تفصيل، ويمكن أن يجاب عليه بسؤال آخر وهو: كيف كان مسجد النبي بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟ وبيت فاطمة عليها السلام في المسجد؟ ولذلك سدّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كل الأبواب التي كانت تطل على المسجد إلاّ بيت عليّ عليه السلام،(١٦) لأن بيت علي هو بيت النبي وهو المسجد _ أي لا فرق بين بيت عليّ والمسجد _ لأنّ إرادة الله شاءت أن تكون للإمامة موقعها الخاص، وهذا يحتاج إلى تفصيل.

وأن مسجد السهلة سوف يكون بيت الإمام، وفي هذا البيت سوف تشدّ الرايات للإمام المهدي، أي أن مركز الدولة العالمية يبتدئ هناك، والسبب في ذلك هو أنّ هذا الشعب بإرادة الله تبارك وتعالى سوف يبلغ القمة في التمحيص.

 وعندنا روايات تتحدّث عن الآية الكريمة (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْ‏ءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَْمْوالِ وَالأَْنْفُسِ وَالثَّمَراتِ) ثمّ الآية تقول: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)(١٧) الإمام الباقر عليه السلام يقول: إن هذه خاصّة بأهل العراق،(١٨) يعني أن هذه العلامات، التي هي علامات الضغط، ونقص في الأموال والثمرات ثم القتل والدمار والدم الذي سال في العراق وعلى أرض العراق. 

أمّا لماذا أنّ الله ابتلى أهل العراق بهذا الابتلاء؟! فللأسف أنّ هناك ثقافة أمويّة _ وليست ثقافة علوية هاشمية _ حاولت أن تثبت كثيراً من قطاعات الأمّة على الانحراف باتهام العراقيين بأنّ هؤلاء يستحقون العذاب والمرارة لأنهم أهل الشقاق والنفاق.

إن هذه الثقافة إنما هي من رواسب الثقافة الأموية؟ وعليه فلماذا خصّوا بها أهل العراق ولم يخصوا بها أهل الشام؟!
لأن أهل العراق ومن بداية تأسيس العراق وقبل أن يأتي الإمام أمير المؤمنين إلى الكوفة وأسّس خلافته كانوا قد بنوا أساسهم على أساس علوي هاشمي، ولذلك كانت النهضة الأولى التي أسقطت الانحراف الذي سبق خلافة أمير المؤمنين عليه السلام وقبل أن ترجع زمام الإمامة إلى الإمام ابتدأت من العراق، وهكذا فالتصحيح بدأ من الكوفة، والحرب ضد الانحراف بدأ من الكوفة، لأن الكوفة كانت علويّة من بداياتها، وكبرت علويّة، وبقيت الكوفة وبقي العراق علوياً، وبتعبير آخر (محمّدياً)، وبتعبير آخر إن الإسلام الصحيح كان في العراق، ولذلك كان على عاتق هذا الشعب بناء جيش الإمام المنتظر عليه السلام، وعلى عاتق هذا الشعب قيادة البشريّة في التغيير الذي يحدث عند ظهور المهدي. 

ولذلك سوف يبتلي الله هذا الشعب بهذه الابتلاءات، ويشدّد التمحيص ويشدّد الابتلاء، لأنّه جاء في روايات الابتلاء وروايات الفتن: كلّما اشتد الابتلاء وكلما كثرت المحن زكى هذا الإنسان، وهذا المجتمع، وهذا الشعب، وكان أكثر أهميّة لقيادة البشرية، كما أن الحديد كلما سلّطت عليه النار كلما تخلّص من الشوائب، وكلما كان أنقى وأكثر تحمّلاً للصعوبات. 

والمصاعب التي مرَّت بهذا الشعب كانت مقصودة لأنّ هذا الشعب هو قائد العالم، وقائد التغيير للدنيا في عصر الظهور، وأعطيكم مثالاً صغيراً رأيناه بأم أعيننا: إن العراقي في أي بلد كان من البلاد _ حتّى وإن كان قبل خروجه من العراق ليس متديّناً _ فهو عندما يخرج إلى بلد من بلدان العالم فإن أوّل ما يشيد في ذلك البلد حسينيّة، ويبني مسجداً، يقام فيه مجلس الحسين عليه السلام، وقد امتلأت الأرض حالياً بأبعادها بذكر الحسين من يوم هاجر العراقيون إلى العالم، فهذه حكمة إلهيّة أن يكون هذا الإنسان يُربَّى هذه التربية التي جاءت في كثير من الأحيان انعكاساً للسلوك العدواني الذي كان يواجهه الإنسان العراقي من الأنظمة الطائفية ويعلّم هذا التعليم الذي له _ قطعاً _ يد غيبيّة فيكون هذا الإنسان له دور حالياًَ، فكيف يكون دوره في التغيير المستقبلي؟! إن شاء الله يشارك بشكل مؤثر بتغيير الأمّة وتغيير العالم. 

لعلَّ لهذه الأسباب يكون منشأ أهميّة العراق.

والحمد لله رب العالمين

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى