ثقافة

علاقة الثورة بالله : التسديد والتعليم والهداية

ثم ماذا تحتاج الفئة القليلة بعد القوة والمال؟ إنها تحتاج إلى التسديد والتعليم والهداية، لتعلم ماذا تعمل؟ وكيف تتحرك؟ وكيف تدعو الناس إلى الله تعالى؟ ومتى تختفي؟ ومتى تظهر؟ ومتى تتكلم بهمس؟ ومتى تصرخ بالحق جهاراً؟ ومتى تتجنب الموجة؟ ومتى تتصدى للموجة؟ ومتى تواجه الطغاة بعنف وقوة؟ ومتى تكلمهم برفق ولين؟ ومتى تتحمل الظلم وتصبر؟ ومتى تتصدى وتقاتل؟ وكيف تتعامل مع الناس؟ وكيف تجتذب الفارين من الله تعالى إلى الله؟ وكيف تداري الناس؟ وكيف تدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة؟ وكيف تتصرف تجاه الأحداث؟ وفي ظلال الطغيان تصمد وتصبر أم تهاجر وتفر بدينها؟ ومتى تنزوي داخل البيوت؟ ومتى تخرج إلى الشارع؟ ومتى تعلن الحرب وتفجر الشارع؟ وكيف تنظم الناس؟ وكيف تستقطبهم إلى جانبها؟ وكيف تكسب الرأي العام لصالحها؟ ومتى تظهر للناس مظلومة مضطهدة؟ ومتى تظهر قويةً عزيزةً؟ وكيف تقاتل؟ وكيف تعدّ للقتال؟ وكيف تخطط للمواجهة والحرب؟ وكيف تلقي الرعب في قلوب الأعداء؟ وكيف تمكر بهم؟ وكيف تستأصلهم؟… إلى آخر هذه التساؤلات.

ولا شك أن هذا كله علم قائم بالذات، علم الدعوة، ونور يلقيه الله في نفوس الدعاة إليه، يمشون به في الناس، ويتعاملون به مع الناس، ولا شك أن على الدعاة إلى الله تعالى أن يكتسبوا هذا العلم، ويتزودوا بتجارب من قبلهم، ولا شك أنهم في حركتهم الكبرى في التاريخ يصيبون الهدف حيناً، ويخطأون آخر، وأن أعداء الإسلام في المقابل يفرّغون لهذه المهمة في حركتهم المعادية لله ولرسوله، اجهزةً واشخاصاً ودراسات واسعة.

ولابد للقلة المؤمنة أن تتفرغ لهذا الجانب وتعطيه اهتمامها، كما لابد لها أن تولي جانب القوة والمال أيضاً اهتمامها، ولا تتركهما للصدفة…

ولكن، مما لا شك فيه، مع ذلك كله، أن الله تعالى لن يترك القلة المؤمنة لجهدها وعملها في هذا الحقل فقط، ولن تتخلّ عنهم المعية الإلهية في التسديد والتعليم، كما لم تتخلّ عنهم في ساحات القتال. والقرآن الكريم صريح في ذلك: {وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا}[1].

{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}[2].

وكل ما يحتاجه الداعية في حركته هو أن يشير عليه احد بالرأي الصحيح والدلالة، ويسدده في الرأي، ثم يضم يده إلى يده، وقوته إلى قوته، ويعينه على حمل ما لا يطيق من حمله ومسؤولياته وقد ضمن الله له كلا من هذين الأمرين: «الدلالة» و«العون». فضمن تعالى له الدلالة: لنهدينهم سبلنا والعون:{وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}.

ويرزق الله تعالى الدعاة إليه عزّوجلّ نوراً يمشون به في الناس، يعرفون كيف يتعاملون مع الناس من أعدائهم وأصدقائهم، والمتفرجين على الطرفين، وكيف يتعاملون مع القلوب، والعواطف، والعقول في الوقت الذي يسلب تعالى هذا النور من القلوب الكافرة.

{أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}[3].


أقرأ ايضاً:

الهوامش والمصادر

  • [1] ـ الفرقان: 31.
  • [2] ـ العنكبوت: 69.
  • [3] ـ الأنعام: 122.
تحميل الفيديو
الشيخ محمد مهدي الآصفي
المصدر
كتاب في رحاب القرآن - الهجرة والولاء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى