ثقافة

علاقة الثورة بالله : القوة

وهي التي تملأ عيون الناس، قبل كل شيء، وتوجه أذهانهم وأفكارهم وسلوكهم. فإذا وثقنا، وآمنا بمعية الله تعالى للقلة المؤمنة، فلن تعوزها بعد ذلك قوة.

فإن ما في السماوات والأرض جند لله تعالى، يأتمر بأمره، وينتهي بنهيه،ولا يشذ عن ذلك خلق في السماء أو الأرض.

{وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}[1].

{وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}[2].

{وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاّ هُوَ}[3].

فالبحار جند لله، تضطرب بأمر الله، وتسكن بأمر الله، فإذا جاء أمر الله تعالى، فلا تذر أحداً من الظالمين، واستمع إليه تعالى يحكي لنا قصة فرعون وجنده:

{وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأَرْضِ، بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لا يُرْجَعُونَ * فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ}[4].

{فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ}[5].

ولله جند من أمطار السماء وينابيع الأرض، فإذا أذن الله لها أمطرت، وتفجرت، وتموجت الأرض بها، وأغرقت من كان فيها من الظالمين. فاستمع إليه تعالى في قصة نوح:

{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا، وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ * فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ… * وَلَقَد تَّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ}[6].

ولله جنود من الريح، لا تبقي ولا تذر، إذا أذن لها الله تعالى:

{كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ * إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ * تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ * فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ}[7].

وإن من جند الله الصيحة، وما أدراك ما الصيحة، أرسلها الله على ثمود فجعلهم كهشيم المحتظر.

{إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ}[8].

وأرسلها الله تعالى على قوم شعيب، بعد أن أنجى شعيباً والذين آمنوا معه.

{وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ * كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا أَلاَ بُعْدًا لِّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ}[9].

ولله جنود من الحجارة، تمطرها السماء، إذا أذن الله تعالى لها. هلك بها قوم لوط:

{فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ * مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ}[10].

ولله تعالى جنود من الطير، يرسلها على الظالمين متى شاء:

{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ}[11].

ولله تعالى جنود من القمل، والضفادع، والجراد، والطوفان، يرسلها متى يشاء على الظالمين:

{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ}[12].

ولله جند من الصاعقة يرسلها متى شاء. وقد أرسلها على ثمود:

{فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنظُرُونَ}[13].

ولله جنود من الملائكة، لا نراها، تدخل مع الفئة القليلة في المعركة وتدافع عنها، وتحفظها بأمر الله. كما أمر الله الملائكة في معركة بدر أن ينزلوا ساحة القتال إلى جانب المسلمين:

{إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ}[14].

وما أروع هذا الإمداد الإلهي في المعركة. يرسل الملائكة مع المؤمنين، ثم ينبؤهم أنه معهم، فتتلاحم هذه المعية المزدوجة في مشهد إيماني رائع، في ساحة القتال، معية الملائكة للمؤمنين، ومعية الله تعالى للملائكة.

وكيف تتكافأ أطراف هذه المعركة، والله والملائكة، وجند الله من الأرض والسماء مع الفئة القليلة، وليس مع الفئة الكثيرة إلا نفر ضعاف، وحفنة من مال وحفنة من الأسلحة.

وهذه هي القوة التي يحسب الناس لها كل حساب في المعادلات السياسية.

وهل يتصور الناس قوة أعظم من هذه القوة، وجنداً أقوى من جند الله، وسلطاناً أقوى من سلطان الله.

ومع ذلك فإننا نسقط في كثير من الأحيان حساب هذه القوة الكبرى في الكون من المعادلات السياسية، عندما نفكر في السياسة، ونحلل الأحداث، ونتنبأ بالمستقبل، ونحسب لمستقبل الدعوة حسابها.


أقرأ ايضاً:

الهوامش والمصادر

  • [1] ـ الفتح: 4.
  • [2] ـ الفتح: 7.
  • [3] ـ المدثر: 31.
  • [4] ـ القصص: 39 ـ 40.
  • [5] ـ طه: 78.
  • [6] ـ القمر: 9 ـ 15.
  • [7] ـ القمر: 18 ـ 21.
  • [8] ـ القمر: 31.
  • [9] ـ هود: 94 ـ 95.
  • [10] ـ هود: 82 ـ 83.
  • [11] ـ سورة الفيل.
  • [12] ـ الأعراف: 133.
  • [13] ـ الذاريات: 44.
  • [14] ـ الأنفال: 12.
تحميل الفيديو
الشيخ محمد مهدي الآصفي
المصدر
كتاب في رحاب القرآن - الهجرة والولاء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى