ثقافة

علاقة الثورة بالله

الثورة الإسلامية المباركة في إيران، كانت ثورة مباركة بالمعنى الدقيق والواسع للكلمة، فقد أكسبت هذه الثورة الدعاة إلى الله تعالى بفيض من العطاء والتجارب الخصبة والدروس والعبر والأفكار والمفاهيم.

ولقد كانت هذه الدروس والأفكار والمفاهيم قائمة في تراث الدعوة، فيما يحكي الله تعالى للعاملين في سبيله من قصص الماضين في الصراع بين الحق والباطل، وكانت قائمة في نفوسهم ووعيهم وقلوبهم، لكنها كانت نظريات وأفكاراً، آمنّا بها إيماناً نظرياً، فتحولت هذه النظريات التي كنا قد آمنّا بها من قبل إلى واقع حي متحرك، نلمسه، ونراه، وتملأ نفوسنا وتعمر قلوبنا، وجسّدته الثورة الإسلامية. ومنحته الحركة والحياة والدم.

وأسأله تعالى أن يوفقني في هذا المؤتمر المبارك[1] الذي شاء الأخوة المؤمنون أن يقيموه تحت شعار (الدعوة إلى الله) أن أستخلص لكم أهم هذه الدروس والأفكار والمفاهيم.

وأول هذه الدروس وأهمها في نظري… معرفة الله تعالى من خلال الأحداث السياسية في الكون، والصراع القائم بين الإسلام والكفر في العالم والتاريخ…

فإن لمعرفة الله تعالى حقولا وآفاقاً واسعة… ومن هذه الآفاق والحقول معيّة الله تعالى للمؤمنين في معركتهم الضارية ضد الكفر.

وليس من شك أن لإحساس المؤمنين بمعيّة الله ونصر الله تعالى لهم قيمة كبيرة في دعم القلّة المؤمنة وشد صفوفهم ودعمهم ورفع معنوياتهم. ويولّد هذا الإحساس لدى الداعية شعوراً بالقوة والاستعلاء في ساحة المعركة، فهو لا يقاتل وحده، وإنما يقف في الساحة ويقاتل، ويهاجم، ويدافع، ومعه الله تعالى.

والله تعالى، في عمق وعي المؤمن وقلبه، أكبر من أي قوة وأقوى من أي طاغوت مهما بلغت قدرته وشوكته، والمؤمنون يرددون هذا المفهوم ضمن شعار (الله أكبر) في كل يوم في صلواتهم عشرات المرات.

وهو يرسخ في نفس الإنسان المؤمن إيماناً لأحد له بعظمة الله تعالى وجلاله وكبريائه وقوته وعزّته وعظمته اللامتناهية، وتتضاءل أمام هذا الشعار قوة الطغاة وشوكتهم.

فتنقلب العقيدة، وينقلب الشعار، وتنقلب الصلاة إلى شعور بالقوة والعزّة.

وكذلك كانت الصلاة، وشعار، (الله اكبر) في الصلاة تمنح المؤمنين قوة، وعزة، وصموداً، واستقامة، في ساحات المعركة.

فكيف اختفت حيوية هذا الشعار في حياة الأمة اليوم، وكيف فقدت الصلاة دورها في ساحات القتال… وكيف أصبحت الصلاة والأذان لا تعني شيئاً في حياة هذه الأمة، يهابه أعداء الله… إن لذلك قصة أريد أن أحكيها لكم: فشل الاستعمار في فصل الدين عن السياسة نظرياً، على الأقل، في الأوساط الواعية المؤمنة من المسلمين، وظلت الطبقة الواعية المؤمنة من هذه الأمة تؤمن بأن السياسة شأن من شؤون الدين، وأنه في الصميم من الدين.

ولكن مما لا شك فيه أن الاستعمار نجح في فصل العقيدة عن السياسة حتى على الصعيد النظري في هذه الأمة.

وفي رأيي أن فصل العقيدة عن السياسة أخطر من فصل الدين عن السياسة.

فأصبح المسلمون يفهمون السياسة بصورة مستقلة تماماً عن الناحية الإيمانية والإعتقادية، ويفهمون العقيدة كذلك بمعزل عن السياسة على شكل حقلين منفصلين.

وكأنّ السياسة تجري في عالم مستقل عن مشيئة الله تعالى، وفق قوانين ومعادلات بشرية، وبموجب ميزان القوى السياسية والاقتصادية والعسكرية، وليس لله تعالى مشيئة وإرادة في عالم السياسة.

ولكي أفتق الجرح الذي تعاني منه الأمة أحب أن أقول: في عقيدة الكثيرين: إن الله تعالى خلق السماوات والأرضين والمجرات والكون الكبير، وخلق البحار والجبال والأنهار وبأمره تعالى ينزل الغيث وتخضر الأرض وتثمر الأشجار، وتتقلب الفصول، وله في كل ذلك الأمر من قبل ومن بعد.

ولكن السياسة تجري حول محور آخر، هو محور القوتين الأعظمين (كذا) وأحلافهما، وشبكاتهما التجسسية، وقواتهما العسكرية، وقدراتهما الاقتصادية، وسياستهما، فإذا اتفقتا فالويل للعالم الثالث منهما، وإذا إختلفتا فالويل للبشرية… وهما إلى الوفاق والتفاهم أقرب في الغالب منهما منه إلى الإختلاف.

وأما العالم الثالث، أو ما يسمونه كذلك، فلا قيمة له في المعادلات السياسية، ولا يشكل قوّة واعتباراً وليس للإيمان بالله تعالى وقدرته وقوته وعظمته شأن في هذا العالم، فهو تعالى القوي المتعال، ولكن السياسة لها شأنها الخاص ومعادلاتها الخاصة، ولا دخل لهذه العقيدة في المعادلات السياسية.

هذه هي الحقيقة المرة بكل مرارتها وقسوتها.

وكيف أصبحنا كذلك:

بكل بساطة تعلمنا السياسة في مدرسة الإستعمار وأخذنا نفهم السياسة ونناقشها ونحلل ونفسّر الأحداث السياسية. وأحياناً فيما بيننا نحن المؤمنين. وفي مجالسنا الخاصة بهذه الذهنية.

وهذه المدرسة السياسية التي أثرت في نفوسنا وفي فهمنا للسياسة من حيث لا نشعر، مدرسة يهودية قديمة معروفة، كانت ترى أن الله تعالى لما خلق الكون والإنسان، تخلّى عن الحكم والقبض والبسط والأمر في حياة الناس وأصبح الإنسان هو الذي يحكم ويقبض ويبسط ويأمر في حياته. يحدّثنا عنهم القرآن الكريم في سورة المائدة:

{وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ}[2].

وتحولت هذه العقيدة اليهودية القديمة إلى أساس علماني في فهم السياسة، وتحليلها، ومناقشتها، وترقب النتائج السياسية والتنبؤ بها. ثم تسلّل هذا المفهوم العلماني اليهودي عن السياسة إلى مجتمعنا الإسلامي، وأصبحنا نتعامل معه كحقيقة ثابتة لا نقاش فيها.

ومن الشواهد على ذلك الأحداث التي سبقت الدولة الكريمة المباركة في إيران.

فقد كنت أتوخّى أن أفهم رأي المثقفين الواعين من المسلمين في خضم الأحداث، فلم أجد إلا قلّة قليلة كانت واثقة بالنصر، وأكثر من رأيت من المثقفين كانوا يرون أن الورقة الرابحة لأمريكا على كل حال، وأن نتائج هذه الحركة لا تتخطى سقوط وزارة وقيام أخرى، وأن هذه الثورة لا يمكن أن تتجاوز حدود الوفاق الدولي القائم بشأن إيران، وأن أمريكا لن تتخلّى عن إيران وعن النظام الملكي، وأن القضية لا تتجاوز محاولة أمريكية لتأديب الشاه وتحجيم سلطاته، وأن رأس الحبل بيد اليسار، والمؤمنون هم الضحايا، وأن مراجع الدين ينقصهم الوعي السياسي وقضيتهم خاسرة بالتأكيد، وأن ثورة الشارع لا يمكن أن تزعزع أركان النظام الشاهنشاهي العتيد، وأن هناك لعبة خفية تكشفها الأيام فيما بعد، وأن أمريكا لا يمكن أن تسكت عن آبار النفط وقواعدها العسكرية الضخمة في إيران، وأن روسيا لا يمكن أن تسكت عن الغاز ومصالحها في إيران وأنّ، وأنّ…

وهذا كله صحيح، على إختلاف مذاهب الناس في السياسة، لو كان الأساس لفهم السياسة: {يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ ٌ}. أما عندما ننطلق من منطلق: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} فإن الأمر يختلف تماماً، والمعادلات السياسية وموازين القوى تتطاير، ويتضاءل دورها وقيمتها.

ولست أريد أن أناقش، ولست بصدد أن أنتقد، وأرى أن هذه الحالة الذهنية هي نتيجة الإحتكاك المستمر بالصحافة والإذاعة العلمانيين، وإنما أريد أن نتلافى ما سبق بتكوين ذهنية إسلامية قرآنية في فهم السياسة.

ولسوف نرى، إن شاء الله، أن القرآن يشبع هذه القضية، ويتناولها بكل دقة وإستيعاب من أطرافها، ويصنع منها نظرية متكاملة الأطراف.

وحينما يستعرض المؤمن الداعية آيات القرآن الكريم بهذا الصدد، ويضعفها في إطارها، ويربط بينها يعجب كيف غفل عن هذه الحقيقة التي يعطيها القرآن الكريم كل هذا التأكيد.

لا أريد أن أدخل في تفاصيل الآيات الإعتقادية التي نتلوها في كتاب الله، والتي يربط القرآن الكريم فيها كل شيء في هذا الكون بمشيئة الله تعالى، وأن الأمر له من قبل ومن بعد، ولا يعزب عن علمه شيء، ولا يخرج عن قبضة سلطانه خارج، ووسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم… فإن ذلك حديث يطول أمره وإنما أدخل مباشرة، فيما وعد الله تعالى به المؤمنين من النصر، وأنه تعالى لن يتخلّ عنهم في صراعهم مع الباطل، وأن قوة الباطل وشوكته وسلطانه لن تؤثر في نتيجة المعركة بحال من الأحوال، ولن تحول دون نصر الله تعالى:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}[3].

{إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}[4].

{قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ}[5].

{وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}[6].

{بَلِ اللّهُ مَوْلاَكُمْ، وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ}[7].

{وَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَوْلاَكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ}[8].

{وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ}[9].

{فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}[10].

{وَكَفَى بِاللّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللّهِ نَصِيرًا}[11].

{وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا}[12].

{كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}[13].

{فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}[14].

{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}[15].

ويقسم الله تعالى لنبيه أنه لم يتخلّ عنه:

{وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}[16].

ويجعل الله تعالى نصر المؤمنين حقاً عليه عزّوجلّ:

{كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي}[17].

{وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}[18].

{وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ}[19].

ولكي تكون القضية حيّة تعيش في حياة الدعاة يذكر لهم القرآن نماذج من تاريخ الصراع بين الحق والباطل، حيث تقف الأحزاب أمام حزب الله، ويواجه أنصار الطاغوت أنصار الله تعالى، ويعلن هذا الإنسان الضعيف الحرب على الله تعالى، ويكيد ويمكر بحزب الله.

وينظر الإنسان إلى هذا التقابل في المكر والكيد بين الله تعالى القوي العزيز، وخلقه الطغاة الضعفاء، فلا يملك نفسه من أن يبتسم، ولا يتردد لحظة واحدة في نتيجة هذه المقابلة:

{وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}[20].

{ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ}[21].

{وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ}[22].

ثم يذكر تعالى لعباده أمثلة وشواهد من نصره لأنبيائه وعباده الصالحين في حربهم وصراعهم مع الطاغوت:

{وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ}[23].

{فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ}[24].

{وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ}[25].

وعن أنصار المسيح (ع) يقول تعالى:

{فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ}[26].

ثم يذكّر النبي (ص) والمؤمنين بما سبق من تأييد الله تعالى له وللمؤمنين في صراعهم المرير مع المشركين:

{هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ}[27].

{وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِه وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[28].

{إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْهُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا}[29].

{وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ}[30].

{لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ}[31].

هذه هي الحقيقة الربانية الكبرى التي كدنا أن ننساها أو نسيناها بالفعل، لو لا رحمة الله، فكاد المؤمنون أن يتصوروا أنهم في ساحة الصراع مع الكفر، وحدهم، وقد كان الله معهم في مواقفهم حين البأس، وفي ساعات المحنة، وداخل الزنزانات، وكان الله معهم في غرف التعذيب، وبعين الله كانوا يتحملون العذاب والاضطهاد.

وليت المؤمنين كانوا يعلمون أن عذابهم بعين الله الرحيمة، وأن الله لو شاء لأوقف قلوب معذبيهم وشلّ أيديهم، وأعمى عيونهم عنهم، وأن اليد التي تعصر قلوبهم يد أرحم الراحمين، وأنهم يألمون ويضجون بسمع الله، ويتحملون السياط بعين الله، إلاّ أن ذلك خير لهم لو كانوا يعلمون، وأنّ أعدائهم يتعذبون، ويعانون كما يعانون، وتعتصر الآلام قلوبهم، كما تعتصر قلوبهم، ويفقدون أعزتهم كما يفقدون. وتلك سنة الله في الذين آمنوا والذين كفروا وشاقوا الله ورسوله من غير فرق إلاّ أنكم ترجون من الله ما لا يرجون، وتجدون من نصر الله تعالى وتأييده، ما لا يجدون.

{إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ}[32].

وأن طريق ذات الشوكة الذي أراده الله تعالى لهم إلى النصر خير لهم من أن يأتيهم النصر غنيمة باردة رخيصة.

{وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ * لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ}[33].

وان نصر الله تعالى ليس ببعيد عنهم لو أنهم صبروا.

{أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ}[34].

وتسأل كيف ينصر الله الفئة القليلة الفقيرة الضعيفة على الفئة الكثيرة الغنية القوية، على خلاف ما يتصوره الناس في موازين القوى، والمعادلات السياسية، والحسابات العسكرية والاقتصادية.

وجواب القرآن الكريم واضح وبسيط، ليس فيه تعقيد الموازنات السياسية المعاصرة، والتي تعلّمناها، وتعودناها، رغماً منا، إن الجواب بسيط بساطة التوحيد، وأن في التوحيد جواباً واضحاً لكل هذه التساؤلات.

ونرجع إلى القرآن الكريم مرة أخرى، لنلمس الخطوط التفصيلية لهذا القانون.

إن أهمّ عناصر النصر أربعة: القوّة. المال. التسديد. التثبيت.

وإن فئة آتاها الله تعالى هذه العناصر الأربعة، لا يحول شيء بينها وبين النصر.

ولنستعرض هذه العناصر الأربعة في كتاب الله:


أقرأ ايضاً:

الهوامش والمصادر

  • [1] ـ القي هذا البحث في المؤتمر السنوي لرابطة الشباب المسلم في لندن عام 1979.
  • [2] ـ المائدة: 64.
  • [3] ـ محمد: 7.
  • [4] ـ غافر: 51.
  • [5] ـ التوبة: 14.
  • [6] ـ الحج: 40.
  • [7] ـ آل عمران: 150.
  • [8] ـ الأنفال: 40.
  • [9] ـ الحج: 78.
  • [10] ـ المائدة: 56.
  • [11] ـ النساء: 45.
  • [12] ـ الفرقان: 31.
  • [13] ـ البقرة: 249.
  • [14] ـ الإنشراح: 5 ـ 6.
  • [15] ـ العنكبوت: 69.
  • [16] ـ الضحى: 1 ـ 3.
  • [17] ـ المجادلة: 21.
  • [18] ـ الروم: 47.
  • [19] ـ الصافات: 171 ـ 173.
  • [20] ـ الأنفال: 30.
  • [21] ـ الأنفال: 18.
  • [22] ـ يوسف: 21.
  • [23] ـ هود: 58.
  • [24] ـ هود: 66.
  • [25] ـ هود: 94.
  • [26] ـ الصف: 14.
  • [27] ـ الأنفال: 62.
  • [28] ـ الأنفال: 26.
  • [29] ـ التوبة: 40.
  • [30] ـ آل عمران: 23.
  • [31] ـ التوبة: 25.
  • [32] ـ النساء: 104.
  • [33] ـ الأنفال: 7 ـ 8.
  • [34] ـ البقرة: 214.
تحميل الفيديو
الشيخ محمد مهدي الآصفي
المصدر
كتاب في رحاب القرآن - الهجرة والولاء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى