ثقافة

جاهليتان الجاهلية القديمة والحديثة

وما تقدم من حديث يبرز الوجه التكويني لمسألة الاسرة والزوجية.

ونحن الآن أزاء جاهليتين.

جاهلية قديمة كانت تستبشع الحياة الزوجية، وجاهلية حديثة، تدعو الى التحرر من قيود الزوجية والاسرة.

وسوف نبرز بايجاز وجه كل من هاتين الجاهليتين… لنجد كيف تدفع الجاهلية بالانسان، عبر التاريخ، في عصر الحجر وفي عصر الذرة، سواء، الى الانحراف عن فطرته وطبيعته وكينونته الخاصة، وكيف تدفعه الى الشذوذ عن سنة الكون الذي يحيطه، والذي نشأ فيه، وكيف تدفعه الى أن يعاكس مجرى الحياة.

الجاهلية القديمة

كانت الفلسفات اليونانية والرومانية والهندية تستبشع المرأة، وتحبب الى أتباعها اجتناب الحياة الزوجية ما امكنهم ذلك.

فلم تكن المرأة في نظر هذه الفلسفات بالكائن الذي يستحق ان يقترن بها الرجل، ليكوّن معها حياة زوجية.

ففي الفلسفة اليونانية كانت المرأة تعتبر ينبوع جميع آلام الإنسان ومصائبه، وكانت تباع وتشترى في الاسواق كسقط المتاع، من غير ان تملك من أمرها شيئاً.

وكان علماء الهند القدماء يعتقدون ان الحياة العائلية تمنع من تقدم الانسان.

يقول: «سوستام»:

«أنها شر لا بد منه، وآفة مرغوب فيها، وخطر على الاسرة والبيت ومحبوبة فتاكة، ومصيبة مطلية مموهة».

ويقول ترتوليان «انها مدخل الشيطان الى نفس الانسان ناقضة لنواميس الله، مشوهة لصورة الرجل»[1].

ولم يكن يختلف الامر في الجاهلية العربية عن الجاهلياتالاخرى بكثير.

والفارق كبير بين النظرية القرآنية والنظريات الجاهلية… بين ان تكون المرأة والحياة الزوجية شرّاً لابد منها، وبين ان تكون المرأة شريكة الرجل، وقرينته، وشقاً منه، وتكون الحياة العائلية مبعثا للاطمئنان والاستقرار والركون في الحياة وضرورة لابد منها… هو الفارق الشاسع بين الجاهلية البشرية والاسلام.

الجاهلية الحديثة

الجاهلية الحديثة ابشع من الجاهلية القديمة في معالجة مسألة الجنس والزوجية، فقد حاولت الجاهلية الحديث ان تفك الانسان المعاصر من قيود الحياة الزوجية وتزعزع كيان الاسرة، وتقضي على حاجة الفرد الجنسية عن غير طريق الاسرة[2].

وقد اساء الانسان المعاصر فهم المرأة كما أساء فهم مكانة المرأة من المجتمع. فقد عادت بالمرأة الى الجاهلية الاولى، حين كانت المرأة سلعة تعرض للبيع والشراء كما يعرض المتاع.

عادت الحضارة الحديثة لتعيد المرأة الى الجاهلية الاولى، فاستغلت المرأة للعرض التجاري المبتذل في أسواق الخلاعة، واستغلت مفاتن المرأة، وجسدها، وحديثها، وابتسامتها للتجارة والاعلام والاغراء.


أقرأ ايضاً:

الهوامش والمصادر

  • [1] ـ المرأة بين الفقه والقانون: 20.
  • [2] ـ تقل نسبة الزواج في أميركا بصورة واضحة، وبعكس ذلك تزداد نسبة الطلاق بصورة واسعة، وتشمل نسبة 25% من مجموع الزيجات.

      ويعود السبب في هبوط مستوى الزواج في اميركا الى الحرية المطلقة التي يمارسها الشاب والشابة الاميركية في حياتهما الجنسية بصورة فظيعة.

      وقد أدت مثل هذه الحرية الى تهديد الكيان العائلي في أميركا.

      وقد كتبت مجلة (تايم) الاميركية قبل حين ان (العذرية) قد فقدت خلال الخمسة عشر سنة الاخيرة اهميتها، وعادت مسألة غير ذات اهمية بالنسبة الى الفتيات.

      وقد دلت الاحصائيات ان 6/1 من الفتيات الاميركيات يتزوجن وهن حاملات من علاقات جنسية سابقة.

      وقد ارتفعت نسبة الفتيات اللائي وضعن اولادا عن علاقات جنسية غير مشروعة، وذلك من الفتيات اللاتي يقل أعمارهن عن العشرين سنة… من 4ر8 في الالف في سنة 1940 الى (16) في الالف في سنة 1961.

      وارتفعت النسبة بين الفتيات اللائي يتجاوزن العشرين سنة الى خمسة وعشرين من (11) في الالف الى (41) في الالف. (مجلة >خواندنيها< العدد 74 السنة 45).

      وفي احصائية أخرى يذكر أن:

      (عدد الزيجات في اميركا في سنة 1946 بلغ… ر291ر2 زيجة أي ما يساوي نسبة 164 في الالف وفي سنة 1956 بلغ عدد الزيجات (…ر585ر1) أي ما يساوي نسبة 95 في الالف).

      وحسب هذه الاحصائية فقد هبطت نسبة الزواج في عرض عشر سنوات الى النصف.

      (المشاكل الاجتماعية: تأليف محمد الشبستري: 186).

تحميل الفيديو
الشيخ محمد مهدي الآصفي
المصدر
كتاب في رحاب القرآن - الهجرة والولاء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى