ثقافة

التقوى السياج العازل على حدود الله

يقول أميرالمؤمنين “ع”: <إن تقوى الله حمت أولياء الله محارمه، وألزمت قلوبهم مخافته، حتى أسهرت لياليهم، وأظمأت هواجرهم، فأخذوا الراحة بالنصب، والري بالظماء، واستقربوا الأجل فبادروا العمل>[1].

وهذه الحقيقة من أمهات الحقائق والمعارف في هذا الدين. إن تقوى الله تحفظ الناس من السقوط في معصية الله، وليس شيء كالتقوى يحفظ الإنسان من الحرام، فإذا وقى الإنسان نفسه بالتقوى، فلا سبيل للشيطان إلى نفسه ولا سلطان للأهواء والفتن والشيطان عليه.

يقول أميرالمؤمنين “ع”: <ذمتي بما أقول رهينة، وأنا به زعيم، إن امن صرحت له العبر عما بين يديه من المثلات، حجزته التقوى عن تقحّم الشبهات>[2].

والإمام “ع” يجعل ذمته في هذه الكلمة رهينة بهذه الحقيقة، وهي أن التقوى تحجز الإنسان عن تقحم الشبهات.

وقد سئل الإمام الصادق “ع” عن تفسير التقوى، فقال “ع”: <ألا يفقدك الله حيث أمرك، ولا يراك حيث نهاك>[3].

التقوى الحصن المانع

وكما أن التوقي سياج واقٍ، كذلك هي حصن يمنع الشيطان من البطش بالإنسان، ولا يستطيع أن يقتحم على الإنسان هذا الحصن، ولا يتمكن أن ينفذ إليه.

وإليك طائفة من كلمات أميرالمؤمنين “ع” بهذا الصدد:

<التقوى حصن حصين لمن لجأ إليه>.

<التقوى حرز لمن عمل بها>.

<التقوى أوفق حصن وأوقى حرز>.

<أمنع حصون الدين التقوى>.

<الجأوا إلى التقوى فإنها جنة منيعة، من لجأ إليها حصّنته، ومن اعتصم بها عصمته>[4].

المزالق والعواصم

وما دمنا بصدد الحديث عن حدود الله تعالى، والعواصم التي تعصم الإنسان على حدود الله من الوقوع في الحرام، والمزالق التي ينزلق عليها الإنسان إلى الحرام، فلا بأس أن نشير إلى طائفة من العواصم والمزالق من خلال النصوص الإسلامية.

ومعرفة العواصم والمزالق تنفع الإنسان في تقويم سلوكه والحذر من الوقوع في معصية الله، وتحصين نفسه من إغراءات الفتن والشيطان وضغوط الهوى.

وإليك طائفة من المزالق والعواصم. ونقدم المزالق على العواصم.

أ ـ المزالق

1 ـ من المزالق التفكير في الحرام. وقد ورد النهي عنه في النصوص الإسلامية. فإن التفكير في الحرام يلوث جو النفس ويسلبها المناعة، ويمكّن الشيطان من استدراج الإنسان إلى الحرام.

روي أن عيسى بن مريم “ع” كان يقول: <إن موسى أمركم ألا تقربوا الزنا، وأنا آمركم ألا تحدثوا أنفسكم بالزنا، فإن من حدث نفسه بالزنا كان كمن قد أوقد ناراً في بيت مزوق، فأفسد التزاويق الدخان، وإن لم يحترق البيت>[5].

وهو تعبير جيد عن تلوث جو النفس بالتفكير في الحرام، ومتى تلوثت النفس فقدت مناعتها من جانب، وفقدت شفافيتها وصفاءها من جانب آخر.

وعن الصادق “ع”: <(إن المؤمن لينوي الذنب فيحرم الرزق>[6].

2 ـ ومن مزالق الإنسان إلى الحرام أصدقاء السوء. فإن دور الصديق السيئ في استدراج الإنسان إلى الحرام والسقوط في معصية الله ونقل الأمراض الأخلاقية دور مؤثر وقوي.

عن أميرالمؤمنين “ع”: <لا تصحب الشرير، فإن طبعك يسرق من طبعه شراً وأنت لا تعلم>[7].

وعن الإمام الجواد “ع”: <إياك ومصاحبة الشرير، فإنه كالسيف المسلول يحسن منظره ويقبح أثره>[8].

وعن علي “ع”: <أمرنا رسول الله “ص” أن نلقي أهل المعاصي بوجوه مكفهرة>[9].

وعن رسول الله “ص”: <المرء على دين خليله وقرينه>[10].

وفي وصية أميرالمؤمنين للحسن‘: <إياك ومواطن التهمة والمجلس المظنون به السوء، فإن قرين السوء يغرّ جليسه>[11].

3 ـ الوسط الاجتماعي الفاسد. فإن له دوراً كبيراً في إفساد الإنسان وتلويثه.

وقدرة الوسط الاجتماعي قدر قاهرة تستهلك الكثير مما يملك الإنسان من حصانة وقيم، ولذلك ورد التحذير في النصوص الإسلامية من اختيار الأوساط الاجتماعية الفاسدة للسكن.

4 ـ استصغار اللمم من الذنوب، وهي الذنوب التي يستصغرها الناس، فيتجرأ الإنسان على العصيان.

5 ـ اختلال الموازنة بين الخوف والرجاء، حيث يطغى الرجاء في النفس فيستهين الإنسان بالذنب ويتجرأ على المعصية.

6 ـ الترف في المعيشة حتى من الحلال. فإن الترف يضعف مقاومة الإنسان لضغوط الهوى وإغراءات الفتن.

7 ـ الخلوة بالمرأة الأجنبية، ومحادثة النساء ومخالطتهن. وقد ورد النهي في النصوص عن ذلك، وورد أنه يورث قساوة القلب، ويسلب الإنسان حالة الرقة والشفافية والصفاء في النفس.

8 ـ الغضب وسائر الانفعالات النفسية. وقد ورد في النصوص الإسلامية التحذير من الغضب والانفعالات النفسية الحادة، وأنه الفرصة التي يقتحم فيها الشيطان على نفس الإنسان.

ب ـ العواصم

وهي الأمور التي تعصم الإنسان من الانزلاق إلى الحرام، وتمكنه من السيطرة على الأهواء والفتن، وتمنع الشيطان عنه. وهي كثيرة نشير إلى بعضها:

1 ـ الصلاة. قال الله تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ}.

2 ـ الصوم. وقد ورد في النصوص الإسلامية أن (الصوم جُنّة) تحمي الإنسان وتحفظه من الشيطان.

3 ـ ذكر الله.

4 ـ مصاحبة الصالحين. فكما أن مصاحبة أصدقاء السوء من المزالق، فإن مصاحبة الصالحين الذين يذكّرون الإنسان بالله تعالى من العواصم التي تعصم الإنسان من الأهواء والفتن.

5 ـ قراءة القرآن. وقد ورد في النصوص الإسلامية التأكيد على قراءة القرآن، وأنها تحفظ الإنسان من إغراءات الشيطان ووساوسه ومن ضغوط الهوى.

6 ـ الوسط الصالح والبيئة الصالحة. فكما أن الوسط الفاسد والبيئة الفاسدة من المزالق، فإن الوسط الصالح والبيئة الصالحة من العواصم التي تعصم الإنسان من المحرمات.

7 و8 ـ المحاسبة والمراقبة. وقد ورد في النصوص الإسلامية التأكيد عليهما، وأنه <ليس منا من لم يحاسب نفسه>[12]. وهما من أقوى عوامل الضبط في سلوك الإنسان.

9 ـ مجالس الوعظ والتذكير.

10 ـ ترويض النفس في الحلال، حتى لا تنقاد لصاحبها في الحرام. قال الإمام علي “ع”: <من ذكر الله استبصر>[13].

أقرأ ايضاً:


المصادر والمراجع

  • [1]ـ نهج البلاغة، خطبة: 114.
  • [2]ـ المثلات: العقوبات، نهج البلاغة، خطبة: 16.
  • [3]ـ بحار الأنوار 70: 285.
  • [4]ـ راجع ميزان الحكمة 4: 3627 باب التقوى حصن حصين.
  • [5]ـ مزوق: مزين ومزخرف. والتزاويق: جمع تزويق، وهو التحسين والتزيين، بحار الأنوار 14: 331.
  • [6]ـ بحار الأنوار 73: 258.
  • [7]ـ شرح نهج البلاغة، إبن أبي الحديد 20: 272 حكمة 147.
  • [8]ـ بحار الأنوار 71: 198.
  • [9]ـ الكافي 5: 59 ح10.
  • [10]ـ الكافي 2: 375 ح3.
  • [11]ـ غرّه: خدعه وأطمعه بالباطل، بحار الأنوار 72: 90 ح2 عن أمالي الطوسي.
  • [12]ـ الكافي 2: 453.
  • [13]ـ ميزان الحكمة 2: 970.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى