ثقافة

تجاوز حدود الله

يستعمل القرآن كلمة العدوان على حدود الله بمعنى تجاوزها واختراقها. ومن يتجاوز حدود الله يظلم نفسه، وذلك أن الله تعالى حدّ هذه الحدود لمصلحة الإنسان، ومن يتجاوز حدود الله يتجاوز ما يصلحه وينفعه، ويتجاوز حدود العبودية لله تعالى، وكل منهما من ظلم الإنسان لنفسه. يقول تعالى:

{وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}[1].

{وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ}[2].

{وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا}[3].

المتاخمة لحدود الله

والحالة الأخرى التي ينهى القرآن عنها هي حالة المتاخمة لحدود الله، وهي أن يتحرك الإنسان بالقرب من منطقة الحرام، وهذه المنطقة غير آمنة بالطبع، وقد نهانا الله تعالى عن القرب من حدوده.

قال تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا}[4].

والخطر الذي يهدد الإنسان في هذه المنطقة على نحوين، فقد يختلط في هذه المنطقة الحلال بالحرام نتيجة للقرب من حدود الحرام، فيرتكب الإنسان الحرام من حيث لا يعلم، وهذه هي منطقة الشبهة التي ينزلق فيها الإنسان إلى الحرام نتيجة للجهل وعدم التمييز وعدم الاحتياط والتحفظ من الحرام، كما يحصل ذلك في معاملات الصرف والقروض المتاخمة للربا.

يقول أميرالمؤمنين “ع” عن هذه المنطقة: <في حلالها حساب، وفي حرامها عقاب، وفي الشبهات عتاب>[5].

والنحو الآخر من خطر المتاخمة لحدود الله خطر الانزلاق إلى الحرام والسقوط فيه، فإن جاذبية الحرام تزداد كلما قرب الإنسان من مصدر الحرمة، فتسلبه الإرادة والعقل، وينزلق إلى الحرام، ولا يقوى على دفع إغراء الفتنة وثورة الهوى عن نفسه.

والسبب في ذلك قوة جاذبية الحرام من جانب، وسهولة الانزلاق إلى الحرام من جانب آخر في هذه المنطقة.

ولذلك حرّم الإسلام خلوة الرجل بالأجنبية إذا كانت مثاراً للفتنة.

إن هذه المنطقة تقع تحت سلطان الشيطان المباشر، وهي منطقة سهلة الانزلاق، وغير أمينة، لولا أن تتدارك العبد رحمة من عند الله.

ولذلك سيج القرآن مناطق الحظر بسياج واقٍ يقي الإنسان من الشيطان، فأمر النساء ألا يضربن بأرجلهن ليبدين زينتهن، وأمر الرجال والنساء أن يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم. يقول تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ… وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ… وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ}[6].

وهذه الاحتياطات جميعاً لكي لا يقع الإنسان في شرك الشيطان في مناطق الاحتكاك غير الأمينة بين الجنسين، وعلى الشريط الحدود للمناطق المحرمة، حيث تقوى جاذبية الحرام، ويقوى دور الشيطان، ويسهل الانزلاق إلى الحرام.

سياج الحدود الإلهية

الحدود المحرمة والخطرة تسيّج عادة بسياج واقٍ، يقي الناس من الدخول في المنطقة المحرمة، كما أنها تُعلّم بعلامات يهتدي بها الناس. فلحدود الله علامات ومعالم من جانب، وسياج واقٍ من جانب آخر.

أما معالم الهدى على هذه الحدود فهم الصالحون من عباد الله، الذين أنعم الله عليهم بنعمة الهداية، فقد جعلهم الله تعالى أدلاء على صراطه وحدوده، ودعانا إلى أن نأخذ بطريقهم ونسير على صراطهم {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ}.

وأما السياج الذي يقي الناس من السقوط في الحرام على هذه الحدود فثلاثة: سياج في النفس، وسياج في المجتمع، وسياج في النظام.

أما السياج في النفس (فالتقوى)، فإن التقوى تقي الناس من السقوط في المعاصي.

وأما السياج في المجتمع (فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، فإن هذه الفريضة تحفظ المجتمع من السقوط في الحرام، وتحفظ حدود الله تعالى.

وأما السياج الثالث فهو نظام الرقابة الاجتماعية، والحسبة التي تضطلع بها الدولة في الإسلام.

أقرأ ايضاً:


المصادر والمراجع

  • [1]ـ البقرة: 229.
  • [2]ـ الطلاق: 1.
  • [3]ـ النساء: 14.
  • [4]ـ البقرة: 187.
  • [5]ـ بحار الأنوار 44: 139.
  • [6]ـ النور: 30 ـ 31.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى