ثقافة

خصائص التقوى

وفيما يلي نوضح ونشرح خصال وخصائص منطقة التقوى:

الخصلة الأولى: أنها تنسجم مع فطرة الإنسان، فإن الله تعالى هو الذي ركّب فطرة الإنسان وخلقها، وهو أعلم بها من غيره، وهو الذي شرّع هذا الدين ورسم للإنسان حدود الحلال والحرام.

ومن الطبيعي أن تكون هذه الحدود التي شرعها الله منسجمة مع الفطرة التي خلقها.

يقول تعالى عن التطابق بين فطرة الإنسان ودين الله:

{فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}[1].

فإذا استسلم الإنسان للهوى، وخرج من حدود الله تعالى كانت مصيبته الأولى في نفسه، وهي محنة التناقض وعدم الانسجام بين حياته التي يعيشها خارج نفسه والفطرة التي ركبها الله تعالى في نفسه.

الخصلة الثانية: إنها منطقة آمنة لا يخترقها الشيطان ولا ينفذ إليها الهوى. وإذا حصّن الإنسان نفسه بحدود الله تعالى فلم يتجاوزها، أمن من سلطان الشيطان على نفسه ومن نفوذ الهوى. يقول تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ}[2].

فلا يستطيع الشيطان أن يقتحم عليهم حدود الله التي تحصنوا بها، وإنما يمسّهم من بعيد طائف منه، فإذا مسّهم من الشيطان طائف تذكروا سريعاً، وكأن إنذاراً مبكراً ينذرهم وينبههم بالعدو ليأخذوا حذرهم منه.

وبعكس ذلك فإن هذه المنطقة الخارجة عن حدود الله تعالى منطقة غير أمينة وغير حصينة، ومعرضة لغزو الهوى والشيطان.

والإنسان في هذه المنطقة مكشوف تماماً لغزو الهوى والشيطان.

يقول أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب “ع”: <اعلموا عباد الله، أن التقوى دار حصن عزيز، والفجور دار حصن ذليل، لا يمنع أهله، ولا يحرز من لجأ إليه>.

ويقول “ع”: <إن التقوى في اليوم الحرز والجنة، وفي غد الطريق إلى الجنة، مسلكها واضح وسالكها رابح>.

وعنه “ع” أيضاً: <التقوى حصن حصين لمن لجأ إليه>.

وعنه “ع” أيضاً: <امنع حصون الدين التقوى>.

وعنه “ع” أيضاً: <الجأوا إلى التقوى فإنه جنة منيعة، من لجأ إليها حصنته، ومن اعتصم بها عصمته>[3].

والتقوى ضمن حدود الله تعالى في الحلال والحرام، وهي دار حصن عزيز كما يقول أميرالمؤمنين “ع”.

والحصن العزيز هو الحصن الذي لا يتمكن العدو من النفوذ فيه.

والفجور، وهو تجاوز حدود الله تعالى، دار حصن ذليل ـ كما يقول “ع” ـ والحصن الذليل هو الذي يسهل للعدو النفوذ فيه، والتسلق إليه.

إذن منطقة (الفجور) منطقة مكشوفة للشيطان والهوى، ومنطقة (التقوى) منطقة منيعة ومحمية وأمينة، لا يستطيع الشيطان أن يخترقها وينفذ إليها.

الخصلة الثالثة: وليس شيء كالالتزام بحدود الله تعالى يقرب الإنسان إلى الله تعالى.

وليس شيء يبعد الإنسان عن الله ويحجبه عنه تعالى مثل العصيان وتجاوز حدود الله.

يقول أميرالمؤمنين “ع” في الوصية بالتقوى: <أوصيكم عباد الله بتقوى الله التي هي الزاد وبها المعاذ، زاد مبلغ، ومعاذ منجح>[4].

وفي هذه الوصية يصف الإمام “ع” التقوى بوصفة (معاذ) يعيذ الإنسان من الشيطان، و(زاد) يوصل الإنسان إلى الله.

والتقوى معاذ منجح ـ كما يقول الإمام “ع” ـ وزاد مبلغ يبلغ الإنسان إلى الله، والطريق إلى الله شاق وعسير وطويل، ولابد في هذا الطريق من زاد، وخير الزاد التقوى.

يقول تعالى: {وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}[5].

وبنفس المضمون يحدثنا أميرالمؤمنين “ع” أيضاً عن التقوى. يقول “ع”: <فأعتصموا بتقوى الله، فإن لها حبلاً وثيقا عروته، ومعقلاً منيعا ذروته>[6].

إن التقوى تشد الإنسان بالله تعالى شداً وثيقاً، فهي حبل وثيق عروته ـ كما يقول الإمام “ع” ـ وفي نفس الوقت هي معقل منيع، لا يستطيع الشيطان أن يقتحمه ولا أن ينفذ فيه.

الخصلة الرابعة:  إن في التقوى سعة، وفي الفجور ضيق، فإن مساحة حدود الله تسع الناس جميعاً، وتمكنهم من حقوقهم ومن الحياة الكريمة، بينما يضيق الظلم والفجور بالناس، فإن الظلم الذي يمارسه الظالم لا محالة يرجع إليه بصورة أو أخرى. يقول تعالى:

{وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}[7].

والعلاقة بين الظلم الصادر من الظالم للآخرين والظلم العائد إليه من أسرار هذا الدين، وليس هنا مجال الحديث عنه.

ولا يقتصر الأمر على ذلك، فإن الظالم حيث يسلب الأمن والتقوى من المجتمع، يسلب الأمن من نفسه بالضرورة، لأنه عضو في نفس المجتمع، ينعم بما ينعم به الآخرون، ويشقى بما يشقى به الآخرون.

ولذلك يقول تعالى عن قصاص القاتل: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ}[8].

ورغم أن في القصاص هلاك القاتل وقتله، ولكن في هذا الهلاك حياة المجتمع وسلامته.

والقصاص حد من حدود الله، فإذا التزم الناس بهذا الحد الإلهي عاش الناس جميعاً في أمان وسلام، وإذا تخطوا هذا الحد فقدوا جميعاً الأمن والسلام في حياتهم.

وهذه (الحياة) هي التي يذكرها الله في كتابه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ}[9].

ففي هذه الدعوة حياة المجتمع وإن كان يتضرر فيها الفرد أحياناً إلاّ أنه لا قيمة لمصلحة الفرد إذا كانت تضرّ بمصلحة المجتمع.

والمنطقة الداخلة ضمن حدود الله تسع الناس جميعاً، وبوسع الناس جميعاً أن يعيشوا في هذه المنطقة ضمن حدود الله، وأن ينعموا فيها بالأمن والسلام في دنياهم وآخرتهم.

وإذا وجد أحد في هذه المنطقة (الواسعة) ضيقاً، فخرج منه متعدياً حدود الله، وهو يتصور أن في تجاوز حدود الله سعة، فسوف يضيق به الظلم هذه المرة، وسوف يكون الظلم أضيق به من العدل.

وهذه من حقائق هذا الدين وأسراره، يقول تعالى: {وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ}[10].

إن الذي يتعدى حدود الله ليوسّع على نفسه، فقد ظلم نفسه ـ كما يقول القرآن ـ وأن أوهمته أهواؤه أنه خرج بذلك من ضيق العدل إلى سعة الظلم، فإن هذا الظلم يصيبه أكثر مما يصيب الآخرين، ويهدم فطرته وضميره أولاً، وهو خسارة فادحة في شخصية الإنسان ويحجبه عن الله تعالى ثانياً، وهي خسارة أفدح من الخسارة الأولى، ويعود عليه الظلم ثالثاً. فإن الأمن الذي سلبه من المجتمع والفجور الذي مكنه من المجتمع يمسّه أيضاً كما يمس الآخرين، فإن الناس ينعمون جميعاً بالأمن ويشقون بالظلم، ولا يخرج الظالم نفسه من هذه القاعدة.

يقول أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب “ع” في سياق الثورة الاجتماعية والإدارية، التي قام بها بعد مصرع الخليفة الثالث عثمان بن عفان في الأمر بالعدل والمنع من الظلم: <فإن في العدل سعة، ومن ضاق عليه العدل، فالجور عليه أضيق>[11].

وقد أعلن الإمام هذه الحقيقة للناس عندما وجد بعض الناس في سياسة الإمام “ع” المالية ضيقاً، بالقياس إلى ما كانوا يجدونه في سياسة عثمان بن عثمان من قبل من الإسراف في الأموال، فبين لهم الإمام أن الذي يجد في العدل ضيقاً، ويتجاوز العدل إلى الظلم ليوسّع على نفسه، سوف يضيق بالظلم أكثر مما ضاق بالعدل.

ونحن لا نعرف هل كان الناس الذين خاطبهم الإمام “ع” يومئذٍ بهذا الخطاب يعرفون عمق هذا المفهوم الذي ألقاه “ع” يومئذٍ أم لا؟

ولكننا نعلم أن الإمام “ع” ألقى إليهم يومئذٍ مفهوماً من أعمق مفاهيم هذا الدين.

فرغم أن منطقة (الرخصة) في هذا الدين محدودة بحدود الله من كل جانب، إلاّ أن في هذه المنطقة سعة للناس جميعاً، ومن ضاق عليه العدل والتقوى على سعتها، فسوف يضيق به الظلم والفجور لا محالة.

الخصلة الخامسة: التيسير والتسهيل.

إن الحياة في المساحة التي تدخل ضمن حدود الله حياة مباركة، كثيرة البركات، ميسرة بعيدة عن التعقيدات، وعكس ذلك العيش خارج حدود التقوى، فهو مقرون بالعسر والضنك والشدة والتعقيد.

وقد قسم الله تعالى للناس من الرحمة، والبركة، والفرج، والتيسير، والتسهيل، في دائرة التقوى وضمن حدود الله، ما لا يرزقه أحداً خارج هذه المساحة.

وإليك بعض الشواهد على ذلك من كتاب الله:

أ ـ إن الله يفتح للناس بالتقوى أبواب الرحمة والبركة من الأرض والسماء. يقول تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ}[12].

ب ـ ويرزقهم بالتقوى من حيث لا يحتسبون. يقول تعالى: {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ}[13].

والذي يجعل الله له بالتقوى مخرجاً من كل ضيق، ورزقاً من كل فقر، من حيث لا يحتسب، لا يواجه في حياته فقراً وبؤساً، ولا يواجه طريقاً مسدوداً.

جـ ـ ويجعل الله تعالى لهم من أمرهم يسراً، كلما واجهوا في حياتهم عسراً وشدة. يقول تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا}[14].

د ـ ويجعل الله تعالى للناس في حياتهم بالتقوى فرجاً من كل ضيق، ومهما ضاقت عليهم مسالك الحياة فرّجها الله تعالى لهم بالتقوى.

يقول تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا}[15].

وروي عن رسول الله “ص”: <ولو أن السماوات والأرض كانتا رتقاً على عبد، ثم اتقى الله لجعل له منهما فرجاً ومخرجاً>[16].

ولما ودع الإمام أميرالمؤمنين “ع” أبا ذرعندما نفاه الخليفة الثالث إلى الربذة، قال له:

<يا أبا ذر، إنك إنما غضبت لله، فارج من غضبت له.. ولو أن السماوات والأرضين كانتا على عبد رتقاً ثم اتقى الله لجعل الله له منهما مخرجاً. ولا يؤنسك إلاّ الحق، ولا يوحشنك إلاّ الباطل>[17].

وعن الإمام الجواد “ع”: <إن الله عزّوجلّ يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عن عقله، ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله. وبالتقوى نجا نوح ومن معه في السفينة، وصالح ومن معه من الصاعقة>[18].

الخصلة السادسة: الأمن والسلام بين الناس.

الخصلة السادسة لمنطقة التقوى أنها منطقة أمينة ينعم فيها الإنسان بالأمن والسلام في الدنيا والآخرة. فإن الأمن الاجتماعي والسياسي والاقتصادي في الدنيا يقوم غالباً على نوع العلاقة فيما بين الناس، فإذا كانت هذه العلاقة قائمة على أساس العدل والإنصاف والتقوى والتزام حدود الله، فإن الناس ينعمون في هذه الساعة بالأمن والسلام لا محالة.

عن رسول الله “ص”: <المسلم أخو المسلم لا يخونه ولا يكذبه ولا يخذله. كل المسلم على المسلم حرام عرضه وماله ودمه>[19].

وعن رسول الله “ص”: <المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله. المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله>[20].

إذن هذه المنطقة في حياة الناس منطقة أمينة حصينة. إذا دخلها الناس أمن بعضهم من بعض، وسلم بعضهم من بعض. ففي هذه المنطقة يأمن المسلم على نفسه من الغش والغدر والخيانة والكذب من ناحية أخيه المسلم.

وعن رسول الله “ص”: <ليس منا من غشنا>[21].

ومن غرر خطب رسول الله “ص” وروائع كلماته ما رواه ثقاة الرواة. فعن الإمام الصادق “ع”:

<إن رسول الله “ص” وقف بمنى حين قضى مناسكها في حجة الوداع، فقال: أيها الناس، اسمعوا ما أقول لكم واعقلوه عني، فإني لا أدري لعلّي لا ألقاكم في هذا الموقف بعد عامنا هذا.

ثم قال: أي يوم أعظم حرمة؟ قالوا: هذا اليوم. قال: فأي شهر أعظم حرمة؟ قالوا: هذا الشهر. قال: فأي بلد أعظم حرمة؟ قالوا: هذا البلد.

قال: فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقونه، فيسألكم عن أعمالكم. ألا هل بلّغت؟ قالوا: نعم، قال: اللهم اشهد.

ألا من كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها، فإنه لا يحل دم امرئ مسلم ولا ماله إلاّ بطيبة نفسه، ولا تظلموا أنفسكم ولا ترجعوا بعدي كفاراً>[22].

هذا عن الأمن (في الدنيا).

وأما عن الأمن (في الآخرة)، فليس يعيش أحد منطقة التقوى في الدنيا إلاّ ويرزقه الله تعالى الأمن في الآخرة، ويجعله يومئذ من الآمنين.

يقول تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ}[23]. ويقول تعالى:

{لَهُمْ دَارُ السَّلاَمِ عِندَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}[24].

الخصلة السابعة: إن باطن منطقة التقوى هو الجنة، وباطن منطقة الفجور هو النار، والذين يعيشون في دائرة حدود الله تعالى إنما يعيشون في الجنة، وهم لا يعرفون، والذين يعيشون خارج دائرة حدود الله تعالى، وفي مساحة الحرام والفجور إنما يعيشون في جهنم، وهم لا يعرفون. يقول تعالى عن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا}[25].

إن لأعمالنا ظاهراً وباطناً. ونحن لا نعرف من أعمالنا في هذه الدنيا إلاّ الوجه الظاهر منها، والله تعالى يخبرنا في كتابه عن الوجه الباطن منها، وباطن أكل أموال اليتامى هو أكل النار، كما أن باطن الغيبة هو أكل لحم الشخص، الذي يستغيبه الإنسان، ميتاً. يقول تعالى: {وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ}[26].

والروايات الواردة في تفسير هذه الآية الكريمة تؤكد هذا المعنى، كما أن باطن الأعمال الصالحة هو نعم الله تعالى ومواهبه في الجنة. ففي الآخرة لا يجد الناس في الجنة والنار إلاّ أعمالهم التي سبقتهم إليهما. يقول تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}[27].

إن القرآن يكاد أن يكون صريحاً في أن الناس يلقون أعمالهم بنفسها في الآخرة في الجنة والنار، ولكن بوجهها الحقيقي، وهو غير الوجه الذي كانوا يعرفونها بها في الدنيا. يقول تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا}[28].

وعليه فإن الوجه الباطن للأعمال الصالحة هو نعيم الجنة، والوجه الباطن للأعمال المحرمة هو عذاب النار.

بل الكافر نفسه وقود نار جهنم. يقول تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ اللّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ}[29]. ويقول تعالى: {فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}[30]. ويقول تعالى: {قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}[31].

وجهنم محيطة بالكافرين في الدنيا، ولا يغيّر هذه الحقيقة الكبرى أن الكافرين لا يشعرون بأن جهنم محيطة بهم في دنياهم قبل الآخرة. يقول تعالى: {أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ}[32].

وهذه الآية الكريمة من سورة العنكبوت ذات دلالة عميقة، فإن الكفار كانوا يتحدّون النبي “ص” ويستعجلون بعذاب النار التي يوعدهم رسول الله “ص” بها، وهم لا يعلمون أن جهنم محيطة بهم في دنياهم قبل الآخرة.

أقرأ ايضاً:


المصادر والمراجع

  • [1]ـ الروم: 30.
  • [2]ـ الأعراف: 201.
  • [3]ـ راجع ميزان الحكمة 4: 3627 باب التقوى.
  • [4]ـ ميزان الحكمة 4: 2968.
  • [5]ـ البقرة: 197.
  • [6]ـ ميزان الحكمة3: 1997.
  • [7]ـ البقرة: 229.
  • [8]ـ البقرة: 179.
  • [9]ـ الأنفال: 24.
  • [10]ـ الطلاق: 1.
  • [11]ـ ميزان الحكمة 3: 1840.
  • [12]ـ الأعراف: 96.
  • [13]ـ الطلاق: 3.
  • [14]ـ الطلاق: 4.
  • [15]ـ الطلاق: 2.
  • [16]ـ بحار الأنوار 67: 285.
  • [17]ـ نهج البلاغة 2: 13 خطبة 130.
  • [18]ـ الكافي 8: 52 ح16.
  • [19]ـ كنز العمال 1: 150 ح747.
  • [20]ـ مسند أحمد 3: 491.
  • [21]ـ كنز العمال 4: 158 ح9972.
  • [22]ـ الكافي 7: 273 ح12.
  • [23]ـ الدخان: 51.
  • [24]ـ الأنعام: 127.
  • [25]ـ النساء: 10.
  • [26]ـ الحجرات: 12.
  • [27]ـ الزلزلة: 6 ـ 8.
  • [28]ـ آل عمران: 30.
  • [29]ـ آل عمران: 10.
  • [30]ـ البقرة: 24.
  • [31]ـ التحريم: 6.
  • [32]ـ التوبة: 49.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى