ثقافة

القبول والجزاء في القرآن – لحوق الأبناء والآباء والأزواج

ورد في دعاء حملة العرش^ للمؤمنين، في سورة (غافر): {فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}([1]).

وفي هذا الدعاء يضم حملة العرش^ إلى المؤمنين الذين يستغفرون لهم:

من صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم، وهؤلاء ثلاث طبقات:

الأصول، والفروع، والأقران.

أما الأصول فالآباء، وأما الفروع فالذرية، وأما الأقران فالأزواج.

وقد ورد هذا المعنى في سورة الطور: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ}([2]).

فالذرية الصالحة تلحق بأفعال سلفها الصالح دون أن ينقص من عمل الآباء شيء، {وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ}.

روي عن الصادق (ع): >قصرت الأبناء عن الآباء فألحق الأبناء بالآباء لتقر بذلك أعينهم<([3]).

وعن علي (ع)، قال رسول الله (ص): >إن المؤمنين وأولادهم في الجنة، ثم قرأ هذه الآية {الَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ}<([4]).

وعن عبد الله بن عباس: إذا دخل الرجل الجنة، سأل عن أبويه وزوجته وولده، فيقال لهم: إنهم لم يبلغوا درجتك وعملك، فيقول يا رب، قد عملت لي ولهم، فيؤمر بإلحاقهم([5]).

وقد ورد في سورة الزخرف عن دعوة إبراهيم (ع) لقومه إلى توحيد الله: {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}([6]). وعقب إبراهيم (ع) ثلاثة أنبياء من زعماء التوحيد وأولي العزم من الرسل، وفيهم خاتم الرسل (ص)، وهم موسى (ع)، وعيسى (ع)، ورسول الله (ص).

ونقرأ في القرآن في سورة الكهف، في قضية لقاء موسى (ع) والعبد العالم.. والجدار الذي يريد أن ينقض وهما جائعان يستطعمان أهل القرية فأبوا أن يطعموهما، فقال له موسى (ع) بعد أن أقام الجدار: {لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً}، فقال له العبد العالم: {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ}، فلما أنبأه بما لم يستطع موسى (ع) عليه صبراً، فقال له عن الجدار الذي أقامه: {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً}([7]).

فكان صلاح الأب سبباً لإقامة الجدار ليبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما.

إن صلاح الآباء يدفع البلاء عن الأبناء في الدنيا والآخرة، وبالعكس ظلم الآباء للآخرين يجلب الظلم على أبناء الظالم: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ}([8]).

وكما ينتفع الأبناء بصلاح الآباء كذلك ينتفع الآباء بصلاح الأبناء، فيكون الولد الصالح سبباً لنجاة أبيه من العذاب، وكذلك يرزق الله الأب بصلاح الولد الرحمة والمغفرة في الآخرة.

يقول تعالى: {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ}([9]).

وما قدموا هو الأعمال التي قدموها، وآثارهم: ما يخلفونه من بعدهم من الأعمال الصالحة، والذرية الصالحة والصدقات الجارية، فإذا خلف الإنسان ذرية صالحة كتب الله تعالى له بصلاح ذريته الرحمة والمغفرة.

عن الصادق (ع) قال: >قال رسول الله (ص): مرّ عيسى بن مريم (ع) بقبر يعذب صاحبه، ثم مر به من قابل فإذا هو لا يعذّب، فقال: يا رب، مررت بهذا القبر عام أول فكان يعذب، ومررت به العام فإذا هو ليس يعذّب، فأوحى الله إليه: أنه أدرك له ولد صالح، فأصلح طريقاً، وآوى يتيماً، فلهذا غفرت له بما فعل ابنه<([10]).

وعن رسول الله (ص): >من سن سُنّة حسنة عمل بها من بعده، كان له أجره ومثل أجورهم، من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً، ومن سنَّ سُنّة سيئة فعمل بها من كان عليه وزره ومثل أوزارهم من غير أن ينقص من أوزارهم شيئاً<([11]).


أقرأ ايضاً:

الهوامش والمصادر

  • [1] ـ غافر: 7 ـ 8.
  • [2] ـ الطور: 21.
  • [3] ـ نور الثقلين 5 : 140.
  • [4] ـ المصدر السابق.
  • [5] ـ تفسير المراغي 27 : 26.
  • [6] ـ الزخرف: 28.
  • [7] ـ الكهف: 82.
  • [8] ـ النساء: 9.
  • [9] ـ يس: 12.
  • [10] ـ الكافي 6: 4 ح12.
  • [11] ـ كنز العمال 15: 780 ح 43079.
تحميل الفيديو
الشيخ محمد مهدي الآصفي
المصدر
كتاب في رحاب القرآن - الهجرة والولاء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى