ثقافة

الجزاء بغير حساب وبما يشاؤون

الأجر الذي يعطيه الله لعباده (عظيم) و(حسن) و(غير ممنون) و(مضاعف) و(كريم).

يقول تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ}([1])، {وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ}([2])، {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ}([3])، {فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ}([4])، {فَإِن تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً}([5])، {وَإِنَّ لَكَ لأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ}([6])، {مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ}([7]).

ويضاعف الله الأجر لعباده أضعافاً، {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}([8]). والله يرزق عباده أجورهم بالحسنى وزيادة: {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ}([9]).

ولكن ذلك كله بحساب، وكل شيء في هذا الكون بحساب دقيق وميزان:

{الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ}([10])،{وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ * أَلاّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ}([11]).

إلاّ أن الله تعالى يرزق عباده الصالحين يوم القيامة بـ (غير حساب) و(بما يشاؤون).

مما يشاؤون

وهو من الحساب، ولكنه حساب مفتوح، من غير حدود ولا قيود، فيسأل العبد من ربه ما يشاء من فضله ورحمته من رزق الجنة وهو رزق عجيب، لا يعهده الناس فيما بينهم في الدنيا.

يقول تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤُونَ}([12])، {لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاؤُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُولاً}([13])، {لَهُم مَّا يَشَاءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ}([14]).

ولا يستطيع الإنسان أن يتصور تكريماً ورزقاً فوق ذلك، {خَالِدِينَ}، و{عِندَ رَبِّهِمْ} و{لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاؤُونَ}، وكلمة {عِندَ رَبِّهِمْ} بعد قوله تعالى: {لَهُم مَّا يَشَاءُونَ} تحمل من التكريم والتشريف ما تعجز عن إدراكه تصوراتنا المحدودة، ولا يكاد يتصور الإنسان فوق هذا التكريم تكريماً، وأعظم من هذا الرزق رزقاً، ولكن الله تعالى يقول: {وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ}، {لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ}([15]).

و(المزيد) الذي يرزق الله عبده، بعد أن يرزقه (ما يشاء) فوق تصور الإنسان، وفوق ما يريد، والفارق بين ما يريده الإنسان لنفسه وبينما يريده الله تعالى له فارق عظيم لا يتناهى، كالفارق بين الله تعالى وخلقه.

وإذا أمعنا النظر في هذا الرزق العجيب نجد أن قوله تعالى: {لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ} مطلق لا يحدده شيء، فكلما يطمح إليه الإنسان ويتمناه يرزقه الله في الجنة، ولكن مشيئة الإنسان محدودة بما يعرفه الإنسان من النعم والأرزاق.

الرزق بغير حساب

أما (المزيد) الذي يرزقه الله عبده فوق ما يشاء فهو مطلق من كل جانب، وذلك أن الله تعالى يرزق عباده بغير حساب، وبلا حدود.

وعند هذا الرزق اللاّمحدود يتوقف فكر الإنسان وخياله، ويعجز بيانه عن تصويره. تأملوا في هذه الآيات المباركة:

{وَالَّذِينَ اتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}([16]).

{إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ}([17]).

{فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ}([18]).

فما هو هذا الرزق الذي يرزق الله عباده بغير حساب؟ هل هو مطلق الذي ليس له حدود؟

أم هو الكبير العظيم الذي لا نستطيع إحصاءه بأفكارنا وتصوراتنا المحدودة في التقدير والقياس؟ الله أعلم بذلك.


أقرأ ايضاً:

الهوامش والمصادر

  • [1] ـ آل عمران: 172.
  • [2] ـ آل عمران: 179.
  • [3] ـ فاطر: 7.
  • [4] ـ الحديد: 7.
  • [5] ـ الفتح: 16.
  • [6] ـ القلم: 3.
  • [7] ـ الحديد: 11.
  • [8] ـ البقرة: 245.
  • [9] ـ يونس: 26.
  • [10] ـ الرحمن: 5.
  • [11] ـ الرحمن: 7 ـ 8.
  • [12] ـ النحل: 31.
  • [13] ـ الفرقان: 16.
  • [14] ـ الزمر: 34.
  • [15] ـ سورة ق: 35.
  • [16] ـ البقرة: 212.
  • [17] ـ الزمر: 10.
  • [18] ـ غافر: 40.
تحميل الفيديو
الشيخ محمد مهدي الآصفي
المصدر
كتاب في رحاب القرآن - الهجرة والولاء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى