ثقافة

الصراط صورة الإنسان وواقعه

حركة الإنسان إلى الله تعالى وعلى الصراط المستقيم هو الصراط الذي يقطعه يوم القيامة، عبر جهنم، إلى الجنة.

وبموازاة هذه الحركة يتحرك الإنسان حركة من نوع آخر في داخله، إلى الكمال أو الانحطاط، حسبما تكون حركته في الخارج إلى الأعلى أو إلى الأسفل، إلى الله تعالى أو إلى الهوى والانا.

فعندما تكون حركة الإنسان إلى الله تعالى تتم في داخل الإنسان حركة أُخرى يتكامل بها الإنسان حتى يبلغ مرحلة الصديقين والسابقين وأصحاب اليمين، وعندما تكون حركته إلى الأسفل، وباتجاه الأهواء، فإن هذه الحركة الداخلية تكون حركة تنازلية، حتى يكون صاحبها من أصحاب الشمال ومن أولياء الشيطان.

{وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا}[1].

إن هذا الذي يسميه القرآن بالفلاح والخيبة في هذه الآيات المباركات من سورة الشمس، إنما هو مرحلة من تكامل وإنحطاط الإنسان، ودرجة في حركة النفس الصاعدة والنازلة، فإن الإنسان كما ينمو ويهزل، وينتكس في نموه الجسدي، كذلك ينمو وينتكس ويهزل في نموه وحركته النفسية، وفي كل يوم لنفس الإنسان صورة قد تختلف عن صورتها في اليوم السابق باتجاه صاعد أو هابط… وصورة النفس ودرجتها هي صراطها في الآخرة. فإذا كانت صورة النفس ضعيفة هزيلة، ومن أصحاب الشمال، وأولياء الشيطان كان صراطه ينتهي إلى جهنم، وإذا كانت النفس كاملة وفي درجات رفيعة من الكمال، فإن صراط كل إنسان يعكس واقعه النفسي، ودرجته من الكمال والانحطاط.

وقد روي عن الإمام الصادق “ع” بهذا المعنى: <أن الصورة الإنسانية هي الطريق المستقيم إلى كل خير، والجسر الممدود بين الجنة والنار>[2].

هذه الصورة هنا ـ في الحياة الدنيا ـ خافية على الناس، ولا يرى الناس غير هذا الظاهر المرئي المشهود من أنفسهم، فإذا حشروا برز الناس يوم القيامة على حقائقهم، وبصورهم الواقعية، وذلك {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ}[3] وعندئذ يَشْهَدُ الناس بعضهم بعضاً بصورهم الحقيقية وتتجسد لهم صورهم الواقعية.

إن الإنسان قد ينسلخ هنا من ضميره وعاطفته إنسلاخاً كاملا، وقد ينسلخ من الإيمان، وقد ينسلخ من الإنسانية، فيبقى على صورته، ولكنه يوم القيامة يُحْشر على صورته الحقيقية المنسلخة عن الضمير والعاطفة والإيمان والإنسانية.

والصورة السوية للإنسان هي صورة الفطرة، وهي الصراط المستقيم في الدنيا، فإن الفطرة تتطابق تطابقاً كلياً مع الصراط المستقيم، والصراط الذي يؤدي إلى الجنة في القيامة يتطابق مع الصراط المستقيم في الدنيا، فالصراط إذن في الآخرة هي الصورة السوية للإنسان، والتي يعبر عنها القرآن الكريم بالفطرة، أما الصور المشوهة للإنسان فهي صور المسالك والخطوط المنحرفة في الدنيا عن الصراط المستقيم {وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ}[4]، وهذه المسالك المنحرفة في الدنيا تتطابق في الآخرة مع الصراط الذي يؤدي بأصحابه إلى الجحيم: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ}[5].

يقول الفيض الكاشاني في تفسير (الصافي): أن لكل إنسان من إبتداء حدوثه إلى منتهى عمره إنتقالات جبلِّية باطنية، في الكمال، طبيعية، ونفسانية، تنشأ من تكرار الأعمال، وتنشأ منها المقامات والأحوال، فلا يزال ينتقل من صورة إلى صورة، ومن خلُق إلى خُلُق، ومن عقيدة إلى عقيدة، ومن حال إلى حال، ومن مقام إلى مقام، ومن كمال إلى كمال، حتى يتصل بالعلم العقلي والمقرَّبين، ويلحق بالملأ الأعلى والسابقين إن ساعده التوفيق، وكان من الكاملين أو من أصحاب اليمين، إن كان من المتوسطين، أو يحشر مع الشياطين وأصحاب الشمال، إن ولاه الشيطان وقارنه الخذلان في المآل، وهذا معنى الصراط المستقيم، منه ما إذا سلكه أوصله إلى الجنة، وهو ما يشتمل عليه الشرع كما قال الله عزّوجلّ: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ} وهو صراط التوحيد، والمعرفة، والتوسط بين الأضداد في الأخلاق، والالتزام بصوالح الأعمال، وبالجملة صورة الهُدى الذي أنشأه المؤمن لنفسه، مادام في دار الدنيا، مقتدياً فيه يهدي إِمامه، وهو أدق من الشعر، وأحدُ من السيف في المعنى، مظلم لا يهتدي إليه إلا من جعل الله له نوراً يمشي به في الناس، يسعى الناس عليها، على قدر أنوارهم[6].

أقرأ ايضاً:


المصادر والمراجع

  • [1] ـ الشمس: 7 ـ 10.
  • [2] ـ تفسير الصادقي: 20.
  • [3] ـ الطارق: 9.
  • [4] ـ المؤمنون: 74.
  • [5] ـ الصافات: 22 ـ 23.
  • [6] ـ بحار الأنوار 7: 197 ح 70.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى