ثقافة

القبول والجزاء في القرآن – بين سوء الأعمال وسعة الآمال

وإذا عجزنا عن أن نرفع إلى الله عملاً صالحاً يرضاه، فإننا نرفع إليه تعالى فقراً وحاجة لا حدّ لهما، وأملاً ورجاءً لا حدّ لهما.

وذلك لأن أعمالنا تتعلق بنا، وهي تكتسب منا العجز والقصور، وأما آمالنا فمتعلقة بالله، وهي تكتسب منه تعالى الكمال.

في دعاء الإمام علي بن الحسين زين العابدين (ع)، الذي علّمه لأبي حمزة الثمالي: >عظم يا سيدي أملي، وساء عملي، فأعطني بمقدار أملي، ولا تؤاخذني بأسوأ عملي<.

وفي هذه الفقرة من الدعاء مقارنة جميلة بين (الأمل) و(العمل)، فإذا كان (عمل) العبد قاصراً، فإن (أمله) بالله تعالى عظيم، ويرجو العبد من رحمة ربه أن يتجاوز عن سوء عمله ويعطيه بعظم أمله.

وأن العبد لينظر إلى عمله فيغلبه الفزع والخوف واليأس، وينظر إلى رحمة ربه فيغلبه الأمل والرجاء والطمع في رحمة الله، ويزول عنه الفزع والخوف.

ولنستمع إلى هذه الجمل من روائع كلمات الإمام زين العابدين علي بن الحسين (ع) في الدعاء([1]):

>إذا رأيت مولاي ذنوبي فزعت، وإذا رأيت كرمك طمعت، فإن غفرت فخير راحم، وإن عذبت فغير ظالم. حجتي يا الله في جرأتي على مسألتك، مع إتياني ما تكره، جودك وكرمك، وعدتي في شدتي مع قلة حيائي رأفتك ورحمتك.

وقد رجوت أن لا تخيب بين ذين وذين منيتي. عظم يا سيدي أملي، وساء عملي، فأعطني من عفوك بمقدار أملي، ولا توأخذني بأسوأ عمل<.

وفي الدعاء مقارنة رائعة بين ما يرفع العبد إلى ربه من سيئات الأعمال مما يكرهه الله تعالى، وما ينزل من عند الله على عبده من جوده وكرمه مما يهنأ به العبد. فهو عز شأنه يقابل ما يكره من أعمالنا بجوده وكرمه، وعن هذه المقابلة يقول (ع):

>خيرك إلينا نازل، وشرنا إليك صاعد<.

وهذه المقابلة الكريمة من عند الله لسيئات أعمالنا بجوده وكرمه… هي حجة العبد في الجرأة على مسألته ودعائه.

>حجتي يا الله في جرأتي على مسألتك، مع إتياني ما تكره، جودك وكرمك<.

وهذه هي المقابلة الأولى، والمقابلة الثانية مقابلة قلة حياء العبد برأفته ورحمته.

وهذه المقابلة الثانية هي عدة العبد في محنته وشدّته بين يدي الله يوم القيامة.

>وعدتي في شدتي مع قلة حيائي رأفتك ورحمتك<.

>وأنا أرجو بين ذين (طرفي المقابلة الأولى) وذين (طرفي المقابلة الثانية) أن لا تخيب مُنيتي<.

ولم يخيب مُنيته وقد عوده أن يقابل سوء أعماله بجوده وكرمه، ويقابل قلة حياته برأفته ورحمته.


أقرأ ايضاً:

الهوامش والمصادر

  • [1] ـ الدعاء المعروف بدعاء الأسحار. علمه زين العابدين علي بن الحسين (ع) لأبي حمزة الثمالي .
تحميل الفيديو
الشيخ محمد مهدي الآصفي
المصدر
كتاب في رحاب القرآن - الهجرة والولاء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى