ثقافة

القبول والجزاء في القرآن – مسلسل الفقر

وهذا هو مسلسل الحاجة، والأمل والدعاء، والفقر إلى الله.

وفي هذا المسلسل فقر يسدّ فقراً ودعاء يدعم دعاءً، ورجاء يدعم رجاءً.

والجهد النافع والعمل الصالح هو الذي يرفع الكلمة الطيبة إلى الله.

فإن النية الصالحة من دون عمل لا تصعد لوحدها إلى الله ما لم يرفعها العمل الصالح. يقول تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرفَعُه}.

فليس للإخلاص مصداق إذا لم يقترن بالعمل الصالح. وليس للتقوى والمخافة من الله مصداق إذا لم يدخل الإنسان السوق والشارع وساحة السياسة والتعامل مع الناس، فإذا دخل وسط الحياة الاجتماعية وواجه الفتن والمغريات ثم كفّ نفسه عما حرم الله عليه واتقى الله، عندئذٍ يكون لمخافة الله والتقوى مصداق في حياته.

صحيح أن الإخلاص هو الذي يصعد إلى الله، ولكن الإخلاص يتجسّد ويكون له مذاق عندما تزاحمه الذات والأنا.

والجهد الذي يبذله الإنسان للتغلب على (الأنا) و(الذات) هو الذي يرفع الإخلاص إلى الله{وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرفَعُه}.

وصحيح أن التقوى هو الذي يصعد إلى الله، ولكن الذي يجسّد التقوى ويعطيه المصداق ويخرجه إلى واقع الحياة هو العمل في زحمة الفتن والمغريات والأهواء، فيكون الجهد الذي يبذله الإنسان للتغلب على الأهواء والمغريات هو الذي يرفع الإيمان والإخلاص والخوف والتقوى إلى الله، ولو بقي الإنسان في زاوية بيته، وأغلق الباب على نفسه لئلاّ يتعرض للفتن والمغريات، ولا يتعرض لمواجهة الإغراءات ولم يبذل جهداً للتغلب عليها، يبقى إيمانه وإخلاصه وتقواه وخوفه من الله على الأرض، ولا يصعد إلى الله، وهو قوله تعالى: {وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرفَعُه}.

وإذا كان في عملنا نقص وعجز وتقصير فإن حاجتنا وفقرنا إلى الله تعالى وأملنا في الله لا حدّ له، وإذا كانت أعمالنا لا تنهض بنا للصعود إلى الله، فإن فقرنا وحاجتنا إلى الله تعالى تنهض بنا.

وللفقر خطاب وهو (الدعاء) و(رأس مال) وهو الرجاء والأمل.

وكما ينهض العمل بعباد الله الصالحين، ينهض الدعاء بمن قصر به عمله {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ}([1]).

وإذا كان العبد لا يملك من العمل ليقدمه بين يدي الله، فإن أفضل ما يقدمه هو فقره وحاجته إلى الله، ووعيه لفقره وحاجته، وأمله ورجاؤه، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ}([2]).


أقرأ ايضاً:

الهوامش والمصادر

  • [1] ـ الفرقان: 77.
  • [2] ـ فاطر: 15.
تحميل الفيديو
الشيخ محمد مهدي الآصفي
المصدر
كتاب في رحاب القرآن - الهجرة والولاء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى