ثقافة

إختلاف درجة سرعة الناس على الصراط

للناس في إجتياز الصراط إلى الجنة درجات من السرعة، فمنهم من يمر كالبرق الخاطف، ومنهم من يمر كعدو الفرس، ومنهم من يمر الصراط بسرعة دون ذلك، ومنهم من يمر الصراط حبواً، ومنهم من يمر متعلقاً بالصراط، تصيب النار منه طرفاً، وتترك له طرفاً.

عن أبي بصير، عن أبي عبدالله الصادق “ع” قال: <الناس يمرون على الصراط طبقات، والصراط أدق من الشعر، ومن حد السيف، فمنهم من يمر مثل البرق، ومنهم من يمر مثل عدو الفرس، ومنهم من يمر حبواً، ومنهم من يمر مشياً، ومنهم من يمر متعلقاً قد تأخذ النار منه شيئاً وتترك شيئاً>[1].

وإختلاف الناس في العبور من الصراط يوم القيامة يجسد بنسبة عكسية حركة الإنسان على الصراط المستقيم في الدنيا، فكلما تكون درجة معاناة الإنسان مع نفسه في تجاوز الشهوات والأهواء والضغط عليها أكثر في الحياة الدنيا، تكون حركته على الصراط المستقيم أيسر وأسهل.

فمن الناس من يمارس على نفسه ضغطاً قويّاً للسيطرة على أهوائه وشهواته ونزواته وإنفعالاته النفسية ويخضع نفسه لسلطان دين الله وسلطان العقل، ويروض نفسه للتقوى أولئك ييسر الله تعالى لهم مرورهم على الصراط، بقدر معاناتهم، ومن الناس من تكون معاناته في الدنيا دون ذلك، ويسمحون لأنفسهم من الحرية أكثر من الطبقة الأُولى أولئك يكون مرورهم على الصراط أصعب وأكثر عناء.

ومن الناس من يطلقون لأنفسهم العنان حيناً ويضبطونها حيناً أولئك الذين يتعلقون بالصراط يوم القيامة تصيب منهم النار أطرافاً وتترك لهم أطرافاً، ومن الناس من يتحلل من هذه الضوابط (حدود الله) جميعاً، ويطلقون لأنفسهم العنان من غير تحرج ولا تأثم… أولئك يسقطون في نار جهنم من على الصراط لولا رحمة الله تعالى.

وقد شاء الله تعالى للإنسان أن تقترن حياته في الدنيا بالمعاناة والابتلاء والصبر، وأن تكون هذه المعاناة والابتلاء والصبر هي سلم الإنسان إلى الله تعالى، وأن تأتي هذه المعاناة والابتلاء في حركة الإنسان على صراط الله المستقيم في الدنيا والتزامه بحدود الله وحلاله وحرامه… ومن دون هذه المعاناة لا يمكنه أن يعبر الصراط المستقيم في الدنيا إلى الله تعالى، ولا أن يجتاز الصراط يوم القيامة إلى الجنة.

{أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء}[2].

{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}[3].

{آلم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ}[4].

وإن المؤمنين ليمرُّون على الصراط الممدود على جهنم، فتكون النار عليهم برداً وسلاماً، لا يحسون بحرّها.

عن إبن مسعود قال: سمعت رسول الله “ص” يقول: <لا يبقى برٌّ ولا فاجر إلا دخلها، فتكون على المؤمنين برداً وسلاماً، كما كانت على إبراهيم، حتى أن للنار ضجيجاً من بردهم، ثم ينجي الله الذين اتقوا ويذر الظالمين فيها جثياً>[5].

ويرد المؤمنون الجنة، فيتساءلون فيما بينهم عن الورود في نار جهنم الذي وعدهم الله تعالى، فيقال لهم إنكم مررتم عليها فلم تحسوا بحرِّ نارها.

عن جابر بن عبد الله أنه سأل رسول الله”ص” عن هذه الآية {وَإِن مِّنكُمْ إِلاّ وَارِدُهَا}، فقال: <إذا دخل أهل الجنة، قال بعضهم لبعض: أليس قد وعدنا ربنا أن نرد النار؟ فيقال لهم: قد وردتموها وهي جامدة>[6].

وإن نور المؤمن حينما يعبر الصراط، ليطفيء لهب جهنم، فيردها المؤمن عبر الصراط إلى الجنة فلا يحس بها.

عن رسول الله”ص”: تقول النار للمؤمن يوم القيامة: جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي[7].

وإن نار جهنم تعرف أصحابها فتلتهمهم، وتترك من عداهم من أهل الجنة.

ثم ينادي المنادي أن خذي أصحابك وذري أصحابي، قال “ص”: <فوالذي نفسي بيده لهي أعرف بأصحابها من الوالدة بولدها>[8].

أقرأ ايضاً:


المصادر والمراجع

  • [1] ـ بحار الأنوار 8: 64 ـ 65.
  • [2] ـ البقرة: 214.
  • [3] ـ البقرة: 155.
  • [4] ـ العنكبوت: 1 ـ 2.
  • [5] ـ الدر المنثور 4: 280.
  • [6] ـ الكشاف 2: 520.
  • [7] ـ تفسير الصافي3: 289.
  • [8] ـ مجمع البيان6: 443.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى