ثقافة

حرمات الله – المعنى الآخر للحرمة والحرام

وللحرمة والحرام معنى آخر مشتق من المعنى الأول، وهو ما شرع الله تعالى فيه الحرمة، فالأشهر الحرم الأربعة هي الأشهر التي حرم الله تعالى فيها القتال، وهي شهر رجب والأشهر الثلاثة المتعاقبة: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرّم([1]).

فسماها الله تعالى بالحرام، لأن الله تعالى حرم وحظر فيها القتال على الناس. يقول تعالى:

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ}([2]).

فهذه الأشهر حرم، وسمّي شهر المحرم بالمحرم لهذا السبب.

وهذه الأشهر من الحرمات.

ويقال للمنطقة المحيطة بالمسجد (الحرام)، لأن الله تعالى حرّم فيه الصيد، وحرّم فيه اقتطاع نبات الأرض. يقول تعالى: {أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ}([3])، فهذه المنطقة منطقة حرام، وحُرم بسبب هذا التحريم.

ووصف الله تعالى الكعبة بالحرام، لأن الله تعالى حرّم عندها ما لم يحرمه في غيرها.

يقول تعالى:{جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ}([4]).

ووصف الله تعالى المسجد الحرام بالحرام، لأن الله حرّم فيه ما لم يحرّم في غيره من المساجد والمواضع.

يقول تعالى: { فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}([5]).

إذن يطلق الحرام والحرمة والمحرم على الزمان والمكان والأشياء التي شرع الله فيها على عباده تحريم المحرمات.

يقول الراغب في (مفردات القرآن) في سبب تسمية الحرم بالحرم: (يسمى الحرم بذلك لتحريم الله فيه كثيراً مما ليس بمحرم في غيره من المواضع، وكذلك الشهر الحرام).

وهذه الأمور والأشياء هي حرمات الله التي أمرنا الله تعالى بتعظيمها، والالتزام بما حرم الله تعالى فيها وعندها من المحرمات.

فالمؤمن حرمة من حرمات الله، لا يجوز العدوان على ماله وعرضه ونفسه، والمسجد الحرام حرمة من حرمات الله، لا يجوز عنده القتال، ولا يجوز فيه الدخول بجنابة، والحرم حرمة من الحرمات، فلا يجوز فيه الصيد والقتال، والأشهر الحرم من حرمات الله، فلا يجوز فيها القتال.

ونريد من هذا التفصيل أن ننتهي إلى النتيجة التالية:

إن الحرام والحرمة والمحرم يطلق على معنيين: فقد يطلق الحرام، والحرمة والحرم على ما حرمه الله تعالى على الإنسان من فعل أو قول أو خلق، وهي أمور يكرهها الله تعالى ويمقتها، وقد يطلق الحرمة والحرام على ما شرع الله تعالى فيه على الإنسان تحريم المحرمات.

والحرمات من النوع الثاني، وهي أمور يكرمها الله ويأمر بتكريمها وتنزيهها عن المحرمات وتعظيمها. يقول تعالى: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ}([6]).

وكأنها لكرامتها عند الله تعالى يأمرنا الله تعالى بتعظيمها، وتنزيهها مما لم يحرّمه علينا، ولم يأمرنا بالتنزه عنه في غيرها، فقد أمرنا الله تعالى أن ننزه المسجد من الدخول بجنابة، ولم يأمرنا أن ننزه بيوتنا عن ذلك، لكرامة المساجد عند الله، فهي من حرمات الله في حياة الإنسان، حرم الله فيها ما لم يحرم في غيرها، كحرمة الاجناب ودخول الجنب مثلاً، وأكد فيها حرمة اللهو واللغو الباطلين أكثر مما حرمهما في غيره، لكرامة المسجد عنده.

وقد خصّ الله تعالى البيت الحرام والمسجد الحرام بما لم يحرم في غيرهما من المساجد، وخص الله تعالى شهر رمضان فحرم فيه ما لم يحرم في غيره من الأشهر، لكرامة هذا الشهر وقيمته عند الله، وخص الله تعالى الأشهر الحرم الأربعة فحرم فيها القتال: لكرامتها عنده.

وعلى هذه القاعدة مهما خص الله تعالى من زمان أو مكان أو شيء بأنه من الحرمات، فحرم على عباده انتهاكه أو تجاوزه أو عصيانه عنده أو فيه، فهو دليل على تكريم الله تعالى وتعظيمه له.

وهي (حرمات الله تعالى) في حياة الإنسان، وقد عظم الله تعالى في حياة الناس طائفة من (الحرمات) أمرنا بتعظيمها وتكريمها وتنزيهها.

وسوف نستعرض فيرالمقالات القادمة ـ إن شاء الله ـ طائفة من هذه الحرمات كما يأتي:

  1. حرمة (لا إله إلاّ الله).
  2. حرمة الوالدين.
  3. حرمة الحق والدفاع عن الحق.
  4. حرمة البيت.
  5. حرمة أسرار الناس ومكالماتهم.
  6. حرمات المؤمن.
  • حرمة الدماء والأموال والأعراض.
  • حرمة أمن المؤمن.
  • حرمة كرامة المؤمن.
  • حرمة سر المؤمن.
  • حرمة غياب المؤمن.
  • حرمة باطن المؤمن وظاهره.

أقرأ ايضاً:

الهوامش والمصادر

  • [1] ـ شهر رجب من الأشهر الحرم هو الشهر الفرد، لانفراده عن بقية الأشهر الحرم، وذو القعدة وذو الحجة ومحرّم الأشهر السرد لتعاقبها.
  • [2] ـ البقرة: 217.
  • [3] ـ القصص: 57.
  • [4] ـ المائدة: 97.
  • [5] ـ البقرة: 149.
  • [6] ـ الحج: 30.
تحميل الفيديو
الشيخ محمد مهدي الآصفي
المصدر
كتاب في رحاب القرآن - الهجرة والولاء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى