ثقافة

النصيحة – التحليل العلمي لكلمة النصيحة

يصعب إعطاء تحليل علمي لهذه الكلمة، لأنه لم يسبق لهذه الكلمة في الدراسات الإسلامية تحليل وتحديد علمي دقيق يمكن اعتماده رغم أهمية هذه الكلمة ودورها الواسع في شبكة العلاقات الإنسانية في الإسلام.

ورغم ذلك فإننا نحاول أن نقوم بتقديم تحديد علمي ينطوي على بحث تحليلي لهذه الكلمة، من خلال الأوليات التي بين أيدينا ومن خلال المفهوم اللغوي والمصطلح الشرعي الإجمالي الذي يتبادر إلى أذهاننا من هذه الكلمة.

وفيما يلي نستعرض طائفة من كلمات المفسرين في معنى كلمة (النصح) لنستطيع بعد ذلك وعلى ضوئها وضوء ما تقدم من كلمات أهل اللغة إعطاء صورة دقيقة تحليلية لهذه الكلمة:

1 ـ يقول الراغب الأصفهاني في مادة (النصح) في كتابه القيّم (المفردات):

النصح: تحري فعل أو قول فيه صلاح صاحبه… وهو من قولهم نصحت له الرد: أي أخلصته، وناصح العسل: خالصه. أو من قولهم: نصحت الجلد: خطته، والناصح: الخياط، والنصاح: الخيط، وقوله:{تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا} فمن أحد هذين إما الإخلاص وإما الأحكام([1]).

2 ـ وقال قاضي القضاة ابن السعود/ (ت 951 هـ ) في تفسيره: (النصح): كلمة جامعة لكل ما يدور عليه الخير من قول أو فعل. وحقيقته إمحاض إرادة الخير والدلالة عليه، ونقيضه الغش([2]).

3 ـ وقال الزمخشري في (الكشاف): يقال: نصحته ونصحت له، وفي زيادة اللام مبالغة ودلالة على إمحاض النصيحة، وأنها وقعت خالصة للمنصوح له، مقصوداً بها جانبه لا غير([3]).

4 ـ ويقول القرطبي في تفسيره: النصح: إخلاص النية من شوائب الفساد في المعاملة، بخلاف الغش([4]).

5 ـ ويقول الطبرسي: النصيحة: إخلاص النية من شوائب الفساد في المعاملة([5]).

6 ـ ويقول النيسابوري: وحقيقة النصح: الإرشاد إلى المصلحة مع خلوص النية من شوائب المكر([6]).

7 ـ ويقول الرازي في تفسيره الكبير: وحقيقة النصح: الإرسال إلى المصلحة مع خلوص النية من شوائب المكروه([7]).

8 ـ وقال صاحب تفسير المنار: الأصل في النصيحة بأن يقصد بها صلاح المنصوح، فإن كان له فائدة منها وجاءت تبعاً فلا بأس، وإلاّ لم تكن النصيحة خالصة([8]).

وقال أيضاً: النصيحة والنصح: ما يصلح به بين اثنين، ويكون خالياً من الغش والخلل والفساد، ومنه تعلم أن من النصح لله ولرسوله في هذه الحالة: كل ما فيه مصلحة للأمة، ولا سيما المجاهدين منها، من كتمان للسر، وحث على البر، ومقاومة خيانة الخائنين في شتى أوجهها. فالنصح العام من الأركان المعنوية للإسلام، به عز السلف، وبزواله وبتركه ذل الخلف وابتزوا([9]).

9 ـ وقال المراغي في تفسيره: والنصح: الإرشاد إلى مصلحة مع خلوص النية من شوائب المكر([10]).

10 ـ وقال صاحب تفسير الميزان في قوله تعالى: {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ}([11]).

أي لا شأن لي بما إني رسول إلاّ تبليغ رسالات ربي خالصاً من شوب الظنون من كوني كاذباً، فلست بغاش لكم فيما أريد أن أحكمكم عليه، ولا خائن فيما أريده منكم من التدين بدين التوحيد، فهو الذي أراه حقاً، وهو الذي فيه نفعكم وخيركم([12]).

هذه طائفة من كلمات العلماء في تفسير (النصيحة).

ونرجح أن يكون (النصح) و(النصيحة) من الخلوص والإخلاص، وهو احد المعنيين اللذين يذكرهما الراغب في المفردات، وأشهرهما في كلمات المفسرين وأهل اللغة، وأشبهها بموارد استعمال هذا المصطلح الإسلامي.

وعليه فتتألف النصيحة من جملتين تكاد تتفق عليهما كلمات المفسرين وعلماء اللغة، باختلاف يسير في التعبير، هما:

1 ـ تحري الخير والصلاح للآخرين، وإرادة الخير لهم في القول والعمل، وتنظيم العلاقة معهم على هذا الأساس.

2 ـ تخليص العلاقة والتعامل مع الآخرين من كل شائبة سوء، وتمحيص النصيحة في العلاقة والتعامل.

وهذا التخليص والتمحيص يقع في مقابل (الغش)، وهو أن يتظاهر الإنسان بالنصيحة للآخرين في تعامله معهم في الوقت الذي تستبطن هذه العلاقة نية السوء والشر وتسمى هذه الحالة عادة بالغش.

وهاتان النتيجتان تظهران بصورة أو بأخرى من كل الكلمات التي سبقت في تعريف النصيحة، وفيما يلي نحاول ـ إن شاء الله ـ أن نحلل كل واحدة من هاتين الجملتين بصورة علمية، لنصل إلى تحليل وتعريف شامل لمفهوم (النصيحة) ونبدأ بدراسة تحليلية لكل من هاتين الجملتين:


أقرأ ايضاً:

الهوامش والمصادر

  • [1] ـ المفردات للراغب، مادة: نصح.
  • [2] ـ تفسير ابن السعود 3 : 204.
  • [3] ـ تفسير الكشاف 3 : 115.
  • [4] ـ تفسير القرطبي 7: 234.
  • [5] ـ مجمع البيان 2: 433.
  • [6] ـ تفسير غريب القرآن للنيسابوري بهامش جامع البيان في تفسير القرآن للطبرسي 8 : 135.
  • [7] ـ التفسير الكبير للفخر الرازي 14: 151.
  • [8] ـ المنار 8: 493.
  • [9] ـ تفسير المنار 10: 587.
  • [10] ـ تفسير المراغي 8: 187 ـ 188.
  • [11] ـ الأعراف: 68.
  • [12] ـ تفسير الميزان 8: 178، الطبعة الأولى.
تحميل الفيديو
الشيخ محمد مهدي الآصفي
المصدر
كتاب في رحاب القرآن - الهجرة والولاء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى