ثقافة

الصور المحسوسة لأعمالنا في الآخرة

ولهذا الصراط الذي يسلكه الناس في الحياة الدنيا إلى الله تعالى صورة أخرى محسوسة في الآخرة… هي حقيقة وباطن وواقع سلوك الإنسان في الدنيا.

وليس من شك أن لأعمال الإنسان ظاهراً نراه في هذه الدنيا، وباطناً يتجسّد لنا في الآخرة، بصورة محسوسة، فنحن لا نرى من الصلاة هنا غير ظاهرها من القيام والركوع والسجود، وأما روح الصلاة وباطنها الذي هو إقبال المصلي على الله تعالى، في صلاته، وخشوعه، وحضور قلبه بين يدي الله تعالى، وإنشداده إلى الله في المناجاة والدعاء، فهو من الغيب الذي لا نحسُّ به نحن في صلاة الناس، وفي يوم القيامة يتجسد هذا الواقع الغيبي للصلاة في صورة محسوسة، كما يتجسّد سائر أعمالنا من حسنات وسيئات في صور محسوسة، ويقدم إلينا في الآخرة.

وفي الحقيقة أن الجزاء في الآخرة ليس أمراً خارجاً عن حقيقة أعمالنا، يجزينا الله تعالى به على أعمالنا، إن خيراً فخير وإن شراً فشر، وإنما هو حقيقة أعمالنا تعود إلينا في الآخرة لا نعرفها هنا، والله أعلم بحقائق كتابه وخلقه.

وعذاب جهنم، ونعيم الجنة، إنما هو أعمالنا، تعود الين في الآخرة، بتلك الصورة، وهي الصورة الحقيقية لأعمالنا وليس شيئاً خارجاً عن ماهية وحقيقة أعمالنا. يقول تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا}[1].

{وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}[2].

والتعقيب في هذه الآية الكريمة بقوله تعالى: {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} ملفت للنظر، فإن العقاب الذي يصبّه الله تعالى على الكافرين والمنافقين إنّما هو أعمالهم التي تعود إليهم يوم القيامة، ويجدونها حاضرةً لديهم، ولم يظلم الله تعالى عباده بشيء{وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} وإنما الناس هم الذين يظلمون أنفسهم.

{وَمَا رَبُّكَ بِظَلاّمٍ لِّلْعَبِيدِ}[3].

ولا حجة لأحد على الله تعالى: {قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ}[4].

يقول تعالى: {لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ}[5].

فإذا كانت أعمال الناس هي التي تعود إليهم بصورتها الحقيقية يوم الآخرة فأيّة حجة للعباد على الله تعالى؟

يقول أميرالمؤمنين “ع” في الدعاء الذي علمه لكميل بن زياد: «ولك الحُجّة عليّ في جميع ذلك، ولا حُجَّة لي فيما جرى عليّ فيه قضاؤك».

أقرأ ايضاً:


المصادر والمراجع

  • [1] ـ آل عمران: 30.
  • [2] ـ الكهف: 49.
  • [3] ـ فصلت: 46.
  • [4] ـ الأنعام: 149.
  • [5] ـ الشورى: 15.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى