ثقافة

النصيحة – دور النصيحة في نسيج الولاء وشبكة العلاقات الاجتماعية

النصيحة من المصطلحات الإسلامية التي تنطوي على عمق مفهومي في الفكر العقائدي والسياسي والاجتماعي الإسلامي، ومن المؤسف أن هذا المفهوم الإسلامي العميق فقد محتواه في الفكر الإسلامي المعاصر، ولم يبق له من محتواه غير المحتوى (الوعظي) وهو يُعد من أبعاده بالتأكيد، ولكن ليس كل أبعاده.

الأبعاد المتعددة للنصيحة

ونجد في النصوص التالية دلالة واضحة على الأبعاد المتعددة للنصيحة:

1 ـ عن رسول الله (ص): >الدين النصيحة، قيل لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولرسوله، ولأئمة الدين، ولجماعة المسلمين<([1]).

2 ـ وعنه (ص): >من لا يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، ومن لم يصبح ويمسي ناصحاً لله ولرسوله ولكتابه ولإمامه، ولعامة المسلمين فليس منهم<([2]).

3 ـ وعنه (ص): >من يضمن لي خمساً أضمن له الجنة: النصيحة لله عزّوجلّ، والنصيحة لرسوله، والنصيحة لكتاب الله، والنصيحة لدين الله، والنصيحة لجماعة المسلمين<([3]).

والنصيحة لله وللرسول. وكتاب الله البعد الاعتقادي في هذا المفهوم.

والنصيحة لأئمة المسلمين هي البعد السياسي للمفهوم.

فقد استحدث الإسلام مفاهيم وتصورات، واستحدث لها مصطلحات، وربط بها التصور الإسلامي الشامل للعقيدة والسياسة والمجتمع، فلا نستطيع أن نأخذ صورة متكاملة عن العقيدة والسياسة والمجتمع إلاّ من خلال هذه العناصر التي تشكل أصول الفكر الإسلامي.. ومن هذه المصطلحات والمفاهيم مصطلح (النصيحة)، وسوف نجد فيما يأتي ـ إن شاء الله ـ عمق هذا المفهوم في الفكر الإسلامي.

العلاقة المتبادلة بين الأفراد في شبكة العلاقات الاجتماعية

إن سلامة الإنسان بسلامة خطوط العلاقة والارتباط التي تربطه بالآخرين، وكلما تكون العلاقة أسلم يكون حال الإنسان أفضل وأسلم، ولذلك فإن لشبكة العلاقات التي تربط الفرد بالآخرين أهمية كبيرة في سلامة الإنسان واستقامته وسعادته، حتى إننا نستطيع أن نقوّم الإنسان بعلاقاته وصلاته وارتباطاته.

فإذا كانت علاقات الإنسان بالآخرين قائمة على أساس العدل والإنصاف والتعاون والإيثار والمحبة، كان الإنسان صاحب هذه العلاقات سعيداً مستقيماً في حياته، وإذا كانت علاقته بالآخرين قائمة على أساس الاستئثار والعدوان والخداع والمكر، كان الإنسان قلقاً معذباً بهذه العلاقة. كما يصحّ العكس أيضاً، فكلما يكون الإنسان صالحاً تكون علاقاته بالآخرين صالحة وقائمة على أسس صحيحة وأخلاقية، وكلما يكون الإنسان فاسداً ينطوي على نية السوء وسوء السريرة، فإن علاقاته بالآخرين أيضاً تتصف بالخبث والمكر والسوء والعدوان.

إذاً بين الإنسان وعلاقاته بالآخرين علاقة متبادلة، يؤثر كل منهما بالآخر فيشقى الإنسان بسوء العلاقة، كما تسوء علاقة الإنسان بالآخرين بشقائه وخبثه.

ولذلك يهتم الإسلام اهتماماً بليغاً بأمر نسيج العلاقات الذي يربط الإنسان بالآخرين، ويسعى لترتيب هذا النسيج، بكل ما يمكن في حياة الإنسان وعلاقاته من متانة وقوة ومودة ومحبة وتفاهم.


أقرأ ايضاً:

الهوامش والمصادر

  • [1] ـ وسائل الشيعة 11: 595.
  • [2] ـ الترغيب والترهيب 2: 577.
  • [3] ـ مشكاة الأنوار: 310.
تحميل الفيديو
الشيخ محمد مهدي الآصفي
المصدر
كتاب في رحاب القرآن - الهجرة والولاء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى