ثقافة

فتية الكهف – الإيواء إلى الكهف

يقول تعالى: {فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ}. ذكرنا أن الإيواء إلى الكهف غير الاعتزال، والآية الكريمة صريحة في ذلك، {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاّ اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ}.

الاعتزال مقاطعة نفسية، والإيواء إلى الكهف هجرة، والاعتزال والهجرة يكمل أحدهما الآخر.

غير أن الاعتزال من الهجرة الكبرى، والأوي إلى الكهف من الهجرة الصغرى.

والهجرة الكبرى تجري داخل مساحة النفس، والهجرة الصغرى في الرقعة الجغرافية من الأرض، ولا تقاس الهجرة الكبرى بالهجرة الصغرى، فإن الاعتزال والمقاطعة النفسية جهد نفسي شاق، في انتزاع النفس وتحريرها من سلطان الأهواء والمغريات، والهجرة الصغرى جُهد لانتزاع النفس من الوسط الاجتماعي الذي يألفه، والعلاقات الاجتماعية والأسرية، والموقع الاجتماعي والاقتصادي، وهذه المجموعة هي مجموعة (الوشائج) التي يرتبط الإنسان عن طريقها بالمجتمع والوسط الاجتماعي.

بينما في الهجرة الكبرى ينتزع الإنسان نفسه من الأهواء العميقة النفسية، وهي (الولائج) المتحكمة والمؤثرة داخل النفس.

والفرق بين الهجرتين هو الفرق بين (الوشائج) و(الولائج)، فإن الهجرة الكبرى هي مقاومة الولائج وانتزاع النفس، بينما الهجرة الصغرى هي انتزاع النفس من مجموعة الوشائج.

ولا شك أنه عملية صعبة، ولكن شتان بين الإنتزاعين: أن ينتزع الإنسان نفسه من الولائج المتحكمة في نفسه، وأن ينتزع نفسه من الوشائج التي تربطه بالوسط والمجتمع.

ولا شك أن الأول أشق من الثاني بكثير.

إن الهدف من الهجرة الكبرى تحرير النفس من سلطان الأهواء، بينما الهدف من الهجرة الصغرى الاعتزال عن الوسط الاجتماعي.

أقرأ ايضاً:

تحميل الفيديو
الشيخ محمد مهدي الآصفي
المصدر
كتاب في رحاب القرآن - الهجرة والولاء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى