ثقافة

الصراط المستقيم عبر جحيم الأهواء والشهوات

وعلى هذا الصراط المستقيم يجتاز الإنسان الدنيا وما فيها من إغراءات، وشهوات، وأهواء إلى الله تعالى وهذه الشهوات والأهواء هي النار الحارقة التي تجسد الصورة الدنيوية لجهنم، إنّ الحياة الدنيا، ليست بجهنم، ولكن التعلق بهذه الحياة الدنيا، والانصراف إليها والانغماس فيها، والوقوع تحت نفوذها وسلطانها هي جحيم الإنسان في هذه الدنيا، وكذلك شهوات الإنسان وأهواؤه وغضبه وإنفعالاته النفسية، عندما تتملك أمره، وتسيطر عليه هي ا لجحيم الذي يحترق فيها الإنسان في هذه الدنيا.

وقد ورد في الحديث عن الإمام أميرالمؤمنين “ع”: <الغضب نار موقدة من كظمه أطفأها، ومن أطلقه كان أول محترق بها>[1].

ونحن هنا في هذا الحياة الدنيا لا نشعر بالصفة الواقعية لهذه التعلقات والشهوات، ولو كشف عن عيوننا الغطاء لرأينا حريق هذه الشهوات، والأهواء، والتعلقات، والانفعالات، عندما تمتلك أمر الإنسان في نفسه.

يقول تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا}[2].

وهذه النار هي أكل أموال اليتامى بالباطل، وليست من الاستعارة في شيء، وإنما هي من الحقيقة التي أخفيت عنا في هذه الدنيا والله أعلم.

وعلى الإنسان أن يقطع الطريق إلى الله تعالى وسط هذه الحرائق، من دون أن يحترق، أو تؤذيه النار، أو تحرق أطرافه، و(الصراط المستقيم) هو وحده الذي يضمن للإنسان العبور من وسط هذه الحرائق بأمن وسلام.

فالصراط المستقيم ـ إذن ـ في حياة الإنسان جسر على جهنم الحياة الدنيا، إذا وضع الإنسان خُطاهُ عليه لم تؤذه جهنم الحياة الدنيا، وإذا تجاوزه وقع في وسط هذه الحرائق وابتلعته.

إنَّ شهوات الإنسان وأهواءه صورة دنيا عن جهنم الآخرة.

وإنَّ جهنم لا تزال تطلب المزيد من الكافرين، وكلما ألقى الله تعالى فيها فوجاً سألها: {هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ}[3].

كذلك نفس الإنسان لا تشبع ولا تنفد حاجتها إلى حطام الدنيا، ولو أن الله تعالى أعطى كنوز الأرض لشخص لطلب المزيد، وسعى إلى المزيد، حتى يبلغ الإنسان حداً يدعي الربوبية والإلوهية على وجه الأرض، ويتصدى للتجاوز على سلطان الله تعالى وحاكميته علي حياة الإنسان وفي الأرض.

فالحركة في الحياة الدنيا، إذن، حركة في وسط جهنَّم لو كشف الغطاء عن أعيننا، ومن عجب أن العبور من وسط هذا الجحيم هي الطريق إلى الله تعالى.

وفي هذا العبور، هناك ناس يعبرون الحياة الدنيا إلى الله تعالى، يعيشون مع الناس ويتزوجون، ويزوجون، ويتمتعون بمتاع الحياة الدنيا، دون أن تُلَوِّثهم الحياة الدنيا، ودون أن تصرفهم عن الله تعالى حتى لحظة واحدة.

يقول تعالى: {رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ}[4].

وهؤلاء لم يعتزلوا الحياة الدنيا وإنّما يمارسون التجارة والبيع كما يمارسها سائر الناس، ولكن لم يلههم ذلك عن ذكر الله وإقام الصلاة حتى لحظة واحدة.

ويتمتعون في الدنيا بما يتمتع به الآخرون، ولكن متع الدنيا لا تربطهم بالدنيا، ولا تصرفهم عن الله.

وفي قبال هؤلاء هناك طبقة أخرى يدخلون الحياة الدنيا، فتشدهم إليها شدّاً وثيقاً، وتصرفهم عن الله تعالى صرفاً كاملا، وتحجب قلوبهم وصدورهم عن الله.

وبين أولئك وهؤلاء طبقات ودرجات من الناس والذي يشترك فيه الناس جميعاً هو الدخول في الحياة الدنيا، والذي يختلف فيه الناس هو درجة تعلقهم وإرتباطهم بالحياة الدنيا، عند العبور من هذه الحياة إلى الله تعالى، كما أن الذي يشترك فيه الناس جميعاً أن الطريق إلى الله تعالى ينحصر في العبور من وسط هذه الدنيا، ومن بين هذه الشهوات والغرائز والأهواء.

وقد رسم الله تعالى للإنسان طريقاً إليه، وسط هذه الدنيا، وما يحفّها من أهواء وشهوات، وذلك الطريق هو (الطريق المستقيم)، صراط العبودية والتوحيد والتقوى، فإذا سلك إليه هذا الطريق، فسوف يتمكن من تجاوز الدنيا، دون أن يتعلق بشيء منها، ودون أن تصرفه الدنيا عن الله تعالى، أو تحجبه عنه، وإذا شط إلى اليمين واليسار، فسوف تشده الدنيا إليها، وتجذبه، وتصرفه عن الله تعالى، وتحجبه عنه، وعلى قدر إستقامة الإنسان على الصراط المستقيم يكون نجاحه أو فشله في هذه الحركة الشاقة إلى الله تعالى.

أقرأ ايضاً:


المصادر والمراجع

  • [1] ـ مستدرك الوسائل 2: 326.
  • [2] ـ النساء: 10.
  • [3] ـ سورة ق: 30.
  • [4] ـ النور: 37.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى