ثقافة

تسبيح الملائكة وعباداتهم

تسبيح الملائكة وعباداتهم

إن الملائكة تسبح بحمد الله من غير فترة ولا ملل ولا تعب، وتقضي دهوراً طويلة في طاعة الله وذكره.

عن أميرالمؤمنين (ع) في تسبيح الملائكة وعباداتهم وذكرهم:

>وملائكة خلقتهم وأسكنتهم سماواتك، فليس فيهم فترة، ولا عندهم غفلة، ولا فيهم معصية، وهم أعلم خلقك بك، وأخوف خلقك منك، وأقرب خلقك إليك، وأعملهم بطاعتك، لا يغشاهم نوم العيون، ولا سهو العقول، ولا فترة الأبدان.. أما أنهم على مكانتهم منك وطواعيتهم إياك، ومنزلتهم عندك، وقلة غفلتهم عن أمرك لو عاينوا ما خفي عنهم منك لاحتقروا أعمالهم ولازدروا على أنفسهم، وعلموا أنهم لم يعبدوك حق عبادتك<([1]).

دعاؤهم للمؤمن

عن السكوني عن أبي عبد الله (ع) قال: >من كتم صومه، قال الله عزّوجلّ لملائكته: عبدي استجار من عذابي فأجيروه، ووكل الله عزّوجلّ ملائكة بالدعاء للصائمين، ولم يأمرهم بالدعاء لأحد إلاّ استجاب لهم فيه<([2]).

رد الجميل ورد التحية

ومن رد الجميل رد الدعاء بالدعاء للملائكة، ورد التحية منهم بالسلام عليهم.

وقد كان زين العابدين علي بن الحسين (ع) يدعو لحملة العرش، وكان من دعائه (ع) في الصلاة على حملة العرش وكل ملك مقرب: >اللهم وحملة عرشك الذين لا يفترون عن تسبيحك، ولا يسأمون عن تقديسك، ولا يستحسرون عن عبادتك، اللهم فصلّ عليهم وعلى الملائكة الذين من دونهم من سكان سماواتك وأهل الأمانة على رسالاتك، والذين لا يدخلهم سأمة من دؤوب، ولا إعياء من لغوب<([3]).

من هم الذين يدعو لهم حملة العرش؟

إن دعاء هؤلاء الملائكة في عباد الله مستجاب أكيداً، فقد أوكل الله تعالى إليهم الدعاء لعباده، فلا يمكن أن لا يستجيب لدعائهم.

فمن هم أولئك الذين يدعون لهم؟ وما هي الشروط والصفات التي تجعل الإنسان في موضع دعاء هؤلاء الملائكة الأبرار؟

في سورة غافر تجد أنهم يستغفرون للذين آمنوا وتابوا واتبعوا سبيل الله: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ}([4]).

وفي سورة الشورى {وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الأَرْضِ}([5]).

وفي أغلب الظن أن المقصود بمن في الأرض هم المؤمنون التائبون والمتبعون سبيل الله.

إن دعاء هؤلاء الملائكة من رحمة الله تعالى بعباده. فهم يدعون الله بأمر من الله، ويشفقون على المؤمنين التائبين برحمة من الله، ورحمة الله واسعة. فلماذا يخص حملة العرش المؤمنين التائبين المتبعين بالدعاء فقط، وهم يقولون في نفس الدعاء: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا}؟

إن السبب واضح ومعروف لمن يعرف نهج القرآن في بيان حقائق الكون. إن الذين لا يؤمنون بالله ويعصون الله يخرجون عن دائرة الرحمة الواسعة التي وسعت كل شيء رحمة وعلماً، لا لأن مساحة الرحمة الإلهية تضيق بشيء، فهي غير محدودة، ولكن لأن هؤلاء الناس أنفسهم يعرضون عن رحمة الله بالكفر والعصيان فإذا خرج العبد معرضاً عن رحمة الله لا تشمله رحمة الله، لا لضيق في رحمة الله، وإنما بسبب إعراضه عن رحمة الله.

والذي يجعل الإنسان في موضع رحمة الله ثلاث كلمات:

الإيمان، والعودة إلى الله (التوبة)، والإتّباع {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا}، {فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ}… فإن المعصية والتمرد إعراض عن الله والتوبة والاتباع عودة إلى الله، وبذلك يدخل الإنسان في دائرة رحمة الله من جديد بعد الإعراض والخروج، فإن دائرة الرحمة الإلهية مفتوحة لا تنغلق على أحد، وبوسع أي إنسان أن يرجع إلى الله متى ما يشاء.


أقرأ ايضاً:

الهوامش والمصادر

  • [1] ـ بحار الأنوار 49: 175.
  • [2] ـ الكافي 4: 64.
  • [3] ـ الصحيفة السجادية، وبحار الأنوار 49: 217.
  • [4] ـ غافر: 7.
  • [5] ـ الشورى: 5.
تحميل الفيديو
الشيخ محمد مهدي الآصفي
المصدر
كتاب في رحاب القرآن - الهجرة والولاء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى