ثقافة

ثلاث طوائف من العصم

قلنا إن الله تعالى أودع في النفس والمجتمع ثلاث طوائف من العصم:

  1. العصم المغروسة في عمق النفس (العصم الذاتية).
  2. العصم التي يكتسبها الإنسان ويعمل بها (العصم المكتسبة).
  3. العصم القائمة في واقع الحياة (العصم الاجتماعية).

وفي ما يلي نحاول أن نستعرض بعض مفردات العصم في حياة الإنسان في النفس والمجتمع من هذه الطوائف الثلاثة من العصم.

أولاـ العصم المغروسة في عمق النفس (العصم الذاتية)

ومن أعظم هذه العصم (الضمير). وهو آخر قلعة يقاوم الأهواء والفتن في نفس الإنسان، وقد تسقط القلاع التي يحتمي بها الإنسان من شر الهوى والشيطان، واحدة بعد الأخرى، ويبقى الضمير، يقاوم الجريمة، ويردع صاحبه عنها، فإذا سقط الضمير، فقد نفذ ما في النفس من مقاومة وصمود.

ولذلك يعتبر الضمير أقوى العصم التي تعصم الإنسان وتحفظه، والتربية لا تأتي بالضمير، ولكن تركزه وتعمقه، وتوظفه لتعديل سلوك الإنسان. والعفة عصمة أخرى أودعها الله تعالى في نفس الإنسان. وهي حالة مغروسة في عمق النفس، لا تأتي بها التربية، ولكن التربية تعمقها وتوظفها لتعديل وضبط الغريزة الجنسية.

وتوجد في نفوس أكثر الناس على درجات مختلفة، تقوى، وتضعف، بإختلاف التربية، والوسط الذي يعيشه الإنسان، والممارسات التي يمارسها الإنسان.

وقد تسقط هذه العصمة بصورة نهائية في حياة الإنسان فتبقى الغريزة الجنسية مكشوفة وعارية، كما هي في الحيوان.

والحياء عصمة في مقابل حالة الصلف، وهذه العصمة نابعة من داخل النفس، ولها دور واسع في ضبط الغرائز وتلطيفها وتحديدها.

يقول الإمام الصادق “ع” على ما في رواية المفضل بن عمرو، في حديث التوحيد: «أنظر يا مفضل إلى ما خَصَّ به الإنسان، دون جميع الحيوان من هذا الخلق الجليل قدره العظيم غناؤه، أعني «الحياء» فلولاه لم يُقْرَ ضيف، ولم يُوفَ بالعداة، ولم تُقْضَ الحوائج، ولم يُتَحَرَّ الجميل، ولم يُتَنَكَّب القبيح في شيء من الأشياء، حتى أن كثيراً من الأمور المفترضة إنما يفعل بالحياء. فإن في الناس مَن لولا الحياء لم يرع حق والديه، ولم يصل ذا رحم، ولم يؤد أمانة، ولم يعف عن فاحشة»[1].

وعن رسول الله “ص”: «إستحيوا من الله حق الحياء.

فقيل: يا رسول الله ومن يستحي من الله حق الحياء؟

فقال: من إستحيى من الله حق الحياء، فليكتب أجله بين عينيه، وليزهد في الدنيا وزينتها، ويحفظ الرأس وما حوى والبطن وما وعى»[2].

وفي رواية أخرى. «رحم الله من إستحيا من الله حق الحياء، فحفظ الرأس وما حوى، والبطن وما وعى»[3].

وقد روي عن علي “ع” في هذا الشأن: «الحياء بعيد عن الفعل القبيح»، و«على قدر الحياء تكون العفة»[4].

وقد ورد التأكيد في النصوص الإسلامية في الاستحياء من الله تعالى والملكين الّذين يراقبان الإنسان في الخلوات.

عن رسول الله “ص”: «ليستح أحدكم من ملكيه الذين معه، كما يستحي من رجلين صالحين من جيرانه، وهما معه بالليل والنهار»[5].

ومن وصية رسول الله “ص” لأبي ذر: «يا أباذر إستحي من الله، فإني والذي نفسي بيده لأظُّل حين أذهب إلى الغائط متقنعاً بثوبي أستحي من الملكين الذين معي»[6].

والخوف من الله تعالى عصمة يعصم الإنسان عن الذنوب.

وقد ورد في الحديث عن أميرالمؤمنين علي “ع”:

«الخوف سجن النفس من الذنوب وردعها عن المعاصي».

وعنه أيضاً “ع”: «نعم الحاجز عن المعاصي الخوف».

وعنه أيضاً “ع”: «خِفِ الله خوف من ينشغل بالفكر قلبه، فإن الخوف مطية الأَمن، وسجن النفس عن المعاصي».

وعنه أيضاً “ع”: «من كثرت مخافته قلت آفته»[7].

وعن الإمام الصادق “ع” في قوله تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ}: >من علم أن الله يراه، ويسمع ما يقول، ويعلم ما يعمله من خير أو شر فيحجزه ذلك عن القبيح من الأعمال، فذلك الذي خاف مقام ربه، ونهى النفس عن الهوى<[8].

ثانياًـ عصم يكتسبها الإنسان (العصم المكتسبة)

  • 1ـ التقوى

ومن أهم هذه العصم (التقوى). وقد عبر القرآن الكريم عنه بـ(اللباس) واللباس عاصم وساتر، يقول تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ}[10].

وهو تعبير دقيق، فاللباس الذي يألفه الناس يستر سوآت الجسم، والتقوى يستر سوأة الروح والنفس، واللباس يحمي جسم الإنسان مما يلاقيه من حرّ وبرد وأذى، كذلك التقوى يحمي روح الإنسان ونفسه وعقله من الفتن ومكايد الشيطان ومغريات الدنيا.

روى القمّي عن أبي جعفر الباقر “ع” في تفسير آية التقوى من سورة الأعراف: «فأما اللباس فالثياب التي يلبسون، وأما لباس التقوى فالعفاف، لأن العفيف لا تبدو له عورة، وإن كان عارياً من الثياب، والفاجر بادي العورة، وإن كان كاسياً من الثياب»[11].

وفي هذا المعنى روي عن الإمام علي “ع”: «ثوب التقى أشرف الثوب»[12].

وعن علي “ع” أيضاً: «من تعرى من لباس التقوى لم يستر بشيء»[13].

ومن روائع كلمات الإمام في التقوى قوله “ع”:

«أوصيكم بتقوى الله… أشعروها قلوبكم، وأرضحوا بها ذنوبكم، ألا فصونوها وتصوّنوا بها»[14].

فإن اللباس كما يصون الإنسان كذلك على الإنسان أن يصون لباسه، كما يصونه لباسه. ولكي يستفيد الإنسان من خدمة ملابسه وثيابه عليه أن يخدمها، كذلك التقوى يصون الإنسان ويصونها الإنسان.

وفي بعض النصوص الإسلامية ورد التعبير عن التقوى بـ(الحصن) و(الجُنَّة) و(المنعة) و(العصمة).

وكل ذلك يؤكد المعنى الذي أشرنا إليه في عصمة التقوى.

عن رسول الله “ص”: «إن الله عز ذكره يعصم به من أطاعه، ولا يعصم به من عصاه»[15].

عن أميرالمؤمنين “ع”: «التقوى حصن حصين لمن لجأ إليه».

وروي عنه “ع” أيضاً: «إلجأوا إلى التقوى فإنها جُنَّة مَنِعَة. من لجأ إليها حصّنته، ومن إعتصم بها عصمته».

وعنه “ع”: «أن التقوى عِصْمة لك في حياتك، وزُلْفى لك بعد مماتك»[16].

وعن الصادق “ع”: «أيما مؤمن أقبل (على) ما يحب الله، أقبل الله عليه (بـ) كل ما يحب، ومن إعتصم بالله بتقواه عَصَمه الله، ومن أقبل الله عليه وعصمه لم يبال لو سقطت السماء على الأرض، وإن نزلت نازلة على أهل الأرض، فتشملهم بلية كان في حرز الله بالتقوى من كل بلية، أليس الله تعالى يقول: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ}[17].

وعن علي “ع”: «أوصيكم عباد الله بتقوى الله، فإنها الزمام والقوام، فتمسّكوا بوثائقها، واعتصموا بحقائقها، تؤل بكم إلى أكنان الدعة وأوطان السعة». [18]

وعن علي “ع” أيضاً: «واعتصموا بتقوى الله، فإن لها حبلا وثيقاً عروته، ومعقلا منيعاً ذروته»[19].

وعنه “ع” أيضاً: «التقوى قرنت بالعصمة».

وعن علي “ع” «إلى أهل مصر»: «عصمكم الله بالتقوى، وثبتكم بالتقوى»[20].

وعنه “ع”: «إن في سلطان الله عصمة لأمركم، فأعطوه طاعتكم، غير ملومة، ولا مستكره بها»[21].

ويقول أميرالمؤمنين علي “ع” في التعريف بالتقوى: «إعلموا عباد الله أن التقوى دار حصن عزيز، والفجور دار حصن ذليل، لا يمنع أهله، ولا يحرز من لجأ إليه»[22].

وهذه النصوص تؤكد جميعاً هذه الخصلة الأساسية في التقوى، وهي العصمة والوقاية من الأهواء والفتن والشياطين.

وهي مقتبسة جميعاً من كتاب الله يقول تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ}[23].

فقد أودع الله تعالى في التقوى من النور والبصيرة ما لا يستطيع الشيطان أن يخترقه، فإذا اقترب (طائف) من الشيطان من المتقين تذكروا سريعاً، وتنبهوا بصورة مبكرة، ومن دون تأخير، فإذا هم مبصرون، وعلى بيّنة من الأمر، فيطردون الشيطان ووساوسه وإغرائه عنهم.

  • 2ـ الذكر

ومن العصم (الذكر)، ومعنى الذكر هو استشعار حضور الله واستشعار سلطانه وعلمه وجلاله وجماله… في مقابل الغفلة وغياب القلب عن حضور الله. وأما ذكر الله تعالى باللسان فهو تعبير وإبراز لاستشعار حضور الله ونعمته وجلاله وجماله.

ومن الواضح أن الذكر بهذا المعنى الذي بيناه من أهم العواصم التي تعصم الإنسان من الوقوع في مزالق الهوى والفتنة.

فإن الإنسان عندما يستشعر جلال الله تعالى، وجماله، وقوته، وسلطانه، وحضوره، في قلبه، ويعي ذلك يستحيل على الإنسان أن يعصي الله تعالى أو ينقاد للهوى، ويستجيب له. وعلى قدر إستشعار القلب لحضور الله تعالى يكون تأثير الذكر في عصمة الإنسان ووقايته. وكلما يكون القلب أوعى لجلال الله وجماله وحضوره يكون الإنسان أقوى على مقاومة الأهواء والاثارات والفتن ووساوس الشيطان.

عن الإمام الباقر “ع”: «ثلاث من أشد ما عمل العباد: إنصاف المرء نفسه، ومواساة المرء أخاه، وذكر الله على كل حال، وهو أن يذكر الله عزّوجلّ عند المعصية يهم بها، فيحول ذكر الله بينه وبين تلك المعصية، وهو قول الله عزّوجلّ: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ}[24].

وهذا هو الذكر الذي يعصم الإنسان من الذنب.

وقد ورد هذا المعنى في النصوص الواردة عن أهل البيت^ بصورة واسعة. وفيما يلي نذكر طائفة من هذه النصوص التي تؤكد دور الذكر في عصمة الإنسان:

في الحديث القدسي: «إذا علمت أن الغالب على عبدي الاشتغال بي نقلت شهوته في مسألتي ومناجاتي. فإذا كان عبدي كذلك فأراد أن يسهو حُلْت بينه وبين أن يسهو. أولئك أوليائي حقاً. أولئك الأبطال حقاً»[25].

وأيضاً في الحديث القدسي: «إذا كان الغالب على العبد الاشتغال بي جعلت بُغْيته ولذته في ذكري، فإذا جعلت بُغْيته ولذته في ذكري… رفعت الحجاب بيني وبينه، لا يسهو إذا سها الناس، أولئك كلامهم كلام الأنبياء أولئك الأبطال حقاً»[26].

وفي مناجاة موسى “ع” قال: قال موسى بن عمران “ع”: يا رب أبعيد أنت مني فأناديك، أم قريب فأناجيك. فأوحى الله جل جلاله: أنا حبيب من ذكرني، أنا جليس عبدي حين يذكرني، وأنا معه إذا دعاني».

وعن علي “ع”: «من عمّر قلبه بدوام الذكر حُسَنَتْ أفعاله في السر والجهر».

وفي الحديث القدسي: «أيّما عبد إطلعت على قلبه فرأيت الغالب عليه التمسك بذكري توليت سياسته، وكنت جليسه ومحادثه وأنيسه».

وعنه “ع”: «عليكم بذكر الله، فإنه نور القلوب».

وعنه “ع”: «الذكر نور ورشد والنسيان ظلمة وفقد».

وعنه “ع”: «إنَّ الله سبحانه جعل الذكر جلاءً للقلوب، تسمع به بعد الوقرة، وتبصر به بعد العشوة، وتنقاد به بعد المعاندة».

وعنه “ع”: «ذكر الله مطردة الشيطان».

وعنه “ع”: «ذكر الله رأس مال كل مؤمن، وربحه السلامة من الشيطان».

وعنه “ع”: «ذكر الله دُعامة الإيمان، وعِصْمَة من الشيطان».

عن رسول الله “ص”: «إن الشيطان واضع خطمه على قلب إبن آدم فإذا ذكر الله خنس، وإذا نسى التقم، فذلك الوسواس الخناس».

وقال نوف البكالي: رأيت أميرالمؤمنين صلوات الله عليه مولياً مبادراً فقلت: أين تريد يا مولاي؟

فقال: «دعني يا نوف إن آمالي تقدمني في (إلى) المحبوب.

فقلت: يا مولاي وما آمالك؟ قال: قد علمها المأمول واستغنيت عن تبيينها لغيره، وكفى بالعبد أدباً، أن لا يشرك في نعمه وإربه غير ربه.

فقلت: يا أميرالمؤمنين إني خائف على نفسي من الشره، والتطلع إلى طمع من أطماع الدنيا.

فقال لي: وأين أنت عن عصمة الخائفين، وكهف العارفين؟!

فقلت: دلني عليه.

قال: الله العلي العظيم، تصل أملك بحسن تفضله، وتقبل عليه بهمك، وأعرض عن النازلة في قلبك، فَزِنْ أجلك بها، وانقطع إلى الله سبحانه فإنه يقول: «وعزتي وجلالي لأقطعن أمل كل من يؤمل غيري باليأس، ولأكسونه ثوب المذلة في الناس، ولأبعدنه من قربي، ولاقطعنه عن وصلي…».

ثم قال عليه وعلى آله السلام لي: يا نوف أُدع بهذا الدعاء: «إلهي إن حمدتك فبمواهبك، وإن مجدتك فبمرادك (فبأِرادتك) وإن قدستك فبقوتك، وإن هلّلتك فبقدرتك، وإن نظرتُ فإلى رحمتك، إلهي آه ممن لم يشغله الولوع بذكرك، ولم يزده السفر بقربك، كانت حياته عليه ميتة، وميتته عليه حسرة…»[27].

  • 3ـ الحكمة والموعظة

ومن العصم (الحكمة والموعظة):

عن علي “ع”: «لا تخلُ نفسك من فكر يزيدك حكمة وعبرة يفيدك عصمة».

وعنه “ع”: «الاعتبار يفيد العصمة».

وعنه “ع”: «الحكمة عصمة والعصمة نعمة».

وعنه “ع”: «قرنت الحكمة، بالعصمة»[28].

  • 4ـ التمسك بالقرآن

ومن العصم (التمسك بالقرآن) وقراءته ووعيه والتأمل فيه:

عن علي “ع”:

«عليكم بكتاب الله فأِنه الحبل المتين، والعصمة للمتمسك»[29].

وكان من دعاء الإمام السجاد “ع”: «لا تنال أيدي الهلكات من تعلق بعروة عصمته»[30].

  • 5ـ الصدق في التعامل مع الله

عن الباقر “ع”: «إذا علم الله تعالي حسن نية من أحد إكتنفه بالعصمة»[31].

و(التربية الصالحة) من العصم.

يقول الإمام الحسين “ع”: «ألا وإن الدعي إبن الدعي قد ركّز بين إثنين بين السِلّة والذِّلة. وهيهات منا الذِّلة، يأبى الله ذلك لنا ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت وطهرت».

  • 6ـ الاستعاذة

ومن العصم (الاستعاذة بالله) من وساوس الشيطان وسلطان الهوى وإثارات الفتن، فإن الإنسان ضعيف، وسلطان الهوى على الإنسان نافذ وقوي، والشيطان يرقب نقاط الضعف في حركته، ويرصده عند كل مزلق من مزالق الهوى، وعند كل فتنة، فإذا إستعاذ بالله، ودعى الله تعالى إلى أن يعصمه من شرور نفسه ووساوس الشيطان وفتن الدنيا، وكان صادقاً في إستعاذته بالله وإعتصامه به تعالى عصمه الله ووقاه من مزالق الهوى وفتن الدنيا ووساوس الشيطان. يقول تعالى: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ}[32].

  • 7ـ الصلاة

ومن العصم في حياة المؤمنين (الصلاة) تعصم عن الفحشاء والمنكر يقول تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ}[33].

ثالثاًـ العصم الموضوعية (في الحياة الاجتماعية)

وهناك طائفة ثالثة من العصم في واقع حياة الإنسان الموضوعي، خارج دائرة النفس، خلقها الله تعالى في المجتمع لحماية الإنسان وعصمته، ووقايته من مضلات الفتن ومغرياتها، ومن الأهواء والشياطين، من هذه العصم النظام السياسي والإداري الذي ينفذ أحكام الله تعالى في حياة الإنسان، فإن لهذا النظام دور كبير وواسع في النهى عن المنكر، وردع الناس عن إرتكاب الجرائم والمحرمات وتجاوز حدود الله تعالى، وتثبيت الحدود الإلهية في حياة المجتمع.

وقد ورد في النصوص الإسلامية كلمات وإشارات كثيرة في هذا الأمر منها ما روى الصدوق في (علل الشرائع) عن الفضل بن شاذان في حديث طويل عن الإمام. جاء فيه «فإن قال: فلم جعل أولي الأمر، وأمر بطاعتهم؟ قيل لعلل كثيرة:

منها إن الخلق لما وقفوا على حد محدود، وأمروا أن لا يتعدوا ذلك الحد لما فيه من فسادهم، لم يكن يثبت ذلك ولا يقوم إلا بأن يجعل عليهم فيه أميناً يمنعهم عن التعدي والدخول فيما خطر عليهم، لأنه لو لم يكن كذلك لكان أحد لا يترك لذته ومنفعته لفساد غيره، فجعل عليهم قيّما، يمنعهم عن الفساد، ويُقيم فيهم الحدود والأحكام»[34].

ومن هذه العصم (الجماعة المؤمنة) وصحبة الصالحين، فإنها عاصمة للإنسان من كثير من أنواع السقوط الخلقي والفكري.

وتؤكد النصوص الإسلامية دور الجماعة المؤمنة في حماية الإنسان ووقايته وعصمته كثيراً. منها ما روي عن رسول الله “ص”: «يد الله على الجماعة فإذا إشتذ الشاذ منهم إختطفه الشيطان، كما يختطف الذئب الشاة الشاذة من الغنم»[35].

وروي عن رسول الله “ص” أيضاً: «يد الله على الجماعة والشيطان مع من خالف الجماعة يركض»[36].

وعن رسول الله “ص” أيضاً: «إتبعوا السواد الأعظم، يد الله على الجماعة، من شذ شذ في النار»[37].

ومن العصم (الحياة الزوجية). وكل من الزوجين عصمة للآخر من الفتن والأهواء يقول تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ}[38].

والتعبير عن الحياة الزوجية باللباس تعبير دقيق ورائع عن دور كل من الزوجين، في الحياة الزوجية، في ستر الطرف الآخر وحمايته وعصمته، فالزوجات لباس للأزواج يسترنهم من الفتن والأهواء، ووساوس الشيطان والأزواج لباس لهن يسترونهن من الفتن والأهواء ووساوس الشيطان.

أقرأ ايضاً:


المصادر والمراجع

  • [1] ـ بحار الأنوار: كتاب التوحيد، حديث المفضل.
  • [2] ـ بحار الأنوار 70: 317.
  • [3] ـ بحار الأنوار 70: 305.
  • [4] ـ غرر الحكم.
  • [5] ـ غرر الحكم.
  • [6] ـ كنز العمال: ح 5751.
  • [7] ـ راجع غرر الحكم.
  • [8] ـ أصول الكافي 2: 71.
  • [9] ـ هذه العصمة أيضاً لها أصول وجذور في نفس الإنسان كالطائفة الأُولى، ولكن تغلب عليها صفة الاكتساب بالتعليم والتربية. ولذلك ميّزناها عن الطائفة الأُولى.
  • [10] ـ الأعراف: 26.
  • [11] ـ تفسير القمي 1: 226.
  • [12] ـ غرر الحكم للآمدي «حرف التاء».
  • [13] ـ بحار الأنوار 77: 236.
  • [14] ـ نهج البلاغة خطبة رقم: 191.
  • [15] ـ روضة الكافي 8: 82.
  • [16] ـ راجع غرر الحكم.
  • [17] ـ بحار الأنوار 70: 285.
  • [18] ـ نهج البلاغة، خطبة رقم: 195.
  • [19] ـ نهج البلاغة، خطبة رقم: 190.
  • [20] ـ آمالي المفيد: 49.
  • [21] ـ نهج البلاغة، خطبة رقم: 169.
  • [22] ـ نهج البلاغة، خطبة رقم: 157.
  • [23] ـ الأعراف: 201.
  • [24] ـ بحار الأنوار 93، 379.
  • [25] ـ بحار الأنوار 93: 162.
  • [26] ـ كنز العمال: ح 1872.
  • [27] ـ بحار الأنوار 94: 94 و95.
  • [28] ـ غرر الحكم.
  • [29] ـ نهج البلاغة، خطبة رقم: 156.
  • [30] ـ الصحيفة، دعاء: 42.
  • [31] ـ بحار الأنوار 78: 188.
  • [32] ـ الاعراف: 200 ـ 201.
  • [33] ـ العنكبوت: 45.
  • [34] ـ علل الشرائع 1: 951، ح 9، ب: 182.
  • [35] ـ كنز العمال 1: 207 ح1032.
  • [36] ـ كنز العمال 1: 206 ح1031.
  • [37] ـ المصدر نفسه ح1030.
  • [38] ـ البقرة: 187.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى