ثقافة

دروس من سورة الشرح – وإلى ربك فأرغب

عرفنا فيما سبق من هذه السورة أن على الإنسان أن يستجمع كل ما آتاه الله تعالى من حول وقوة ونشاط في طريق العمل، ولا يتوانى في الحركة، ولا يتخلل عمله فترات الاسترخاء، ويشد العمل بالعمل، ويصل الحركة بالحركة.

وفي هذا الدرس يعلمنا الله تعالى أن نوجه كل حولنا وقوتنا وحركتنا وسعينا وهمتنا إلى الله.

{وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ}.

فلا نرغب في هذه الحركة، والعمل الدائم المتصل إلى غير الله، ولا نطلب مرضاة أحد غير مرضاة الله، ولا نطلب وجه أحد غير وجه الله.

ونوجه عزمنا، وحركتنا، وهمتنا إلى الله.

ونجعل رغبتنا فيما عند الله، ونحب الله، ونحب في الله، ونغضب لله، ونبغض في الله، ونسأل الله، ونستعين بالله، ونتوكل على الله، ونذكر الله، ونوحد الله في العبادة والاستعانة وفي الذكر والدعاء، ونتضرع إلى الله، ونرفع فقرنا وحاجتنا إلى الله.

ونستغفر الله، ونحمد الله، ونشكر، ونطلب رحمته، ولا نرغب في ثواب احد غير الله، ونقطع رجاءنا عن كل أحد غير الله، فلا نرجو غير الله، ولا نخاف إلاّ من الله.

وقد كان رسول الله (ص) يقول: >اللهم أعوذ بك من الفقر إلاّ إليك، ومن الذل إلاّ لك، ومن الخوف إلاّ منك<([1]).

وخلاصة هذا المقام ما يختصره القرآن في هذه الكلمة الوجيزة: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.

والآية الكريمة دقيقة في التعبير عن المساحة التي يحتلها الارتباط بالله في حياة الإنسان، {وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي} وليس فقط {صَلاَتِي وَنُسُكِي}.

وآيات الكتاب صريحة وواضحة وكثيرة في هذا المعنى:

{فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً * وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً * وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً}([2]).

{وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ}([3]).

{وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً}([4]).

{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}([5]).

{وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ}([6]).

{قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ}([7]).

{وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى}([8]).

{وَمَا أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}([9]).

وهذا هو خلاصة المنهج القرآني في التربية.

فلا يدعو ولا يسأل الإنسان غير الله، ولا يستعين بأحد غير الله، ولا يعبد أحداً غير الله ولا يخضع لأحد غير الله، ولا يأخذ بحكم أحد غير الله، ولا يدين بدين غير دين الله، ولا يطيع غير الله، ولا يوالي أحداً غير الله، وهذا هو (الفصل) و(الوصل). و(الفصل) هو الشطر الأول من كلمة التوحيد، وله عرض عريض والشطر الثاني (الوصل)، وهو التوحيد والإخلاص، توحيد الله في الخلق، والتدبير، والرزق، وفي العبودية، والطاعة، والاستعانة، والتشريع، والحكم، والولاية.

والإخلاص لله في العمل والحب والنية.

وهذا هو الشطر الثاني من كلمة التوحيد.

والشطر الثالث العمل في امتداد توحيد الله وهو الحب في الله، والغضب لله، والبغض في الله، والاستعانة بما سخره الله تعالى لنا من الأدوات والأسباب، والتسليم لمن أمرنا الله تعالى بطاعته، والولاء لمن أمرنا الله بولائه، أمر الله بحبه، وهذا هو الشطر الثالث للتوحيد، وله عرض عريض ولسنا نستطيع أن نفهم منهج الإسلام في التوحيد إلاّ من خلال هذه الأبعاد الثلاثة.


أقرأ ايضاً:

الهوامش والمصادر

  • [1] ـ بحار الأنوار 94: 233.
  • [2] ـ الإنسان: 24 ـ 26.
  • [3] ـ الأعراف: 205.
  • [4] ـ المزمل: 8.
  • [5] ـ الكهف: 28.
  • [6] ـ الزخرف: 36.
  • [7] ـ الأعراف: 128.
  • [8] ـ لقمان: 22.
  • [9] ـ البينة: 5.
تحميل الفيديو
الشيخ محمد مهدي الآصفي
المصدر
كتاب في رحاب القرآن - الهجرة والولاء

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى