ثقافة

الدعاء باليسر بعد العسر

وقد ورد في الدعاء طلب اليسر بعد العسر كثيراً.

ومن ذلك: >واجعل لنا من أمرنا يسراً، واختم لنا بالسعادة.. إلى منتهى آجالنا<.

وفي دعاء الأسحار: >اللهم يسر لي ما أخاف تعسيره، فإن تيسير ما أخاف تعسيره عليك سهل يسير، ويسر لي ما أخاف حزونته، ونفّس عني ما أخاف ضيقه، وكفّ عني ما أخاف همّه، واصرف عني ما أخاف بليته، يا أرحم الراحمين<.

وعي العسر

(العسر) و(اليسر) سُنّتان إلهيتان حتميتان، ووعي هاتين السُنّتين يمكّن الإنسان من الانتفاع بهما والإفادة منهما، فإن الناس ـ كل الناس ـ يخضعون لسنن الله، وعوا هذه السنن أم لم يعوها، غير أن الذي يعي السنّة يتحمل السنّة وينتفع منها بشكل أفضل، والذي لا يعي السنّة تشق عليه (إذا كانت ابتلاءً) ويخسر كثيراً من مواقع الاستفادة من هذه السنن.

ولذلك كان الاهتمام بتبيان وتفسير السنن في القرآن، وقد تكررت الإشارة إلى سنّة العسر واليسر في القرآن.

ففي (آل عمران) يرسم لنا القرآن صورة دقيقة لسُنّة (العسر) تتضمن كثيراً من الحقائق والإيحاءات.

يقول تعالى: {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء}.

وفي هذه الآية الكريمة يعلمنا الله أربعة دروس عن العسر واليسر.

الدرس الأول

إن العسر من خصائص المعركة، فمن يدخل المعركة يمسه شيء من العسر والشدة، وتصيبه قروح المعركة، ولا تختص هذه السنّة بالمؤمنين، فإن ما يصيب الكفار من القروح من المعركة لا تقل عما يصيب المؤمنين، وهكذا تكون المعارك، {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ}.

والدرس الثاني

إن الله تعالى جعل الأيام تداولاً بين الناس، يقلبهم من يوم إلى يوم، فيذيقهم بعد نشوة الانتصار في (بدر) مُرّ النكسة في (أحد).. وفي هذا التقليب منافع للناس، فإن نشوة (بدر) إذا كانت تمتد بالمسلمين وتتصل، ولم تعقبها نكسة (أحد) أصاب المجتمع الإسلامي يومذاك حالة الترهل وتجمعت حوله العناصر الضعيفة وغير الصالحة والمنافقة، وداخل المسلمين حتى الصالحين منهم وأصحاب بدر الغرور والعجب، وكان لذلك أسوأ الأثر في دورهم القيادي في إمامة الأرض {وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}.

والدرس الثالث

إن هذه المحن والشدائد هي التي تفرز الرجال الأشداء، والذين يتخذ الله منهم الشهداء والأئمة والقادة.

وأما أيام العافية واليسر فلا تأتي إلاّ بالضعاف الذين يؤثرون العافية على التضحية في كل شدة ومحنة غالباً، {وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء}.

والدرس الرابع

التمحيص والمحق، يقول تعالى: {وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ}.

في مثل هذه الابتلاءات والمحن يمحص الله تعالى المؤمنين، ويشذبهم ويهذب نفوسهم، ويأخذ عنهم الميل إلى العافية، والضعف، والجبن، وحب الدنيا، ويبقي لهم الشجاعة، والتضحية، والقوة، والزهد في الدنيا (وهذا هو التمحيص) و{وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} ، أما الكافرون، فتمحقهم المحنة، وتهلكهم.. والمحنة هي المحنة لا فرق، ولكن الأثر يختلف بين التمحيص والمحق، وذلك أن المؤمنين يقاومون المحنة، فتمحصهم، والكافرون يسقطون في الفتنة والمحنة فتمحقهم. أرأيت النار تشتعل في الخشب والحديد، فتحرق الخشب وتصهر الحديد وتخلّصه مما يعلق به من ذرات التراب. ذلك أن الحديد يقاوم فيصهر النار، والخشب لا يقاوم فتحرقه النار.. وكذلك تعمل الفتن والمحن في نفوس المؤمنين والكافرين.

أقرأ ايضاً:

تحميل الفيديو
الشيخ محمد مهدي الآصفي
المصدر
كتاب في رحاب القرآن - الهجرة والولاء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى