ثقافة

دروس من سورة الشرح – سنة التيسير

ويعقب الابتلاء التيسير والفرج.

وكما أن سنّة الابتلاء عامة، كذلك الفرج بعد الشدة سنّة إلهية حتمية في دورة التاريخ، فلن يبتلي الله تعالى عباده بابتلاء في دنياهم وعاقبتهم إلاّ ويعقب هذا الابتلاء فرج ورخاء بشروط نذكرها.

يقول تعالى:

{فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى}([1]).

{وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً}([2]).

{وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً}([3]).

{سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً}([4]).

{وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى}([5]).

وتأكيدات القرآن وإشاراته إلى ذلك كثيرة، وهذه الآيات بمجموعها ترسم حدود هذه السنّة الإلهية.

يسر مع العسر وليس بعده

ومن رقائق التعبير في سورة الانشراح قوله تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} واليسر يأتي بعد العسر عادة، ولكن القرآن يريد أن يقرب اليسر إلى العسر للناس، ويوحي إليهم بالتصاق اليسر بالعسر، فيعبّر عن هذا التجاور والتعاقب القريب بين اليسر والعسر بكلمة(مع) {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً}.

وهو من رقائق تعبير القرآن، فإن لكلمة (مع) من الظلال والأداء ما ليس لكلمة (بعد).

عسر واحد لا يغلب يسرين

ومن لطائف التعبير في آيتي اليسر تنكير اليسر في الآيتين، وتعريف العسر فيهما بالألف واللام {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً}. والقاعدة: إن المعرفة إذا أعيدت في الكلام المتصل على نحو التعريف، كان المقصود به نفس الشخص الأول، بخلاف النكرة إذا أعيدت في الكلام المتصل على نحو التنكير، فلا يكون المقصود منها نفس الشخص الأول.

فإذا قلنا: (إذا كسبت الدينار فانفق الدينار) كان المقصود نفس الدينار. وإذا قلنا: (إذا كسبت ديناراً فانفق ديناراً) لم يكن المراد بالدينار الثاني نفس الدينار الأول.

وفي آيتي اليسر في سورة الانشراح يرد اليسر على نحو التنكير في الآيتين، بينما يرد العسر فيهما على نحو التعريف.. فلابد أن يكون المقصود من العسر فيهما عسراً واحداً، بخلاف اليسر.

والسر في ذلك، أن ألف اللام في العسر الثاني للعهد، وهو إشارة إلى العسر الأول، فيكون واحداً بخلاف اليسر.

وقد روي أن رسول الله (ص) خرج يوماً مسروراً فرحاً وهو يضحك ويقول: >لن يغلب عسر يسرين، {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً}<([6]).

وعن ابن عباس قال: يقول الله: >خلقت عسراً واحداً وخلقت يسرين فلن يغلب عسر يسرين<([7]).

باقة من الحديث

عن عبد الله بن عباس، قال: ركب رسول الله (ص) يوماً على إبل، فأذهبني فأركبني معه، فقال في الطريق: >إحفظ الله يحفظك، إحفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء، يعرفك في الشدة، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، قد مضى القلم بما هو كائن فلو جهد الناس أن ينفعوك بما لم يقضه الله لم يقدروا عليه، ولو جهد الناس أن يضروك بما لم يكتبه الله عليك لما يقدروا عليه، فإن استطعت أن تعمل بالصبر مع اليقين فافعل، فإن لم تستطع فاصبر، فإن في الصبر على ما تكرهه خيراً كثيراً، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن مع الكرب الفرج، وأعلم أن مع العسر اليسر<([8]).

وعن علي (ع): >إن الله تعالى جعل مع كل قحط خصباً، ومع كل مأساة رخاء<.

وعن أميرالمؤمنين علي (ع) أيضاً: >لا يعدم الصبور الظفر، وإن طال الزمان<([9]).


أقرأ ايضاً:

المصادر والهوامش

  • [1] ـ الليل: 5 ـ 7.
  • [2] ـ الطلاق: 2.
  • [3] ـ الطلاق: 4.
  • [4] ـ الطلاق:7.
  • [5] ـ الأعلى: 8.
  • [6] ـ مستدرك سفينة البحار 10: 590.
  • [7] ـ تفسير مجمع البيان للطبرسي 10: 390.
  • [8] ـ المستدرك للحاكم 3: 541.
  • [9] ـ بحار الأنوار 68: 95.
تحميل الفيديو
الشيخ محمد مهدي الآصفي
المصدر
كتاب في رحاب القرآن - الهجرة والولاء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى