ثقافة

سنة الاستدراج وسنة الابتلاء سنتان متقابلتان

سُنّة الاستدراج نعمة بعدها سقوط ومحق وعذاب، وهذه النعمة ظاهرها رحمة وباطنها النقمة يستدرج فيها الله تعالى المسرفين والظالمين بالنعمة فتلهيهم النعمة، وتبطرهم فينخر بنيانهم من الداخل، فينهار، وذلك هو المحق والسقوط في حياة هذه الأمم.

وهذا السقوط يتم عادة بغتة وبصورة مفاجئة كما حدث ذلك في عصرنا للإتحاد السوفيتي.

يقول تعالى: {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}([1]).

وإنما يفتح الله أبواب النعمة عليهم ليفرحوا، ويتمادوا في غيهم وطغيانهم، فيأخذهم الله بغتة، أخذ عزيز مقتدر، وهذه السنّة هي نفسها سنّة الإملاء في القرآن، وإنما يسميها القرآن بالاستدراج لأن الله تعالى يستدرج بها المسرفين إلى السقوط، ويسميها القرآن بـ (الإملاء) لأن الله تعالى يملي فيها للمسرفين. والإملاء هو الإمداد، كما يقول الراغب في المفردات، {فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ}([2]).

هذا عن سُنّة الاستدراج والإملاء، وسنّة الابتلاء بعكس سنّة الإملاء، يبتلي الله تعالى فيها عباده بالشدة والعسر والضيق حتى يذكروا الله ويتضرعوا ويقبلوا على الله.

{وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ}([3]).

يقول تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}([4]).

وهذه هي سُنّة الابتلاء، وهي سنّة عامة شاملة للمعاناة، والعذاب، والضيق، والشدة في هذه السنّة ظاهرها عذاب وباطنها الرحمة، بعكس سنّة الاستدراج.


أقرأ ايضاً:

المصادر والهوامش

  • [1] ـ الأنعام: 44 ـ 45.
  • [2] ـ الرعد: 32.
  • [3] ـ المؤمنون: 76.
  • [4] ـ البقرة: 155.
تحميل الفيديو
الشيخ محمد مهدي الآصفي
المصدر
كتاب في رحاب القرآن - الهجرة والولاء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى