ثقافة

دروس من سورة الشرح – مفتاح شرح الصدر

مفتاح شرح الصدر: (الصبر والصلاة). والدليل على ذلك سورة هود، وقد نزلت هذه السورة على رسول الله (ص) أيام الشدة والبأساء والضراء، لتبعث السكينة والطمأنينة على القلب الكبير في مواجهة عتاة قريش.

وتقص السورة على رسول الله (ص) قصص الأنبياء من قبله، كابراً بعد كابر، وتذكّره (ص) بما لاقوه من أقوامهم من الاضطهاد والعذاب والعناد واللجاج، وكيف واجه الأنبياء^ هذا العناد والطغيان بالصبر والمقاومة.

ثم تأمر رسول الله (ص) بالاستقامة والثبات على هدى الأنبياء من قبله: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ}(). وتختم السورة هذا الدرس العظيم بهذه الآية الكريمة التي هي مفتاح كل ما رزق الله أنبياءه^ من شرح الصدر، والثبات، والمقاومة: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ * وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}([1]).

ومن سورة البقرة نقرأ نفس المعنى: {اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}([2]).

وإنما يأمرنا الله تعالى أن نستعين بالصبر والصلاة، لنواجه بهما هموم العمل ومتاعب الحياة وعقبات طريق ذات الشوكة إن الصلاة ذكر الله {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي}.

وفي ذكر الله كل ما يحتاج العامل السالك إلى الله من زاد الطريق، وحول، وقوة، وسكون، واطمئنان، وتوكل، وثقة بالله، فيشد الإنسان حبله بحبل الله، فيتحول ضعفه إلى قوة، وفقره إلى غنى بالله، وجهله إلى سداد ومعرفة، وبذكر الله يخرج الإنسان من أفق الإنسان الضيق إلى رحاب الرحمان الواسع، وماذا يحتاج الإنسان بعد ذلك؟ هذا عن (الصلاة).

وفي الصبر المقاومة والثبات.

وبين الصبر وشرح الصدر علاقة تبادلية. فإن الصبر على الابتلاء يمنح الإنسان شرح الصدر وهو في نفس الوقت من نتائج شرح الصدر.

وهذا باب واسع من المعرفة، سبق أن أشرنا إليه، إن الإنسان لا يكتسب شرح الصدر وهو قابع في زاوية بيته. فإذا دخل ساحة المواجهة، وعصرَه البلاء عصراًً، وصبر على المواجهة والابتلاء.. عندئذٍ يمنحه الله شرح الصدر، والعكس أيضاً صحيح فإن الله تعالى إذا شرح صدر عبده، فقد رزقه الصبر والمقاومة والصمود في متاعب العمل وهموم الدعوة.

وعندئذ يكون الصبر من إفراز ونتائج شرح الصدر، ومن خلال هذه العلاقة التبادلية بين (الصبر) و(الشرح) يتصاعد الصبر والشرح، فالصبر يزيد شرح الصدر وشرح الصدر يزيد الصبر.

وكذلك الأمر بين الصلاة وشرح الصدر.

بالصلاة يشرح الله صدر عباده، وإذا شرح الله صدر عبده أقبل العبد على الصلاة وذكر الله، ووجد في الصلاة قرة العين، وراحة القلب.

{فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}

هذه سُنّة من سنن الله في التاريخ، ووعي هذه السنّة ينفع العاملين الدعاة إلى الله كثيراً، ومن يعرف أن من بعد العسر يسراً لا يستغرقه العسر، ولا يسقط في العسر.

أما إذا كان لا يعرف الإنسان أن من وراء العسر يسراً، فإن العسر لا محالة يستهلكه ويستغرقه، تماماً كما إذا كان الغريق يرى قارب النجاة يقترب منه سريعاً، أو يصرخ فلا يسمعه أحد ولا يراه أحد، والأمواج تقذفه وتبتلعه.

إن سُنّة اليسر بعد العسر من السنن الإلهية الأكيدة التي ورد التأكيد عليها في القرآن في مواضع عديدة.

والإيمان بهذه السنّة ووعيها من ضرورات العمل.

ولذلك سوف نتوقف عند هذه السنّة بعض الوقت لنتأمل فيها من خلال كتاب الله.


أقرأ ايضاً:

المصادر والهوامش

  • [1] ـ هود: 114 ـ 115.
  • [2] ـ البقرة: 153.
تحميل الفيديو
الشيخ محمد مهدي الآصفي
المصدر
كتاب في رحاب القرآن - الهجرة والولاء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى