ثقافة

دروس من سورة الشرح – أسباب شرح الصدر

والله سبحانه هو الذي يشرح الصدور، وهو الذي يجعل الصدور ضيقة حرجة، ما في ذلك شك.

يقول تعالى: {فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ}([1]).

والهداية والضلالة هي الانفتاح والانغلاق على النور. فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره، فيدخل إلى قلبه النور، ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً، فينغلق على النور.

وفي القرآن تأكيد على هذا المعنى في أكثر من موضع، يقول تعالى:

{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ}.

{رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي}.

{أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ}.

{فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ} ونظائر ذلك في كتاب الله.

وكلها يؤكد أن أمر الصدور بيد الله، يشرحها ويضيقها.. فإذا شرحها الله دخلها النور والمعرفة، وإذا ضيقها الله انغلقت على النور والمعرفة.. ونظير ذلك (النصر)، فإنه من عند الله ـ من دون ريب ـ والقرآن يقرر هذه الحقيقة وينسب النصر إلى الله في أكثر من موضع {إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} ، {وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}، {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا} ، {وَاللّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاء}.

إلاّ أن ذلك أحد وجهي هذه القضية، وهو حق وصحيح، والوجه الآخر أن أسباب هذا النصر الإلهي بيد الإنسان نفسه، إن ينصره الله نصره الله، وإذا لم يشأ لا ينصره الله.

تأملوا إلى الوجه الآخر من هذه القضية {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}([2]).

{وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ}، {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ}.

وهذا هو الوجه الثاني لهذه القضية، ولا يشق علينا أن نجمع هذين الوجهين معاً، في تصور واحد متكامل، يكمل كل من الوجهين الوجه الآخر.

وكذلك الأمر في (شرح الصدر) و(ضيق الصدر) فإن أسباب شرح الصدر وضيق الصدر بيد الإنسان، والله تعالى يشرح الصدور ويضيقها بقانون وسُنّة، كما هو شأنه تعالى في كل شيء، وليس لسُنّة الله تحويل ولا تبديل.

والآية (125) من سورة الأنعام نفسها تبين هذه السُنّة بعدما تبين أن أمر الشرح والضيق في الصدور بيد الله، وهذا القانون هو: {كذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ}([3]).

صحيح أن الله تعالى هو الذي يشرح الصدور ويضيّقها.. ويبعث فيها الحياة ويميتها، ولكن هذا الضيق والرجس الذي يصيب الإنسان بسبب الإنسان نفسه، الذي أعرض عن الله، وصدّ عن سبيل الله. وهو عقوبة ونتيجة لصدوده وإعراضه عن الله.

ومن أفظع الخطأ في فهم كتاب الله أن نفكك بصائر الكتاب، بعضها عن بعض، ونحاول أن نفهم بعضها مفصولاً عن بعض إن هذا المنهج التفكيكي في فهم القرآن يؤدي إلى أخطاء كبيرة، ويتسبب في ظهور نِحل ومذاهب منحرفة في فهم كتاب الله وتأويله.


أقرأ ايضاً:

المصادر والهوامش

  • [1] ـ الأنعام: 125.
  • [2] ـ محمد: 7.
  • [3] ـ الأنعام: 125.
تحميل الفيديو
الشيخ محمد مهدي الآصفي
المصدر
كتاب في رحاب القرآن - الهجرة والولاء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى