ثقافة

دروس من سورة الشرح – شرح الصدر

شرح الصدر

وهو في مقابل ضيق الصدر. ومن خلال هذا التقابل نستطيع أن نفهم معنى شرح الصدر.

الصدور الضيقة هي التي لا تستوعب هموم العمل ومتاعب المواجهة، فتطفح عليها المتاعب وهموم العمل، وتتحول إلى (الجزع) و(التعب) و(اليأس).

وأما الصدور التي يشرحها الله تعالى فإنها تستوعب المشاكل والهموم والمتاعب، وتتحول فيها إلى الصبر والمقاومة، والاستعانة بالله.

ومثل الصدور التي يشرحها الله كالبحر، لا يلوثه شيء مما يلقى فيه من القذارة، أما المساحات الراكدة والمحدودة من الماء فإنها سرعان ما تلوثها الأقذار وتطفح عليها، وتغير لونها وطعمها ورائحتها.. والفرق سعة الإناء وضيق الإناء.

وكذلك الصدور الواسعة التي شرحها الله، لا تضيق بهموم العمل ومتاعبه، ومهما واجه صاحبها من المشاكل والمتاعب والهموم استوعبتها وتجاوزتها.

بخلاف الصدور الضيقة التي تضيق بالقليل من الهموم والمتاعب وتطفح عليها فتجزع وتتعب وتيأس.

والانهيار والتراجع والخذلان النتيجة الطبيعية لهذا الضيق، كما أن الصبر والمقاومة وذكر الله والتوكل على الله هو النتيجة الطبيعية للصدور الواسعة التي شرحها الله.

إذن الصدور وعاء شخصية الإنسان وهي على طائفتين:

الصدور الواسعة التي شرحها الله.

والصدور الضيقة الحرجة.

في الصدور الواسعة تتحول الهموم والمتاعب إلى الصبر والذكر.

وفي الصدور الضيقة تتحول الهموم والمتاعب إلى الجزع والسقوط.

في الصدور الواسعة تتحول الإساءة إلى الحلم والعفو.

وفي الصدور الضيقة تتحول الإساءة إلى الانفعال والغضب والانتقام.

في الصدور الواسعة تتحول الفتن والمغريات إلى التقوى.

وفي الصدور الضيقة تتحول الفتن والمغريات إلى الانزلاق وإلى الإثم.

في الصدور الواسعة يتحول الرزق والنعمة إلى الشكر.

وفي الصدور الضيقة يتحول الرزق والنعمة إلى السكر (السكر النعمة) والطغيان.

في الصدور الواسعة تتحول المصيبة إلى الصبر.

وفي الصدور الضيقة تتحول إلى الجزع.

في الصدور الواسعة يتحول العلم والموقع إلى التواضع.

وفي الصدور الضيقة يتحول العلم والموقع إلى الغرور.

شرح الصدر في العمل

وأول ما يحتاجه الدعاة إلى الله في ساحة العمل هو شرح الصدر.

ولقد بعث الله تعالى رسوله وكليمه إلى بني إسرائيل وفرعون ليدعوهم إلى الله.. فلم يطلب موسى بن عمران (ع) مالاً ولا سلطاناً، ولا قوة من عند الله، لينهض بهذه المهمة الصعبة، وإنما سأل الله تعالى أن يرزقه شرح الصدر وتيسير الأمر، فقال:

{رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي}([1]).

وقدم شرح الصدر على تيسير الأمر.

إن الذي يحتاجه الدعاة إلى الله على طريق ذات الشوكة أمران:

1 ـ مضاعفة التحمل 2 ـ وتخفيف الحمل.

وكلاهما سأل الله تعالى موسى بن عمران في بداية المهمة، ولكنه يقدم السؤال الأول على السؤال الثاني، ويطلب من الله تعالى أن يضاعف تحمله أولاً، ثم يطلب من الله أن يخفف له الحمل {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي}.

وفي بدايات الدعوة أيام الشدة والضيق كان أول ما منّ الله به على عبده ورسوله (ص) هو شرح الصدر{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ}.

وإن ساحة العمل وطريق ذات الشوكة صعب، ولولا إسناد الله تعالى ودعمه وتطمينه لنفوس أنبيائه وعباده الصالحين لضاقت صدورهم مما يلاقون.

يقول تعالى مخاطباً رسوله: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ} ([2]).

ولكن الله تعالى يؤيد أنبياءه مرتين:

يشرح صدورهم، ويزيد ويضاعف في تحملهم أولاً، ثم يرفع عنهم الحمل، ويضع عنهم ثقل العمل ثانياً.

{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ}.

ويأمر الله تعالى نبيه (ص) أن يصبر ويوسع صدره لما يلاقي من قومه، ولا يجزع، ولا يفقد صبره، كما ضاق صدر العبد الصالح أيوب (ع) من قبله بما لاقاه من قومه. {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ}([3]).

العلاقات التبادلية بين الصدور وساحات العمل

ومن عجب أن شرح الصدر هو أول متطلبات العمل ـ كما قلنا قبل قليل ـ ولا يتمكّن الإنسان أن يدخل ساحة العمل من غير شرح الصدر.. وفي نفس الوقت لا يزود الله الإنسان بشرح الصدر إلاّ في ساحة العمل. فليس يكتسب الإنسان شرح الصدر في عقر بيته، وفي أيام العافية واليسر، وإنما يكتسب شرح الصدر في ساحة المواجهة، وفي أيام الشدة والضيق، وبين شرح الصدر وساحة العمل علاقة تبادلية (جدلية)، وهي واحدة من سنن الله تعالى في ساحات المواجهة وأيام العسر والشدة.


أقرأ ايضاً:

المصادر والهوامش

  • [1] ـ طه: 25 ـ 26.
  • [2] ـ الحجر: 97.
  • [3] ـ القلم: 48.
تحميل الفيديو
الشيخ محمد مهدي الآصفي
المصدر
كتاب في رحاب القرآن - الهجرة والولاء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى