ثقافة

الكلمة الطيبة والعمل الصالح يرفعه

صحيح أن الكلمة الطيبة أساس العمل الصالح ومصدره، ولكن هذا ليس بمعنى نفي التأثير المتقابل بين العمل والكلمة، إن الكلمة الطيبة من دون العمل الصالح تبقى عقيمة، وتذبل وتتضاءل.

كما أن جوارح الإنسان هي مصدر حركة الإنسان ولكن هذه الجوارح نفسها إذا بقيت دون حركة تفقد قوتها وفاعليتها وقدرتها على النشاط والحركة وتتضاءل وتضعف.

إن الإيمان والتقوى كلمتان طيبتان من غير شك، ولكن إذا عزلناهما عن ساحة الحياة وعن النشاط والحركة يفقدان جذوتهما وقدرتهما بالتدريج.

إن إيمان المؤمنين يزداد ويقوى بالأعمال الصالحة التي يبتغي بها أصحابها وجه الله، وكلما كان العمل الصالح الذي يبتغي به صاحبه وجه الله أشد وأشق ازداد إيمانه بالله، ولذلك كان (أفضل الأعمال أحمزها)([1]).

وهكذا التقوى إذا بقي الإنسان التقى في بيته، وأغلق على نفسه باب بيته، وتجنب الدخول في وسط الناس، تتضاءل في نفسه التقوى بالتدريج، ويتنامى عنده التقوى عندما يدخل المجتمع ويدخل السوق ويتعرض للحرام فيملك نفسه ويده وعينه ولسانه عن الحرام([2]).

إن الإيمان والتقوى يقوّمان نفس الإنسان، وهما كلمتان طيبتان، ولكنهما يضعفان ويخلقان كما يخلق (يبلى) الثوب الذي على الإنسان، فيحوجان صاحبهما إلى أن يجددهما ويحافظ عليهما بالذكر والتذكير والمحاسبة والمراقبة.

ولذلك أمر الله تعالى بالوقوف بين يديه خمس مرات للصلاة في كل يوم وأمر الله بصيام شهر رمضان، وبالحج، والإنفاق حتى لا يذبل الإيمان في نفس صاحبه، وكذلك التقوى.

روى أحمد بن حنبل في المسند عن رسول الله (ص): >إن الإيمان يخلق (يبلى) في القلب كما يخلق الثوب على الجسد، فجددوا إيمانكم<([3]).

ولذلك يأتي ذكر العمل الصالح في القرآن كثيراً بعد ذكر الإيمان {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}([4]).

ولولا العمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر كان إيمان الإنسان في خُسر وتضاءل أيضاً، كما أن الإنسان نفسه يكون في حالة خُسر مستمرة.


أقرأ ايضاً:

المصادر والهوامش

  • [1] ـ أي أشقها وأمتنها وأقواها (مجمع البحرين)، والنهاية في لغة (حمز) مضمون حديث نبوي.
  • [2] ـ وليس هذا بمعنى أن يضع الإنسان نفسه في مكان ومزالق الحرام، لتتاح له فرصة مقاومة الحرام والتقوى، فلسنا نريد هذا المعنى، وبينه وبين ما نقول فرق واضح لا يخفى.
  • [3] ـ ومثله في معجم الطبراني والمستدرك والملخص 1: 4.
  • [4] ـ العصر: 1 ـ 3.
تحميل الفيديو
الشيخ محمد مهدي الآصفي
المصدر
كتاب في رحاب القرآن - الهجرة والولاء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى