ثقافة

ردود الفعل السلبية والإيجابية تجاه الابتلاء

ردود الفعل السلبية والإيجابية تجاه الابتلاء

يرسم القرآن الكريم بعناية ودقة ردود الفعل السلبية والإيجابية تجاه الابتلاء.

إن (الابتلاء) سنة من سنن الله تعالى في حياة الإنسان، ومن دون الابتلاء لا تستقيم حياة الناس، ولابد للناس من الابتلاء { لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ }، وليكتسبوا القوة والمقاومة، ولا يخلص من الابتلاء مؤمن، ولا كافر، ولا منافق.

ولكن ردود فعل الناس تجاه الابتلاء تختلف اختلافاً كبيراً، على قدر اختلاف نفوس الناس من الهدى إلى الضلال، وللقرآن عناية واضحة واهتمام برسم كل من الردين:

الرد السلبي للإنسان في الابتلاء، والرد الإيجابي للإنسان في الابتلاء، يرسمهما القرآن بدقة وعناية.

وللقرآن عناية واضحة بتوجيه الإنسان من خلال هذا العرض بالرد السليم الذي يجب على الإنسان أن يمارسه في حياته تجاه الابتلاء حتى يحقق الابتلاء غاياته وأهدافه في حياة الإنسان، فلا شك أن لهذه السُنّة الإلهية أهداف وغايات لخدمة الإنسان وعروجه وكماله.

فإذا كان رد الإنسان على الابتلاء إيجابياً حقق هذه السُنّة الإلهية، وإذا كان رد الإنسان على الابتلاء سلبياً تحمل ضريبة الابتلاء ولم يحقق أهدافه وغاياته.

فلننتظر إلى كل من الردود السلبية والإيجابية للابتلاء في حياة الناس من خلال قراءة كتاب الله.

ردود الفعل السلبية تجاه الابتلاء

1 ـ من هذه الردود اليأس من رحمة الله، واليأس كفر، يقول تعالى:

{ وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُوسٌ كَفُورٌ }[1].

إن الإنسان الذي ينتشي في النعمة والرحمة، ويملكه البطر والرياء سرعان ما يغلبه اليأس والكفر، إذا ابتلاه الله فانتزع النعمة من حياته.

يقول تعالى:

{ لا يَسْأَمُ الإِنسَانُ مِن دُعَاء الْخَيْرِ وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُوسٌ قَنُوطٌ }[2].

إن الإنسان ليسعى إلى الخير، ويكثر من طلب الخير، ولا يسأم من ذلك، ولكن مقاومته أمام الشر ضعيفة، فإذا أصابه شر، ولم يصب الخير أسرع إليه اليأس والقنوط.

2 ـ الجزع، وهو في مقابل الصبر والاستقامة يقول تعالى:

{ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً }[3].

وعجيب أمر هذا الإنسان يملأ نفسه الغرور، إذا أقبل عليه شيء من الخير، فإذا مسّه بعض الشر في ساعات الابتلاء غلبه الجزع وفقد كل صبره ومقاومته.

3 ـ الإعراض عن الله وعدم الاستكانة لله، وهو مردود سلبي عجيب، فإن الله تعالى إنما يبتلي الناس ببعض الابتلاء، لعلهم يتضرعون ويقبلون على الله: { فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ }[4].

ولكن الإنسان بعكس ذلك، إذا أخذه الله بالعذاب لم يستكن ولم يتضرع:

{ وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ }[5].

4 ـ قسوة القلوب، هذه النقطة كسابقتها في الغرابة، فإن الله إنما يبتلي عباده ليضرعوا، ولترق قلوبهم، ولكن الناس عندما يسيئون تصريف سنن الله تقسو قلوبهم في الابتلاء:

{ فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ }[6].

تلك هي نماذج من الرد السلبي للناس على الابتلاء من خلال كتاب الله.

والآن ننتقل إلى بعض النماذج من الردود الإيجابية للناس على الابتلاء:

الردود الإيجابية تجاه الابتلاء

1 ـ الدعاء: { وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ }[7].

وهذا هو الرد السليم على الابتلاء، حيث يلجأ العبد في ساعة المحنة والابتلاء إلى الله، ليفرج عنه، ويكشف عنه السوء.

2 ـ الصبر والرجوع إلى الله: وهو من النقاط المهمة التي يعطيها القرآن عناية كبيرة في قصة العبد الصالح أيوب (ع).

{ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ }[8].

3 ـ الإنابة: { وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ }[9].

4 ـ الدعاء العريض: يقول تعالى:

{ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاء عَرِيضٍ }[10].

والدعاء العريض الدعاء بإلحاح ومن غير انقطاع.

5 ـ التضرع إلى الله: يقول تعالى:

{ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ }[11].

{ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ }[12].

6 ـ الجؤار: وهي حالة التضرع والصراخ والولولة: { وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ


أقرأ ايضاً:

المصادر والهوامش

  • [1] ـ هود: 9.
  • [2] ـ فصلت: 49.
  • [3] ـ المعارج: 20.
  • [4] ـ الأنعام: 42.
  • [5] ـ المؤمنون: 76.
  • [6] ـ الأنعام: 43.
  • [7] ـ سورة ص: 41.
  • [8] ـ سورة ص: 44.
  • [9] ـ الزمر: 8.
  • [10] ـ فصلت: 51.
  • [11] ـ الأنعام: 42.
  • [12] ـ الأعراف: 94.
تحميل الفيديو
الشيخ محمد مهدي الآصفي
المصدر
كتاب في رحاب القرآن - الهجرة والولاء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى