ثقافة

ماذا نسأل الله؟ وكيف ندعو الله؟

قبل كل شيء يعلمنا القرآن في هذه الآية الكريمة: ماذا ندعو وماذا نطلب من الله تعالى إذا وقفنا بين يدي الله للدعاء، وهو أمر هام بالغ الأهمية في حياة الإنسان؛ فإن الدعاء مفتاح كنوز رحمة الله، ومن المهم أن يعرف الإنسان ماذا يطلب من الله، إذا أراد أن يفتح بالدعاء كنوز رحمة الله.

إن الله تعالى كريم ولا أكرم منه، وجواد ولا أجود منه، وكل كرم أو جود في نفوس عباده فهو رشحة من كرمه وجوده الذي لا حدّ له.

والكريم يحب العطاء والجود، ويحب أن يُسأل فيعطي، ويدعى فيستجيب.

فهو تعالى يطلب منّا أن ندعوه ونسأله ونطلب منه، يقول تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}([1]).

وهو عز شأنه يضمن لنا الاستجابة إذا دعوناه {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}.

ويعلمنا كيف ندعو {ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً}([2]).

ويعلمنا أنّ الدعاء في حالة الاضطرار أقرب إلى الاستجابة من أي حال آخر.

{أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ}([3]).

ويعلمنا الله تعالى ماذا ندعو، وماذا نطلب منه تعالى في الدعاء.

فليس من بأس على الإنسان أن يطلب من الله تعالى كل ما يهمه من أمر دنياه وآخرته، وكل ما يريد، وكل آماله وأمانيه في هذه الدار وتلك.

بل يعلّمه الله تعالى أن يسأله الحسنة في الدنيا والآخرة جميعاً {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}([4]).

وإذا كان المسؤول كريماً يحث على السؤال، ويحب العطاء، فإن من أقبح اللؤم أن يبخل السائل في السؤال، فلا ينبغي أن يمنع الإنسان عن السؤال عظم الطلب إذا كان السؤال من عند الله تعالى.

ولا ينبغي أن يحتقر الإنسان طلبا إذا كان السؤال من عند الله. فإن الله تعالى يحب السؤال من عباده فيما جَلّ وقَلّ، وفي كل حاجة، جَلّت أو قَلّت، حتى لو كان (ملح عجينة، أو علف دابة، أو شسع نعل) كما ورد في الحديث([5])… فإن الله يحب أن يُسأل حتى في الأمور الحقيرة من حياة الإنسان.

فلا يستكثر الإنسان طلباً بين يدي الله، ولا يستقل طلباً.

وكل شيء، مهما عظم من حاجات الإنسان وطلباته، حقير إلى جانب عظمة الله تعالى وكبريائه وسلطانه.

فلا يعجز الله سؤال، مهما عظم وكبر في نفس السائل، ولا يحتقر الله تعالى سؤالاً مهما كان حقيراً في عيون الناس.

ويعلمنا الله التعميم في الدعاء {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}.

ويعلمنا ماذا نسأل من عند الله من أمور ديننا وأخرتنا إذا وقفنا بين يدي ربنا موقف السؤال والدعاء.

وها أنا أقدم إليكم غرراً من أدعية القرآن:

{رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}([6]).

{رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}([7]).

{ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}(1).

{رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي}(2).

{رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا}(3).

وفي القرآن طائفة من الأدعية، هي من غرر الأدعية، تعلمنا ماذا نسأل الله، وماذا ندعو ونطلب من الله.

وبين أيدينا هنا دعاء من أدعية القرآن {وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا}… وفي هذا الدعاء يعلمنا الله أفضل مداخل الحياة ومخارجها… وهو الصدق، ويعلمنا أنّ نسأل الله في حياتنا مداخل الصدق ومخارج الصدق في حياتنا.

إن هذه الآيات تعلمنا ماذا نسأل ونطلب من عند الله، كما تعلمنا ماذا نحتاج إليه من هذه الدنيا.

فقد يخفى على الإنسان ما يحتاج إليه في هذه الدنيا وتشغله حاجاته الآنية وشهواته وأهواؤه عما يحتاج إليه في هذه الدنيا، ويتوقف عليه سعادته.

فيعلمنا الله ما نحتاج إليه، كما يعلمنا ما نطلبه منه تعالى.

وهذه الآية من تلكم الآيات التي تعلمنا ما نحتاج إليه، وما يجب أن نطلبه من عند الله تعالى لديننا ودنيانا وآخرتنا.

اقرأ أيضاً:


المصادر والمراجع

  • [1] ـ غافر: 60.
  • [2] ـ الأعراف: 55.
  • [3] ـ النمل: 62.
  • [4] ـ البقرة: 201.
  • [5] ـ في عدة الداعي: 123: ففي الحديث القدسي يا موسى سلني كلما تحتاج إليه حتى علف شاتك وملح عجينك. وفي مكارم الأخلاق: 270: وقال (النبي صلى الله عليه وآله) سلوا الله عز وجل ما بدا لكم من حوائجكم حتى شسع النعل فإنه إن لم ييسره لم يتيسر وقال ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى يسأله شسع نعله إذا انقطع.(جامع أحاديث الشيعة للبروجردي 15: 200ح651و652).
  • [6] ـ البقرة: 250.
  • [7] ـ البقرة: 286.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى