ثقافة

دروس عن الثقافة الإدارية والقيادية في الإسلام

وفيما يلي نحاول إنشاء الله، أن نستعرض طائفة من مفردات الخصال القيادية والإدارية في الثقافة الإدارية في الإسلام.

هذه المفردات مبثوثة، في التعاليم الأخلاقية والعرفانية والإدارية والوعظية، في النصوص الإسلامية من الكتاب والسُنة، ونحن نحاول فيما يلي أن نستعرض طائفة من هذه المفردات من خلال النصوص الإسلامية.

1ـ 2- القرار بين التوكل والتفويض والاستشارة:

هذان المفهومان، مفهومان حركيان، نابعان من التوحيد، ويمنحان الإنسان قدرة فائقة وكفاءة عالية على التحرك في ساحات الحياة العريضة.

وهما يسلبان الإنسان كل حالة للتردد والضعف والخوف في العمل.

فإن التوكل والتفويض يقومان على أساس حالة نفسية ثابتة ومطمئنة للعبد، وهذه الحالة النفسية المطمئنة بالله تعالى تمنح الإنسان القدرة والقوة والمعنوية العالية في العمل.

وقد وعد الله تعالى عباده أن يكفي المتوكلين عليه، يقول تعالى: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}([1]) و(حسبه) يعني: يكفيه من كل شيء؛ فإن الله يكفي من كل شيء ولا يكفي عنه شيء.

وكفاية الله تعالى لعبده سُنة مشروطة من سُنن الله، وهذا الشرط هو التوكل على الله، فمن يتوكل على الله يكفيه الله وهو حسبه، يقول تعالى: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}.

وهذا هو معنى السنن المشروطة، بخلاف السنن القطعية غير المشروطة فهي غير مرتبطة بشرط، نحو قوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ}([2]).

فإن الابتلاء سُنة مطلقة وغير مشروطة.

والتوكل هو أحد وجهي القرار.

والوجه الآخر للقرار هو (الاستشارة)، وتتم الاستشارة في مرحلة التحضير للقرار، بالتداول والمناقشة مع أصحاب الرأي… وهذا هو الوجه الآخر للقرار.

الوجه الأول هو (التوكل) في مرحلة التنفيذ والعزم.

وأما الاستشارة ففي مرحلة التحضير للقرار، وهي تنفع في تنضيج القرار وترشيده.

والتوكل في مرحلة العزم والتنفيذ ينفع في كبح (الأنا) في مرحلة القرار والعزم والتنفيذ، وتعميق اعتماد العبد على الله تعالى وحوله وقوته.

وعن هذين الوجهين للقرار يقول تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ}([3]).

والتفويض أن يضع الإنسان نفسه وتصرفه وإرادته وعقله تحت تصرف الله تعالى، يوجهه كيفما يريد، فيعمل بما يريد الله ويختار لـه، وليس معنى ذلك أن لا يخطط ولا يفكر ولا يحاول، وإنما معنى ذلك أن يجعل تفكيره وعزمه وتدبيره وسعيه في امتداد ما يريد الله تعالى له.

وأثر التفويض في حركة العبد: التسديد، والتأييد، والتبصير من الله تعالى لعبده، {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}([4])، وأثره في نفس العبد: الاطمئنان والثقة بالله في الحركة؛ فإن الإنسان إذا شعر بأن حركته وعمله من تدبير الله، وأن الله يتولى تدبير أمره، ويوجهه، ويبصّره يكتسب قوة ومعنوية عالية في العمل.

إن (العمل) و(الحركة) في ساحات الحياة يمكن أن تكون سُلّماً يرفع الإنسان إلى قمم التوحيد، إذا شدّ الإنسان حركته وعمله بالله تعالى توكلاً وتفويضاً.

ويمكن أن يكون عمله وحركته حجاباً بينه وبين الله إذا قطع حركته وعمله عن الله وشدّه بعجلة الأنا.

فإن الحركة والعمل بهذا الاتجاه يصيبه بخيبة كبيرة في حال الفشل، وبنشوة الذات والأنانية في حالة النجاح، وكلاهما ضاران.

إن أعمالنا في الحياة يمكن أن نحولها إلى مراقي ومعارج للعروج إلى الله، وتعميق حالة الارتباط بالله والعبودية لله تعالى، ويمكن أن تتحول إلى حجب كثيفة، غليظة تحجب صاحبها عن الله تعالى حجباً تاماً.

3ـ 4 ـ الذكر والتقوى:

لا نقصد بالذكر هنا التسبيح والتحميد فقط، وإن كان ذلك من الذكر، ومن أوضح مصاديقه، وإنما نقصد بالذكر هنا أن يبقى الإنسان العامل في ساحة العمل، في الإدارة، والقيادة، ومواجهة المشاكل، مرتبطاً بالله تعالى، واضعاً ثقته في الله، مشدوداً بالله، داعياً الله أن ينصره ولا يخذله، ويتولى أموره، ولا يكله إلى نفسه… وهذا الذكر لا يتعارض مع العمل، بل يقوى به العمل وهذا هو الذكر الذي يأمرنا به الله تعالى في ساحة المعركة.

يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ * وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} ([5]).

وهذه أربع تعليمات في ساحة القتال: الصبر، والذكر، والطاعة، والتفاهم.

وهذه الأربعة هي من أهم عوامل النصر:

الصبر والصمود: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ}.

الذكر: {وَاذْكُرُواْ اللّهَ}.

الطاعة: {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ}.

التفاهم والانسجام: {وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}.

وفي هذه الآية الكريمة (الذكر) من أهم عوامل النصر، وفي مقدمتها.

فإن ذكر الله في ساحة المعركة يشدّ ضعف العبد بقوة الله، وعجزه بسلطان الله تعالى، ويمنح الإنسان الشعور بالاستعلاء على الأعداء وعندها يتصاغر الأعداء في عيون المؤمنين، مهما بلغوا في العدد وتتضائل قوتهم مهما أعدوا من أسلحة وآليات، لأن القائد والجندي ممن عظم الخالق في نفسه فصغر ما دونه في عينيه، على حد تعبير أميرالمؤمنين “ع”.

قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} ([6]).

وعن أميرالمؤمنين “ع”: <إذا لقيتم عدوكم فقلّلوا الكلام وأكثروا ذكر الله>([7]).

لأن النفس الإنسانية بطبيعتها الضعيفة تكره الموت وتؤثر البقاء، وهي في خضم المعركة تتوقع الموت في أي لحظة.

ولاشيء يسكّن هذه النفس الجزوعة الهلوعة إلاّ ذكر الله، وترغيب النفس لما اختاره الله تعالى لعباده الصالحين من الرحمة والرضوان إذا كان موته قتلاً في سبيل الله.

يؤكد الإمام زين العابدين “ع” في دعائه لأهل الثغور على التذكير بنعيم الجنة الذي أعده الله للشهداء: (وانسهم عند لقائهم العدو ذكر دنياهم الخداعة الغرور، وأمسح عن قلوبهم خطرات المال الفتون، وأجعل الجنة نصب أعينهم، ولوح منها لأبصارهم ما أعددت فيها من مساكن ومنازل الكرامة، والحور الحسان، والأنهار المطردة بأنواع الأشربة، والأشجار المتدلية بصنوف الثمر، حتى لا يُهم أحد منهم بالإدبار، ولا يحدث نفسه عن قرنه بفرار)([8]).

ولذكر الله أهمية كبيرة في حياتنا العملية في الأسواق ودوائر العمل، عن أميرالمؤمنين “ع” (أكثروا ذكر الله عزّوجل، إذا أدخلتم الأسواق وعند اشتغال الناس فإنه كفارة للذنوب وزيادة في الحسنات ولا تكتبوا في الغافلين)([9]).

وبالتقوى يحصن الإنسان نفسه من خطر الأهواء النفسية، ومن الخيانة والغش.

قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ}([10]).

هذا الطائف الشيطاني يغشي الأبصار حينما يسير الإنسان في طريق الحياة الواسع المزدحم، ومن هنا يحتاج إلى ضوء يكشف له معالم الطريق لكي يسير مطمئناً لا تميل به رياح الإغراء إلى اليمين والشمال.

هذا الضوء هو الشعور بالتقوى الذي يخرجه من الأزمات حينما يصل في تفكيره الإنساني المحدود إلى طريق مسدود.

{وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ}([11]).

إنها سُنّة إلهية ثابتة تؤدي إلى خروج الإنسان من مضائق الحياة ومن ضنك العيش، ولكنها مشروطة بالتقوى، وللتقوى معطيات عظيمة يعددها أميرالمؤمنين “ع” في خطبته حيث يقول: (فمن أخذ بالتقوى عزبت عنه الشدائد بعد دنوها، واحلولت لـه الأمور بعد مرارتها، وانفرجت عنه الأمواج بعد تراكمها، وأسهلت له الصعاب بعد أنصابها)([12]).

إنها السعادة الحقيقية التي يقول عنها الإمام الحسين “ع” في دعائه (وأسعدني بتقواك, ولا تشقني بمعصيتك)([13]).

فإذن بالتقوى وحدها يتحصن القائد والداعية إلى الله، ويستطيع الصمود بوجه الإغراءات والعروض التي تجرف الكثيرين.

أرسل أحدهم بصرَّة أموال إلى أبي ذر على يد عبد له وقال له: إن قبلها فأنت حر، فلم يقبلها، فقال: اقبلها فأن فيها عتقي، فقال: إن كان فيها عتقك فإن فيها رقّي، ولا أكون عبداً لغير الله.

وعن أميرالمؤمنين× في وصف المتقي: (قد أحيى عقله، وأمات نفسه، حتى دق جليله، ولطف غليظه، وبرق له لامع كثير البرق، فأبان له الطريق، وسلك به السبيل)([14]).

وما أحوج القيادات إلى هذا البريق الذي يكشف عنهم الظلمات، وينير لهم الطريق.

5 ـ القرار:

من مواصفات القرار الأساسية:

أن يكون سديداً صالحاً وناجحاً، نابعاً من حزم وتروّي، وتدبير.

وأن يكسب ثقة الناس ودعمهم وإسنادهم.

ثم القوة والعزم في التنفيذ وعدم التردد في ذلك.

هذه ثلاثة عناصر أساسية للقرار الناجح.

العنصر الأول: أن يكون القرار سديداً صالحاً.

ولإحراز ذلك لابد من اتخاذ القرار بالتأني والدراسة المعمقة والنظر في أبعاده فلا يكون القرار هشاً سريعاً كرد فعل للظروف الطارئة التي تستفز المسؤولين فتضطرهم لاتخاذ القرار المستعجل.

بل يجب التخطيط الدقيق وإجراء مقارنة بين احتمالات الخسارة واحتمالات النجاح.

يروى إنه جاء رجل إلى رسول الله “ص” فقال: يا رسول الله أوصني، فقال “ص” فهل أنت مستوص إن أوصيتك؟ حتى قال ذلك ثلاثاً، وفي كلها يقول الرجل: نعم يا رسول الله، فقال له رسول الله “ص”: فأني أوصيك إذا أنت هممت بأمر فتدبر عاقبته، فان يك رشداً فأمضه وأن يك غياً فأنته عنه)([15]).

وعن أميرالمؤمنين “ع”: من تورط في أمر بغير نظر إلى عواقبه فقد تعرض للنوائب([16]).

وعنه “ع” قال لعبد الله بن جندب: (وقف عند كل أمر حتى تعرف مدخله من مخرجه قبل أن تقع فيه فتندم)([17]).

فالقرار ليس أمراً شخصياً لكي يغامر القائد باتخاذه وتنفيذه، بل يشمل مصير الأمة والجماعة التي يقودها، وله آثار سلبية أو إيجابية على وجودها.

ومن هنا يأمر أميرالمؤمنين “ع” المسؤولين بالتدبر الشديد قبل وقوع الكارثة بقوله: (التدبر قبل العمل يؤمنك من الندم)([18]).

العنصر الثاني: وهو مشاركة الناس في القرار لكي تضمن القيادة دعمهم لها؛ فالحاكم المستبد الذي يستأثر باتخاذ القرار، ثم ينفرد لوحده في مرحلة تشريعه وتنفيذه لا يكسب الناس إلى صفه، ومن أسرار الاستشارة كسب الناس.

يتضح هذا المعنى بوضوح أكثر في آية الشورى {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ َاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ}([19]).

ويذكر رسول الله “ص” أهمية الشورى بقوله: (أما إن الله ورسوله لغنيان عنها، ولكن جعلها الله رحمة لأمتي، فمن استشار منهم لم يعدم رشداً، ومن تركها لم يعدم غيا)([20]).

وعن أميرالمؤمنين “ع”: (من أستبد برأيه هلك، ومن شاور الرجال شاركها في عقولها)([21]).

فالاستشارة تحفظ الإنسان من هلاك الاستبداد، ومن خطر الأخطاء التي تفقد ثقة الناس بقائدهم، لأنها تثير الشكوك حول قدرته على إدارة الأمور، وهذه الشكوك وحدها تكفي في تخريب العلاقة بالناس.

ولكن ينبغي أن نفهم إن الشورى لولي الأمر إذا كانت واجبة لقوله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} فهي غير ملزمة لعدم وجود دليل على الإلزام، ولأن الآية الكريمة تربط التنفيذ والعمل بعزم الرسول “ص” {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ}.

عن أميرالمؤمنين “ع” أنه قال لابن عباس وقد أشار عليه في شيء لم يوافق عليه: (عليك أن تشير عليَّ فإذا خالفتك فاطعني)([22]).

فإن القائد ينبغي أن يتداول مع أصحابه حول ما يستجد على الساحة من أحداث، ولكن تبقى وظيفته الأساسية اختيار الرأي الأنسب فإذا عزم فلابد أن تكون الكلمة الأخيرة له، وعلى الجميع أن يطيعوه.

العنصر الثالث: العزم والقوة وعدم التردد بعد مرحلة التروي، وقد روي عن أميرالمؤمنين “ع” قوله: (روّ تحزم، فإذا استوضحت فاجزم)([23]).

وعنه “ع”: (اعلم إن من الحزم العزم)([24]).

فلابد من الحزم والعزم لوجود التلازم بينهما، فإذا ضعف الحزم ضعف العزم، وإذا أشتدَّ الحزم تضاعف معه العزم.

وهذه الحقيقة يؤكدها “ع” بقوله: (من قل حزمه ضعف عزمه)([25]).

فلا يصح التردد في التنفيذ بعد اتضاح الرؤية، بل يتوكل على الله وحده ويقدم على العمل.

6ـ الحسم والقطع بعد الحزم

يحتاج القائد في بعض المواضع إلى الحسم السريع والقطع وأن لا يتراجع بعد مرحلة الحزم، فإذا وجد إنّ الموقف لا يتحمل التأخير، فعليه بالتوكل والمبادرة الفورية قبل ضياع الفرصة من يديها.

وأوضح مثال على ذلك هو ما فعله طارق بن زياد عندما ولاه موسى بن نصير طنجة، فجمع معه البربر ثم أمره باجتياز البحر وتحرير الأندلس.

فاجتاز طارق بن زياد البحر بمن معه من البربر، ثم أمر بحرق السفن من ورائهم وإهلاك الطعام الذي معهم إلاّ طعام يوم واحد.

كانت أسبانيا في وقتها مستعمرة يونانية وكان الملك يومئذ لودريق (لودريك)، فلما أقبل عليهم لودريك بجيش كبير، خطب طارق بن زياد في جيشه، وقال لهم: (أيها الناس أين المفر والبحر من ورائكم، والعدو أمامكم فليس لكم والله إلاّ الصدق والصبر، واعلموا إنكم في هذه الجزيرة أضيع من الأيتام في مآدب اللئام، وقد أستقبلكم عدوكم بجيشه وأسلحته، واقواته موفورة وانتم لا ردء لكم غير سيوفكم، ولا أقوات لكم غير ما تستخلصونه من أيدي أعدائكم)([26]).

فلما برز الصفان عرف طارق بن زياد لودريك، وقصده بمن معه فتفرق عن لودريك الجيش فقتله طارق، والتحم الجيشان ووقعت الهزيمة في جيش المشركين، وتم لجيش المسلمين الفتح.

وأخذ طارق يتقدم المدينة بعد الأخرى دون أن يستطيع أحد مقاومته حتى وصل إلى الساحل الآخر الشمالي للمحيط الأطلسي (خليج بسكاي).

واستقرت بها دولة وحضارة إسلامية أذهلت أوربا في العلوم والآداب والفنون.

7ـ المؤمن بين الفطنة والتغافل

يقع المؤمن بين هذين الموقعين (الكياسة والحذر والفطنة من جانب والتغافل من جانب آخر).

ولا تخالف ولا تناقض بين هاتين الخصلتين، بل الأمر بالعكس، هاتان الخصلتان كل منهما يكمّل الآخر، ويتكاملان.

وسوف نتوقف قليلاً عند شرح هذه النقطة.

ونبدأ بالنقطة الأولى: المؤمن يتصف بالحذر والكياسة والفطنة، ولا يكون غافلاً ولا مغفلاً.

وقد ورد في الحديث (المؤمن كيس فطن)([27]).

وليس معنى ذلك أن خلق المؤمن وتكوينه يختلف عن الآخرين، فيخلق الله المؤمنين كيسين، ويخلق غيرهم من غير كياسة.

فقد يكون المؤمن في التكوين أقل كياسة وفطنة من منافق أو كافر، ويكون الكافر والفاسق أكثر كياسة وفطنة في الخلق من المؤمن… وهو يتفق كثيراً.

وإنما معنى هذه المقولة أن المؤمن يكتسب الكياسة والحذر والفطنة في حياته وسلوكه، لأن المنهج التربوي في الإسلام يوجه المؤمنين باتجاه الكياسة والفطنة والحذر في تعليماته، ولأن طبيعة مسؤولية المؤمنين وحضورهم في ساحة المواجهة والصراع تتطلب منهم الحذر والكياسة والفطنة؛ فإن من يتحرك في ساحة الصراع والقتال لابد له من الحذر والانتباه ولحظة غفلة وإهمال كافية للقضاء عليهم.

وبذلك فإن معنى أحاديث من قبيل (المؤمن كيس فطن) أو (المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف)([28])، أن المؤمن يروض نفسه لاكتساب خصال الفطنة والحذر والقوة، وهذا هو الموقع الأول.

والموقع الثاني (التغافل)… والمؤمن يقع بين (الفطنة والحذر والانتباه) من جانب، و(التغافل) من جانب آخر.

وقد ورد في الحديث عن أبي عبد الله الصادق “ع”: (صلاح التعايش والتعاشر ملاء مكيال، ثلثاه فطنة، وثلثه تغافل)([29]).

وعن رسول الله “ص”: (المؤمن نصفه تغافل)([30]).

والتغافل غير الغفلة… وما يجب أن يبرأ منه المؤمنون هو الغفلة وما ينبغي أن يتحلى به المؤمنون التغافل، وليس من الحذر والانتباه والفطنة أن يواصل الإنسان التحذير والتنبيه والعتاب والمؤاخذة للناس على غفلاتهم وسقطاتهم… فإن هذا النوع من السلوك من ناحية المسؤولين سرعان ما يفسد العلاقة بينه وبين الناس، ويخسرهم.

والموازنة الصحيحة بين الفطنة والكياسة من جانب، والتغافل من جانب آخر هو ما ورد في الحديث من الموقع الوسط بين الفطنة والتغافل، فيكون شطر من علاقاته وملاحظاته قائمةً على الفطنة والحذر والشطر الآخر من علاقاته وملاحظاته قائمةً على التغافل والتجاهل، (وليس الغفلة والجهل).

فليس من الصحيح أن تكون علاقاته وملاحظاته كلها قائمة على أساس التنبيه والتذكير والمتابعة والملاحظة والتوبيخ والعتاب؛ فإن ذلك سوف يخسره شطراً من أصدقائه والمتعاملين معه،وعلاقاته الاجتماعية والإدارية.

وليس من الصحيح أن يبني علاقاته ومسؤولياته معاً على الإهمال والمسامحة في الأخطاء والتخلفات، فإن ذلك سوف يفقده السيطرة على دائرة مسؤولياته.

والصحيح بينهما الموقع الوسط، بين الفطنة والتغافل، والمؤاخذة والمسامحة المبنية على التغافل.

والمسامحة المبنية القائمة على التغافل أفضل من المسامحة بعد المحاسبة في بعض الأحيان.

إن الإنسان إذا أحصى على أصحابه وأصدقائه وزملائه ومن يقع في دائرة مسؤولياته كل أخطائهم وزلاتهم وسقطاتهم، وحاسبهم حساباً عسيراً صارماً لا يسلم له صديق ولا علاقة، ولا يبقى لديه من يخلص له في عمله إلاّ قليلاً.

عن أنس بن مالك خادم رسول الله “ص”، قال: خدمت رسول الله “ص” عشر سنين، فما قال لي لشيء فعلته: لما فعلت، ولا لشيء لم أفعله لِم لَمْ تفعله، ولا قال في شيء كان: ليته لم يكن، ولا في شيء لم يكن: ليته كان، وكان إذا خاصمني مخاصم من أهله، يقول: دعوه، لو قضى شيء لكان([31])؟.

إن الإكثار من اللوم والعتاب والملاحظة والمؤاخذة في علاقات العمل، وفي علاقات الحياة العامة يفرق الناس من حول الإنسان، ويكرّه الإنسان إليهم… فلابد في كثير من الأخطاء والزلاّت الصغيرة استخدام حالة التغافل، وهو أجدى وأنفع في معالجة الكثير من الأخطاء.

وقد روي (أن التغافل أحد الاحتمالين)… ومعنى ذلك أن هناك بأزاء المسؤولين احتمالين، يجب عليهم احتمال أحدهما، وكل منهما يتطلب جهداً نفسياً وعملياً:

الاحتمال الأول: المحاسبة والتنبيه واللوم والعتاب في كل زلة ومخالفة، وهو (احتمال) لا شك يتطلب جهداً نفسياً وعملياً، و(الاحتمال) الآخر هو التغاضي والتغافل عن السقطات والزلات الصغيرة، وهو يتطلب أيضاً جهداً نفسياً بلا شك، فإن التغافل عما يعمله الإنسان ويلاحظه من الأخطاء لا يقلّ عن معاناة المحاسبة والمؤاخذة.

وروي عن أميرالمؤمنين “ع”: (إن العاقل نصفه احتمال ونصفه تغافل)([32]).

ومعنى ذلك أن المؤمن يتحمل طائفة من أخطاء أصحابه، وهذا هو الشطر الأول من تعامله مع الآخرين، والشطر الثاني هو التغافل… وهو يقع بين تحمّل أخطاء الآخرين والتغافل عنهم.

وليس معنى التحمّل في الشطر الأول التغاضي والمسامحة دائماً، فقد يقتضي الأمر التغاضي والمسامحة، وقد يقتضي الأمر المحاسبة والمؤاخذة، ولكنه على كل احتمال وتحمّل، والشطر الآخر هو التغافل.

ومن وصايا علي بن الحسين‘ لابنه محمد الباقر”ع”: (اعلم يا بني، صلاح الدنيا بحذافيرها في كلمتين: إصلاح شأن المعاش، ملأ مكيال ثلثاه فطنة، وثلثه تغافل، لأن الإنسان لا يتغافل إلاّ عن شيء قد عرفه وفطن له)([33]).

والنقطة التي يشير إليها الإمام× دقيقة، فإن التغافل يتطلب الوعي والانتباه، فإن الإنسان لا يتغافل إلاّ من شيء لاحظه وانتبه إليه.

وإذا فقد المؤمن دقّة الملاحظة والانتباه فيما حوله، فلم ينتبه فتلك غفلة وجهل، وليس من التغافل في شيء، ولا قيمة له.

وإنما قيمة التغافل أنه مسبوق بالملاحظة والانتباه.

وعن الإمام الباقر “ع”: (صلاح شأن الناس (في) التعايش، والتعايش مكيال ثلثاه فطنة، وثلثه تغافل)([34]).

8ـ الرأي والموقف

ليس للرأي المجرد عن الموقف والحركة قيمة كبيرة عند الله تعالى، وليس له دور في التاريخ في الهدم والبناء، في هدم الباطل وبناء الحق، فإذا تحول الرأي إلى موقف وحركة وعمل، باتجاه التوحيد والعدل والدعوة إلى الله، وتحرير المستضعفين من الناس… عندئذٍ يكون للرأي قيمة عند الله، ودور في التاريخ.

كثيرون من الناس كانوا يعتقدون أن بني أمية في فسادهم وظلمهم وترفهم وإسرافهم في دين الله وفي دماء المسلمين وأموال المسلمين على باطل، وأن الحسين× على حق… ولكن لا نجد لهذا الرأي دوراً ولا قيمة ولا تأثيراً في نقض حكومة بني أمية وتأسيس الحق والعدل.

أما النفر القليل الذي وقف مع الحسين× يوم عاشوراء، وحولوا الرأي إلى موقف وحركة وتضحية… هؤلاء هم الذين ارتضاهم لله تعالى واجتباهم وهم الذين غيروا وجه التاريخ، وكشفوا القناع عن وجه بني أمية، وحاربوا الباطل ووقفوا مع الحق، وبصروا الأجيال، وحفظوا الإسلام من حملة التشويه الأموية.

وهذا هو ما ذكرنا من أن الرأي المجرد عن الموقف والحركة لا قيمة كبيرة له عند الله، ولا دور مؤثر في التاريخ.

9 ـ القرار والموقف بين المرونة والحدية

عرفنا أن قيمة الرأي بـ (الموقف).

والآن نتساءل ما هي حدود الموقف؟

يحمل (الموقف) بالتأكيد حالة من الحدية، ومن دون الحدية القوية، لا يكون الموقف موقفاً، وإنما يكون (مذبذباً)، والمواقف المذبذبة لا قيمة لها، كما لا قيمة كبيرة للرأي المجرد عن الموقف.

لقد حمل أبو طالب (رضوان الله عليه) إلى رسول الله “ص” رسالة من عتاة قريش، طلبوا منه إبلاغها إلى رسول الله “ص”.

وخلاصتها: أن يكف عن رسالته، فيمنحونه من أموالهم وجاههم وعشيرتهم ما يغنيه، ويحقق له كل ما يطلب من الدنيا.

فحمل أبو طالب الرسالة إلى قريش، وهو يعلم الجواب سلفاً، فقال له رسول الله “ص”: (يا عم، والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته) ([35]).

وجاء جلاوزة الخليفة إلى الخليفة بالشخص الذي كان يتستر على يحيى بن زيد(رحمهما الله) فطلب منه أن يكشف عن مكان اختفائه، فقال له: ومن أين آتيك به، وقد أخفته؟ فاختفى منك، ولست أعلم أين هو؟ فقال له: لتأتيني به أو لأقتلنك، فقال له الرجل: (والله لو كان يحيى تحت قدمي هذا لم أرفع عنه قدمي).

وعرض عبد الرحمان بن عوف الخلافة يوم الشورى على أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب “ع”، قبل أن يعرضها على عثمان بن عفان، فقال لـه: أبايعك على كتاب الله وسنة رسول الله “ص” وسيرة الشيخين.

فأبى أميرالمؤمنين “ع” إلاّ أن يسير طبقاً لكتاب الله وسنة رسول الله “ص”، وأما سيرة الشيخين فله رأيه فيها إذا طابقته أو خالفته، ورفض الخلافة كلها من أجل هذه الكلمة.

هذه هي الخصلة الأولى للقرار والموقف، وهي الحدية.

والخصلة الثانية لهما: المرونة.

وقد قلنا خلال الكلام السابق كيف تنازل رسول الله “ص” في أحُد عن رأيه لشباب الصحابة، عندما أصرّوا عليه بالخروج عن المدينة لمقابلة المشركين، لئلا يكون في ذلك وهن وضعف على المسلمين، فقبل رسول الله “ص” رأيهم على مضض… وكانت النتيجة النكسة المرّة التي أصابت المسلمين في (أحُد) ولكن رسول الله “ص” آثر أن يأخذ برأي أصحابه، ولا ينفرد عنهم بالقرار، مهما كانت النتائج.

وأميرالمؤمنين “ع” الذي عرفنا رأيه في سيرة الشيخين، وامتناعه من قبول الخلافة، إذا كانت مشروطة بسيرة الشيخين، لم يغير إقامة صلاة التراويح جماعة التي أمرها بها الخليفة الثاني، وكان رسول الله “ص” وأصحابه قد صلوها من قبل على نحو الانفراد، فلم يُعد أميرالمؤمنين× صلاة التراويح إلى الحالة التي كانت عليها في عهد رسول الله “ص”.

إن لكل من الحدية والمرونة موضع في القرار والموقف، والموازنة الدقيقة بينهما، وتشخيص موضع كل منهما هو من شأن الحاكم والمسؤول، والعقل الإداري والقيادي هو الذي يحدد موضع كل منهما من القرار والموقف.

ومن دون ذلك قد يتحول القرار والموقف إلى حالة من الانتحار السياسي والإداري.

10ـ الانضباط الأمني والسياسي

عاش اتباع أهل البيت “ع” في أيام بني أمية وبني العباس ظروفاً سياسية قاهرة، وتحديات أمنية صعبة… وقد كان شيعة أهل البيت “ع” هم المعارضة القوية الواسعة في الساحة الإسلامية يومذاك، ولولا هذه المعارضة السياسية والثقافة لم يسلم من الإسلام شيء في أيام بني أمية وبني العباس، وممارساتهم في الظلم والإفساد والإسراف وتغيير معالم دين الله عن مسير الوحي… وأما سائر المعارضات فقد أخلت الساحة لبني أمية وبني العباس، ولم يكن لها دور أساسي، كما فعلت الخوارج، فقد كانت مواقفهم الانفعالية غير العقلائية، سبباً للقضاء عليهم وإنهائهم تاريخياً.

ولذلك كان اتباع أهل البيت “ع” يعيشون دائماً ظروفاً أمنية صعبة جداً من ناحية حكام بني أمية وبني العباس، وكانت هذه الظروف تهدد كيانهم الثقافي والسياسي والحركي بصورة جديّة.

ولولا التعليمات الأمنية الصادرة من أهل البيت^ لشيعتهم لم يبق لشيعة أهل البيت “ع” دور وأثر في التاريخ ولا في الحاضر.

وكانت هذه التعليمات تدعوهم إلى المحافظة على أسرار (جماعة أهل البيت وشيعتهم)، وتنظيماتهم ومراكز تواجدهم، وجبايتهم للأموال، وشبكة الوكلاء التي كانت تنظم علاقة شيعتهم بهم من مختلف البلاد يومذاك، وتنظم شبكة دعاة أهل البيت “ع” في خراسان، وآسيا الوسطى، والمغرب العربي في إفريقيا… ولقد اتسعت شبكة حركة اتباع أهل البيت “ع” ونشاطهم اتساعاً كبيراً وشملت مساحات واسعة من أقاليم الفتح الإسلامي… ولم تكن السلطة يومذاك مغفلة عما يجري على الأرض الإسلامية من نشاط واسع وحركة واسعة لاتباع أهل البيت “ع” إلاّ أن السرية الصارمة، والتعليمات الأمنية الدقيقة كانت تحفظ شيعة أهل البيت “ع” من فتك الحكومات المحلية والمركزية.

ولقد كانت تعليمات أهل البيت “ع” في الانضباط والأمن دقيقة جداً، تمنع من إذاعة أسرار الجماعة، ومراكز تواجدهم، ووجوه نشاطهم، وتمنع من لغو الكلام والثرثرة حتى في أوساطهم، وتمنعهم من الطيش والانفعال في الحديث عن شيعة أهل البيت، لئلاّ يجرهم الانفعال والطيش والكلام اللامسؤول إلى إذاعة أسرار هذه الجماعة، عندما يأخذهم الاندفاع في التنويه بهم ونشاطهم، والاعتزاز بمواقعهم وعملهم وإنجازاتهم.

فإن الاندفاع في الحديث عن الانجازات الحركية والثقافية والسياسية لاتباع أهل البيت “ع” وانتشارهم في البلاد البعيدة كان يؤدي أحياناً إلى إذاعة أسرار وكلاء أهل البيت “ع” ودعائهم وشبكاتهم التنظيمية.

وفيما يلي نذكر طائفة من هذه التعليمات:

عن أبي عبد الله الصادق “ع” قال: (امتحنوا شيعتنا عند مواقيت الصلاة، كيف محافظتهم عليها، وإلى أسرارنا، كيف حفظهم لها عند عدونا)([36]).

هذان اختباران لشيعتهم: أداء الصلاة عند مواقيتها، والاهتمام بأمر الصلاة، وعدم التهاون فيها، ثم يأتي بعد ذلك مباشرة المسألة الأمنية.

الصلاة أولاً والأمن ثانياً، وهي ملاحظة جديرة بالاهتمام في موقع الأمن والانضباط في الجماعة.

وكان الإمام الصادق “ع” يعلن انزعاجه وغضبه على أولئك الذين يهتكون أسرار شيعة آل محمد “ص” وشبكاتهم وقياداتهم وجباياتهم، ويعلن تشكيكه في صدقهم في الانتماء إلى هذه الجماعة.

فإن أبرز خصائص هذه الجماعة بعد الصلاة الانضباط الأمني.

فكان “ع” يقول: (قوم يزعمون أني إمامهم، والله ما أنا لهم بإمام، كلما سترت ستراً هتكوه)([37]).

وهؤلاء الناس غير المنضبطين أمنياً والذين كانوا يهتكون أسرار جماعة أهل البيت “ع” وشيعتهم قد يكونون من العناصر الأمنية المتسللة من الأمن الحكومي داخل الجماعة، وقد يكون هؤلاء من غلاة الشيعة الذين يحملون أهل البيت “ع” ما لا يؤمنون به ولا يقولون، بل ما يرفضونه رفضاً قاطعاً، هذه الشريحة المغالية كانت من مصائب أهل البيت “ع”، كانوا يعلنون براءتهم منهم ومن أفكارهم ومن تصرفاتهم، ويرفضونهم، ويبدو أن أهل البيت “ع” كانوا يشكون شكا قوياً في صدقهم، ويعتقدون أنهم حالة اختراقية من عناصر بني أمية وبني العباس الأمنية تمكنوا بالوسائل الأمنية من اختراق الجماعة والدخول في تنظيماتهم وأشاعوا في صفوفهم أفكاراً من الغلو في أهل البيت “ع”، كان أهل البيت يعلنون رفضهم لها ويحاربونها، ويلعنون أصحابها.

وعن الإمام زين العابدين “ع”: (وددت والله إني افتديت خصلتين في الشيعة ببعض لحم ساعدي: النزق، وقلة الكتمان)([38]).

والنزق: الطيش والانفعال، وقلة الكتمان معروف.

وقد كان سبب النزق والانفعال: هو انتشار جماعات أهل البيت^ في البلاد ونشاطهم وحركتهم السريّة، بعد مصرع الحسين “ع” في كربلاء، فكان الحديث يجري في أوساط هذه الجماعة بعد تلك المجازر عن توسع مساحة حركة شيعة أهل البيت “ع” ووكلائهم ودعاتهم، وكان هذا الحديث لا يخفى عن أسماع عيون بني أمية، فيكشفون بذلك تنظيماتهم، ولا سيما في مواعيد الحج، حيث يجتمع زعماء الشيعة في مكة ومنى بالإمام زين العابدين “ع”، فيحذر عنه الإمام شيعته، كما يحذرهم من قلة الكتمان… وقد كانت الكلمة الواحدة اللامسؤولة كافية لإراقة دماء المؤمنين، وتخريب بيوتهم، وتشريدهم، وتمنى الإمام “ع” أن يفتدي هاتين الخصلتين من شيعته ببعض لحم ساعده.

ويقول الإمام الصادق “ع” لسليمان بن خالد: (يا سليمان، إنكم على دين من كتمه أعزه الله، ومن أذاعه أذلة الله)([39]).

إن عزة هذا الدين وأهله في التقية والكتمان، ومذلة المؤمنين في إذاعة أسرارهم، فمن أراد عزّة هذه الجماعة فليبالغ في المحافظة على أسرارهم.

بهذه التعليمات الأمنية الصارمة اتسعت رقعة شيعة أهل البيت “ع” في أقطار الفتوحات الإسلامية، وحملت معها ثقافة الوحي النقية الصافية التي حملها أهل البيت^ من رسول الله “ص” جيلاً بعد جيل وكابراً بعد كابر… ولم يتمكن حكام بني أمية وبني العباس بما عرف عنهم المسلمون من الظلم، والإسراف، والإفساد، واللهو، والسكر، والفاحشة التي عرف بها بعضهم علانية، أن يغيروا مجرى هذا الدين عن صراط الوحي وتعليمات كتاب الله وسنة رسول الله^، بفضل هذه المرابطة على حدود الله من قبل أهل البيت “ع”.

11ـ الاتزان والوقار وضبط الأعصاب في الأزمات

وهي حالة الاستقرار والثبات النفسي إزاء عومل الإثارة الخارجية القوية التي تواجه الإنسان.

وقد ورد في خطبة المتقين لأميرالمؤمنين “ع” في صفة المتقين: (في الزلازل وقور، وفي المكاره صبور، وفي الرخاء شكور) ([40]).

والوقار في الزلازل، هو أن لا يهتزّ المؤمن بين يدي الحوادث التي تزلزل نفوس الناس، ويحافظ على ثباته واستقرار سلوكه النفسي ووقاره، مهما كانت هذه الزلازل.

وفي المكاره صبور، فلا يجزع ولا يغلبه الحزن.

وفي الرخاء شكور، لا يصيبه البطر والرئاء.

وليس معنى ذلك بلادة الحس تجاه الأحداث التي تحلُّ بالإنسان، فلا يتأثر بها، وإنما معناه الاستسلام الباطني الكامل لله تعالى، في كل ما ينزل عليه من جانب الله.

إنه حالة الاطمئنان الكامل إلى قضاء الله وقدره، وأنه تعالى لا يريد به في كل ما ينزل عليه من قضاء وقدر إلاّ خيراً، وقد ورد في الدعاء: (واجعل نفسي مطمئنة بقدرك، راضية بقضائك)([41])، فلا يجزع، ولا يخاف، ولا يحزن، ولا يقلق حيث يجزع الناس ويخافون ويحزنون ويقلقون، وهو أمر آخر غير بلادة الحس، كما ذكرنا، بل يتمتع أصحابها برهافة الحس، بشكل كامل، ولكن سلوكهم النفسي يبقى مستقراً ثابتاً، لا تطرأ الانفعالات الحادة عليه، كما تصيب الناس.

ولا يتملكه الموقع والمنصب، ولا يوحشه لو جرّد من كل ما أوتي من المواقع والمناصب والأموال، لا يغتر بتحشد الناس حوله ولا يوحشه انفراط الناس من حوله.

يقول أميرالمؤمنين “ع”: (لا يزيدني كثرة الناس حولي عزّة ولا تفرّقهم عنّي وحشة)([42]).

وعن الإمام محمد الباقر “ع” لجابر بن يزيد الجعفي(رضوان الله عليه): (واعلم بأنه لا تكون لنا ولياً حتى لو اجتمع عليك أهل مصرك، وقالوا انك رجل سوء لم يحزنك ذلك، أو قالوا أنك رجل صالح لم يسرك ذلك)([43]).

12ـ ترك الإنسان ما لا يعنيه

الإدارة اختصاص، واعتناء.

ومعنى الاختصاص أن يتفرغ لما يختص به من الأمور فلا يتدخل المسؤول الصحي في الشؤون العلمية والجامعية ولا يتدخل مدير الجامعة في شؤون المحروقات… لكل اختصاصه في دائرة عمله، وتتوزع الأمور على المسؤولين حسب اختصاصهم.

ومعنى الاعتناء أن يهتم المسؤولون بما يعنيهم، وما ينبغي أن يدخل في دائرة اهتماماتهم، فإذا تجاوز المسؤولون دائرة اعتناءاتهم وانشغلوا بما لا يعنيهم، وما لا ينفعهم في دنيا ولا آخرة، تحولت حياتهم من إنتاج إلى استهلاك…

إن الجهد الإداري في دائرة الاختصاص والاعتناء إنتاج، والجهد الذي يبذل خارج هذه الدائرة استهلاك وعلى المسؤولين أن يحترزوا حالة الاستهلاك في جهودهم.

عن أميرالمؤمنين “ع” للحارث الهمداني: (واقصر رأيك على ما يعنيك)([44])، فإذا قصر المسؤول رأيه وعمله فيما يعنيه ويهمّه (موضع الاهتمام والاعتناء في عمله)، واحترز عما لا يعنيه كان رأيه وعمله منتجاً، وفي غير هذه الحالة يكون رأيه وعمله من استهلاك الرأي والجهد.

عن رسول الله “ص”: (من حسن إسلام المرء ترك ما لا يعنيه)([45]).

إن الدخول في ما لا يعني الإنسان محرقة للعمر والجهد… والإسلام يُحمّل الإنسان مسؤولية كل أيام عمره، وكل جهده، وشبابه؛ فليس له جهد فائض ولا عمر فائض يضعه في غير موضع الحاجة والضرورة.

عن أبي ذر: قال لي رسول الله “ص”: (ألا أعلمك بعمل خفيف على البدن، ثقيل في الميزان؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: هو الصمت، وحسن الخلق، وترك ما لا يعنيك) ([46]).

  • افتعال الأحداث

هناك مؤسسات إعلامية كبيرة عملها الرئيسي تشويش آراء الناس وافتعال الأحداث من خلال الضجيج الإعلامي.

هذه المؤسسات الإعلامية متخصصة في افتعال الأزمات لإشغال الرأي العام وإلهائه عن الاهتمامات الحقيقية للأمّة.

والأمة يجب أن تواجه هذه الأحداث المفتعلة بوعي وحذر وتتجنّب الدخول فيها حتى لا تنشغل عن قضاياها المصيرية.

وعلى القائد أن يحذّر الناس عن هذه القضايا التي لا تعنيهم لئلا تجد المؤسسات الإعلامية فرصة افتعال الأزمات والأحداث المفتعلة.

إنّ إقبال الناس والرأي العام على هذه الأزمات المفتعلة إمارة الفراغ الفكري والسياسي والثقافي في حياة الناس.

يقول تعالى في صفة عباد الرحمن: {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا}([47])، إن عباد الرحمن يتميزون بالانشغال بالاهتمامات الحقيقية، ولا يشغلهم اللغو والبطر الفارغ من حولهم.

13ـ التنظيم والتخطيط

من وصية أميرالمؤمنين “ع” لولديه الحسن والحسين‘: (أوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي بتقوى الله ونظم أمركم) ([48]).

التقوى والنظم عاملان أساسيان في سلامة المجتمع.

التقوى تحصّن المجتمع من الداخل، وتحفظ حدود الله سبحانه وتعالى بين الناس، والنظم يحفظ الأولويات في العمل، ويحفظ الجهد من الإهدار، ويؤمن الحاجات الأساسية في المجتمع، ويحقق الإنتاج الكثير بأقل الجهد والزمن، ويطور حركة المجتمع.

والنظم مسألة ضرورية لكل جوانب حياة الإنسان، حتى في حياته الشخصية، ولا تختص بالجانب الإداري من المجتمع… وعلى المسلم أن ينظم حياته ووقته بين العمل والعبادة والراحة والنوم والاهتمام بشؤون البيت والعائلة حتى تنتظم حياته الشخصية.

والتخطيط نحو من التنظيم للمشاريع الكبيرة قبل البدء بها، وعناصر التخطيط تحديد الغايات والأهداف ووضع البرامج العملية للوصول إلى الغايات والأهداف، ضمن مراحل من العمل.

والتخطيط الواقعي الدقيق يأخذ بنظر الاعتبار دور الزمان في إنجاز المشروع والإمكانات اللازمة لـه والعقبات التي تعيق العمل، والطريقة الصحيحة لمواجهة العقبات…

وهذا هو معنى التدبير والعلم والحيلة على لسان النصوص الشرعية.

عن رسول الله “ص”: يا ابن مسعود إذا عملت عملاً، فاعمل بعلم وعقل، وإياك أن تعمل بغير تدبير، وعلم، فانه جلّ جلاله يقول: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً}([49]).

قالوا: إن امرأة حمقاء في مكة كانت تغزل الصوف ثم تنقض غزلها من بعد قوة انكاثاً.

وكذلك العمل إذا لم يكن عن تدبير وتخطيط يكون هذا شأنه، نقض بعد غزل، وهدم بعد بناء.

وعن أميرالمؤمنين “ع”: (امارات الدول إنشاء الحيل)([50]).

إن التدبير الصحيح والحيل الصحيحة تحفظ الدول وتبقيها.

وعن أميرالمؤمنين “ع” أيضا: (التدبير قبل العمل يؤمنك من الندم)([51]). وإنما يندم الإنسان على جهده وعمله، حيث لا يسبق جهده وعمله التدبير والتخطيط الصحيح.

فإذا أعطى الإنسان المشروع اهتماماً في التخطيط والتدبير قبل العمل، بشكل موضوعي وعلمي، وفكّر في كل جوانب العمل لم تواجهه العقبات، إنما يفاجئ الإنسان بالعقبات إذا لم يخطط من قبل لمواجهتها، ولم يأخذها بنظر الاعتبار.

يقول أميرالمؤمنين”ع”: (من قعد عن حيلته أقامته الشدائد)([52]).

ولربما يغني التخطيط الصحيح عن الإمكانات والآليات الكثيرة، وفي ذلك يروى عن أميرالمؤمنين “ع”: (التلطف في الحيلة أجدى من الوسيلة)([53]).

وليس من عمل ولا مشروع إلاّ وقد جعل الله السبيل إليه التخطيط والتدبير السليم والحيلة المناسبة.

يقول الإمام علي “ع”: (لكل شيء حيلة)([54]).

14ـ سعة الصدر

وهو من أهم الآليات الإدارية والقيادية، وسلام الله على أبي الحسن أميرالمؤمنين “ع”، كان يقول: (آلة الرئاسة سعة الصدر)([55]).

وسعة الصدر تعني الصبر تجاه المشاكل والتحديات، والسيطرة على النفس في حالات الانفعال والغضب، وفي حالات الفرح والتوفيق، والحلم، وهي حالة استيعاب للمشاكل والمتاعب والتحديات التي تواجه العاملين من ناحية الآخرين.

ومثل النفوس مثل الأواني الكبيرة التي لا تفيض ولا تضيق ولا تتلوث بما فيها، بعكس الأواني الضيقة، فإنها تفيض وتضيق وتنفعل بما فيها، فإذا ألقى فيها ماء آسن، وقذر ظهر عليها… ويلقى نفس القذر، والماء الآسن في البحر والنهر، فلا يبقى منه أثر بعد لحظات، ويستهلكه ماء البحر… وكذلك شأن الصدور الواسعة تستهلك حالات الغضب والانتقام والانفعال، رغم وجود الإثارات القوية والشديدة.

وكما تقاوم الصدور الواسعة عومل الغضب والانتقام والانفعال، وتواجهها بالصبر والحلم، والتعقل، فلا يطفح عليها، ولا تتأثر بها، كذلك تقاوم عوامل الانفعال من النوع الآخر، وهي الانفعال تجاه التوفيق والنجاح والفوز، فلا يغلبهم الفرح والحبور، وما يجر إليه من البطر والرئاء عادة، فإن وعاء النفوس والصدور إذا اتسعت لا تضيق بهذا ولا ذاك، وتستوفي كلا منهما، وهاتان الخصلتان وجهان لحالة واحدة، وهي حالة شرح الصدر.

يقول أميرالمؤمنين “ع”: (لا تكن عند النعماء بطراً، ولا عند البأساء فشلاً)([56]).

قد دخل رسول الله “ص” مكة فاتحاً، ويكاد رأسه يمس قربوس فرسه، تواضعاً لله سبحانه وتعالى، لم ينفعل، ولم ينتقم، ولم يظهر عليه من أمارات الفتح العظيمة، غير الشكر لله، والتواضع لله، والاعتراف لله تعالى بالجميل فيما أعطاه.

وهذه الخصلة في نفوس المؤمنين هي التي يسميها القرآن بـ (شرح الصدر).

ويَمُنّ الله تعالى به على رسوله “ص” في المراحل الأولى من الأمر بتبليغ الرسالة، فيقول تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ}([57])، والوزر: ثقل المسؤولية الذي ينقض ظهور المسؤولين…

ويمن الله تعالى على عبده ورسوله “ص” في هذه الآيات بأمرين: شرح الصدر، وتخفيف ثقل المعاناة والعذاب والمسؤولية عنه، وهو ما تعبّر عنه الآية الكريمة بـ {وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ}، وبينهما فرق.

وكان (شرح الصدر) أول ما طلبه كليم الله موسى بن عمران لما أمره الله تعالى أن يذهب إلى فرعون وقومه ليدعوهم إلى الله، فقال {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي} ([58]).

وفي هذه الآيات نجد نفس المطالب (شرح الصدر وتيسير الأمر).

وشرح الصدر هو أن يوسع الله تعالى وعاء صدور عباده لتستوعب المشاكل والتحديات بالصبر والحلم، والأمر الآخر تيسير الأمر {وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي}: هو تخفيف ثقل العمل على المؤمنين العاملين.

وفي مقابل (سعة الصدر): ضيق الصدر، وهي حالة من الضيق، وعدم الاستيعاب تنتاب الإنسان في السراء والضراء معاً، تجعله عرضة للانفعالات المختلفة كالبطر والرئاء، والتعجل، والانتقام، والتعب، واليأس، وضيق النفس والغضب…

وهذه الحالات تسلب المسؤولين القدرة على إدارة الموقف، وهي حالة ضارة في إدارة الأعمال الكبيرة منها والصغيرة، حتى داخل العوائل، وفي الأسواق، وفي العلاقات الاجتماعية المحدودة.

وقد روي في هذا المعنى عن أميرالمؤمنين “ع”: (إنما الحليم من إذا أوذي صبر، وإذا ظلم غفر)([59]).

وأبلغ ما ورد عن أميرالمؤمنين “ع” في هذا المعنى هو ما أشرنا إليه سابقاً: (ولا تكن عند النعماء بطراً، ولا عند البأساء فشلا)([60]).

وهذه الكلمة تحدد حالة سعة الصدر، والقدرة على الاحتواء والاستيعاب من بعدين: في البأساء والضراء، فلا يسرع إليه الفشل والعي والعجز والضعف في البأساء، ولا يسرع إليه البطر والسرور والحبور في النعماء.

15ـ إضاعة المسؤولية

في الحديث: (إن تضييع المرء ما وُلِيَ، وتكلفة ما كفى لعجز ورأي متبّر) ([61]).

من أفدح الخطأ أن يضيّع الإنسان ما تولاّه من المسؤولية بالأعمال والتواكل، ومن الخطأ أن يتكلّف الإنسان من المسؤوليات ما يكفيه الآخرون.

فإذا تحمّل الإنسان المسؤولية لابد أن يعطيها حقها من الجد والاهتمام، ويُعد لها كل ما يتطلبه الأمر، من حزم وعزم، حتى ينهض بها.

وإذا وجد من ينهض بها من هو خير منه وأقوى عليها فلا يطلبها… فقد كفاه الله تعالى أمرها.

وقد روي عن رسول الله “ص” أنه كان يقول لعبد الرحمن بن سُمُرة: (يا عبدالرحمن، لا تسأل الإمارة، فإنك إذا أعطيتها عن مسألة وكّلت فيها إلى نفسك، وإن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها)([62]).

فإذا تحمل الإنسان المسؤولية أعطاها كل جهده ووقته وهمه حتى يؤديها حق الأداء، ولا يضيعها بالإهمال والتسويف والتواكل وسوء الإدارة والمراقبة.

16ـ إضاعة الفرصة

عن الإمام محمد الباقر “ع”: (إياك والتسويف، فإنه بحر يغرق فيه الهلكى، وإياك والغفلة، فبها تكون قسوة القلوب)([63]).

وعنه “ع” أيضاً: (لا مصيبة كحب البقاء، ولا ذلّ كذلّ الطمع، وإياك والتفريط عند إمكان الفرصة)([64]).

عمر الإنسان مجموعة من الفرص… وعلى الإنسان إذا فتح الله تعالى له باب فرصة أن ينتهزها.

عن رسول الله “ع”: (من فتح له باب من الخير فلينتهزه، فإنه لا يدري متى يغلق عليه)([65]).

ولا تدوم الفرصة طويلاً، ولا تنتظر الإنسان.

عن أميرالمؤمنين “ع”: (الفرصة تمر مرّ السحاب فانتهزوا فرص الخير)([66]).

فإذا سنحت للإنسان الفرصة فعليه المبادرة قبل أن تفوت، وهذه الفرصة قد تكون في إقبال القلوب على الله تعالى في العبادة والدعاء والصلاة، وليس دائماً تقبل القلوب على الله، فإذا وجد الإنسان في نفسه إقبالاً على الدعاء والصلاة والذكر والاستغفار، فعليه أن يبادر إلى ذلك، قبل أن تفوته حالة الإقبال، وتغلبه حالة الانقباض.

كذلك في المشاريع الثقافية والسياسية والاقتصادية والتبليغية قد تمر على المؤمنين فرصة من فرص العمل لا تدوم ولا تتكرر، فعليهم المبادرة بانتهاز الفرصة قبل أن تمر الفرصة.

لقد عاش الإمام الباقر “ع” فترة ضعف بني أمية، وعاش الإمام الصادق “ع” فترة انتقال السلطة من بني أمية إلى بني العباس، فانتهزا هذه الفرصة أفضل الانتهاز ونشرا ثقافة أهل البيت^ ومعارفهم نشراً واسعاً، وانتشرت منذ ذلك الحين معارف أهل البيت “ع” في الأوساط العلمية الإسلامية انتشاراً واسعاً.

وللإمام علي “ع” كلمة في هذا الأمر ينبغي أن نتوقف عندها بعض الشيء: (من الخُرق المعاجلة قبل الإمكان، والأناة بعد الفرصة)([67]).

من السفه والخطأ أن يستعجل الإنسان الأمور قبل أوانها، ومن السفه والخطأ أن يتوانى الإنسان عن المبادرة بعد حصول الفرصة.

ذلك الاستعجال وهذه الأناة كل منهما خُرق وخطأ.

17ـ الأناة

هي حالة غير (الحزم) إلاّ أنها تلتقي بالحزم.

وحقيقة الأناة: عدم التعجل.

وما يصيب الناس من التعجّل والاستعجال يكون في أمرين: في البدء بالعمل قبل أوانه، والبدء بالعمل قبل أوانه يفسد العمل، كمن يزرع في غير الموسم، ولكل مشروع ولكل عمل ظرفه الخاص، فإذا دخل صاحبه في المشروع في غير ظرفه أفسد على نفسه المشروع ويحبط عمله.

وأكثر ما يصيب الإنسان الإحباط في الأعمال السياسية والثورية وفي حركة المعارضة السياسية وفي المشاريع الحركية لهذا السبب… فقد ينجح قائد في تحريك الشارع وإثارة الناس للاعتراض والثورة على نظام فاسد، ويتحرك معه الشارع، ويحقق ما يريد… وقد يتحرّك آخر فلا يستطيع أن يصنع شيئاً، ولا يحرك ساكناً في الشارع… والفرق الزمن والظرف… ولو تأنى الثاني ودرس الظروف الموضوعية للثورة لم يواجه الإحباط، فإن للثورة ضد أي نظام فاسد ظرفها الخاص، فإذا بدأ بها قبل ظرفها لم تنجح الثورة.

ولكن ليس معنى ذلك الخلود إلى الراحة، والاستكانة للنظام الفاسد، وإنما معنى ذلك ترحيل الاعتراض والثورة والحركة ضمن مراحل من العمل والإعداد والتحضير لها.

وهذه هي الأناة الأولى في العمل، انتظار الظرف الزمني المناسب، وترحيل العمل ضمن مراحل، وليس الركون والسكون والسكوت.

وعن هذه الأناة يقول أميرالمؤمنين× ـ كما في الرواية ـ: (إياك والعجلة بالأمور قبل أوانها)([68])… ومعنى الكلمة: انتظار الوقت والظرف المناسب للعمل وعدم التعجل في العمل، وترحيل العمل والتخطيط لـه ضمن مراحل.

والأناة الثانية: الأناة في جني الثمار… وكما يضر التعجل الأول، يضر التعجل الثاني… فمن يريد أن يقتطف الثمرة قبل أوانها يقتطفها فجّة، وعندئذ يصيبه الإحباط، ولو أنه تأنى في اقتطاف الثمرة إلى أوان نضجها لم يلحقه هذا الإحباط.

وعن هذه الأناة يقول أميرالمؤمنين “ع” ـ كما في الرواية ـ: (من تأنى أصاب ما يتمنى)([69]).

إن الذي يتأنى في إنجاز النتائج، لوقتها يحققها بأفضل الأشكال.

ومهما يكن من أمر فإن للزمن وظروف العمل دوراً في البدء بالعمل وترحيله واستنجاز النتائج المطلوبة منه، ومن يتجاوز (الزمن) يواجه حالات الإحباط كثيراً… وسوف يأتي الحديث عن هذه النقطة تحت عنوان آخر.

18ـ المؤمن لا تقهره المصائب

مهما كان حجم المصيبة والخسارة التي تلحق المؤمنين في ساحات المواجهة والصراع والقتال… يبقى المؤمنون فوق الإحساس بالهزيمة، لا يغلبهم الوهن والحزن، يقول تعالى: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}([70]).

والعامل الذي يجعل المؤمنين فوق الوهن والحزن، ويحوّل الخسائر إلى أرباح والنكسة الميدانية في ساحة القتال إلى إحساس بالاستعلاء على العدو، هو الإيمان بالله تعالى {إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}.

إن الحزن حالة طبيعية خلقها الله تعالى في نفس الإنسان، ولكن الحزن على الخسائر في النفوس والأموال لا ينبغي أن يؤدي إلى ضعف في موقف المؤمنين، ولا أن ينال من إحساسهم بالاستعلاء على العدو، ولا يتحول إلى إحساس بالهزيمة… وما يصح في قيادة المواقف يصح في عامة الأعمال بدرجات مختلفة، فإن تماسك القائد في الظروف الصعبة وثقته بالله تعالى، وإحساسه بالاستعلاء على العدو، يثبت جمهور المؤمنين على أرض المعركة، كما أن تماسك المدراء والمسؤولين في مواجهة التحديات والمشاكل يثبّت عامة الناس ويبعث في نفوسهم القوة والطمأنينة.

19ـ البشاشة والبشر

عن أميرالمؤمنين “ع” في وصيته للأشتر(رضوان الله عليه): (واخفض للرعية جناحك، وابسط لهم وجهك).

وفي وصيته لعبد الله بن عباس، وكان عامله على البصرة: (سع الناس بوجهك ومجلسك وحكمك).

إنّ على المسؤولين والحكام أن لا يحجبوا الناس عن أنفسهم أولاً، ولا يجعلوا بينهم وبين الناس حجاباً).

وإذا التقوا بالناس يقابلونهم بالبشر، والبشاشة وانبساط الوجه، ولا يقابلون الناس بوجوه منقبضة.

والإمام يوصي الأشتر في وصيته: أن يخفض للرعية جناحه، فلا يستعلي عليهم، ويبسط لهم وجهه، فلا يقابلهم بالانقباض.

وفي وصيته لعبد الله بن عباس يوصيه أن يسع الناس في ثلاث: في مجلسه، ووجهه، وحكمه، فلا يضيق مجلسه بالعامة من الناس (الجمهور) ولا ينتقي لمجلسه النخبة، وإنما يفتح مجلسه لعامة الناس، في مواعيد منتظمة، وهذه هي التوسعة الأولى.

والتوسعة الثانية أن يسعهم بوجهه، والتوسعة بالوجه من أفضل أنواع التوسعة، فلا يقبض وجهه في لقائهم، ولا يشعر الناس بالتضايق منهم، والوجوه تنطق للناس بالتوسعة والتضييق.

وإذا وجد المسؤول من أسباب الانقباض شيئاً في نفسه فعليه أن يحفظ الانقباض والحزن لنفسه، ويتعلم أن يظهر للناس البشر والبشاشة، ويحتفظ لنفسه بالحزن والهموم.

يقول الإمام علي “ع” في خطبة المتقين المعروفة في وصف المتقين: (حزنه في قلبه وبشره على وجهه).

وفي كلمة أخرى مروية عنه “ع” في هذا السياق: (إن بشر المؤمن في وجهه، وقوته في دينه، وحزنه في قلبه)([71]).

والتوسعة الثالثة في الحكم، فلا يضيق حكمه عن عامة الناس وجمهورهم، وإنما يعم عدله وحكمه الجميع، ويؤثر رضا العامة على رضا الخاصة في الحق… وهذا هو كلام الإمام×: (سع الناس بوجهك ومجلسك وحكمك).

20ـ الرأي بين التسرع والعجب

الرأي من ضرورات الإدارة، والمدير الذي لا يملك الرأي في دائرة مسؤوليته لا يستطيع أن يمارس الدور الذي يقع على عهدته.

ولكن الرأي يتعرض لآفتين كبيرتين، يجب أن يبرأ عنهما المسؤول ويتخلص منهما:

الآفة الأولى: العجب، فإن العجب يفسد على الإنسان رأيه، ويفقده الرشد والصواب… ولعل من أسباب العجب بطانته الذين يقربون له ذلك ويحسّنون له مواقع رأيه، ولا يجرحونه بالنقد.

وهذه الحالة تفسد على المسؤولين رأيهم، وتوقعهم في تخبط كبير.

عن أميرالمؤمنين “ع”: (رضاك عن نفسك من فساد عقلك)([72]).

وعنه “ع” أيضاً: (من اُعجب بحسن حالته قصّر عن حسن حيلته)([73]).

إن العجب يفسد على الإنسان الرأي والحيلة، وأكثر عوامل العجب لدى المسؤولين، البطانة المغالية والمتملقة.

وكما يجب على المسؤول أن يتوقّى العجب برأيه، يجب عليه أن يستمع إلى الرأي الآخر، ويحترمه، ويقلبه، فلربما شخص تزدريه العيون، يقدم إليه رأياً جديراً بالاهتمام والتأمل.

روي عن أميرالمؤمنين “ع”: (لا يصغرنّ عندك الرأي الخطير إذا أتاك به الرجل الحقير)([74]).

والآفة الأخرى للرأي، التعجل والتسرع في الرأي، وفي مقابل التعجل والتسرع، الحزم، وهو التروي والتأمل قبل اتخاذ الرأي والقرار.

وبقدر ما يفسد التعجل والتسرع الرأي على صاحبه فإن الحزم يصلح الرأي والقرار ويحصنها.

ولكن على أن لا يؤدي الحزم والتروي إلى تعطيل القرار، فإنه من الضعف والعجز… وقد قال تعالى: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ}.

والعزم لا يكون إلاّ بالحزم، فإذا تم للإنسان كان عليه أن يتوكل على الله ويمضي في عمله.

ولا يسمح لنفسه التردد في القرار بعد أن اكتملت لديه أسبابه.

روي عن أميرالمؤمنين×:

(إذا هبت أمراً فقع فيه، فإن توقّيه أعظم مما تخاف منه)([75]).

21ـ دور الزمان في الإدارة الصالحة

الإدارة الصالحة تأخذ الزمان بنظر الاعتبار… والزمان ليس وعاءً للتاريخ والأحداث والأعمال فقط، وإنما هو من مقومات التاريخ والأعمال والأحداث أيضاً… فلرب مشروع يفشل في زمان فشلاً ذريعاً، ونفس المشروع بنفس المواصفات ينجح في زمان آخر، والفارق الزمان.

ولذلك نعتقد أن تشخيص الزمان من العناصر والشروط المقومة للإدارة الصالحة.

والزمان ثلاثة: الماضي، والحاضر، والمستقبل… ولكل منها دور في الإدارة الصالحة.

إن الماضي لا يجوز إلغاؤه، بأي نحو في أي مشروع ثقافي، أو سياسي، أو حركي، أو تجاري، أو عمراني، أو جهادي وغير ذلك.

فقد يحمل الماضي من عوامل الإخفاق ما يؤدي إلى إحباط المشروع في الحال الحاضر، في نفوس الناس… وقد يحمل الماضي من الأخطاء ما يجب على الإدارة الصالحة تصحيحها قبل البدء بالعمل في الحال الحاضر.

إن الحوادث المختلفة المسرّة والمؤسفة والأخطاء والإخفاقات، والنجاحات التي تمت في الماضي تلقي بظلالها على الحاضر لا محالة.

وعليه، يجب أن نأخذ الماضي والتاريخ بنظر الاعتبار في أي مشروع حاضر أو مستقبل.

امّا معرفة الحاضر (الحال) فله دور أساسي في نجاح العمل وفشله… والقيادة الصالحة الناجحة هي التي تضع المشاريع في الظرف المناسب، والوعاء الزمني المكافئ للعمل، فلرب مشروع يخفق في زمان، وينجح في زمان، بنفس المقومات، وليس الفارق المشروع فهو واحد، وإنما الفارق الزمان… فإن الزمان قد يكون من عوامل الإخفاق، وقد يكون من عوامل الإنجاح، والمدير الناجح هو الذي يشخص الظرف الصالح لأداء العمل.

وقد ورد في الرواية عن الإمام الصادق “ع”: (العالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس)([76]).

والمعرفة الدقيقة للزمان وتشخيص الظرف الصالح للعمل نحو من البصيرة الإدارية، والبصر بالإحداث.

وقد روي عن رسول الله “ص”: (على العاقل أن يكون بصيراً بزمانه، مقبلاً على شانه، حافظاً للسانه)([77]).

وعن أميرالمؤمنين “ع”: (حسب المرء من عرفانه عمله بزمانه)([78]).

وأما المستقبل، فهو امتداد للحاضر… وإذا كان وعاء الحاضر صالحاً لإدارة المشروع، فقد يحمل وعاء المستقبل من عوامل الإخفاق ما يغيب عن صاحبه… وقد يقبل الناس على مشروع ثقافي أو سياسي أو إنساني، أو اقتصادي، ثم يصيب الناس في المستقبل إرهاق وتعب، ويؤدي ذلك إلى إحباط المشروع، وعامل الإحباط يكمن في المستقبل، وليس في الحاضر ولا في الماضي، والإدارة الناجحة يجب أن تأخذ بنظر الاعتبار الاستعداد لعوامل الإحباط والإخفاق في المستقبل من الآن.

روي عن الإمام أميرالمؤمنين “ع” في هذا المعنى: (من عرف الأيام لم يغفل عن الاستعداد)([79]).

إن الاستعداد لعوامل الإحباط والإخفاق التي يتضمنها المستقبل يجب أن يكون من الآن.

وللزمان دور واضح في تغيير المناهج والأساليب.

صحيح أن الشريعة مجموعة من الثوابت التي لا تتبدل ولا تتغير في الظروف الزمانية المختلفة… ولكن ذلك في ثوابت الشريعة وحدود الله، وفرائض الدين، أما الأساليب والوسائل والمناهج التي لا تدخل في ضمن الثوابت والحدود الشرعية، فهي قابلة للاختلاف والتغيير، تبعاً للظروف والزمان.

وهذه نقطة دقيقة، ومن الخطأ أن نسحب نظام التغيير والاختلاف على ثوابت الشريعة، ومن غير الصحيح أن نثبت في جملة من الوسائل والمناهج، كالمناهج والوسائل التربوية مثلا، على نهج ثابت.

وقد روي في هذا المعنى عن أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب “ع”: (لا تقسروا أولادكم على آدابكم، فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم)([80]).

إن للزمان دوراً لا محالة، في اختلاف أساليب التربية والتعليم، ومناهجهما.

إن عناصر التربية والتعليم تبقى هي هي في كل العصور من الثوابت التي لا تتغير، ولكن الأساليب تختلف… ومن الخطأ أن نقسر أبناءنا وبناتنا، على نفس الأساليب التي كان يتعامل بها معنا أباؤنا وأمهاتنا.

عن أميرالمؤمنين علي “ع”: (من أمن الزمان خانه، ومن تعظم عليه أهانه، ومن ترغّم عليه أرغمه، ومن لجأ إليه أسلمه، وليس كل من رمى أصاب، وإذا تغيّر السلطان تغير الزمان)([81]).

وحرّي بنا أن نطيل الوقوف عند هذه الكلمة العلوية القيمة، التي تحمل معاني ومعارف جمّة، لولا أن الوقت والفرصة لا تسعنا.

في هذه الكلمة نتوقف عند مجموعة من النقاط يشير إليها الإمام علي “ع”:

من أمن الزمان خانه: يخطأ الإنسان خطأ فادحاً إذا تصور أن الزمان هو الزمان، لا فرق، فيُقْدِمُ على عمل، نجح فيه غيره، فيقتحمه من غير احتساب عامل الزمان، فيخونه الزمان، ويفشل.

يقول علي “ع” في هذا المعنى: (من وثق بالزمان صُرِع)([82]).

كمن يجد غيره يمشي على ماء ضحل ويعبره، فإذا وجد ماءً تصور أن الماء هو الماء فيقتحمه فيخونه الماء، فيقع في وحل وغرق… كذلك الزمان.

إن الزمان يختلف عن الزمان، والزمان ذو غير، ومن أمن غير الزمان خانه، فيسقط ويفشل، ولابد قبل أي عمل من دراسة حال الزمان، الذي يقدم فيه الإنسان على العمل.

ثم يقول “ع”: ومن تعظّم عليه أهانه. وليس لأحد أن يحتقر الزمان، ويتعظم عليه، ويجازف، ويقدم، من غير احتساب دور الزمان في العمل، والذي يجازف، ويقدم، مستهيناً بالزمان يهينه الزمان، ويحتقره، ويتجاوزه… يقول الإمام علي “ع” في هذا المعنى: (من كابر الزمان عطب)([83]).

ثم يقول “ع”: ومن ترغّم عليه أرغمه، وكما ليس للإنسان أن يتعظم على الزمان ويحتقره، ويتجاوزه، كذلك ليس له أن يرغم الزمان، على ما لا يستجيب لـه… فإن الزمان يحكم الإنسان، ولا يحكم الإنسان الزمان، ومن حاول أن ينفلت من قبضة الزمان، بإرغام الزمان على ما لا يستجيب له، أرغمه الزمان…

إن حتمية الزمان من الحتميات القاهرة في التاريخ.

يقول أميرالمؤمنين علي “ع” في هذا المعنى: (من عاند الزمان أرغمه)([84]).

نعم، من الممكن أن يعالج الإنسان الزمان، فيجعل من الزمان الشؤم زماناً مباركاً، ومن الزمان الصعب زماناً سهلاً، ومن عصر الدكتاتورية والاستبداد السياسي، عصراً للثورة على الظالمين، ولكن هذا علاج وتوجيه وتعديل للزمان، وليس إرغاماً ولا احتقاراً للزمان… والعلاج والتعديل غير المكابرة.

ولكل من مكابرة الزمان والتحكم عليه وعلاجه، أحكام وظروف خاصة ليس موضعه الآن.

ثم يقول “ع” ـ كما في الرواية ـ: (ومن لجأ إليه أسلمه).

ليس معنى ما تقدم من النهي عن ائتمان الزمان ومكابرته ومراغمته، أن يلقي الإنسان نفسه في أحضان الزمان ويستسلم له، ويأخذ بمقتضيات الزمان، مهما كان، خيراً أو شراً، ضعفاً أو قوة، فإن هذا السلوك المتلون مع الزمان هو الحالة الانتهازية التي ينهى عنها الإسلام، إن علينا أن نفهم الزمان ونعالجه ولا نأتمنه ولا نكابره ولا نراغمه، وعلينا أيضاً أن نحذر من ركوب الزمان، وأن نتطبّع بمتطلبات الزمان، فإن من توحي إليه نفسه أن يركب موجة الزمان، ويعمل بمقتضاه، مدحاً أو ذماً، إيماناً أو كفراً، هزيمة أو مقاومة، حباً أو بغضاً، طاعة أو تمرداً… أقول: إن من يستسلم لحكم الزمان، ويركب الموجة، يسلمه الزمان إلى الموجة، ويتحول الإنسان عندئذٍ من عامل مؤثر في التاريخ إلى خشبة عائمة على موجة الزمان… وفي هذا المعنى يقول الإمام علي×: (من عاند الزمان أرغمه، ومن استسلم إليه لم يسلم).

وبين معاندة الزمان ومراغمته، وبين الاستسلام المذل للزمان، يجب أن يقف المؤمن موقفاً وسطاً في التاريخ والمجتمع، وهو موقف دقيق، لا يسعنا الوقت لشرحه أكثر من هذا الحد.

ثم يقول “ع”: وليس كل من رمى أصاب.

فقد يرمي أحد ويصيب، وقد يرمي آخر فيخطئ، وليس الفرق في الرمي والاستهداف، وإنما الفرق في الزمان؛ فقد يرمي أحد في زمان، فتصيب الرمية، ويرمي آخر في زمان آخر، فلا تصيب الرمية.

إن إهمال عامل الزمان من أكبر أخطاء الناس ومن لا تصيب رميته، لا يعاتب الزمان، ولا يعاتب حظه، فليس القضية في الحظ ولا في الزمان، وإنما عليه أن يراجع حساباته في تشخيص الزمان، حتى يعرف متى يرمي ومتى يكف عن الرمي؟ ومتى يتحرك ومتى يكف عن الحركة؟ ومتى يقوم ومتى يقعد؟ ومتى يهتف ومتى يهمس؟ ومتى يقاتل ومتى يسالم؟… ومتى ومتى؟؟

إن الإجابة عن هذه الأسئلة جميعاً تندرج في تشخيص الزمان ومعرفته، فإذا رمى، في غير وقت الرمي، فلم تصب رميته فلا يعاتب الزمان، وإنما يعاتب نفسه، لأنه لم يعرف الزمان، فإن الزمان لا يتقبل عتاب من يعاتبه.

يقول علي “ع”: (الزمان يخون صاحبه، ولا يستعتب لمن عاتبه)([85])… اعرف زمانك جيداً، ثم اعمل بما تمليه هذه المعرفة من العلاج والتخطيط، حتى لا تحتاج إلى عتاب الزمان، فيرفض الزمان منك العتاب.

ثم يقول “ع”: (وإذا تغيّر السلطان تغير الزمان).

إن بين الزمان والسلطان علاقة جدلية حميمة، يغير الزمان السلطان، ويغير السلطان الزمان، فكم من زمان صالح أفسده السلطان، وكم من سلطان صالح، أضعفه الزمان… وقد كان صاحب هذه الكلمة (صلوات الله عليه) حاكماً صالحاً وإماماً معصوماً، قمة في العدل والعقل والتدبير والحزم والعزم والقيادة الحكيمة، ولكن زمانه جعله في مواجهة ابن أبي سفيان… يقول “ع” لمعاوية: (فيا عجباً للدهر إذ صرت يقرن بي من لم يَسْع بقدمي ولم تكن لـه سابقتي)([86])، ولو كان يأتي في زمن غير ذلك الزمان لتغير وجه المجتمع الإسلامي ووجه التاريخ الإسلامي، ولكان للتاريخ الإسلامي وللحضارة الإسلامية في الماضي والحاضر والمستقبل شأن غير هذا الشأن، ولكنه “ع” تولى الحكم بعد أن عمل من كان قبله من الحكام في تأسيس حكومة بني أمية في الشام وتوطيد أركانه، منذ خلافة الخليفة الثاني الذي ولّى معاوية ومن قبله أخاه يزيد بن أبي سفيان على إقليم الشام كله، فأحكم بنو أمية أركان ملكهم في الشام، فلما تولّى الإمام علي “ع” الحكم حكمه الزمان، ولم يتمكن أن يزيل بني أمية من الحكم، وتغير وجه التاريخ الإسلامي منذ ذلك الحين على أيدي بني أمية، ثم جاء بنو العباس بنفس المنهاج في الظلم والإسراف وانتهاك حرمات الله تعالى.

فلم يكن في الإمام علي “ع” وابنه الحسن ضعف أو عجز أو قصور، وإنما حكمهم الزمان الذي يقهر الناس، ولا يقهر، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

22ـ مبدأ توزيع المسؤوليات

يقول أميرالمؤمنين “ع” في بعض رسائله إلى عماله: (واجعل لكل إنسان من خدمك عملاً تأخذ به، فإنه أحرى ألا يتواكلوا في خدمتك)([87]).

هذه الكلمة تشير إلى مبدأ توزيع المسؤوليات بين المسؤولين، وهو مبدأ هام في الإدارة، يمكّن المسؤول من محاسبة كل واحد منهم على ما يقع تحت يده من المسؤوليات، ويمنعهم من التواكل.

بخلاف التداخل في المسؤوليات فإنه يفسح المجال للمسؤولين في التواكل فيما بينهم، واعتماد كل منهم على غيره، ويقلل من فرص المسائلة والمحاسبة من ناحية المسؤول الذي يتولى أمورهم.

23ـ معايير الاختيار الصحيح

اختيار الشخص الصالح للموقع المناسب من أهم المسائل الإدارية… فقد يختار المسؤول إنساناً صالحاً كفوءاً لموقع من المواقع، فيكون سبباً لإنجاح ذلك الموقع وذلك العمل، وقد يقع اختياره على عنصر غير صالح لموقع من المواقع، فيؤدي إلى إفشال الموقع، وإفشال المشروع الذي اختاره لـه، وأهم العناصر والمعايير التي تدخل في الاختيار الصحيح هي المعرفة والأمانة والكفاءة.

ولقد أشارت ابنة شعيب على أبيها عندما سقى لهن موسى أن يستأجره، وقالت في ذلك: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ}([88])، فوصفت موسى بن عمران بالأمانة والقوة، وهما عنصران أساسيان في الاختيار الصالح([89]).

وعندما رشح يوسف نفسه لأمانة خزائن مصر، ذكر لتوجيه هذا الترشيح كلمتين: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}([90])، وهاتان الكلمتان هما: (الحفظ) و(العلم).

و(الحفظ) بمعنى الأمانة، و(العلم) بمعنى المعرفة.

فهذه ثلاث نقاط في معايير الاختيار الأصلح: المعرفة، والأمانة، والقوة (الكفاءة).

ولأميرالمؤمنين “ع” في كتابه إلى مالك الأشتر(رضوان الله عليه) كلمة جامعة في التعريف بالكفاءة والقوة، ننقلها.

يقول “ع”: (واجعل لرأس كل أمر من أمورك رأساً منهم لا يقهره كبيرها ولا يتشتت عليه كثيرها).

وهو كلام دقيق في التعريف بكفاءة المسؤول وقوته، لا تغلبه الأمور الصعبة الكبيرة التي تواجه المسؤولين، ويبقى هو الأقوى في أي مواجهة ومقابلة للمشاكل والتحديات التي تواجهه.

وفي كلمة أخرى له× في التعريف بالمتقين: (في الزلازل وقور).

وهذه الخصلة من خصائص المدير القوي الكفوء لا يتميز أمام التحديات الصعبة.

والخصلة الأخرى في تحديد الكفاءة القوة في المسؤولين (ولا يتشتت عليه كثيرها) كما لا يغلبه كبيرها لا يشتّته كثيرها… إن المسؤول الذي تتشتت عليه الأمور، لا يتمكن أن يجمعها ويهيمن عليها ويديرها وينظمها… إن الإدارة القوة هي تجميع شتات الأمور وتنظيمها وترتيبها بحسب الأولويات والاستحقاقات.

وهذه الخصال أيضاً من خصال القوة، كما الخصلة المتقدمة.

ونقرأ في كتاب الإمام أميرالمؤمنين “ع” إلى مالك الأشتر(رضوان الله عليه)([91])، عندما ولاه مصر، معايير أخرى في اختيار الصالح نذكرها بإيجاز.

1ـ التجربة والخبرة في العمل الذي يعهد إليه.

يقول “ع”: (وتوخّ منهم أهل التجربة).

2ـ الاختيار من البيوتات الصالحة.

3ـ القدم في الإسلام.

ويعلل الإمام ذلك بقوله: (فإنهم أكرم أخلاقاً وأصحّ أعراضاً، وأمل في المطامع إشراقاً، وأبلغ في عواقب الأمور نظراً)… إن تاريخ الإنسان جزء لا يتجزأ من كيانه، فإذا كان تاريخه مشرقاً نظيفاً معروفاً بالصلاح أمكن الاعتماد عليه والوثوق به.

4ـ النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين.

يقول الإمام “ع” في نفس الكتاب في معايير اختيار الصالح.

(فولّ من جنودك أنصحهم في نفسك لله ولرسوله ولإمامك).

هؤلاء ينصحون لله، ورسوله وأئمة المسلمين فيما يعملون وما يقولون، أما أولئك الذين يبتغون من المواقع زهو الحياة الدنيا ومتاعها، فلا يصلحون لهذه المواقع ولا ينصحون.

5ـ القيم وفضائل الأخلاق، وهي بلا شك من عناصر الاختيار الصالح… أما الذين يفقدون فضائل الأخلاق، ويتعاملون مع الناس بفظاظة، ومع مواقع المسؤولية من منطلق المصالح الشخصية، والبطر والرئاء، فلا يصلحون لتحمل أية مسؤولية من مسؤوليات المسلمين.

يقول أميرالمؤمنين “ع” في نفس الكتاب: (ثم انظر في حال كتابك، فولّ على أمورهم خيرهم، واخصص رسائلك التي تدخل فيها مكائدك، وأسرارك بأجمعهم لوجوه صالح الأخلاق).

6ـ الامتحان ولابد أن يسبق الاختيار الامتحان.

فلا يختار المسؤولون شخصاً لمهمة قبل أن يعرفوا كفاءته لإدارة ذلك العمل بالامتحان.

يقول علي× في نفس الكتاب:

(ثم انظر في أمور عمالك فاستعملهم اختباراً، ولا تولّهم محاباة ولا إثرة).

وهو الأسلوب الصحيح للاختيار الأصلح.

وقد روي عن أميرالمؤمنين “ع” في هذا المعنى: (الطمأنينة إلى أحد قبل الاختبار له عجز)([92]).

24ـ الاهتمامات الكبيرة والهمم العالية

المشاريع الكبيرة لا ينهض بها إلاّ أصحاب الهمم العالية، وليس معنى الاهتمامات الكبيرة والهمم العالية الجنوح إلى المثاليات في العمل… ولا تنافى الاهتمامات الكبيرة أن يكون أصحابها واقعيين في مشاريعهم… وإنما الفارق بين الأعمال المحدودة والمشاريع الكبيرة همم أصحابها…

فالذين آتاهم الله الهمم العالية ينهضون بالأعمال العظيمة، في العمر المحدود الذي يعيشه الآخرون وبالإمكانات المحدودة التي يملكها الآخرون.

عن أميرالمؤمنين علي “ع”: (خير الهمم أعلاها)([93]).

وقيمة الإنسان بمقدار همته وطموحه.

عن علي “ع”: (قدر الرجل على قدر همته)([94]).

والهمم تكلّف أصحابها لا محالة ضروباً من الجهد والتعب والصبر، يتحملها أصحابها في مسيرة حياتهم، وهذه الهموم هي ضريبة الهمم.

عن علي “ع”: (على قدر الهمم تكون الهموم)([95]).

25ـ بين المسؤولية والرعاية

يكتب أميرالمؤمنين علي “ع” إلى أحد عماله الذين تجاوز حدود صلاحياته في عمله:

(وأنت سترعى لمن فوقك، ليس لك أن تقتات في رعية، ولا تخاطر إلاّ بوثيقة)([96]).

إن خطّ المسؤولية مسلسل من حلقات المسؤولية والرعاية، يربط المسؤول والحاكم في الخط الصاعد بمن يتولى أمره، ويكون هو مسترعى لـه، وفي الخط النازل يكون مسؤولا عمن يتولى هو أمره يحاسبه ويسائله.

فهو راعٍ لمن دونه ومسترعى لمن فوقه، مسؤول عن المواقع (النازلة) التي تقع في حوزة مسؤوليته، وفي نفس الوقت هو مسؤول ومحاسب من قبل من يكون فوقه… وعليه أن يتقبل السؤال والمحاسبة من قبل المواقع الفوقية التي تقع أعلى منه في مسلسل الرعاية والمسؤولية… كما عليه محاسبة من يقع دونه من مواقع المسؤولية.

ولا يصح له أن يحاسب ويسائل من دونه ثم لا يقبل السؤال والحساب منه ممن فوقه.

والمسؤولية كلها سؤال وحساب، يسائل من دونه في مسلسل المسؤولية، ويتقبل سؤال من فوقه في هذا المسلسل.

وهذا هو التصور الإسلامي الصحيح لمواقع المسؤولية.

إن مواقع المسؤولية مرتبطة بالسؤال والجواب والرعاية، والاسترعاء من الطرفين… ويجري هذا على كل مواقع المسؤولية حتى آخر هذه المواقع وأرفعها وهو ولاية الأمر العامة، فإن موقع الولاية العامة مسترعى من جانب الله تعالى، وولّي الأمر يخضع للسؤال والجواب من جانب الله، كما يطالب من دونه من المواقع بالجواب والحساب.

إن مواقع المسؤولية مرتبطة من الطرفين بالمسؤولية والرعاية، على كل المستويات… وإذا عرف المسؤولون في النظام الإداري في الإسلام هذه الشبكة المترابطة من المسؤولية والرعاية، في كل المواقع، من دون استثناء، وارتباط هذه الشبكة العظيمة في آخر حلقاته بالله تعالى، إذا عرف أصحاب المواقع هذا الترابط العظيم بين مواقع المسؤولية على هذه الشبكة، وارتباطها جميعاً بالله انتظم أمر المسؤولية في المجتمع.

يقول أميرالمؤمنين “ع” لمالك الأشتر(رضوان الله عليه):

(فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب وترضى أن يعطيك الله من عفوه وصفحه، فإنك فوقهم، وولي الأمر عليك فوقك، والله فوق من ولاك).

اقرأ أيضاً:


المصادر والمراجع

  • [1] ـ الطلاق: 3.
  • [2] ـ البقرة: 155.
  • [3] ـ آل عمران: 159.
  • [4] ـ غافر: 44.
  • [5] ـ الأنفال: 45 ـ 46.
  • [6] ـ الرعد: 28.
  • [7] ـ بحار الأنوار: 93: 154.
  • [8] ـ بلاغة الإمام علي بن الحسين× للشيخ جعفر الحائري: 57.
  • [9] ـ بحار الأنوار: 93: 154.
  • [10] ـ الأعراف: 201.
  • [11] ـ الطلاق: 2 ـ 3.
  • [12] ـ نهج البلاغة: خ 198: 8.
  • [13] ـ بحار الأنوار 94: 315، حياة الإمام الحسين× للقرشي 1: 180.
  • [14] ـ نهج البلاغة 2: 204 الكلام220.
  • [15] ـ بحار الأنوار: 71: 339.
  • [16] ـ بحار الأنوار: 77: 238.
  • [17] ـ تحف العقول: 216.
  • [18] ـ بحار الأنوار: 71: 338.
  • [19] ـ آل عمران: 159.
  • [20] ـ الدر المنثور: 2: 90.
  • [21] ـ نهج البلاغة: الكلمات القصار، كلمة: 161.
  • [22] ـ الوسائل: 8: 428.
  • [23] ـ البحار: 71: 341، رو: أمر من التروي وهو التفكر قبل العمل.
  • [24] ـ البحار: 77: 165.
  • [25] ـ ميزان الحكمة: 1: 605.
  • [26] ـ وفيات الأعيان لابن خلكان 5: 321.
  • [27] ـ بحار الأنوار 64: 307 ح40.
  • [28] ـ تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 12: 218 ح6673.
  • [29] ـ تحف العقول ص359. نقلاً عن ميزان الحكمة.
  • [30] ـ شرح دعاء مكارم الأخلاق للشيخ محمد تقي فلسفي 1: 494.
  • [31] ـ جامع السعادات للنراقي 3: 162.
  • [32] ـ عيون الحكم والمواعظ ص84.
  • [33] ـ مستدرك الوسائل 2: 92.
  • [34] ـ بحار الأنوار 74: 167.
  • [35] ـ الغدير 7: 359.
  • [36] ـ بحار الأنوار 68: 149.
  • [37] ـ بحار الأنوار 2: 80.
  • [38] ـ الكافي 2: 221.
  • [39] ـ الكافي 2: 226.
  • [40] ـ نهج البلاغة 2: 164.
  • [41] ـ مصباح المتهجد: 728.
  • [42] ـ نهج البلاغة: الكتاب 36.
  • [43] ـ تحف العقول: 292.
  • [44] ـ نهج البلاغة: عهد الإمام× إلى مالك الأشتر.
  • [45] ـ المحجة البيضاء 5: 20.
  • [46] ـ جامع السعادات 2: 145.
  • [47] ـ الفرقان: 72.
  • [48] ـ نهج البلاغة 3: 76 الكتاب47.
  • [49] ـ بحار الأنوار 74: 110.
  • [50] ـ ميزان الحكمة 2: 551.
  • [51] ـ بحار الأنوار 68: 338.
  • [52] ـ غرر الحكم 2: 206.
  • [53] ـ غرر الحكم 1: 107.
  • [54] ـ بحار الأنوار 8: 44.
  • [55] ـ نهج البلاغة: حكمة 176.
  • [56] ـ نهج البلاغة: الكتاب 33.
  • [57] ـ الشرح 1 ـ 3.
  • [58] ـ طه: 25ـ 28.
  • [59] ـ غرر الحكم 1: 268.
  • [60] ـ نهج البلاغة: كتاب 33.
  • [61] ـ ميزان الحكمة 3: 2731.
  • [62] ـ سنن أبي داود: 2929.
  • [63] ـ تحف العقول: 293.
  • [64] ـ تحف العقول: 295.
  • [65] ـ كنز العمال: 43134.
  • [66] ـ نهج البلاغة: الحكمة 21.
  • [67] ـ نهج البلاغة: الحكمة 363.
  • [68] ـ تحف العقول:147، بحار الأنوار 74: 264.
  • [69] ـ الكلمتان اللتان رويناهما عن أميرالمؤمنين× لا تأبيان التفسير بكل من الاناتين.
  • [70] ـ آل عمران: 139.
  • [71] ـ غرر الحكم: 3061.
  • [72] ـ غرر الحكم 1: 382.
  • [73] ـ غرر الحكم 2: 209.
  • [74] ـ غرر الحكم 2: 326.
  • [75] ـ بحار الأنوار 68: 362.
  • [76] ـ تحف العقول: 356.
  • [77] ـ الخصال للشيخ الصدوق: 525.
  • [78] ـ بحار الأنوار 78: 80.
  • [79] ـ الكافي 8: 23.
  • [80] ـ شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد 20: 267.
  • [81] ـ بحار الأنوار 77: 213.
  • [82] ـ عيون أخبار الرضا 2: 54 ـ 204.
  • [83] ـ تحف العقول: 85.
  • [84] ـ غرر الحكم: 9054.
  • [85] ـ غرر الحكم: 2093.
  • [86] ـ نهج البلاغة 3: 10.
  • [87] ـ نهج البلاغة: الكتاب 31.
  • [88] ـ القصص: 26.
  • [89] ـ لم نتأكد من أن الشخص الصالح الذي استأجر موسى×، وزوجة ابنته هو شعيب×، ولكن هذا هو المعروف.
  • [90] ـ يوسف: 55.
  • [91] ـ نهج البلاغة: الكتاب 53.
  • [92] ـ نهج البلاغة: حكمة 384.
  • [93] ـ غرر الحكم 1: 349.
  • [94] ـ نهج البلاغة: حكمة 47.
  • [95] ـ غرر الحكم 2: 28.
  • [96] ـ نهج البلاغة: الكتاب 5.
  • [96] ـ نهج البلاغة: الكتاب 5.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى