ثقافة

الأسس العقائدية للثقافة القيادية والإدارية في الإسلام

نتحدث فيما يلي بإيجاز عن الاُسس العقائدية للثقافة القيادية والإدارية في الإسلام، ليكون كالتمهيد للبحث عن الثقافة القيادية والإدارية ومفرداتهما في الإسلام.

1ـ حاكمية الله

وهي من الأسس الهامة التي تشتق من التوحيد مباشرة, ومنه تشتق الحاكمية والسيادة للإسلام على وجه الأرض, وقد أكّد القران عمق هذا الأصل بقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ}([1]).

إن الألوهية في الأرض هي الحاكمية والسيادة على حياة الإنسان.

والله تعالى هو الإله الواحد المهيمن على هذا الكون، ولذلك فهو الحاكم والمشرع في حياة الإنسان، وهو مصدر كل ولاية، وسيادة، وحاكمية في حياة الإنسان، وليس لغيره من دون إذنه ولاية, وحاكمية, وسيادة على حياة الإنسان، وهذا هو معنى توحيد الألوهية([2]).

وإذا آمنا بالخلق والربوبية لله تعالى، فلا بد أن نؤمن بألوهيته وحاكميته المطلقة على الإنسان فإذا قلنا إنّ للإنسان خالق فلابد أن ننتهي إلى حاكميته المطلقة على حياته.

وقد أدرك المشركون في أول الدعوة الإسلامية المدلول الحقيقي لكلمة (الإله) و(الرب) التي تعني المدبر الحقيقي للكون والإنسان، وأدركوا كذلك إنّ رسالة هذا الدين في حياة الناس إلغاء كل حاكمية ليس في امتداد حاكمية الله، وإلغاء كل سلطان على حياة الإنسان إلاّ سلطان الله تعالى وما أذن الله تعالى وأمر به.

فيُلزمهم القران بان هذه الحاكمية والهيمنة الإلهية على الكون في التكوين تستتبع وتستلزم الإذعان بسلطانه تعالى وسيادته التشريعية في حياة الإنسان. فلا يجوز تفكيك السلطان والحاكمية الإلهية في التكوين عن سلطانه وحاكميته وولايته على الإنسان في التشريع, فله الأمر وله النهي وله الحكم, ولمن أذن الله تعالى به في حياة الإنسان، في امتداد ولاية الله تعالى وحاكميته.

وما مهمة الأنبياء إلاّ تثبيت الحاكمية الإلهية على الإنسان وإلغاء أيّة حاكمية أخرى من دون إذن الله.

2ـ خلافة الإنسان

اختار الله تعالى الإنسان خليفة لـه على وجه الأرض، وأبلغ ذلك الملائكة قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً}([3]) ومعنى الخلافة واضحة… فان الإنسان يقوم بعمارة الأرض وإصلاحها, وبناء المجتمع وتنفيذ أحكام الله تعالى في الأرض, ويكون أداة طائعة لله تعالى في تنفيذ حاكمية الله وسيادته على الإنسان، على النهج الذي يأمر الله تعالى به.

فهو عامل، واع، مطيع لله، يقوم في الأرض بتحقيق سلطان الله تعالى وسيادته في حياة الإنسان وتنفيذ أمره ونهيه في اعمار الإنسان, والإنسان خليفة الله والعناصر التي تكون هذه الخلافة هي الوعي والإرادة والطاعة, فإذا اكتملت هذه العناصر في الإنسان كان لله تعالى خليفة على الأرض.

ويتكامل هذان الأصلان، كل منهما يكمل الآخر… حاكمية الله تعالى في حياة الإنسان وخلافة الإنسان عن الله تعالى على الأرض.

3ـ الإمامة

اصطفى الله تعالى للناس أئمة، فهم يحكمون الناس ويقودون مسيرة التوحيد بإذنه، ومن أولئك إبراهيم “ع” حيث اختاره الله تعالى إماما للناس، يقول تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}([4]).

 وقد أولى الله تعالى إبراهيم الإمامة بعد أن اختاره نبيا، وخاطبه بهذا الخطاب, وهو نبي ورسول لله, آتاه الله تعالى الوحي, وأمره بالتبليغ… فلما أتمّ الكلمات واكمل مراحل التكامل آتاه الله تعالى الإمامة.

وهي زعامة حركة التوحيد، وممارسة الحاكمية والولاية على الناس بأمر الله وإذنه في امتداد حاكمية الله، وللإمامة علاقة واضحة لا تخفى بكل من حاكمية الله وخلافة الإنسان، فهي واسطة العقد بين هذين الأصلين…

اقرأ أيضاً:


المصادر والمراجع

  • [1] ـ الزخرف: 84.
  • [2] ـ الاجتهاد والتقليد وسلطات الفقيه وصلاحياته: 126. للمؤلّف ـ.
  • [3] ـ البقرة: 30.
  • [4] ـ البقرة: 124.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى