ثقافة

كيف نتعامل مع الخطابات الصاعدة والنازلة؟

إنّ وعي الحضور الإلهي هو مفتاح استشعار الخطاب الإلهي، وهو مفتاح كنوز الصلاة.

 فإذا وعى الإنسان حضور الله تعالى الفعال المطلق، والذي لا يشوبه غياب… استشعر الإنسان بقوة خطاب الله تعالى (الصاعد والنازل)، واستشعار خطاب الله تعالى يشد الإنسان المؤمن بخطاب (الصلاة) و(الدعاء) و(القرآن)([1]).

فكيف نتلقى ونتعامل مع هذين الخطابين: الخطاب الصاعد والخطاب النازل، وما هي العوامل التي تشعر الإنسان بالخطاب الإلهي في (الصلاة) و(الدعاء) و(القرآن) وكيف يستشعر العبد حضور الله تعالى في الخطابين الصاعد والنازل؟.

هذه الأسئلة الإجابة عليها من أهم النقاط العملية لهذا البحث الخطير وفيما يلي نتحدث أن شاء الله عن أهم الشروط الضرورية للتعامل مع الخطاب الإلهي الصاعد والنازل:

الشرط الأول: تجريد النفس وطهارتها

لكي يتلقى الإنسان الخطاب الإلهي لابد أولاً، قبل كل شيء، من تجريد النفس، لأن الخطاب الإلهي لا ينطلق صاعداً من إناء غير طاهر ولا يحلّ نازلاً في إناء غير طاهر.

والإناء الذي يحلّ فيه الخطاب الإلهي النازل من الله، ويصعد منه الخطاب إلى الله، لابد أن يكون إناءً طاهراً، أن الإناء الطاهر يحلّ فيه خطاب الله النازل ويصدر منه الخطاب إلى الله.

وليس كل أحد يستحق هذا التكريم العظيم، ولا يناله إلا ذو حظ عظيم، وهو صعب وشاق إلا على الخاشعين.

يقول تعالى: {وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ}([2])، والنفوس غير الخاشعة لا تقبل بالصلاة على الله.

ويقول تعالى: {وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}([3])، إنّ إقامة الصلاة لا تكون إلا عند المخلصين الحنفاء.

الشرط الثاني: الحضور والذكر

كما أن (الذكر) و(الغفلة) حالتان متقابلتان، كذلك (حضور القلب) و(غياب القلب)حالتان متقابلتان، ولا نكاد أن نفهم أحدهما من دون الآخر.

والتعامل مع الخطاب الإلهي لا يكون إلا عند الذكر والحضور، ومن سوء الأدب أن يخاطب الإنسان الله أو يتلقّى خطابه، وهو شارد القلب، وغائب عن خطاب الله، فلا يدري ما يقول ولا ما يسمع وما يتلقىّ من عند الله.

والخطاب الصاعد والنازل يعمّقان في نفس المؤمن حالتين:

الحالة الأولى: شهود العبد لجمال الله تعالى وجلاله وحضوره وسلطانه.

والحالة الثانية: إيمان العبد بشهود الله لـه، لظاهره وباطنه، وسره وعلنه، وإذا لم يستشعر العبد الحالة الأولى وهي شهود جلال الله وجماله وحضوره الدائم المطلق، بقدر ما يتيسر للإنسان المحدود من الشهود، فلا بد أن يتنزل إلى الدرجة الثانية، وهي الإيمان بشهود الله تعالى لـه، لسرّه وعلنه وظاهره وباطنه، لأنها من شروط الإيمان، فان الكون محضر لله تعالى، ولا يغيب عنه سبحانه وتعالى، ولا تخفى عليه من خافية… وهو معنى الحديث الشريف >اعبد الله [خف الله] كأنك تراه وان لم تكن تراه فانه يراك<([4]).

وفي مقابل الغياب والشرود، حضور القلب، وهو حالة الانتباه والذكر والانشداد إلى الله تعالى، بخلاف حالة الغياب التي هي حالة النسيان والشرود.

وسبب الغفلة والغياب هو شرود القلب والفكر عن خطاب الله، الشرود والغفلة هما آفة الإنسان في التعامل مع الخطاب الإلهي.

والصلاة حضور عند الله، وهذا الحضور لا يتحقق بصورته الشفّافة الكاملة إلا إذا كان يساوي الغياب والانقطاع من أي شيء آخر غير الله في الصلاة… غياب كامل عن الدنيا وعن العلاقات العامة مع الناس، وعن الأسرة.

ولذلك إذا انهينا الصلاة نعود إلى دنيانا من جديد، فنسلّم ثلاث تسليمات:

السلام الأول على رسول الله2 فهو الذي علمنا هذه الرحلة من (الأنا) و(الغير) و(الدنيا) إلى الله… فنسلم عليه أولاً: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته).

ثم نسلم على أنفسنا ثانياً، فان هذا الغياب غياب عن أنفسنا أيضاً، وعن الآخرين، ونعود بعد الانتهاء من الصلاة إلى أنفسنا من جديد ونسلّم عليها (السلام علينا)، ثم نسلّم ثالثاً على الآخرين من عباد الله الصالحين (وعلى عباد الله الصالحين) ثم نعمم السلام عليهم ورحمة الله وبركاته.

ما هو الغياب عن الأنا؟

إن العروج إلى الله تعالى في الصلاة رحلة صعبة، وفي نفس الوقت شيّقة… وفي هذه الرحلة لا ينبغي أن يأخذ الإنسان معه شيئاً مما يتعلق به في هذه الدنيا من هموم هذه الدنيا وتعلقاتها، فهي تفسد عليه هذه الرحلة، ولا أن يأخذ معه (الأنا)، إن شرط هذه الرحلة أن يتجرد من (الدنيا) وفتنها، ويتجرد من (الهوى) و(الأنا)، ليخفّ إلى الله، وهذا هو معنى الغياب عن الأنا، ومعنى السلام على الأنا عند العودة من هذه الرحلة (السلام علينا).

إن العروج إلى الله تعالى في الصلاة رحلة صعبة، وفي نفس الوقت شيّقة… وفي هذه الرحلة لا ينبغي أن يأخذ الإنسان معه شيئاً مما يتعلق به في هذه الدنيا من هموم هذه الدنيا وتعلقاتها، فهي تفسد عليه هذه الرحلة، ولا أن يأخذ معه (الأنا)، إن شرط هذه الرحلة أن يتجرد من (الدنيا) وفتنها، ويتجرد من (الهوى) و(الأنا)، ليخفّ إلى الله، وهذا هو معنى الغياب عن الأنا، ومعنى السلام على الأنا عند العودة من هذه الرحلة (السلام علينا).

اقرأ أيضاً:


المصادر والمراجع

  • [1] ـ في رحاب القرآن 5: 178.
  • [2] ـ البقرة: 45.
  • [3] ـ الأعراف: 29.
  • [4] ـ في رحاب القرآن 1: 147.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى