جولة الصحافة

فورين بوليسي: أميركا تجبر لبنان على اللجوء لإيران

قالت مجلة فورين بوليسي (Foreign Policy) الأميركية إن واشنطن فشلت في فهم سبب تفشي النفوذ الإيراني في لبنان والتدابير اللازمة لوقفه، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها البلاد وتزايد احتمالات الانزلاق نحو الصراع الداخلي.

وترى المجلة أن ما عاشه لبنان من اضطرابات واغتيالات واحتلال وهشاشة اقتصادية على مدى عقود، لم يكن بالسوء الذي تشهده البلاد حاليا، حيث “لم يعد بإمكان اللبنانيين حتى أن يحلموا بغد أفضل”.

وتؤكد أن الانقسامات الطائفية اللبنانية عصية على المعالجة، حيث إن ولاء معظم اللبنانيين هو أولا وقبل كل شيء للطائفة، وهو وضع نجم عن إرث التفرقة التي ازدهرت على مدى عقود في غياب تام لأي حكومة مركزية قوية.

كما أن سياسة الضغوط القصوى التي تنتهجها واشنطن ضد إيران، وعلى حليفها حزب الله، لا تساعد بتاتا في تحسن الوضع وترتد انعكاساتها مباشرة على لبنان واللبنانيين.

فقد باتت البنوك بلا أموال، وأضحى انقطاع التيار الكهربائي في العاصمة بيروت أمرا شائعا، كما أغلقت شركات عدة أبوابها لعدم وجود زبائن، وانخفض الحد الأدنى للأجور من حوالي 450 دولارًا شهريا إلى 80 دولارا في الوقت الراهن.

ضغوط قصوى

وتؤكد المجلة أن إضعاف الدولة اللبنانية من خلال سياسة الضغوط القصوى لن يضعف حزب الله، المدجج بشتى أنواع الأسلحة والذي خرج “منتشيا” من مغامرة دامت ثماني سنوات في سوريا يراها “انتصارا عظيما”، فكلما غرقت البلاد في الفوضى، تعلق الناس أكثر بطوائفهم، وتحول قادتها إلى “حكام فعليين”.

وتضيف أن مصير لبنان “الممزق” في الأجل المنظور لن يكون اندلاع حرب أهلية بل تشتت البلاد إلى مناطق اضطرابات وعنف محلية، ففي ظل غياب الدولة، ستتحول أي سلطة قادرة على احتواء الفوضى إلى سلطة الشعب المفضلة.

في الوقت ذاته، ستصب الأوضاع الحالية في مصلحة إيران التي ستعزز قوتها في الداخل اللبناني بوصفها “منقذ الطائفة الشيعية”، وكلما استمر أمد الأزمة ازداد احتمال أن تتحول لبنان فعليا إلى “دولة تابعة” للجمهورية الإسلامية.

وقد عرضت طهران فعليا بيع النفط والبنزين للحكومة اللبنانية بالليرة المحلية -مما يخفف على الحكومة اللبنانية عبء تهاوي سعر العملة- كما تعهدت في عدة مناسبات، بأنها “رهن إشارة” السلطات اللبنانية لتزويد البلاد بحاجياتها من الكهرباء.

وتؤكد فورين بوليسي أن الولايات المتحدة كلما زادت ضغوطها على لبنان، أتاحت فرصا أكبر لإيران لممارسة سلطتها والتأثير على دولة في طور التفكك، الأمر الذي لن يتم بالضرورة عن طريق الحكومة الإيرانية، بل من خلال حزب الله الذي تعهد “ألا يترك لبنان يموت جوعا”.

ويبدو أن هذا الأمر بدأ فعليا يثير القلق في واشنطن، حيث أدلى وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو قبل أيام بتصريحات في السياق ذاته بشأن منع إيران من بيع النفط للبنان.

لكن مع تحول لبنان بشكل متسارع إلى دولة فاشلة، باتت فكرة إنشاء اقتصاد موازٍ لهذا البلد الخاضع للعقوبات تكتسب زخما، كما أن طهران يغريها هذا الخيار رغم ما تعانيه من صعوبات اقتصادية.

خيارات واشنطن

وترى المجلة أن إيران وحزب الله كليهما أصبح لهما دور محوري في التفكير الجمعي لدى شيعة لبنان بشأن الصراع الطائفي بالمنطقة، لذلك من غير المرجح أن تتمكن واشنطن من كبح نفوذ طهران، حيث لم تنجح محاولات سابقة لتمكين المجتمع المدني الشيعي، كما أن خيار الحرب لا يمكن أن يخلق واقعا جديدا دون إغراق البلاد في ما هو أسوأ.

لكن برغم ذلك هناك خيارات قد تسهم في احتواء النفوذ الإيراني المتزايد، حيث بإمكان مقاربة أميركية مختلفة بشأن معالجة الصراع العربي الإسرائيلي أن تساعد، كما أن صفقة جديدة بشأن ملف إيران النووي قد تنقذ لبنان وتحدث انفراجا في علاقات واشنطن وطهران مستقبلا.

وتختم المجلة بأنه لا يجب التضييق على لبنان وخنقه من خلال حملات الضغط التي لن تزيد شيعة لبنان إلا تمسكاً بحزب الله، ومثلهم في ذلك السنة والدروز والمسيحيون.

كما أن هذا النهج سيغري الجميع لاختيار السبيل الأسهل وهو الهروب وترك لبنان يسقط في براثن المجهول، لكن الدولة اللبنانية -وعلى عكس الأفراد- لا يمكنها الهروب من نفسها.

المصدر
فورين بوليسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى