أدب المقاومة

أبوكم أبو لهب

أبوكمُ أبو لهبْ يا أمة العَرَبْ *** وأمكم معروفةٌ حمالةُ الحطبْ
قد كُشِفَ الغطاءْ بيومِ كربلاءْ *** فقتلُ عبد اللهِ قد فَضَحَ العَرَبْ
بُطولةٌ مَهِيبةٌ بمسرحِ الخيالْ *** رجولةٌ ينقصها شَهامة الرِجالْ
و قادةٌ من الزُهى لا تطأُ الرِمَال *** لها افتخارٌ لو مشى من فوقها النعالْ
عُروبةٌ لَكِنها لَكْنى بِلا مَقالْ *** يَكْتُبُ عَنْها أَعْجمٌ من طينةِ البِغَالْ
فوارسٌ إذا انتشى مُعْتَرَكَ القتال *** دعت رضيعَ أُمهِ هيا إلى النزالْ
و اقتحمت خِدْرَ النسا و خيمةَ العيالْ *** و حققت بذلك نصراً على الضلالْ
فرمحكم منتصرٌ على الخبا المنيعْ *** و سَهْمُكم مُنتصرٌ بمنحر الرضيع
و يوم ضَرْبِكُم بنت نبيكمْ *** كتبتم نَصْركمُ بالنارِ و الحطبْ
وَلِيِّكُمْ بفرضهِ يُرَتِلُ الكتابْ *** و شِمْركم بكربلا يُجزِرُ الرِقابْ
و سَوْطكم بكربلا قد ضَرَبَ الرباب *** فأيْنَهُ إِسْلامَكُم يا أُمَةَ الصَحَابْ
صاحبكم على عليٍّ أَحْدَثَ انقلابْ *** ثم دعا يا قومنا سبوا أَبا ترابْ
أَابنِ سَعدْ منكم أم أنَّه انتسابْ *** أما روى له البخاري أقدسَ الخطابْ
عاش ابن سَعْدٍ عندكم عدلاً بلا ارتيابْ *** برغم قتلِ ابن النبيِّ سيدِ الشبابْ
الله اكبر هل بقى قولٌ لمن يقولْ *** قاتلُ ابن المصطفى عَدَّوْهُ بالعدولْ
قد كان بي غليلْ بذمِكُم أُطِيلْ *** و حبكم لابن سعدٍ أوجزَ الطَلبْ
سلطانكم منزهٌ تَجَاوزَ الِحسابْ *** فشرعه ممجدٌ لا سِجنَ لا عذابْ
أحزابكم كَمْ سَلَبَتْ من حُرةِ النِقابْ *** فانتصرت أُطْرُوحةَ السفرِ على الحجابْ
يا أمةً ما وَجَدتْ لعزها مآبْ *** على حياها المُنتهي قد نَعِبَ الغَراب
يزيدكم على الرؤوس يسكب الشرابْ *** وليدكُم بسهمه قد مزقَ الكتابْ
مولاتكم ثعالبٌ قد أنجبت ذئاب *** و صدقكم معلقٌ بحلقةِ السرابْ
قد كنتم بقولكم و الفعلِ صادقين *** لكن تلك مَرَةً لتقتلوا الحسينْ
و تدخلوا الخباءْ و تَسْلِبوا النساءْ *** وتضربوا حورائنا لتغنموا السَلَبْ
صلى بكم معاوية الجمعة أَرْبِعاءْ *** أهكذا سَطَىْ على العُروبةِ الغَبَاءْ
عَلَمَها حاكمها بكل كبرياءْ *** أنَّ النساءَ كُلَها بحضرتي إِمَّاءْ
و الدمُ لو لامسهُ كفي يصيرُ ماءْ *** قد كَتَبَ اللهُ لمن يعارضُ الشقاءْ
فالظلمُ في حقِّ عدوي حكمت القضاءْ *** لأنني مُمَلَكٌ مِنْ قَدَرِ السَّماءْ
ففسروا به غباءً آية الولاءْ *** و من هنا قد قَصموا ظهورَ الأنبياءْ
إذا جعلوا طاغيةً مُحَكِماً هَوَاهْ *** يَحْمِلُ رُغْمَ ظُلْمِهِ شَرْعِية الإلهْ
فإن أتى الفسادْ فالله قَد أراد *** ولِيُّنا من الإله سُلِم َاللَقَبْ
أترهبون عُزلاً بأزةِ الرَصاصْ *** عورتكم مكشوفةٌ للحربِ للخَلاصْ
قد عفَّ عنها سيَفْنا و اسْتَرَقَ ابنُ عَاصْ *** حياته بأُستهِ و حينَ لا مَنَاصْ
علمكم صاحِبكم في أُحدِ المَفَاصْ *** حاقها لما حميت من القِرى عِفَاص
تاريخكم ملوثٌ بألفِ انتقاصْ *** و صدقكم بِجُبْنِكُم و الوثبةُ الفِصَاصْ
قد سكنتْ أنَّاتُكُمْ و عمرو بالعراصْ *** حتى أتاه حيدرٌ و قلبه إِدِّلاصْ
فأينه إيمانكم بجنة ِالنعيمْ *** آمنتموا أنَّ ابن ودٍ حربه جحيم
و خُفْتُم الَهلاك مُذْ طَلَبَ العِرَاكْ *** و بعدها سُمِيتُموا طوارقَ الغَضَبْ
تقدمت سيوفكم بشورةَ السَّقوفْ *** و يوم أُحدٍ ما لها فَرَتْ مِنَ الحُتُوفْ
عذراً فشيخُ عزكم عن الوغى عَزُوفْ *** و كان خلفَ المصطفى يفضلُ الوقوف
بحيدرٍ كان اللواءُ يذرعُ الصفوف *** بحيدرٍ كان الفقارُ يَلْهمُ السيوفْ
الدينُ كان بيتهِ وكنتم الضيوف *** و من صباهُ المصطفى بحبه شغوفْ
تُرى أفيكم صَمَمٌ مِنْ دقةِ الدفوف *** أم عَمِيّتْ يومَ الغديرِ أَعْيُنُ الألوف
ألم يكونوا عَرباً حَواضِرَ الغديرْ *** و رددوا مع النبيِِّ حيدرُ الأميرْ
خذلتمُ الأمم يا عرب التُهَمْ *** و قلتم من قال بالوصيةِ كَذَبْ
هذا حديثٌ مُرْسَلٌ مِنْ سيدِ الأنامْ *** إليكم يا عربَ الضجيجِ و الكلامْ
لظالمينَ عترتيْ الجنةُ حَرَامْ *** لغاصبينَ بضعتيْ لا يغفرُ السلامْ
فمن تُرى قد ذبحَ الأطائبَ الكِرامْ *** و من سَبى نِسائهم و احْرَقَ الخِيامْ
أهو أَنُوْشَرْوَّانَ أَمْ فَصِيلهُ العُجامْ *** أم حزبَ ماسونٍَ أتى يقوده الحاخام
أقولها ملتزماً بأصدقِ التزامْ *** الظلمُ كان أصلهُ سقيفةَ الظَلام
سقيفةَ العروبةِ و مَجْمَعُ الفِتَنْ *** قد مزقت سهامها جنازةَ الحسنْ
و منحر الحسين و قطعت يدينْ *** لمن أراد أن يرويْ عاطشاً سَغَبْ
قبل النبيِّ كنتم نواعقاً رُعاعْ *** خَوادعاً مَوانعاً نوازعاً رُواعْ
النهبُ و السلبُ بكم شريعة تُطاعْ *** و عِرْضكم غَنيمةٌ لفارسِ النِزاعْ
لولا زواحفُ الفلا َلِمتمُ جِيَّاعْ *** وكمْ لكم مَعَ الجزورِ خَوْضَتُ الكِراعْ
فأيُّ شيءٍ ترغبونَ سِرهُ يُذاعْ *** و أي شيءٍ لو أشيعَ مَجْدُكُم يُشاعْ
أذبْحُكمْ آل النبيِّ في ثرى البِقاعْ *** أم سوقكم بناته حسرى بلا قِناعْ
لولا النبي صاعكم يبقى بغير صاعْ *** لولا النبي أنتمُ صفرٌ على الرِقاع
ثم الجزاءَ تكسرون أَضْلُعَ البتولْ *** و تَسْحَقونَ سِبْطَه بِحافرِ الخيولْ
كأنه أَساءْ يا عربَ الجفاءْ *** وَتبْغَضون مذهباَ بآلِهِ إعْتَصَبْ
طفلُ الحسينِ ميتاً يا عربَ الرَشادْ *** ملقىً على صدرِ أبيه في لَظى الوِهادْ
بدرٌ له شمسُ الهُدى على الثرى وِسادْ *** و النورُ في وجْنتِهِ كوَقْدَة الزِنادْ
هذا عيونُ المصطفى لا بلْ هوَ الفؤادَ *** و تقطعونَ رأْسَه ُلتكرموا زِيادْ
فما لهذا الطفلُ يا عصابةَ الفَسادْ *** تُراه قد جالَدَكُم بِحْومَةِ الحِدَادْ
ثلاثَ ما ذاقَ الكَرَى ظَمْآنَ في سُهادْ *** دعوهُ بعد مَوتهِ ليَطْعَمَ الرُقادْ
لكن سَيْفَ حِقْدِكُم كأصْلِكُم وَضِيعْ *** لا يرتوي إلا بِحَزِ مَنْحَرِ الرَّضِيعْ
فأصْلكُم مُخيفْ و رأْيِكم سَخيفْ *** لكنَ صوتَ فَخْرِكم يُسَجِلُ الغَلَبْ
شعوبَكم تَبْني لَكُم بالعزةِ وُجُودْ *** فحرروها إن أَرَدتم في الورى صعودْ
فَظِلْمُكُم شعوبَكم عليكم يَعودْ *** قد سلَطَ الله عليكم لعنةَ اليهودْ
مَدُوا لرحمِ أمكم مساحةَ الِحدودْ *** فما رأت مغيثها و كلكم شُهودْ
و اثبتوا أن لكم عُروبةٌ شَرودْ *** و إنّ وامعتصماهُ كِذْبَتُ الِجدودْ
قد مَسَخوكمْ قِطَطاً بصورةِ الأُسودْ *** زَئِيرُها مُرتفعٌ لَهَزةِ النهودْ
أيّا عُروبةَ الَهوى إلى متى الغُرورْ *** إلى متى عَدَائَكُم للمصطفى الطَهُورْ
و عترةِ الكتابْ وخِيرةِ الصَحابْ *** إلى متى تَقُودُكم أُميةَ الطَرَبْ
عَلَمَكُمْ حَرْمَلَةٌ قَواعِدَ النِزَالْ *** عَلَمَكُم أن تبدؤوا في الحربِ بالعيالْ
عَلمكم قِتالَ مَنْ لَمْ يَبْدأ الفِصَالْ *** فَجِئْتم أَشْجَعَ أهلَ الأرضِ في القِتالْ
أَتَنْكِرُونَ فِعْلَهُ و كَمْ لَكُمْ فِعَالْ *** زادَتْ على فِعالهِ بخستِ الفِعالْ
كم ثائرٍ مُناضِل بِمَنْطِقِ الَجَلالْ *** جِئتمْ بعرْضِ أمه ليِْترُكَ النِضالْ
فكلكم يا عربٌ لكاهلٍ رجالْ *** قد أَوْرَثتْكُمْ حِقْدها و جُعْبَةَ النِصالْ
فلا تقولوا إنَّكم مِنْ فِعْلِها بُرَاءْ *** كيفَ وذا صاحِبُكُم أَبادَ كَرْبلاءْ
و ضَمَّخَ الصغير و ما بكم نَكيرْ *** و كان كل هَمِكُم أَنْ يَسْلَمَ الذَهَبْ


الشاعر غازي الحداد | ديوان الحزن المعشوق

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى