ثقافة

جحود الإنسان وكفره

جحود الإنسان وكفره

ولنتأمل الان في الطرف الثاني من هذه العلاقة في مقابلة الإنسان لنعم الله تعالى. فقد رأينا كيف يسبغ الله تعالى نعمه على الإنسان اسباغا وكيف تشملهم رحمة الله تعالى في الدنيا والاخرة… وان ما يثير العجب حقاً اننا نرى الإنسان ـ نوع الإنسان الا من خرج باستثناء ـ يواجه هذه النعم الالهية بالنكران والكفران والجحود والاعراض ومحاربة الله ومشاقة الله عن وعي وعلم وارادة: {قُتِلَ الإنسان ما أكْفَرَهُ}[1]

واليك الان هذه الطائفة من الايات التي تبين طبيعة علاقة الإنسان بالله، وطبيعة المقابلة التي يقابل بها الإنسان نعم الله وفضله ورحمته، وقد استخرجنا من كتاب الله اربعين عنوانا في علاقة الإنسان بالله تعالى نذكرها فيما يلي من دون تعليق او شرح:

1ـ الاستخفاف بايات الله: {وَإذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إن هذا إلاّ أساطيرُ الأْوَّلينَ}[2].

2ـ الاستكبار على الله: {وَالَّذينَ كَذَّبُوا بِاياتِنا وَاسْتَكْبرُوا عَنْها اُولئِكَ اَصْحابُ النّار}[3].

{إنَّ الَّذينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحَ لَهُمْ أبْوابُ السَّماء}[4].

{فَإنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذينَ عِنْدَ رَبَّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِالليْلِ وَالنَّهارِ}[5].

3ـ الاستنكاف عن عبادة الله: {وَأمَّا الَّذينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبْهُمْ عَذاباً أليماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ الله وَلياً وَلا نَصيراً}[6].

4ـ الاستهزاء بآيات الله: {وَإذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهينٌ}[7].

{وَلَقَدْ أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ في شِيعَ الأْوَّلينَ وَما يَأْتيهِمْ مِنْ رَسُول إلاّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ}[8].

5ـ اسخاط الله: {ذلِكَ بَأَنَّهُمْ اتَّبَعُوا ما أسْخَطَ اللهَ وَكَرِهُوا رِضوانَهُ فَأحْبَطَ أعْمالَهُمْ}[9].

6ـ الاصرار على الباطل في معصية الله: {يَسْمَعُ آياتِ الله تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأن لَمْ يَسْمَعها}[10].

7ـ الاضلال عن طريق الله: {وَجَعَلَ لله أنْداداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبيلِهِ}[11].

8ـ الاعراض عن الله: {وَما تَأتيهِمْ مِنْ اياتِ رَبِّهِمْ إلاّ كانُوا عَنْها مُعْرِضينَ}[12].

9ـ الافتراء على الله: {وَمَنْ أظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرى عَلَى الله كَذِباً أُولئكَ يُعْرِضُونَ على رَبِّهُمْ وَيَقُولُ الأْشهادُ هؤُلاءِ الَّذينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ ألا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظّالِمينَ}[13].

10ـ الإلحاد بالله: {إنَّ الَّذينَ يُلْحِدونَ في اياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا}[14].

11ـ البخل على الله: {ها أنْتُم هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا في سبيلِ الله فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَل فَإنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَالله الْغَنىُّ وَأنْتُمْ الْفُقَراء}[15].

12ـ التعجيز في ايات الله: {وَالَّذينَ يَسعونَ في اياتنا مُعاجِزينَ أُولئِكَ في الْعَذابِ مُحْضَرُونَ}[16].

13ـ التكذيب لله ولاوليائه: {ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذينَ أساؤُا السُّوآى أنْ كَذَّبُوا بِاياتِ الله وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُونَ}[17].

14ـ الجحود بالله: {فَإنَّهُمْ لا يُكَذِّبُوك وَلكِنَّ الظّالِمينَ بِاياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ}[18].

15ـ الجدال في ايات الله: {وَمِنَ النّاسِ مَنْ يُجادِلُ في الله بِغَيْرِ عِلْم وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطان مَريد}[19].

{وَمِنَ النّاسِ مَنْ يُجادِلُ في الله بِغَيْرِ عِلْم وَلا كِتاب مُنير}[20].

16ـ الخصومة مع الله: {أَوَلَمْ يَرَ الإنسان أنّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَة فَإذا هُوَ خَصيمٌ مُبينٌ}[21].

17ـ الشرك بالله: {وَمَنْ يُشْرِك بِالله فَقَدِ افْتَرى إثْماً عَظيماً}[22]. {وَمَنْ يُشْرِك بِالله فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعيداً}[23].

18ـ الصد عن الله وسبيله: {إنَّ الَّذينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سبيلِ الله فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذينَ كَفَرُوا إلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ}[24].

19ـ الصدوف عن الله: {اُنْظُرْ كَيْفَ نُصرّف الاْياتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ}[25].

20ـ الطغيان على الله: {كَلاّ إنَّ الإنسان لَيَطْغى اَنْ رَآهُ اسْتَغْنى}[26].

{وَلَوْرَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا في طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ}[27].

21ـ عبادة الله على حرف: {وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَعْبُدُ الله عَلى حَرْف فَإنْ أصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإنْ أصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالاْخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبينُ}[28].

22ـ العدول عن الله: {ألْحَمْدُ لله الَّذي خَلَقَ السَّماواتِ وَالأْرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ}[29].

23ـ الغفلة عن الله: {وَالَّذينَ هُمْ عَنْ اياتِنا غافِلُونَ، أُولئكَ مَأْواهُمْ النّارُ}[30]. {وإنَّ كثيراً مِنَ النّاسِ عَنْ اياتِنا لَغافِلُونَ}[31].

24ـ قطع ما امر الله به ان يوصل: {وَالَّذينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ الله مِنْ بَعْدِ ميثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أمَرَ الله بِهِ أنْ يُوْصَلَ وَيُفْسِدُونَ في الأْرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدّار}[32].

25ـ الكذب على الله: {ثُمَّ كانَ عاقِبَةُ الَّذينَ أساؤُا السُّوآى أنْ كَذَّبُوا بِاياتِ الله وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُونَ}[33].

{ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا في الاُمِّيّينَ سَبيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى الله الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}[34].

{وَإنَّ مِنْهُمْ لَفَريقاً يَلوُونَ ألْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ الله وما هُوَ مِنْ عِنْدِ الله}[35].

26ـ الكفر بالله: {قُتِلَ الإنسان ما أكْفَرَهُ، مِنْ أىِّ شَىْء خَلَقَهُ، مِنْ نُطْفَة خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ}[36].

27ـ الكفران بنعم الله: {وَمَنْ شَكَرَ فَإنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإنَّ رَبّي غَنِىٌّ كَريمٌ}[37].

{وَمَنْ يَشْكُرْ فَإنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإنَّ الله غَنيٌّ حَميدٌ}[38].

{فَكَفَرَتْ بِأنْعُمِ الله فَأذاقَهَا الله لِباسَ الْجُوْعِ}[39].

28ـ الكنود بنعم الله: {إنَّ الإنسان لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ، وَإنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهيدٌ، وَإنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَديدٌ}[40].

29ـ اللجاج في الله: {وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا مابِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا في طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ}[41].

30ـ المجادلة في ايات الله والاستهانة بعهد الله وآياته وشراؤه بثمن بخس: {إنَّ الَّذينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ الله وَأيْمانِهِمْ ثَمَناً قَليلا أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ في الاْخِرَةِ}[42].

{إشْتَرَوا بِاياتِ الله ثمناً قَليلا فَصَدُّوا عَنْ سَبيلِهِ}[43].

31ـ المحاجة في الله: {وَالَّذينَ يُحاجُّونَ في الله مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذابٌ شَديدٌ}[44].

32ـ محاربة الله: {وَالَّذينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتفْريقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنينَ وَإرْصاداً لِمَنْ حارَبَ الله وَرَسُولَهُ}[45].

{إنَّما جَزاؤا الَّذينَ يُحارِبُونَ الله وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ في الأْرْضِ فَساداً أنْ يُقَتَّلُوا}[46].

33ـ محاددة الله: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أنَّهُ مَنْ يُحادِدِ الله وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَه نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فيها}[47].

{إنَّ الَّذينَ يُحادُّونَ الله وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَما كُبِتَ الذين مِنْ قَبْلِهِمْ}[48].

{إنَّ الَّذينَ يُحادُونَ الله وَرَسُولَهُ أُولئِكَ في الأذَلّينَ}[49].

34ـ مشاقة الله:ـ {ذلِكَ بأنَّهُمْ شاقُوا اللهَ ورَسُولَهُ وَمَنْ يُشاقِقِ الله وَرَسُولَهُ فَإنَّ الله شَديدُ العِقابِ}

{ذلِكَ بِأنَّهُمْ شاقُوا الله وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشاقِ الله فإنَّ الله شَديدُ العِقابِ}

35ـ معصية الله:ـ {فَكَذَّبَ وَعَصى ثُمَّ أدْبَرَ يَسْعى}

{قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا واُشْربُوا في قُلُوبِهِمْ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ}

36ـ المكر في آيات الله:ـ {وَمَكَرُوا وَمَكَرْ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرينَ}

{وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ}

{وَإذْ يَمْكُرُ بِكَ الذَّينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أوْ يَقْتُلُوكَ أوْ يُخْرِجُوكَ}

{وَإذا أذَقْنَا النّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرّاءَ مَسَّتْهُمْ إذا لَهُمْ مَكْرٌ في آياتِنا}

37ـ نسيان الله وذكره:ـ {نَسُوا اللهَ فَنَسِيهُمْ إنَّ الْمُنافِقينَ هُمُ الْفاسِقُونَ}

{قالَ كَذلِكَ اَتَتْكَ اياتُنا فَنَسيتها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى}[50].

{إسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأنْساهُمْ ذِكْرَ اللهِ}[51].

38ـ نقض عهد الله وميثاقه: {وَالَّذينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ الله مِنْ بَعْدِ ميثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أمَرَ الله بِهِ أَنْ يُوْصلَ وَيُفْسِدُونَ في الأْرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدّارِ}[52].

39ـ هجر كتاب الله: {وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبّ إنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذا الْقُرْانَ مَهْجوراً}[53].

40ـ اليأس من رحمة الله: {وَإذا أنْعَمْنا عَلَى الإنسان اَعْرَضَ وَنَئا بِجانِبِهِ وَإذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً}[54].

بؤس الإنسان

تلك هي علاقة الإنسان بالله: جحود واعراض، وصدود وعصيان وافساد وظلم.

وعندما نقابل هذه العلاقة بعلاقة الله تعالى بعباده والتي قوامها الرحمة والرأفة والحب والحلم والعفو تتجلى الحقيقة المحزنة الكبرى في حياة هذا الإنسان وبؤس الإنسان وشقاؤه.

انه يتعامل مع الحب بالبغضاء، ومع الرحمة والرأفة بالمحاربة والمشاققة والمحاددة، ومع دعوة الله لعباده بالصدود والاعراض، ومع اقبال الله تعالى على عباده بالكفر والجحود.

لقد خلقه الله تعالى في احسن تقويم فيسقط في اسفل سافلين بما يجر الى نفسه من الكفر والجحود.

وانها لنتيجة مفجعة ان ينتهي هذا الإنسان الا الذين امنوا وعملوا الصالحات الى اسفل سافلين بعد هذا التكريم والتقويم الالهي.

واننا لنقرأ هذه السورة المباركة من السور القصار في القرآن فنشعر بنبرة الحزن ووقعها الحزين للعاقبة المفجعة التي ينتهي اليها الإنسان من السقوط في اسفل سافلين بعد ان اعده الله تعالى لأعلى عليين.

{وَالتّينِ والزَّيْتُونِ وَطُورِ سينينَ وَهذا الْبَلَدِ الأْمينِ لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان في أحسَنِ تَقْويم ثُمَّ رَدَدْناهُ اَسْفَلَ سافِلينَ إلاّ الَّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ فَلَهُمْ اَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُون}[55].

ومن اول ما نزل من القرآن او اوائل ما نزل من القرآن نلتقي هذه الصورة القرآنية في سورة العلق عن المنشأ الوضيع للانسان ثم ما اكرم الله تعالى به الإنسان من العلم بما لم يعلم ثم عاقبة هذا الإنسان الوضيع بعد هذا التكريم الالهي من الغرور والطيش والطغيان.

{إقْرَأ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذي خَلَقَ، خَلَقَ الإنسان مِنْ عَلَق، إقْرأْ وَرَبُّكَ الأْكْرَمُ، الَّذي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الإنسان ما لَمْ يَعْلَمْ، كَلاّ إنَّ الإنسان لَيَطْغى، أنْ رَآهُ اسْتَغْنى، إنَّ إلى رَبِّكَ الرُّجْعى}[56].

المشهد الاخير لهذه العاقبة المفجعة

ولنقرأ في القرآن المشهد الاخير لهذه العاقبة الحزينة والمفجعة للانسان… وما احرى بنا ان نتأمل في آيات القرآن في وسط هذه الغفلة والغرور الذي يكتنفنا من كل جانب لعل الله ان يجلي عن قلوبنا هذه الغفلة.

وان الإنسان لفي غفلته وطيشه وساعة الحساب منه رويدا وهو لا يشعر بها حتى تحل به. {إقْتَرَبَ لِلنّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ في غَفْلَة مُعْرِضُونَ}[57].

فيقف الإنسان بعد هذه الغفلة الطويلة والنكران الطويل لنعم الله وفضله موقف السؤال عن نعم الله تعالى عليه وعن مقابلته لنعم الله: {وَقِفُوهُمْ إنَّهُمْ مَسئُولُونَ}[58].

{ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذ عَنِ النَّعيمِ}[59].

هناك ينبؤهم الله تعالى بطيشهم وغرورهم وكفرهم وعصيانهم في الدنيا وقد نسوه واحصاه الله حسابا دقيقا {فَيُنَبِّؤُهُمْ بِما عَمِلُوا أحْصاهُ اللهُ وَنَسُوهُ}[60].

واي موقف عسير هذا الموقف امام ركام من السيئات تراكمت على الإنسان بمرور الزمن وهو في غفلته وقد نساها ولكن الله تعالى لم ينسها وقد احصاها دقيقا ليواجهه بها. وهنالك تشهد عليهم جوارحهم واعضاؤهم حيث تسكت السنتهم فلا يملكون جوابا ولا ردا ولا فرارا من ذنوبهم وسيئاتهم. {حَتّى إذا ما جاءُوها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ، وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أنْطَقَنَا الله الَّذي أنْطَقَ كُلَّ شَيْء وَهُوَ خَلَقَكُمْ أوَّلَ مَرَّة وَإلَيْهِ تُرْجِعُونَ، وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أنَّ الله لا يَعْلَمُ كَثيراً مِمّا تَعْمَلُونَ، وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أرْداكُمْ فَأصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرينَ}[61].

هنالك يعرضون على الله تعالى عرضا لا تخفى على الله منهم يومئذ خافية {يُوْمَئِد تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ}[62].

ويا له من موقف فاضح ومخزي ان يعرض الإنسان يومئذ على الله وعلى الشهداء من الانبياء، وعلى الناس لا تخفى منه عليهم خافية.

فيعرض عليهم كتاب اعمالهم حافلا بكل سيئاتهم لا يكاد يغادر صغيرة من اعمالهم ولا كبيرة. {وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الُْمجْرِمينَ مُشْفِقينَ مِمّا فيهِ وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا مالِ هذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغيرَةً وَلا كَبيرةً إلاّ أحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أحَداً}[63].

واعظم ما في هذا الموقف الرهيب هو ان يتجسد للانسان عمله في الدنيا امامه في صورة محسوسة مرئية ويحضر اليه عمله فلا يمكن ان ينفيه ولا يمكن ان يتحرر منه ولا يمكن ان ينكره {وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً}.

{وَإذا الصُّحُفُ نُشِرَتْ عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أحْضَرَتْ}[64].

انه يحضر عمله معه نفسه يومئذ {عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأخَّرَتْ}[65].

{يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْس ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْر مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوء تَوَدُّ لوْ أنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أمْداً بَعيداً}[66]. يومئذ يحضر الإنسان اعماله فلا يتمكن ان يتخلص منها يود لو ان بينه وبينها امدا بعيدا ولكنه لا يكون، عندئذ ويا لهول هذا الموقف الرهيب يأتي امر الله تعالى مالك يوم الدين بالقبض على المجرم وإلقائه في جهنم: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ، ثُمَّ الجَحيمَ صُلُّوهُ، ثُمَّ في سِلْسِلَة ذرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ، إنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِالله الْعَظيمِ، وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكينِ، فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ ههُنا حَميمٌ، وَلا طَعامٌ إلاّ مِنْ غِسْليْنَ، لا يَأكُلُه إلاّ الْخاطِئُونَ}[67].

وان الإنسان ليتصور هذا الامر الالهي الرهيب في المجرمين {خُذُوْهُ فَغُلُّوهُ} فيتراءى له ان كل شيء في ذلك الموقف الرهيب يتسابق ويبادر لالقاء القبض على المجرمين، وان ملائكة غلاظا شدادا يبادرون ايهم قبل الاخر لتنفيذ حكم الله القهار على اولئك المجرمين الذين قابلوا نعم الله تعالى في الدنيا بالكفر والجحود. فتسوق الملائكة يومئذ المجرمين زمرا الى النار: {وَسيقَ الَّذينَ كَفَرُوا إلى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتّى إذا جاءوها فُتِحَتْ أبْوابُها وَقال لَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ اياتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا بَلى وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرينَ، قيلَ ادْخُلُوا أبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدينَ فيها فَبِئْسَ مَثْوىَ الْمُتَكَبِّرينَ}[68].

وما اشقى الذين حقت عليهم كلمة العذاب يومئذ وقيل لهم ادخلوا جهنم خالدين فيها، وهنالك في جهنم: انكال وعذاب وظلل من النار اعاذنا الله منها: {إنَّ لَدَيْنا أنْكالا وَجَحيماً وَطَعاماً ذا غُصَّة وَعَذاباً أليماً}[69].

{لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذلِكَ يُخَوَّفُ الله بِهِ عِبادَهُ يا عِبادِ فَاتَّقُونِ}[70].

تلك نهاية هذه المسيرة المحزنة والمفجعة. ان الإنسان ليقرأ هذه المسيرة الحزينة للانسان من يوم خلقه الله تعالى فاكرمه، واستخلفه وباهى به ملائكته، وانعم عليه وفضله على كثير مما خلق، وفتح له ابواب رحمته وهدايته، فواجه الإنسان كل هذه الرحمة والفضل والجميل بالنكران والجحود والكفر والاعراض عن علم ووعي وارادة… الى ان ينتهي الإنسان الى السقوط في اسفل سافلين في جهنم.

واقول ان الإنسان ليقرأ هذه المسيرة المفجعة في القرآن فيتملكه حزن عميق على هذا الإنسان وعلى تفريطه في الله تعالى، وحسرة على ما يؤول اليه امر هذا الإنسان وما احسن قول هذا القائل: (والله ما اصبح اليوم عبد يتلو هذا القرآن يؤمن به إلاّ كثر حزنه وقل فرحه، وكثر بكاؤه وقل ضحكه، وكثر نصبه وشغله وقلت راحته وبطالته)[71].

{فَلْيَضْحَكُوا قَليلا وَلْيَبْكُوا كَثيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ}[72].

الهوامش والمصادر

  • [1] ـ عبس: 17.
  • [2] ـ الأنفال: 31.
  • [3] ـ الأعراف: 36.
  • [4] ـ الأعراف: 40.
  • [5] ـ فصلّت: 38.
  • [6] ـ النساء: 173.
  • [7] ـ الجاثية: 9.
  • [8] ـ الحجر: 10 ـ 11.
  • [9] ـ محمد: 28.
  • [10] ـ الجاثية: 8.
  • [11] ـ الزّمر: 8.
  • [12] ـ الأنعام: 4.
  • [13] ـ هود: 18.
  • [14] ـ فصلّت: 40.
  • [15] ـ محمّد: 38.
  • [16] ـ سبأ: 38.
  • [17] ـ الرّوم: 10.
  • [18] ـ الأنعام: 33.
  • [19] ـ الحجّ: 3.
  • [20] ـ الحج: 8.
  • [21] ـ يس: 77.
  • [22] ـ النّساء: 48.
  • [23] ـ النّساء: 116.
  • [24] ـ الأنفال: 36.
  • [25] ـ الأنعام: 46.
  • [26] ـ العلق: 6 و7.
  • [27] ـ المؤمنون: 75.
  • [28] ـ الحجّ: 11.
  • [29] ـ الأنعام: 1.
  • [30] ـ يونس: 7 ـ 8.
  • [31] ـ يونس: 92.
  • [32] ـ الرّعد: 25.
  • [33] ـ الرّوم: 10.
  • [34] ـ آل عمران: 75.
  • [35] ـ آل عمران: 78.
  • [36] ـ عبس: 17ـ 18.
  • [37] ـ النمل: 40.
  • [38] ـ لقمان: 12.
  • [39] ـ النّحل: 112.
  • [40] ـ العاديات: 6 ـ 8.
  • [41] ـ المؤمنون: 75.
  • [42] ـ آل عمران: 77.
  • [43] ـ التوبة: 9.
  • [44] ـ الشورى: 16.
  • [45] ـ التوبة: 107.
  • [46] ـ المائدة: 33.
  • [47] ـ التوبة: 63.
  • [48] ـ المجادلة: 5.
  • [49] ـ المجادلة: 20.
  • [50] ـ طه: 126.
  • [51] ـ المجادلة: 19.
  • [52] ـ الرّعد: 25.
  • [53] ـ الفرقان: 30.
  • [54] ـ الاسراء: 83.
  • [55] ـ التّين: 1 ـ 6.
  • [56] ـ العلق: 1 ـ 8.
  • [57] ـ الأنبياء: 1.
  • [58] ـ الصّافات: 24.
  • [59] ـ التكاثر: 8.
  • [60] ـ المجادلة: 6.
  • [61] ـ فصّلت: 20 ـ23.
  • [62] ـ الحاقّة: 18.
  • [63] ـ الكهف: 49.
  • [64] ـ التكوير: 10 ـ14.
  • [65] ـ الانفطار: 5.
  • [66] ـ آل عمران: 30.
  • [67] ـ الحاقّة: 30 ـ37.
  • [68] ـ الزّمر: 71 ـ72.
  • [69] ـ المزمل: 12 ـ13.
  • [70] ـ الزّمر: 16.
  • [71] ـ المحجة البيضاء: 2/244.
  • [72] ـ التوبة: 82.
تحميل الفيديو
الشيخ آية الله محمد مهدي الآصفي
المصدر
كتاب في رحاب القرآن 1 (وعي القرآن)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى