ربعي الشباب
ربعي الشبابِ أغرَ قلبي المُولعا *** فهوى على إثرِ الحِسانِ مودعا
يهدي إلى حَذق ِ الرئامِ فؤادهُ *** ليأخُذ من ليلِ العُيونِ تَمزعا
أيُ الفحولِ إذا رنتهُ خريدةٌ *** ممشوقةَ الجنبينِ يَرجعُ قانعا
أي القلوبِ إذا تدنفَ بالهوى *** يمنعهُ صبرَ النفسِ أن يتوجعا
من ذا الذي ملكَ الوسامةَ والصِبا *** والوصلُ دونَ مُراقبٍ فتمنعا
أ غرامُ نفس لا أراكَ مفارقي *** حتى اَصُبَ لك الحشا مُتقطعا
قاتلتني والعَزمُ عندي مُشْرَعٌ *** فقتلتني بنُماً فَكُنتَ الاشرعا
ماذا أقول و حِسُ لفظي ينزوي *** فَيصيرُ عِندَ لِحاظها متضرعا
هي مُهجتي و صبابتي و محبتي *** هيهات أن تخفى و أن تصدعا
تِلكَ الضِفافُ على الفُراتِ كأنها *** فَلكٌ بِهِ نورُ الملائكِ جُمِعا
فيهِ الأحبةُ لا أُقيمُ بِدونها *** حَياً ويُغريني المماتُ وهم معا
آلا يا عِقالُ الريفِ ما حَالُ العبا *** قُليِّ وهل تركَ التَحالفُ مَقنعا
أني لأسألُ عن قِبابٍ شُيدت *** حتى تكونَ إلى البريةِ مَفزعا
ما حالُها ؟ ما حالكم زوارها *** إن بينكم من عاشَ نسألهُ الدُعاء
ما الكَرخُ ؟ ما حالُ الرصافةِ أهلينا *** ما حالُ جِسرٍ بالمُسيبِ هل وعى
هل أيقظتهُ قَنابلَ أم أنهُ *** للبَعثِ المُهيمنِ خاضِعا
ما حَالُ نخلاتِ الزُبيرِ أ اعذقُها *** يُعطي لفأسِ القَطعِ تمراً يانِعا
إني لأسألُ شَطكم و فُراتكم *** هل أن وَلدهُ يُطيقُ تَجرُعا
يا بصرةَ العُشاق ِ والهَجرِ الذي *** ملئ الجُفونَ مِنَ التشوق ِ ادمُعا
مازال عارفٌ بينكم بدمائهِ *** أم هل دفنتم رأسهُ المتصدعا
عِندَ المحاربِ هل تَناموا صِغاركم *** أم أنها تَقضي الليالي جُوعا
هل احضروا عَباسَ في أكفانِهِ *** أم انهُ مازالَ جُرحاً نازِعا
يا أمُ ليثٍ هل أعدتي شبابهُ *** بتميمةِ الحسنينِ من قَبلِ أن يُصرعا
فالبعثُ مَسعورُ الغليلِ مُعطشٌ *** فإذا احتسى ثبجاً أصابَ المَطمعا
يميتُ ظعنَ الراحلينَ لنصركم *** متشوقاً متفرقاً مُتمزِعا
أنفاسُ نفسي تستقيمُ و تنثني *** عِندَ الحُسين فلا أُطيقُ تطلُعا
خيلاءُ شعري لم يُخل مُتصاعداً *** إلا لكي يحظى بِكعبِكَ موضعا
أبا عبد الله لي في ثُراكَ لُبانةٌ مَحظورةٌ *** إذ أنها فَوقَ الأماني موقِعا
الخل تلهثُ خَلفَ حُسنِ صَبيةً *** وأنا المتيمُ بالجنادلِ يافِعا
يا كربلاء أجبي سؤالَ مُعذبٍ *** وأرى جُنوناً أن أُسائلَ بلقعا
و أنا الذي عَرفَ الجُنونِ وذاقهُ *** في حُبِ مثوى بالطفوفِ فأبدعا
أتُرى تَمِرُ على الحُسينِ سَكينةٌ *** و بِكُلِ مُحترفِ الشهامةِ مُفجعا
من يَومَ أن حَمَلَ الذبيحِ بِعُرسهِ *** لم يلقى أمناً بالعراق ِ ليهجعا
و يزيدُ يطلبهُ ويطلبُ أُختهُ *** ليقتُلَ فينا ثائراً أو مرجِعا
صَدرُ العِراقَ سَلِ الجِبالَ بِعلمهِ *** أن لم تكن أدنى وكان الأرفعا
صَدرُ العِراقَ سَلِ الفِجاجَ بِفكرهِ *** إن لم تكن ضاقت وكانَ الأوسعا
صَدرُ العِراقَ سَلِ الرياحَ بِعزمهِ *** إن لم يكن عِندَ الطُغاةِ زعازعا
صَدرُ العِراقَ سَلِ النَسيمَ بلطفهِ *** إن لم يَكن مِنهُ ارقُ أروعا
صَدرُ العِراقَ سَلِ العِراقَ بِفقدهِ *** إن لم يكن حَزناً يَتيماً ضائعا
جَاءُ بِهِ في خرقةُ و بليلة *** قد أُيقظَ الإسلامُ فيها مُفزعا
راماً على ذاكَ الكمالُ فؤادهُ *** فلقد بُلي من فقدهِ و تمزعا
ومشى ظِلالُ العِشق ِ خَلفَ سريرهِ *** فما كَانَ يُرضي البَعثَ حتى يُشيعا
سوى أنهُ عِندَ الإلهِ مُشيعٌ *** وخلفهُ طيبَ الأنبياءِ تضوعا
إذا شئتَ أن تبكي فقم مُتبسماً *** وإن شئتَ أن تَبسم فقم متفجعا
فو لله لا أدري وشعري حائرٌ *** أيضحكُ ثغراً أم يُصبِبُ ادمعا
إذا قلتُ قالَ الدمعُ أنتَ أرقتني *** وقد كنت أبغى أن يجُفَ ويُمنعا
فبنتُ الهدى فخراً أُريدُ بِصبرها *** واره لما قيلَ ذُلٍ لاذعا
لي مَطمعٌ في أن أطوفَ بلائها *** و لو لا الحياء لما تركتُ المَطمعا
هَتكُ الخُدورِ أقلُ مِما نابها *** أنا لا أقولُ فقد أُغيظُ السامِعا
صَدامُ يا صنمٌ تأله بل أرى *** إبليسَ فيهِ على العراق ِ تربعا
و إبليسُ مني غاضبٌ إذ *** أنني شبهتهُ بِكَ فستثيرَ و روعا
حَقٌ وشَيطانُ البريةِ غاضبٌ *** من أسمهِ إذ كان مِنهُ الأقذعا
أتُرى جرائمهُ تَضيقُ لشاعرٍ *** و قد أستباحَ فوالاً و مواجعا
من يَومَ أن مَلكَ العِراقَ و لَمْ يزل *** وادي السوادَ بمثلهِ مُتبرقِعا
و الشرُ يدعو بَعضهُ مُتفرقاً *** فيصيُرُ في أفكارهِ مُتجمِعا
ظُلماً أساً قتلاً أذناً فكأنها *** سَجْعٌ تَعاهُدها و لستُ الساجِعا
رَجلٌ على بيضِ الحَمامةِ حاقدٌ *** و أراهُ من حِلمِ الطفولةِ جازعا
دَخلَ الكويتَ و كانَ يرضعُ كَفها *** فنمت نواجِدهُ فعض المرضعا
أعطتهُ كي يبني الجيوشَ لمنعِها *** فبناء لها مِما تناولَ مَصرعا
عَجبٌ تَصاريفُ الزمانِ و ربكم *** من حَيثُ نَامَ الظالمونَ لهم وعا
فسعوا إلى قَتلِ السلامِ بِحربِهم *** فنجا السلامُ وكيدهمُ لهمُ سعا
و إذا المَهيِبُ تحوطهُ أحبابهُ *** تبغي يديهِ إلى القِصَاصِ لتُقطعا
و تسارعت لتُزيحهُ عن عرشهِ *** لكنَ شَعبَ الطَفِ كانَ الأسرعا
شَوكٌ مرابضهُ فثارَ مُغاضِباً *** و الليثُ ينهضُ غاضباً لو أُلدِعا
ضاقت مخارجهُ فَلَجَ بِعزمهِ *** سَمَ الخياطِ فصار باباً واسِعا
و الشَعبُ لو طَلَبَ النَجومَ بِفُلكِها *** لا تنهروهُ و صدقوهُ بِما أدعا
من نِقمتِ الجبارِ نِقمتِ صَدرهِ *** حَانٍ على شَرْعِ الكتابِ الأضلُعا
وَطَنُ الطفولةِ عينهُ و فؤادهُ *** و أنزع عيونهُ و الفؤادَ ليُنزعا
حُبُ العَدالةِ ربكمُ أرسى لهُ *** يا ظالمُونَ مع الجبالِ مواقعا
عَبث سُجونكمُ هَباٌ قمعكم *** هَيهاتَ أمرُ اللهِ أن يتراجعا
و الشَعبُ من نَبتِ الصحارى طَبعهُ *** لو زدتهُ ضَماً يَزيدُ تَرعرُعَا
بل كُلما أظلمتمُ آفاقهُ *** يزدادُ للضوءِ البعيدِ تطلُعا
ستروهُ يصنعُ بالعظامِ سُروجهُ *** و بِها يَصبُ دِماءهُ كي تَسطعا
ألمٌ بِكفهِ يستقيهِ و كُلما *** نَظرَ الخلاصَ ازدادَ مِنهُ تمتعا
أتراهُ تُثنيهِ الخُطوبُ و إن يكن *** جلادهُ قِببُ الطهارةِ ما رعا
قِببٌ تُحاذيها الملائكُ هَيبةً *** و يُذيقُها أبنُ العورتينِ المدفعا
بالأمسِ تُرمى بالسِهامِ نُعوشكم *** حتى تَشِطُ عَنِ النَبيِّ و ترجعا
و اليومَ ترمى باللهيبِ قِبابكم *** أمازالَ مروانٌ بِعائشةَ موقِعا
لا تتركوهُ فإنَ عائشةُ أُمُنا *** و إمامةُ الحَسنينِ مَذهبُ من وعا
لكنهُ ضَرَبَ الأُمورَ بِخبثهِ *** لما رأى سُلطانهُ مُتزعزعا
دينيةٌ قوميةٌ هي أمةٌ *** مِنها تبرى من رضا أن يركعا
عُمريةٌ عَلويةٌ هي شيعةٌ *** للعزِ طابَ لها أن تتشيعا
أملٌ يلوح وعَهدُ صفعتنا مضى *** و زَمانُ وحدتِنا آتى كي نصفعا
القَلبُ قَلبٌ والسواعدُ ساعداً *** هذا الخليجُ لنبي مأمنهُ معا
الشاعر غازي الحداد | ديوان الحزن المعشوق